تعلمت من سيرة روزاليوسف معنى التحدى فى التصوير الصحفى: مهنة المعدات الثقيلة "بأيدٍ ناعمة"
سماح زيدان
أتذكر خطواتى الأولى إلى «روزاليوسف».. وسؤالى أول ما سمعت اسمها: من تكون تلك السيدة التى سُمى باسمها أحد أهم الإصدارات الصحفية.. من وقتها لم أنس حلمى بالالتحاق بها كمصورة صحفية رغم معرفتى بصعوبة ذلك المجال وثقل معدات التصوير، ما جعل الانطباع الدائم عنها أنها «للرجال فقط».. لم يكن الطريق سهلاً، ولكن كان الحلم كبيرًا.
تفاصيل كثيرة جعلتنى أبحث حينها عن «روزاليوسف»؛ وأحلم أن أكون أحد أفراد ذلك الكيان، بل أحد أبنائه المميزين.. فمنذ تخرجى فى جامعة عين شمس عام 2013 قررت أن أبحث عن وسيلة تواصل بمؤسسة «روزاليوسف» فكنت حديثة التخرج وليس لدىّ أي علاقات فى الوسط الصحفى؛ فقررت أن أرسل رسالة أطلب فيها تدريبى فى «روزاليوسف».
لم أتوقع وقتها الرد، لكنى فوجئت بالرد على طلبى لألتحق بالتدريب.
فى تلك اللحظات تذكرت البداية مع جدتى -رحمة الله عليها- التى ربتنى منذ سنواتى الأولى فى الحياة.. وأصرت على تسليحى بالتعليم لأخوض معركة الحياة بقوة.. التى تشبه كثيرًا السيدة الفريدة «روزاليوسف» التى تعلمت كثيرًا من سيرتها واكتسبت مزيدًا من الإصرار لمواصلة ما أحب.
كان حلم الالتحاق بـ«روزاليوسف» فى السنة الثالثة من دراستى بقسم الإعلام فى جامعة عين شمس، وحين كنا ندرس إحدى المواد تناولنا بالدراسة المؤسسات الصحفية.. وعلقت فى ذهنى مؤسسة «روزاليوسف».. إلى أن غادرت المحاضرة وقررت أن أقرأ عن مؤسسة «روزاليوسف» وسبب تسميتها وعرفت أن من أنشأت هذا الدار العريقة هى تلك السيدة التى آمنت بفكرتها وأيقنت فى قدرتها على التنفيذ.
كانت الحياة العملية تختلف كثيرًا عن الدراسة وكان لدىّ إصرار على الاختلاف والتميز فبدأت العمل بصحافة الفيديو؛ فكنت أنا البداية بدخول هذا النوع الجديد من التغطيات حينها لمؤسسة «روزاليوسف».. بالطبع كانت بدايات غير احترافية، لكنى كنت أحرص على التطور والتعلم وكنت أجرب أن أتميز بتغطية قصة شاملة بالتصوير والكتابة وتصوير الفيديو والمونتاج.
كان لدىّ تحديات مادية كبيرة لتطوير نفسى من حيث متطلبات العمل الذى شغفت به سواء كاميرات أو عدسات أو «لاب توب حديث» أستطيع من خلاله تعديل الصور وتشغيل برنامج مونتاج جيد.
فترة الجامعة فارقة بالنسبة لى؛ حيث كنت محظوظة بأساتذة الجامعة الذين كانوا دائمى التأكيد على مفهوم الصحفى الشامل أثناء دراستنا بشكل عملى ونظرى، وكانت أبرزهم الدكتورة رشا قمحاوى فكنت أتعجب لإصرارها على تعليمنا متطلبات العمل بشكل مكثف وبتفانٍ عظيم فى إيصال المعلومات والتدريب.
بداية شغفى بالتصوير الصحفى كان من خلال نزولى المظاهرات وقت حكم الإخوان وكنت أملك كاميرا صغيرة أوثق بها ما يحدث وكنت حينها لاأزال طالبة جامعية رأيت فى الصورة والفيديو قوة رائعة على التوثيق وبعد أن تخرجت فى الجامعة والتحقت بمؤسسة «روزاليوسف» فكرت فى تطوير نفسى فى هذا النطاق فبدأت فى العمل بتغطية ما يطلب منى فى الموقع من صور وأقوم بتنفيذ أفكارى أيضًا على نحو متكامل وأردت إثبات نفسى فى مجال القصص المصورة المتعلقة بتفاصيل حياة المواطن البسيط، والأحداث الاجتماعية والسياسية التى نعيشها.. بدأت العمل فى بوابة «روزاليوسف» كمتدربة منذ ثمانى سنوات إلى أن أصبحت رئيسة قسم التصوير، وللمفارقة كنت أول من فاز بجائزة فى تاريخ نقابة الصحفيين فى فرع صحافة الفيديو عام2018 منذ بداية إدراج الفيديو فى مسابقات النقابة.
لم تكن الحياه وردية منذ بدأت، فقد عملت سنوات دون تعيين وغطاء نقابى ودون راتب يحقق ما أحلم به فى تطوير معداتى وصعوبات كثيرة تواجهنى فى التحرك لمواقع الأحداث فى وسائل المواصلات؛ حيث يتطلب منى الذهاب للعمل ساعة ونصف الساعة متنقلة فى أكثر من ثلاث مواصلات وتعرضت لمضايقات كونى أنثى.. فأصل إلى العمل مشحونة بطاقة تعب وغضب قبل أن أبدأ عملى.. لكن فور أن أمسك بكاميرتى« روز» وأبدأ فى العمل على أن أنسى كل شىء مؤقتا حتى أنهى مهمتى.
عملت فى الكثير من المواقع الصحفية بجانب عملى فى مؤسسة «روزاليوسف» وقررت ألا أهتم بشىء سوى بتطوير الكاميرات والعدسات فلا مجال لشراء الملابس والماكياج يكفينى فقط إيمانى الداخلى بنفسى.
فكرت كثيرًا فى قرض بنكى يساعدنى فى تطوير معداتى إلى حد يساعدنى على الوجود فى تغطيات كأس الأمم الإفريقية، حيث يتطلب التصوير الرياضى عدسات احترافية يبدأ سعرها من 30 ألف جنيه.. فكنت شغوفة بالتواجد فى هذا الحدث الرائع الذى نظمته مصر بشكل مذهل.
نقطة البداية
بدايتى فى التصوير الرياضى كانت فى استاد برج العرب بمباراة القمة بين الأهلى والزمالك وكان يومها المطر غزيرًا وتحضيرات للسفر فى هذا الطقس مع أول يوم للتصوير الرياضى الذى يختلف كثيرًا عن أى تصوير آخر من حيث مشقة حمل المعدات والذهاب قبل المباريات بثلاث ساعات خاصة فى تغطية بطولة أمم إفريقيا، فكنت أستثمر الوقت فى التواجد بين الجماهير والخروج بقصص صحفية نوعية مختلفة نظرًا لوجود جماهير من أغلب دول إفريقيا فكنت أنسى التعب وأواصل العمل بشغف.
التصوير الصحفى أكثر شىء أجد به شغفى فلا يمنعنى كونى أنثى من الدخول فى أى حدث مهما بلغت صعوبته، فمن تجاربى التى لا أنساها أنى ظللت ثلاث سنوات أحاول إقناع فتيات يعملن بمصانع الطوب فى رشيد أن أغطى يومهم ومعاناتهم فى العمل فكن يجدن حرجًا كبيرًا فى الظهور الإعلامى.
ومن الأحداث التى لا أنساها أنى تعرضت للموت أثناء تغطية إحدى مظاهرات الإخوان بالمطرية مع زميل مصور بمنطقة عين شمس وأوقفه مجموعة من البلطجية الموجودين بالمولوتوف لتأمين المسيرة وتهجموا عليه لأنه يحمل كارنيه التليفزيون المصرى وقررت ألا أتركه فذهبت أتحدث معهم وحدثت مشادات كادت تودى بحياتنا باستخدام أعناق زجاجات مكسورة وإلقاء الحجارة والمولوتوف علينا من أعلى كوبرى كانت باقى المسيرة تمشى عليه.. كان ذلك قبل وفاة الزميلة ميادة أشرف بأسبوع.
وتحطمت عدسة الكاميرا أيضًا فى تغطية أخرى وكلفنى ذلك عطلة عن العمل إلى أن اشتريت واحدة أخرى.. وفى بطولة أمم إفريقيا كان عدد المصورين الرجال أكثر وهم أقوى وأطول منا والحصول على مكان بينهم والمنافسة فى اقتناص اللقطات كان أمرًا فى غاية الصعوبة، لكنها كانت تترك لدىّ شعورًا رائعًا بالفرحة والإصرار على الإنجاز.
علاقتى بالكاميرا
لا أعتبر كاميراتى مجرد آلات، لكنها أبنائى أرى روحى داخلها تسرى وتنبض بالحياة.. فلدىّ الكاميرا الأولى : «روز» أول كاميرا اقتنيتها عام 2013 فأسميتها على اسم «روزاليوسف» ولدىّ الكاميرا الثانية «حياة» والعدسات «حلم» و«فرح» و«ليلى».. حملها فى جميع الأحداث والتحرك بها فى المواصلات له ثقل مرهق، ولكنى بعد تغطية كل حدث أشكرها لأنها بمثابة عينى التى أرى بها الحياة، وأتمنى أن أجول بها جميع أرجاء مصر للتصوير، بل جميع أرجاء العالم.