موجة حارة.. بوادر صراع سياسى جديد يضرب مسار العلاقات بين البلدين قصة المبادرة التى أشعلت نار الخلاف مجددا بين إثيوبيا والسودان!
هدي المصري
بوادر صراع سياسى جديد يضرب مسار العلاقات السودانية الإثيوبية المضطربة، بعد رفض الأخيرة وساطة الخرطوم بشأن الأزمة فى إقليم التيجراى واستدعاء السودان مؤخرًا سفيرها فى أديس أبابا للتشاور بشأن الاتهامات الإثيوبية الموجهة إليها بأنها تلعب دورًا فى النزاع الدائر فى الإقليم الإثيوبى.
طرف غير محايد
قرار استدعاء السفير السودانى جاء على خلفية تصريحات صحفية لدينا مفتى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية وتصريحات مثيلة للمسئولة الإعلامية لمكتب رئيس الوزراء فى أديس أبابا، بلينى سيوم عن رفض الحكومة الإثيوبية للوساطة السودانية مع حكومة التيجراى بزعم أن السودان طرف ليس له مصداقية والادعاء بأن السودان مازال يحتل أراضى إثيوبية بقوة السلاح، لذلك فهو طرف غير محايد.
هذه ليست المرة الأولى التى يتم فيها استدعاء سفير السودان لدى إثيوبيا، فسبق أن تم استدعاؤه فى فبراير الماضى بعد تصاعد الأزمة بين البلدين بسبب التطورات فى الفشقة الحدودية.
أزمة اللاجئين
لكن يبدو أن خطوة استدعاء السفير السودانى هذه المرة ستكون لها تداعياتها فى ضوء التطورات الراهنة، وتصريحات الخارجية السودانية مؤخرًا عن تجاوز إثيوبيا لحقائق خلافاتها مع الخرطوم بشأن الحدود بين البلدين وملء السد الإثيوبى، بالإضافة إلى المعاناة الاقتصادية التى يكابدها الخرطوم جراء التأثيرات السلبية للنزاع فى إقليم التيجراى خاصة فيما يتعلق بملف اللاجئين الذين تتزايد أعدادهم بشكل يومى.
فبعد أيام قليلة من بث وكالة أنباء السودان الرسمية خبرًا، يشير إلى أن الخرطوم طلبت من أديس أبابا تزويدها بألف ميجاوات من الكهرباء، وهى حصة تمثل خمسة أضعاف ما تحصل عليه السودان الآن (200 ميجا وات).
تصريحات عدائية
جاء الرفض الإثيوبى مصحوبا بتصريحات عدائية، لعرض رئيس الوزراء السودانى عبدالله حمدوك الوساطة بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيجراى لحل الأزمة المستعصية بينهما، وهى المبادرة التى طرحها حمدوك فى نهاية يوليو الماضى بحكم أنه رئيس هيئة «إيقاد» المعنية بإيجاد تسويات سياسية للمشكلات المتفاقمة فى منطقة القرن الأفريقى، ووافقت عليها إثيوبيا مبدئياً قبل أن تعود وترفضها عبر مسئولين كبار فى الدولة.
الجانب الإثيوبى أرجع رفضه للوساطة السودانية التى جاءت بعد زيارات واتصالات أمريكية سودانية مكثفة، إلى أن السودان دولة غير مؤهلة لطرح مبادرة لوقف إطلاق النار من واقع عدم حيادها واحتلالها لأراضٍ إثيوبية.
بيان شديد اللهجة
فى مقابل ذلك، اتخذ رد فعل الخرطوم نهج التصعيد، إذ لم تقف وزارة الخارجية السودانية عند حد استنكار التصريحات الإثيوبية وتفنيدها، بل مضت أكثر من ذلك، عندما استدعت سفيرها لدى إثيوبيا بصورة عاجلة إلى الخرطوم بغرض التشاور حول التطورات فى الموقف الرسمى الإثيوبى الجديد.
وردًا على الهجوم العنيف على السودان والذى شنه رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد عبر المتحدثة الصحفية باسمه ورفض مبادرة الإيقاد التى يترأسها حمدوك، جاء بيان وزارة الخارجية السودانية شديد اللهجة، مؤكدًا أن إيحاء إثيوبيا بلعب السودان دوراً فى النزاع فى الإقليم الإثيوبى وادعاء الاحتلال، هو استمرارٌ لما درجت عليه إثيوبيا من تجاوز الحقائق فى علاقتها بالسودان.
وأوضح البيان أن ذلك ترويج لمزاعم لا تملك لها سنداً، ولا تقوم إلا على أطماع دوائر فى الحكومة الإثيوبية لا تتورع عن الفعل الضار لتحقيقها.
كما أضاف أن اهتمام السودان بحل نزاع إقليم تيجراى هو جزءٌ من التزامه بالسلام والاستقرار الإقليمى، مشيرًا إلى أنه لم تتوقف جهود السودان بحكم مسئوليته، وسيواصل الدفع باتجاه إيجاد حل للنزاع فى إثيوبيا.
انتصارات التيجراى
يأتى هذا التصعيد بين البلدين بالتزامن مع تواتر الأنباء التى تشير إلى قرب سيطرة قوات دفاع التيجراى على مدينة نيفاس ميوشا داخل العمق الأمهرى، وأيضًا السيطرة على مدينة ويريتا الإثيوبية، وهى المدينة الاستراتيجية التى يقع بها الطريق الرئيسى الرابط ما بين بحر دار عاصمة الإقليم الأمهرى وجوندار العاصمة التاريخية لإثيوبيا.
وذلك بعد أن حققت قوات دفاع تيجراى، انتصارات متتالية على الجيش الفيدرالى الإثيوبى فى جميع جبهات القتال خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث بدأت المدن الأمهرية تسقط واحدة تلو الأخرى فى أيديها.
فقد استولت قوات دفاع تيجراى على مناطق استراتيجية بالداخل الإثيوبى تمتد عبر 175 كم من مدينة ولديا وحتى قاشينا على جبهة «دبرتابور»، بعد طرد القوات الإثيوبية منها.
كما تمكنت خلال المعارك اللاحقة، على مدار الأسبوع الماضى من تدمير كتائب «تدروس» و«اباى» التابعة لقوة أمهرا الخاصة، وميليشيات فانو وفرقة المشاة 21 التابعة للجيش الإثيوبى ووحدات الكوماندوز للسيطرة على بلدات مثل مدينة لاليبيلا التاريخية.
فيما يسعى التيجراى حاليا إلى استمالة بعض الأقاليم التى اتخذت موقف الحياد منذ بداية الصراع مع الحكومة الإثيوبية، وتشكيل جبهة قوية موحدة على غرار الجبهة الثورية التى أسقطت حكم منجستو هايلى ماريام فى إثيوبيا فى تسعينيات القرن الماضى.
جثث طافية
مما يعنى أن حكومة آبى أحمد فى موقف لا تحسد عليه، ولاسيما بعد مشاهد الصور الأخيرة لعشرات الجثث الطافية التى حملها نهر سيتيت - النهر الفاصل بين إثيوبيا والسودان - والذى يتدفق إلى ولاية كسلا السودانية من شمال إثيوبيا، بعضها قتل بأعيرة نارية والأخرى كانت لأشخاص قيدت أيديهم وأرجلهم وهم مدنيون فروا من الحرب فى التيجراى، وقد وصل تأثير صور هذه الجثث إلى أوروبا لتشكل بدورها إدانة جديدة للنظام الإثيوبى، حيث تحدثت عنها وسائل الإعلام الغربية باعتبارها واحدة من جرائم الحرب الأكثر بشاعة خلال السنوات الأخيرة.
فقد كانت الجثث الطافية منتفخة، وجافة ومشوهة فى كثير من الأحيان، وكانت الأعضاء التناسلية مقطوعة، والعينان، والأطراف مفقودة، كما وجد الصيادون السودانيون الذين رصدوا هذه الجثث واللاجئون من تيجراى الذين ساعدوا فى سحبها إلى الشاطئ، أيدى العديد منها مقيدة.
وهو الأمر الذى يفسر دوافع الهجوم الأخير على الجارة السودان التى فضحت تلك الجريمة، فضلاً عن محاولات آبى أحمد تخفيف الضغط الداخلى الواقع عليه بمحاولة استعراض جديدة برفضه مبادرة رئيس الإيقاد ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك لحل النزاع فى إقليم تيجراى وإرسال رسائل محددة لشحن مؤيديه، وذلك رغم زيارة وفد إثيوبى الخرطوم مؤخرًا ومحاولة استمالته مجددًا بشأن قضية السد الإثيوبى، بعقد اتفاقات مبدئية حول استيراد السودان لألف ميجا وات من الكهرباء الإثيوبية.
السد جوهر الخلاف
بالإضافة إلى ذلك تشير الكثير من المعطيات إلى أن التصريحات الإثيوبية العدائية الأخيرة تجاه الخرطوم تعد محاولة من الجانب الإثيوبى للضغط على السودان لتغيير موقفها بشأن السد الإثيوبى، هذا إلى جانب أزمة الفشقة الحدودية والتى ظلت موردًا اقتصاديًا ضخمًا للإثيوبيين لمدة الثلاثين عامًا الماضية، وخروجها من أيديهم أصاب اقتصاد إقليم الأمهرة بالكساد خاصة مع خروج منطقة «رايا» التى استعادها التيجراى قبل أسابيع قليلة، ما أدى إلى محدودية الأراضى الصالحة للزراعة لديهم.
فأى محاولة للإثيوبيين للزراعة فى الفشقة هو انتحار فى ظل التمركز القوى للقوات المسلحة السودانية.
وقد أفصح آبى أحمد مؤخرًا أمام وسائل الإعلام عن نواياه الحقيقية نحو السودان، عندما قال: نحن نواجه تحديًا فى سد النهضة وتحديًا فى التيجراى، وتحديًا فى الحدود.
وكان يقصد ويشير إلى أن السودان احتل الفشقة الإثيوبية وطرد منها مزارعى إثيوبيا.
فلأول مرة منذ تاريخ النزاع الممتد بين البلدين لأكثر من 120 عامًا تتمركز قوات مسلحة سودانية بقوة على الحدود الشرقية، وهدفها فقط إيقاف التوغل الإثيوبى وحماية أراضى الفشقة وتأمينها للمزارعين السودانيين، الذين بدأوا بالفعل فى مزاولة نشاطهم الزراعى تحت حماية الجيش السودانى.
فمازالت الأجواء مشحونة بين الطرفين على الحدود، حيث تشهد المنطقة انتشارًا أمنيًا كثيفًا بسبب هجمات الميليشيات الإثيوبية المتكررة والمدعومة من الحكومة على المزارعين السودانيين، على الرغم من اتفاق قادة عسكريين فى الجانبين فى العشرين من يونيه على تهدئة الأوضاع الأمنية على الشريط الحدودى وترحيل خلافات الحدود إلى القيادة السياسية للبلدين.
وهو ما جعل السودان تلجأ إلى إغلاق المعبر الحدودى بينها وبين إثيوبيا، خلال شهر يوليو الماضى فى أعقاب اقتياد ميليشيات إثيوبية قائد منطقة «القلابات» العسكرية.
مأساة على الحدود
وبالإضافة إلى الحشد العسكرى للبلدين على الحدود الشرقية وأزمة أرض الفشقة التى تحاول أديس أبابا أن تضمها إليها بالقوة العسكرية، فإن الخرطوم أصبحت أكثر المتضررين من الصراع فى إثيوبيا.
فالسودان يعد أكبر دولة بها عدد من اللاجئين الإثيوبيين، وبات يعانى إنسانيًا واقتصاديًا جراء نزوح موجات متتالية من اللاجئين إليه هربًا من الحرب هناك، إذ إن عدد اللاجئين الإثيوبيين الذين عبروا الحدود خلال فترة الحرب يتجاوز الـ(100) ألف لاجئ تمت استضافتهم فى معسكرات بولايتى كسلا والقضارف.
وبعد موجة اللجوء الأخيرة، أصبحت ولاية القضارف السودانية -التى لا يتجاوز عدد سكانها مليونى نسمة- تستضيف 3 من قوميات إثيوبيا المتناحرة هم التيجراى والكومنت والقُمز، إلى جانب لاجئين إريتريين يصلون إلى الحدود باستمرار.
ومنذ نوفمبر الماضى فر نحو 60 ألف لاجئ من إقليم تيجراى إلى السودان المجاور، ومؤخرًا استقبل مركز اللاجئين بولاية القضارف ﺍﻟﻤﺤﺎﺫﻳﺔ ﻹﺛﻴﻮﺑﻴﺎ ﺷﺮقى ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ أكثر من 3 الف لاجئ إثيوبى فى يوم واحد.
لهذه الأسباب تتحسب السلطات السودانية باستمرار من موجات لجوء جديدة تشمل آلاف الإثيوبيين إلى مناطقها المحاذية لإثيوبيا، وفى هذا الصدد ﺃﻋﻠﻦ ﻣﺴئﻭﻝ سودانى ﻣﺤلى ﺑﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻘﻀﺎﺭﻑ مؤخرًا عن ﺍﻓﺘﺘﺎﺡ ﻣﻌﺴﻜﺮ ﺟﺪﻳﺪ ﻹﻳﻮﺍﺀ ﺁﻻﻑ ﺍﻟﻼﺟﺌﻴﻦ ﺍﻟﻔﺎﺭﻳﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ فى ﺑﻼﺩﻫﻢ.
ﻭﻳﻌﺪ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ هو ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻪ ﺑﻌﺪ ﺍﻛﺘﻈﺎﻅ ﻣﺨﻴﻤﺎﺕ ﺃﻧﺸﺌﺖ فى ﻛﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻼﺑﺎﺕ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻭﺍﻟﻄﻨﻴﺪﺑﺔ ﻭأﻡ ﺭﺍﻛﻮﺑﺔ بالسودان.
ﻭﺃﺷﺎﺭ ﺍﻟﻤﺴئﻭﻝ السودانى ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺳﻴﺨﺼﺺ ﻟﻘﻮﻣﻴتى ﺍﻟﻘﻤﺰ ﻭﺍﻟﻜﻮﻣﻨﺖ، ﻭﻳﺴﺘﻮﻋﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ 2500 ﻻﺟﺊ.
ﻭﻳﻘﻊ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ فى ﻣﺤﻠﻴﺔ ﺑﺎﺳﻨﺪﺓ ﺍﻟﻤﺤﺎﺫﻳﺔ ﻹﻗﻠﻴﻢ ﺍﻷﻣﻬﺮﺍ ﺍﻹﺛﻴﻮبى ﺑﺤﺪﻭﺩ ﺗﺒﻠﻎ 120 ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘﺮًا.
كما أعلن المسئول السودانى أﻥ «ﻫﻨﺎﻟﻚ 50 ﺃﻟﻒ ﻻﺟﺊ فى ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﻠﻴﺔ ﺑﺎﺳﻨﺪة التى تقع بولاية القضارف فى شرق السودان داخل منطقة الفشقة، ﻗﺎﺩﻣﻴﻦ ﻣﻦ 7 ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺑﺈﻗﻠﻴﻢ ﺍﻷﻣﻬﺮﺍ ﻭﺃﻓﺎﺩ ﺑﺄﻥ ﻣﻮﺟﺔ ﺍﻟﻨﺰﻭﺡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﺳﺒﺒﻬﺎ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﺍﻷﻣﻨﻴﺔ والعمليات العسكرية ﺑﻴﻦ ﻗﻮﻣﻴﺎﺕ ﺍﻟﻜﻮﻣﻨﺖ ﻭﺍﻷﻣﻬﺮﺍ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻤﺰ ﻭﺍﻷﻣﻬﺮﺍ ﻣﻦ جهة ﺃﺧﺮﻯ.
ﻭﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻣﺤﻠﻴﺔ ﺑﺎﺳﻨﺪﺓ ﺗُﻌﺎنى ﻣﻦ ﻧﻘﺺ ﺣﺎﺩ فى ﻣﻴﺎﻩ ﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﻣﻌﺪﺍﺕ ﺍﻹﻳﻮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻐﺬﺍﺀ، ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﺄﺧﺮ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺎﻧﺤﻴﻦ ﻋﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﺨﺪﻣﺎﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ.
كارثة صحية
وعلى صعيد آخر، حذرت منظمة «أطباء بلا حدود» الدولية منذ أيام قليلة من انتشار فيروس الالتهاب الكبدى بين مخيمات اللاجئين الإثيوبيين بولايتى كسلا والقضارف فى شرق السودان.
وأكدت فى بيان لها أن مخيم أم راكوبة «يسجل حاليا يوميا 15 إصابة بالالتهاب الكبدى E».