الإثنين 30 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (..وَاضْرِبُوهُنَّ): العنف ضد الزوجة.. والمعاشرة بالمعروف! "11"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.  



خلال مداخلة هاتفية مع برنامج الحكاية يوم 31-1-2022، استنكرت الدكتورة مايا مرسى، رئيس المجلس القومى للمرأة، تصريحات عصام حجاج المحامى بالنقض، حول رفضه مشروع قانون مقدم لمجلس النواب عن تغليظ عقوبة ضرب الزوجات، وتأييده لضرب الزوج لزوجته بهدف التأديب بشرط ألا يكون الضرب مبرحًا.

ووصفت التصريحات على أنها تحريض على الضرب وإهانة المرأة: «اللى اتقال غير دستورى، الدستور يجرم الاعتداء على الإنسان سواء رجلاً أو مرأة، ومصطلح التأديب لم يرد فى القانون أو الدين».

مضيفة: «الاحترام بين الأزواج هو الحل لاستمرار العلاقة الزوجية، وحق سيدات مصر فى رقبة شيخ الأزهر إذا تم فهم تصريحه بحق الزوج فى تأديب زوجته بطريقة خاطئة».

وبعدها أثارت مداخلة الباحث إسلام البحيرى، الجدل فى نفس البرنامج، واعتباره الفتاوى المتعلقة بضرب الزوج لزوجته مخالفة للدستور، وأن القرآن الكريم لا يفسر نشوز المرأة أنها لم تستمع إلى كلام زوجها.

وأكد: «مع كامل الاحترام لشيخ الأزهر، كلامه خطأ وضد الدستور، ولا يوجد ما يسمى الضرب بشروط، والدستور أقوى من أى مؤسسة فى مصر».

مع أن شيخ الأزهر دعا فى رمضان 2019، إلى إلغاء ضرب الزوج لزوجته، وأوضح أن الشرع لا يأمر الزوج حتى مع زوجته الناشز أن يستخدم هذا العلاج، بل هو مباح، لك أن تأتيه أو أن تدعه، وقال النبى عليه الصلاة والسلام أن خياركم الذى لا يضرب، مؤكدًا أن لولى الأمر أن يقيد المباح إذا رأى أن هذا المباح فى بعض تطبيقاته يتسبب عليه ضرر.

وفى نوفمبر 2020م، أصدر شيخ الأزهر بيانًا بمناسبة الاحتفال باليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة، جاء فيه أن النبى عليه الصلاة والسلام علمنا أن النساء شقائق الرجال، وأوصى بالنساء خيرًا، فيجب احترامهن وتوقيرهن، وأكد فيه أن العنف ضد المرأة أو إهانتها بأى حال: «دليل فهم ناقص، أو جهل فاضح، أو قلة مروءة، وهو حرام شرعًا».

 نشوز الزوجة

ويرى البعض أنه لا وجود لأى مظهر من مظاهر العنف ضد المرأة فى القرآن، وأنه يجب إعادة قراءة وفهم الآية الوحيدة التى تعطى للزوج الحق فى ضرب زوجته: (..فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا..) النساء 34.

تبدأ الآية بالتفصيل فى مسئولية الرجال بالإنفاق والحكمة فى إدارة الأمور، ثم تتحدث عن حالة النشوز بالنسبة للزوجة، وتعطى الآية التوجيهات بطريقة تعامل الرجال مع هذه المشكلة الزوجية حسب ثلاث مراحل، أولًا محاولة التصالح بالكلام والموعظة، وثانيًا مرحلة الهجر فى المضاجع حيث يمتنع الزوج عن الدخول فى أى علاقة جسدية مع زوجته، وثالثًا تأتى حالة الضرب.

والنشوز قد يعنى الترفع أو التكبر أو التمرد، بمعنى أن الزوجة كثيرة التفاخر بحسبها ونسب أسرتها ولذلك فهى لا ترغب فى أى مشاركة جسدية مع زوجها ترفعًا عليه، كما أن النشوز هنا جاء فى مقابل الحفظ بالغيب، ويعنى التفريط بالغيب والذى قد يعنى أنها فضلت رجلًا آخر على زوجها، وخوف الزوج لا يعنى مجرد وسوسة النفس بل يعنى رجحان احتمال الخيانة بالنسبة لها مما يبعث بالخوف فى قلب الزوج.

 نشوز الزوج:

والنشوز كما يحدث من المرأة يحدث أيضًا من الرجل، قال عنه تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء 128، وهنا خوف المرأة من أن يتكبر زوجها عليها أو يعرض عنها بعدم النوم معها، وتخاف المرأة أيضًا من خيانة زوجها لها مع امرأة أخرى.

والسياق الذى نزلت فيه الآية 34 من سورة النساء، هو مجيء امرأة إلى النبى عليه الصلاة والسلام تشكى سوء معاملة زوجها، فكان رده عليه الصلاة والسلام أنه أعطى لها حق القصاص بأن تعاقب زوجها بمثل ما عوقبت به.

وذلك فى رواية حبيبة زوجة سعد بن الربيع، جاءت للرسول تشكو زوجها الذى لطمها: «فقال أبوها: يا رسول الله، أفرشته كريمتى فلطمها، فقال عليه الصلاة والسلام: لتقتص من زوجها، فانصرفت مع أبيها لتقتص منه، فقال عليه الصلاة والسلام: ارجعوا هذا جبريل أتانى فأنزل الله: (الرجال قوامون على النساء)، فقال عليه الصلاة والسلام: أردنا أمرًا وأراد الله غيره، ونقض الحكم الأول». 

لقد أوحى تعالى إلى النبى عليه الصلاة والسلام بالآية التى تبدو أنها تعارض القرار الذى اتخذه عليه الصلاة والسلام ليمنع من خلاله أى معاملة سيئة للنساء، غير أن الوحى قام بتطبيق طريقته القائمة على التدرج فى التغيير، فالقرآن احترم النظام الاجتماعى السائد فى رؤيته للمرأة، ولم يسمح بسوء معاملة النساء، ويأتى هذا الموقف انتقاليًا ليهيئ الظروف للتغير التدريجى، فى حين كان حكم النبى عليه الصلاة والسلام يقدم حلًا جذريًا كان من الممكن أن يتسبب فى ردود فعل غير معلوم نتائجها، ولذلك فإن حكمة الله يبقى لها نفس الهدف، وإن جاءت مختلفة فى التطبيق عن الحل الذى قدمه النبى عليه الصلاة والسلام.

إن رؤية القرآن الكريم للمؤسسة الزوجية رؤية تدعو للاحترام المتبادل بين الزوجين، والتى تخير الأزواج بين العيش فى سكينة وسعادة، أو الافتراق بالإحسان والمعروف: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة 229.

لقد رفض النبى عليه الصلاة والسلام العنف ضد النساء، والكثير من الأحاديث التى تدين كل أشكال العنف التى يقوم بها الرجال، ولذلك حرص النبى عليه الصلاة والسلام على توجيه المسلمين فى معاملة زوجاتهم، مثل الحديث الذى رواه الترمذى وابن ماجه: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».

معانى للضرب:

لقد حدث جدل كبير حول قوله تعالى (واضربوهن)، فكلمة ضرب التى اشتق منها كلمة اضربوهن، تكررت أكثر من عشرين مرة فى القرآن بمعانى مختلفة: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا) النحل 75، بمعنى أعطى المثل، (يَضْرِبُونَ فِى الأرْضِ) المزمل 20، بمعنى يسعون للعمل والرزق، (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) النور 31، بمعنى الدق على الأرض بكعب الحذاء مثلًا للفت الأنظار. 

والضرب بمعنى الإيذاء جاء فى القرآن مرتبطًا بطريقة تنفيذه، قال تعالى: (فصكت وجهها)، بمعنى ضربت أو لطمت بيديها على كل الوجه، وقوله تعالى: (فوكزه موسى)، بمعنى ضربه أو لكمه باليد.

وفى صحيح البخارى قال النبى عليه الصلاة والسلام: «أيضرِب أحدكم امرأته كما يضرِب العبد، ثم يجامعها فى آخر اليوم»، وفى سنن أبى داود حديث إياس بن عبد الله أن النبى عليه الصلاة والسلام قال: «لا تضربوا إماء الله»، فهل يمكن أن ينهى عليه الصلاة والسلام عما أمر الله به؟.

 تفسير الضرب:

إن الاتجاه الحالى هو تفسير معنى الضرب بالابتعاد والترك، وهو ما يتفق مع تصرف النبى عليه الصلاة والسلام فى قصة الهجر، والتى بينت الروايات التى جاءت فى الصحيح أن أزواج النبى اجتمعن واتفقن على أن يشتكين له من قلة النفقة وشظف العيش، فأتوه مجتمعات فلما رأى النبى عليه الصلاة والسلام هذا الاجتماع وهذه الشكوى بهذه الطريقة غضب وحلف بالله أن لا يدخل عليهن شهرًا  كاملًا. 

تحديد طريقة الضرب:

إن القرآن الكريم يتحدث عن عقوبة الزنا ويحدد له مائة جلدة: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) النور 2، فيستعمل كلمة الجلد للضرب وليس كلمة الضرب فقط، فيحدد أن الضرب يكون بالجلد وليس بالعصا التى قد تؤدى إلى الكسر.

ثم إنه تعالى يأمر بأن يكون الجلد فى مشهد طائفة من المؤمنين: (..وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور 2، حيث يضطر الحاكم أن يعلن حكمه وأسبابه وأدلته ليكون العذاب بعيدًا عن الغرف المغلقة دفعًا لشبهة الظلم، فكيف يسمح للزوج حين الغضب بضرب زوجته فى الغرف المغلقة وبدون أن يحدد نوع أداة الضرب ولا عدد الضربات؟.

كما يأمر تعالى فى سورة النور بضرب الذين يشهدون على امرأة بالزنا دون أن يكملوا أربعة شهود فيتحقق كذبهم: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً..) النور 4، فكيف يأذن للأزواج أن يضربوا زوجاتهم فى بيوتهم؟، وجود هذه التساؤلات، معناه وجود فهم خاطئ للآيات.

إن البعض من الرجال يفترض أن الله تعالى سمح لهم بضرب زوجاتهم لأى سبب، ولذلك يجب فهم معنى (وَاضْرِبُوهُنَّ) بما ينسجم مع نظام القواعد الإنسانية لمكارم الأخلاق، حيث يتم فهم مصطلح الضرب بمعنی آخر أكثر عمقًا، مما يجعلنا نعيد فهم القرآن الكريم ونتدبره بالقواعد التى بداخله، وإن كان الأمر فى كل الأحوال لا يمكن أن يؤدى إلى تبرير العنف والضرب مهما كان رمزيًا.