الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أبونضارة.. الفنان الشامل صاحب الجولة الأولى للكاريكاتير المصرى

أبونضارة.. الفنان الشامل صاحب الجولة الأولى للكاريكاتير المصرى
أبونضارة.. الفنان الشامل صاحب الجولة الأولى للكاريكاتير المصرى


 
يشهد يوم 7 أغسطس 1878 ميلاد الكاريكاتير فى الصحف المصرية!
 
صحيح أنه رسم بيد رسام فرنسى وكتب تعليقه أحد الشوام المتفرنسين وطبع بباريس.. ولكن كل ذلك كان وراءه أبونضارة أهم رائد للصحافة المصرية «يعقوب صنوع».
 
ولد يعقوب صنوع فى حى باب الشعرية بالقاهرة لأبوين يدينان باليهودية فى عام 1839لكنه درس الأديان السماوية كلها اليهودية والمسيحية والإسلام، وكان آخر إصداراته الصحفية فى باريس صحيفة العالم الإسلامى باللغة الفرنسية.
ويعقوب صنوع حكاية مصرية عجيبة فهو رائد للمسرح المصرى ولقبه الخديو بموليير مصر وهو المترجم الذى يجيد اثنتى عشرة لغة وهو الممثل وعازف الفلوت الذى يجيد الرسم والرقص ويعطى دروسا فى كل شىء.
 
ثم هو - وهذا ما يعنينا فى هذه الدراسة - رائد من رواد الصحافة المصرية الساخرة بمجلته الشهيرة «أبونظارة زرقا» والتى أصدرها فى مصر عام 1877 قبلها أصدر مجلة «البعوضة» باللغة الفرنسية، وكان فعلا يقرص مثل البعوضة، ثم النظارة باللغة الإيطالية ثم الثرثار المصرى، باللغة العامية المصرية.
 
ولقد صدر من مجلة «أبونظارة زرقا» خمسة عشر عددا والمجلة غير موجودة على الإطلاق، فقد تم إحراق كل نسخها قبل أن ينفى إلى باريس فى عهد الخديو إسماعيل الذى ناصبه صنوع عداء لا يهدأ.
 
وكانت المجلة بلا رسوم وتطبع بطريقة الطبع البارز بتجميع الحروف وهى طريقة الطباعة السائدة فى مصر فى ذلك الزمان.
 
وفى باريس ورغم الضائقة المالية التى كان يعانيها أصدر بعد شهور قليلة من وصوله إلى فرنسا أول إصداراته الباريسية وإن كانت موجهة فى الأساس إلى مصر وتعنى بالشأن المصرى وسماها «رحلة أبونظارة زرقا الولى من مصر القاهرة إلى باريز الفاخرة» وكان ذلك يوم السابع من أغسطس عام 1878 ولأول مرة يتم رسم كاريكاتير على غلاف مجلة أو جريدة مصرية وتتم طباعتها بطريقة «الليثوغراف» وهى الطباعة على الحجر، والطريف أن هذه الطريقة هى الأساس فيما يسمى الآن بطباعة الأوفست أو الطباعة المسطحة، ولكن فى الزمن الماضى كانت تتم بصعوبة شديدة ومن خطاطين ورسامين مدربين على استخدام الريشة والفرشاة فى الرسم المباشر على الحجر، حيث لا توجد فرصة للخطأ، وحيث يتأثر السطح الطباعى بأى مادة دهنية حتى لو كانت بصمة إصبع.. ولقد مارست هذه الطريقة بنفسى فى كلية الفنون وكنت الطالب الوحيد الذى يدرس هذه الطريقة عمليا وليس نظريا فى مادة تاريخ الطباعة.
 
وهذه الطريقة مكنت صنوع من الاستعانة برسوم الكاريكاتير وكانت الصحف الأوروبية والأمريكية ينتشر بها هذا النوع من الرسوم المعبرة التى توضح موقفا سياسيا أو اجتماعيا فى أسلوب ساخر.
 
وكان يعقوب صنوع هو مبتكر الشخصيات وفكرة الرسوم وكان الرسام عليه التعبير عن الفكرة فى خطوط غلب عليها التأثر الشديد بالفنان الأمريكى «توماس ناست» والفنان الفرنسى الأشهر هونريه دومييه.. وإن تفاوتت جودة الرسم من عدد إلى آخر ومن فترة إلى أخرى حسب قدرات الرسام.
 
وفى تلك المجلة هاجم صنوع الخديو إسماعيل ومن بعده ولده توفيق هجوما شرسا وكان يشتهر بتطرفه فى الهجاء وتطرفه أيضا فى المدح.
 
وكان رغم وجوده فى باريس يمثل لسان حال المصريين فى ظل اضطراب الأحوال السياسية والاقتصادية، وانصب أغلب الكاريكاتير على تصوير استغلال الخديو للشعب وإرهاقه ماديا وصور الفلاح المصرى وأسماه أبوالغلب وصوره فى شكل لا يختلف كثيرا عن الفلاح المصرى التقليدى وابتكر أيضا شخصيات مثل أبوشادوف وأبوقصعة، وكان يرمز بهما للشعب المصرى، وسمى الخديو إسماعيل بشيخ الحارة وأطلق على الخديو توفيق الواد الأهبل وأحيانا يسميه توفيق وأشار فى أحد أزجاله بالمجلة إلى سلوكه الشاذ الذى حاول التاريخ طمسه.
 
بينما تحمس كثيرا للبرنس حليم الابن الأصغر لمحمد على الكبير وكان يود أن يتولى الخديوية لما عرف عنه من سعة أفق ووطنية.
 
وعندما تولى الأريكة الخديوية توفيق بعد عزل والده من حكم مصر برشوة للباب العالى فى الآستانة استمر صنوع فى شحذ همم المصريين للثورة على توفيق والأوضاع السيئة التى كانت سائدة فى مصر وأصبح لها تأثير سلبى على الوضع الاجتماعى والأخلاقى ويظهر ذلك فى أزجال صنوع التى كان يستخدم فيها ألفاظا بذيئة غير قابلة للنشر وهو مبتكر تعبير «شرم برم حالى غلبان» والتى استخدمها فيما بعد بيرم التونسى وصلاح جاهين فى أزجالهما.
 
وفى عام 1881 تقوم الثورة العرابية وكان صنوع من أشد مؤيديها، بل إنه احتفظ بتواصله مع الزعيم أحمد عرابى حتى أثناء فترة نفيه فى سيلان.
ويذكر أن صنوع حذر عرابى من احتمالية الاحتلال الإنجليزى لمصر عام .1882
 
كذلك أيد الثورة المهدية فى السودان والتى استمرت من عام 1881 حتى 1891 ورسم بجريدته كاريكاتورات تؤيد الدراويش وهو ما يطلق على أنصار المهدى، وفى أحد تلك الرسوم يتم رسم كادرات متتابعة أشبه بالاستربس «الرسوم القصصية المصورة».
 
ويتوفى توفيق عام 1892 ويتولى الخديوية عباس حلمى الثانى، وكانت الأمية فى ذلك الوقت فى مصر تبلغ 5,91٪، ومع ذلك كان المصريون يتلهفون على مجلات أبونظارة زرقا التى تأتيهم من وراء البحار بحيل طريفة نظرا لحظرها ومنعها من دخول مصر، لذلك ظل صنوع يغير فى أسماء الإصدارات تهربا من تلك الرقابة والحظر حتى إنه هرب آلاف النسخ فى مرتبة سرير ومخدتين!
 
وكان لأبونظارة دور مهم فى الدعوة للحزب الوطنى والزعيم مصطفى كامل حتى تأسس الحزب بالفعل عام 1907وهناك ملحوظة أن رسوم الكاريكاتير كانت تتناول فقط الأشخاص المهاجمين، بينما يتم رسم الأشخاص المرضى عنهم رسما كلاسيكيا واقعيا وكأن هناك ارتباطا بين الكاريكاتير والسخرية من الأشخاص.
 
بعدها أصدر «النظارات المصرية» وكان عددها الأول فى 16 سبتمبر 1879 وصدر من تلك المجلة بهذا الاسم عشرة أعداد أتبعها بمجلة «أبوصفارة» ثم «أبوزمارة» وصدرت بتاريخ 4 يونيو 1880 ولم يصدر منها سوى ثلاثة أعداد فقط، ويتبعها بـ«الحاوى» وصدرت يوم 5 فبراير 1881 ويعود من جديد إلى اسم «أبونظارة زرقا» فى 19 يناير .1883
 
ويصدر «الوطنى المصرى» فى 29 سبتمبر 1883 لعددين فقط.
 
وفى 10 يناير 1885 يصدر المجلة باسم «أبونظارة مصر للمصريين» وتستمر هذه المجلة طوال 26 عاما وحتى عام .1910
 
وجدير بالذكر أنه فى عام 1905 استخدم فى طباعة المجلة الحروف والطباعة البارزة وكانت رسوم الكاريكاتير بها يتم حفرها على المعدن «كليشيه» ولكنه عاد مرة أخرى إلى الطباعة الحجرية «المسطحة»، وكذلك استخدم الألوان فى غلاف المجلة عام 1894 لعدد قليل من الإصدارات وأصدر أيضا «التودد» عام 1888 و«المنصف» عام 1899 فى ذلك الوقت كانت تصدر بالقاهرة مجلة فكاهية باسم «حمارة منيتى» ولقد أشاد بها صنوع فى أحد مقالاته عام .1905
 
ويذكر أن جميع إصدارات يعقوب صنوع الباريسية كانت متشابهة فى التبويب والمحتوى وأسلوب الطباعة وأحيانا كثيرة القطع الطباعى ونوعية الورق ودائما كان الغلاف أحد الرسوم الكاريكاتورية والتى عادة ما تكون انعكاسا للوضع السياسى.
 
وتوقف صنوع عن الإصدارات عام 1910 بعدما شعر أن الصحافة الفكاهية الساخرة فى مصر أخذت فى النمو خاصة أنها ملتصقة بالحدث وأصبحت أكثر تعبيرا عن حال المجتمع المصرى.
 
وودع صنوع الحياة عام 1912 بعد حياة حافلة وضع أثناءها اللبنة الأولى فى فن الكاريكاتير فى الصحافة المصرية.
 
 
رحلة أبو نظارة زرقا أول إصدارات صنوع فى باريس ولأول مرة يظهر الكاريكاتير
 
فى الصحافة المصرية والرسم يجمع بين شخصية الفلاح المصرى أبو الغلب وصنوع والخديوىإسماعيل وكان يطلق عليه شيخ الحارة راكعا تحت أقدامه يطلب العفو عما يفعله بالمصريين ويتوسل إليه أن يكف عنه الهجوم الشرس.. بالرسم قيمة تعبيرية حيث رسم اسماعيل بحجم صغير رغم أنه كان فى الحقيقة بدينبالرسم حوار طويل جدا ذكرنى ببعض رسوم أيامنا الحالية.
 
تم التعبير عن مصر ببقرة ترتدى النمس الفرعونى «سنرى كيف تطورت شخصية مصر الكاريكاتورية فى قادم الفصول» الواد الأهبل «الخديوى توفيق» يمسك رأس البقرة ورياض باشا رئيس الوزراء «وكان يسميه أبو ريضة» يحلبها لصالح الإنجليز والفرنسيين «كان صنوع معاديا دائما للإنجليز بينما يبدى إعجابا ومحبة لفرنسا واتخذ من شعار الثورة الفرنسية- الحرية والإخاء والمساواة- شعارا لبعض صحفه.
أيد صنوع الثورة العرابية ودافع عنها وكانت له علاقات بالزعيم أحمد عرابى حتى بعد نفيه إلى سيلان وكان قد حذره من نية إنجلترا احتلال مصر.. «الرسم ضعيف والخطوط مفككة وإن ظهرت ملامح عرابى بشكل واضح»
 
الواد - وهو الخديوى توفيق وكان يسميه أحيانا توقيف- يجلس على الزنطرية «القصرية» يرفض سفوف المعالج المداوى وعينه على الحقنة فى أيد أبوه الخديوى إسماعيل.. هذا الرسم بالإضافة إلى المادة المكتوبة الصريحة كانت إشارة إلى سلوك شاذ لتوفيق.. الرسم به قوة عكس بعض الرسوم الضعيفة والاختلاف يرجع لتبدل العديد من الرسامين على رسم غلاف الجريدة ومنهم الناشر والرسام مارتان «يلاحظ التأثر الشديد برسوم الرسام الأمريكى توماس ناست».