الأحد 17 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إنهاء الغزو الرقمى لفتاوى التطرف .. الأزهر يرفض إضفاء قدسية على الآراء الفقهية.. ويعتبره سببا لتجميد ‏حركة «التجديد» مطالب بتجديد فقهى يواكب العصر

يُعد التجديدُ فى الفقه الإسلامى وإحياء روح البحث وحرية استنباط واستنطاق النصوص الشرعية وتفسيرها أهم القضايا التى أخذت مجالا واسعًا فى النقاش تمتد إلى عصور سابقة، غير أنها قد تظهر بطابع فردى، فى ظل محاولات لرفض الاستسلام للتقليد.



ومما لا شك فيه؛ فإن تجديد الفقه الإسلامى بات أمرًا ضروريًا، تفرضه المتغيرات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية؛ خصوصًا أنّ تراث الفقه الإسلامى يحمل بين طياته فتاوَى لا تصلح لزماننا؛ بل وتختلف معه وتؤدى إلى إشكاليات كبيرة.

 

مسألة تجديد التراث الفقهى تبنّاه الأزهر الشريف وأعلن عن الاجتهاد فيه، وهو ما بينه شيخ الأزهر د.«أحمد الطيب» فى تصريحات سابقة بقوله: «لا ينبغى ‏تقديس التراث الفقهى، أو مساواته بالشريعة»؛ بل وأوضح: إن إضفاء قدسية الشريعة على اجتهادات فقهائنا السابقين، واستدعاء ‏‏فتاواهم وآرائهم التى قالوها يُعد معوقًا آخر ‏لعب دورًا خطيرًا فى تجميد ‏حركة «التجديد»،.. لافتًا إلى أن عملية التجديد فى شريعة الله، صناعة علمية بالغة الدقة لا يحسنها إلا الراسخون فى العلم، وقد طلب الأزهر فى هذه المادة غير المؤهلين تجنّب الخوض فى هذا الموضوع؛ حتى لا يتحول التجديد إلى ما يشبه محاولة للتدمير والتبديد.

من جهته شدد  د.«محمد الضوينى» وكيل الأزهر، أن عصرنا الراهن شهد تطورات كثيرة فى جميع المجالات ‏العلمية ‏والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، نشأت عنها ‏كثير من ‏المستجدات والقضايا التى لم تكن موجودة من قبل فى تراثنا ‏الفقهى، ‏وهذا يؤكد ضرورة وجود اجتهاد جماعى متعدد الرؤى، من ‏خلال ‏علماء المجامع الفقهية من جميع الدول الإسلامية بعيدًا ‏عن ‏الاجتهادات الفردية.‏

وطالب بوجود ما يسمى «الفتوَى الواعية» أو ‏‏«الفتوَى الرشيدة»، وهى ‏تلك الفتوَى التى تنظر إلى الشريعة ‏الصالحة لكل زمان ومكان، وما ‏أنتج حولها من تراث ثرى، ولا ‏تغمض فى الوقت نفسه عينها عن ‏واقع الناس، وحركة حياتهم.

د.«عبدالله النجار» عضو مجمع البحوث الإسلامية شدد من جانبه على أهمية دراسة الفقه على نحو جديد، وقال: «إن منهج الفقه المقارن أصبح بحاجة إلى تجديد، فدراسة الفقه المذهبى يمكن أن تشكل عقلية عصرية، أعنى بذلك الفقه المقارن بمذاهبه المختلفة، فلا يمكن أن أعزل الدراسات القانونية عن الدراسات الفقهية، هذا المفهوم يجب أن يتغير، ويجب أن تكون الدراسة شاملة لكل الآراء الفقهية».

وأكد أن مجمع البحوث أكبر هيئة علمية فى أول مؤتمر له منذ قرابة ستين عامًا قد نبّه على حفظ الدين بالإفتاء الجماعى، فجاء فى قراره الأول سنة 1962 م أن القرآن والسُّنة النبوية الشريفة هما مصدرا الأحكام الشرعية، وأن السبيل لمواجهة الحوادث المتجددة ومراعاة المصالح أن يتخيّر المفتى من بين الأحكام الفقهية، والمفتى إذا لم يقدر على تصور موضوع الفتوَى فلن يقدر على الوصول إلى المنهج الصحيح.

الجوائح ومفردات الفقه

فيما يرى الدكتور «أحمد بن عبدالعزيز الحداد» مدير إدارة الإفتاء، عضو مجلس الإمارات للإفتاء الشرعى، أن الرؤية الفقهية المعاصرة تتطلب أن يكون موضوع الجوائح من مفردات الفقه المهمة التى يتعين أن تكون العناية بها كافية، لما لها من تفصيلات دقيقة، وتحقيقات أنيقة، وتنزيل مسائله على وقائع الجوائح يحتاج دقة فى الفهم وعمقًا فى التأصيل، 

نقطة مهمة يشير إليها الدكتور «محمد مصطفى الياقوتى» وزير الأوقاف السودانى الأسبق فى قضية التجديد الفقهى، وهى تطبيقات مقاصد الشريعة؛ حيث يوضح إن الأقدمين لم ينصوا على تعريف مقاصد الشريعة تعريفًا محددًا إلا أنهم ذكروا مضمون ذلك؛ فقد أبانوا عن الكليات المقاصدية الخمس: (حفظ الدين والنفس والعقل والنسل -أو النسب- والمال)، وذكروا المصالح ضرورية وحاجية وتحسينية.

واستعرض عدة تطبيقات على مراعاة مقصد النفس فى الفتوَى فى الجوائح، منها: تعطيل صلاة الجماعة للجائحة، وهذا لا يتعارض مع اتفاق العلماء على القول بمشروعيتها؛ ولهذا فقد رأت عامة دُور الإفتاء القول بجواز غلق المساجد فى ظلال جائحة كورونا مراعاةً لمقصد حفظ النفس، وممن فقد أفتَى بذلك: هيئة كبار العلماء بمصر، وهيئة كبار العلماء بالسعودية، وغيرهما. ومن أهم مستنداتهم التى رُوى فيها هذا المقصد عمومات الأدلة التى تدل على اليسر ورفع المشقة والترخص؛ كقاعدة: «لا ضرر ولا ضرار»، أو: «الضرر يُزال».

 وأكد على عدة نتائج، منها: أهمية العناية بمقاصد الشريعة فى الفتوَى، لا سيما فى الجوائح، مع ضرورة التنبه إلى الفرق بين ترتيب المقاصد الإجمالى، والمفاضلة بين تفاصيلها، فضلًا عن مراعاة مقصد حفظ النفس الذى هو أحد الضروريات الخمس يؤدى بنا إلى نتائج فقهية مهمة.. لافتا إلى ضرورة استقراء فتاوَى المتقدمين فى زمن الجوائح التى بنوها بالأساس على المقاصد، وكذلك النظر فى تطبيقات المقاصد الأربعة الأخرى فى زمن الجوائح.

التجديد سمة الشريعة

الدكتور «عباس شومان» وكيل الأزهر السابق، كانت له رؤية مفصلة حول التجديد الفقهى؛ حيث أكد على أن التجديد سمة من سمات شريعتنا، إلا أنه يرى أنه لا يمكن أن يأتى التجديد إلا بالاجتهاد، وقال: «لا يمكن للشريعة الإسلامية أن تساير حياة الناس ولا أن تحقق متطلباتهم من دون التجديد ولا يمكن أن يتوقف التجديد فى عصر من العصور فى انتظار مجدد بعد مائة عام، فهى عملية دائمة مستمرة، هذه هى شريعتنا، والتجديد سمة من سماتها ولذلك تركت أحكام الفروع كلها تحتمل الخلاف، هذا مقصود فى شريعتنا.

واستطرد: «الإسلام نفسه دين متجدد حتى فى طريقة وصوله للناس، كما أنه فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم كيف نُسخت أحكام وجىء بأحكام أخرى فى فترة قصيرة من عمر الناس، أقل من ربع قرن من الزمان إذا نظرنا إلى أحكام كثيرة تبدلت فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم، وفى البداية كان ينهى رسولنا صلى الله عليه وسلم الناس عن كتابة السُّنة فكان يقول: (لا تكتبوا عنّى غير القرآن، ومن كتب عنّى شيئا غير القرآن فليمحه)، وإنما فعل ذلك خشية أن يختلط القرآن بالسُّنة،، وحين اطمأن إلى قدرة صحابته رضوان الله عليهم وهم أهل فصاحة وبيان على التفريق بين القرآن والسُّنة أذِن لهم بتدوين السُّنة لزوال علة المنع؛ حيث إن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فالأمر المرفوض أصبح مأذونًا فيه، وهذا تجديد.

أضاف شومان: أن التجديد ضرورة نُحثّ على إتقان أدواته واكتساب الإقدام عليه وعدم التهيب منه للحفاظ على شريعتنا من الجمود.