قالت إن أجرها عن أهم أدوارها يعادل بقشيش عامل باركينج الآن: صفية العمرى: دور الهانم.. زهقنى!

هاجر عثمان
هى هانم الدراما المصرية وسفيرة الفن المصرى «نازك السلحدار» تلك الشخصية التى فُتن بها الجمهور العربى من الخليج للمحيط، ينادونها بـ«نازك هانم» حتى بعد مرور ثلاثين عامًا على إذاعة مسلسل (ليالى الحلمية)..الفنانة القديرة «صفية العمرى» صاحبة الرصيد الفنى الكبير والمميز والذى يتجاوز 103 أفلام من علامات السينما المصرية، والتى احتضنتها الشاشة الصغيرة بكلاسيكيات درامية تخطف عيون المشاهد ليومنا هذا؛ وبعد غياب أربع سنوات عن الشاشة تعود «صفية العمرى» فى الفيلم القصير (كان لك معايا) تأليف وإخراج «روجينا بسالى»، والذى تدور أحداثه فى إطار رومانسى عن قصة حب بين رجل وامرأة، تمنعهما الظروف من الزواج، ويفترقان ثم يلتقيان من جديد بعد وصولها لسن المعاش ويتفقان على الزواج، وفى ليلة العرس تحدث مفاجأة.. عن هذا الفيلم وتلك العودة كانت بداية الحوار:
ما سر شغفك بالأفلام القصيرة؟
- السر هو حماسى الشديد للعمل مع المخرجين الشباب، لتميزهم بأفكار ورؤى جديدة تتوافق مع أسلوب عملى القائم على روح الهواية والتى تجعلنى أغوص فى الفيلم، فضلا عن أن الأفلام القصيرة تُعطينى مساحة درامية هائلة ومختلفة، حيث تجعل الممثل فى تحدِ مع نفسه وتجريب أشكال متنوعة من التمثيل. ففى فيلم (خمسة جنيه) جذبتنى فكرة الحديث عن مرض «الزهايمر»، بينما حدوتة (كان لك معايا) شديدة الرومانسية والعذوبة، وقد لاقى الفيلم استحسانًا نقديًا كبيرًا بعد عرضه الخاص فى ظل اتباع الإجراءات الاحترازية، وأتمنى عرضه قريبًا للجمهور.
مالذى جذبك لشخصية «ليلى» فى الفيلم؟
- «ليلى» شخصية مختلفة شكًلا وموضوعًا، عندما شاهدت الفيلم كامًلا لأول مرة على الشاشة بالعرض الخاص، اندهشت وتساءلت من هذه التى تظهر على الشاشة؟! شخصية لا أعرفها، عكسى تمامًا ودور لا يُشبه نهائيًا أدوارى السابقة. «ليلى» شخصية مركبة لديها مشاعر وأحاسيس متنوعة، حتى على مستوى الشكل الخارجى لا تعتمد على الجمال؛ سيدة ممتلئة الوزن، تظهر بدون ماكياج فى معظم أحداث الفيلم وشعرها غير مصفف ومنطلق بشكل عشوائى. وكل هذه الصفات والتفاصيل الجديدة بالشخصية هى ما دفعتنى للنزول من بيتى وقبول الدور، لأنها لون جديد على صفية العمرى بعيدًا عن الشخصية النمطية للهانم التى «زهقتنى» ودائمًا ما أستقبل أدوارًا فى إطارها.
لماذا غبت عن الشاشة أربع سنوات؟
- كانت النصوص المعروضة لا تُناسبنى، وأتساءل أين النصوص التى تُكتبت لكل الأعمار وتتناول قضايا مختلفة! أتمنى قراءة نص يتناول النماذج الإيجابية المشرفة للمرأة المصرية مثل؛ بطلات القطاع الطبى فى محاربة كورونا، طبيبات وممرضات وعاملات بالمستشفيات، المرأة العاملة المكافحة التى تعمل وتربى أطفالًا سواء كانوا معاقين أو أصحاء أو أيتام؛ فهى تلعب دورًا مزدوجًا من المسئوليات لتكون (أب وأم)! المرأة فى السلك الدبلوماسى والنيابى والشرطى؟! أين هذه النماذج من الشاشة؟! فنحن لا نركز فى أعمالنا الفنية الآن إلا على السلبيات!
كانت لك تصريحات تلومين فيها افتقارنا لنصوص لفئة الـgrand كتلك التى تكتب للفنانة العالمية «ميريل ستريب»؟
- مظبوط جدًا، قابلت «ستريب» من سنوات فى إحدى حفلات توزيع الجولدن جلوب، وبدعابة قلت لها: «أنا مُشفقة عليك من كم الجوائز والأوسكار التى تحصلين عليها». حقيقى شىء مؤسف هذه المساحة الشاغرة فى النصوص الدرامية بمصر المكتوبة للمُمثيلن! « محدش مهتم بها خالص» رغم امتلاكنا لفنانين عظام يستطيعون حمل أفلام ومسلسلات كاملة، لأن الممثل عندما يكبر سنًا عطاؤه يصل للنضج الفنى، ويحمل خبرة سنوات طويلة ولكنه ينتظر النص الجيد! ولنا فى شخصية «انطونى هوبكنز» العام الماضى بفيلم (الأب) عِبرة!
فيلم (كان لك معايا) إنتاج المركز القومى للسينما.. فى رأيك ما مدى أهمية عودة الدولة للإنتاج ودعمها للسينما ؟
- متفائلة بنشاط المركز القومى للسينما هذه الفترة خاصة تحت إدارة الفنان والمبدع السيناريست «محمد الباسوسى»، وعلمت أن المركز أنتج العديد من الأفلام مؤخرًا ولكن يؤسفنى غياب الضوء الإعلامى عنها، ودعم الدولة مهم لشباب المخرجين والمواهب الجديدة، ونأمل الكثير من المركز مستقبًلا.
كم مرة فى حياتك قلت لشخص «كان لك معايا».. وهل أنتِ شخصية رومانسية، لأننا نلاحظك دائمًا السفيرة الجادة أو الهانم القوية؟
- (تضحك) والله ماقلتها لحد! ولكن أقولها يوميًا لكل الأشخاص الذين أثروا فى حياتي؛ كل المخرجين، الكتاب، الممثلين الموجودين أو الراحلين الذين شاركتهم أعمالا فنية فى هذا الزمن الجميل بدءًا من مكتشفى العظيم المنتج «رمسيس نجيب»، المخرج «صلاح أبوسيف» واختياره لى فى فيلمين (البداية والمواطن مصرى)، الأستاذ «يوسف شاهين» وتجربتى معه فى (المهاجر والمصير)، الأستاذ «أسامة أنور عكاشة» والمخرج «إسماعيل عبدالحافظ» وآخرين كُثر. كان مشوارًا طويلًا فخورة بكل محطاته، جميعهم كان لهم معايا أجمل حكاية فى العمر كله!.. وهذه الشخصية الرصينة الجادة تختبئ خلفها إنسانة خجولة جدًا، لست جريئة ولا منطلقة، ولكن عملى كسفيرة يتطلب بعض الجدية لطبيعة القضايا الإنسانية والقاسية التى ندافع عنها. لكن أنا رومانسية وبحب أم كلثوم جدًا.
لو عدنا للحديث عن أبرز محطاتك الفنية فى مشوارك.. نازك هانم السلحدار.. فى رأيك ما سر النجاح الساحق لهذه الشخصية ليجعل الجمهور يناديك باسمها حتى بعد مرور 30 سنة؟
- (ليالى الحلمية) عمل أسطورى لن يتكرر، «فين الناس اللى تكتب مسلسل دلوقتى زى الحلمية؟!» نحن نعيش عصر تمصير الروايات الأجنبية سواء البرازيلى أو الإيطالى ليخرج نص غريب عن بلده ولا يشبهنا!، لكن أين هو الكاتب الأديب الذى يرصد التغيرات التى يشهدها مجتمعه سياسيًا، اقتصاديًا، ثقافيًا، واجتماعيًا؟! و«نازك السلحدار» شخصية أشبعتنى تمثيلًا! عشت فيها مراحل عمرية مختلفة بأجزائها الخمسة، من الصبا للكهولة، بشخصيات متنوعة ومركبة للغاية حيث الحبيبة الرومانسية، الزوجة العصبية، المتصابية المزواجة والخرفة الكهلة. «نازك» كانت تحمل كمًا من المشاعر لا يحصى، وضعت فيها كل طاقتى، لذا خرجت بهذا الصدق الذى تعلق به الجمهور حتى الآن.
لم تذكرى الجزء السادس من (ليالى الحلمية)؟
- لا أريد الحديث عنه تمامًا، هو عمل غير موجود فى حياتى أصًلا لأتحدث عنه، أسُقطه تمامًا من حساباتى وتاريخى الفنى وأرغب فى نسيانه، لإنِنى خُدعت فى هذا العمل. «أنا عملت مسلسل اسمه ليالى الحلمية لكن لم يكن لي علاقه به!»
قدمت الكثير من الشخصيات القوية.. ما هى نقطة القوة فى تمثيلك؟
- النص أوًلا، وأنا محظوظة بالعمل مع عمالقة الكتابة والإخراج، ثم الدور، ثالثًا دراستى ومعايشتى للشخصية، تحويلها من مجرد حروف مكتوبة إلى شخصية من لحم ودم. كنت أتخيل طريقة كلامها وحركتها وانفعالاتها الداخلية، وكذلك أرسم لها شكلًا خارجيًا كاملًا، شخصية «نازك السلحدار» و«شهرت» كنت أرسم فساتينهما بنفسى للخياط الخاص بى وليس التابع للتليفزيون، وكذلك هذه «التربونات» والإكسسوارات التى كانت ترتديها «نازك» صنعتها بيدى، هل تعتقدين أن قطاع الإنتاج «الغلبان» والذى رغم ذلك أنتج أعظم المسلسلات المصرية كان يستطيع الإنفاق على هذه الملابس والقبعات؟! لم يكن لدينا «ستايلست» للمسلسل مثلما يُوجد الآن، كان لا يهمنى استخدام فساتينى الشخصية المُعرضة للتلف بأحد المشاهد. نحن جيل حفرنا فى الصخر فعًلا لحبنا فى المهنة والتمثيل.
هل ترين أن نجومية الجيل الحالى جاءت بالصدفة؟!
- إلى حد كبير، الوصول للنجومية فى هذا الجيل أصبح سهًلا جدًا، خاليًا من التعب الذى عشناه فى جيلنا!، ولكن أنا سعيدة بهذا المجهود وتلك السنين التى أخلصنا فيها لكل دور نقدمه للمشاهدين وجعلناه يعيش فى وجدانهم حتى اليوم.
هل ظلمتم فى الأجور.. بالمقارنة بأجور نجوم اليوم ؟
- (تضحك) اتظلمنا بس.! «مكنش فى أجور أصًلا جيلنا بياخدها». أظن أجرى فى (ليالى الحلمية) يعادل بقشيش عامل الباركينج الآن. «هل تتخيلى أن كل فساتين واكسسوارات شخصية «نازك السلحدار» والقبعات الشهيرة لـ«شُهرت رستم» فى (هوانم جاردن سيتى)، اشتريتها من حسابى الشخصى بتكلفة وصلت لـ 350 دولارًا للقبعة الواحدة من أشهر بيوت الأزيار العالمية بأمريكا؟!» وفى المقابل حصلنا على أجور ملاليم؟! لم أبخل على شخصياتى بآخر جنيه فى جيبي! تخيلى لأبرهن لك عن حبنا للتمثيل بغض النظر عن الأجور الهزيلة، أنِنى نسيت رفع أجرى مع كل جزء جديد بـ(ليالى الحلمية)، وعندما جاء مسلسل (هوانم جاردن سيتى) فوجئت بممثلات أصغر منى يحصلن على أجر أعلى، وعندما سألت، أجابوا بأننى لم أرفع أجرى من أول جزء فى (ليالى الحلمية)!
هل أصبح لدينا الآن أجور وانحسار فى الإبداع؟
- ليس كذلك، لقد شاهدت مسلسل (الاختيار) كان عملًا جيدًا على مستوى الكتابة والتمثيل، هذا هو مستوى الأعمال التى تسعدنى المشاركة فيها، وكذلك مسلسلات وأفلام المخرجة «كاملة أبو ذكرى» رائعة، وهى مخرجة واعية ولها رؤية فنية مميزة، وليست من النوع التجارى الذى يقدم «أى توليفة وخلاص !».
صرحت سابقًا برفضك التمثيل فى أفلام ومسلسلات تضج بالعنف والبلطجة؟
- قصدت تلك الأفلام المليئة بالعنف غير المبرر، لكن لو هناك دور بلطجى موظف دراميًا بالعمل هذا طبيعى، ولكن أكره العنف بصوره المختلفة والترويج له فى الأفلام بصورة غير معالجة دراميًا، كيف أشجع أفلامًا تنشر البلطجة وأنا أعمل كسفيرة تحارب جميع أشكال العنف سواء ضد المرأة أو الطفل.
فى فيلمك الأول (العذاب فوق شفاه تبتسم) عام 1978، نشب خلاف بينك وبين المخرج «حسن الإمام» لرفضك ارتداء ملابس عارية وأداء مشاهد ساخنة.. هل كان ذلك بداية لمصطلح السينما النظيفة الذى ظهر قبل 20 عامًا؟
- أولا أرفض مصطلح السينما النظيفة، كلمة مخيفة وصعبة. وبالمناسبة رفضت (العذاب فوق شفاه تبتسم) ثلاث مرات، لأننى لم أرغب فى الظهور لأول مرة على شاشة السينما بدور زوجة خائنة، ولكن المنتج «رمسيس نجيب» أقنعنى آنذاك. والصدام مع مخرج الروائع «حسن الإمام» كان لرغبته فى أن يصنع منى نسخة مكررة من العظيمة «هند رستم»، وأقوم بأداء الشخصية بشكل يقوم على الإغراء والإثارة، بينما حرصت على تقديمها بمنظور مختلف كزوجة شابة لرجل عجوز تركها مع صديقه الذئب، فرفضت تقديمها بالمنظور التقليدى الرخيص للزوجة الخائنة والذى يقدم عادة على الشاشة، لأنها لم تكن كذلك، هى امرأة وحيدة محرومة من المشاعر ولديها فراغ عاطفى بسبب غياب الزوج. وبالفعل عندما حدث الصدام ورفضت طلبات «حسن الإمام»، ذهبت للشكوى للمنتج «رمسيس نجيب» وكان يحضر التصوير، وفوجئت به يقتنع بوجهة نظرى ويطلب من المخرج أن يتركنى لأداء الشخصية بمشاعرى، وبالفعل قدمتها بملابس محتشمة جدًا ونجحت الشخصية.
ما رأيك فى الفنانين الذين يفرضون شروطًا لتكون أعمالهم فى شكل معين «محافظ»؟
- «الفن ماله ومال الكلام ده».. الفنانون الذين يرون أن الفن حرام يلتزمون فى منازلهم، ويتركون الفن لأهله، أنا حزينة لسماع هذا الكلام عن الفن وعلى لسان فنانين!
لعبتِ دورًا صغيرًا فى (المهاجر) مع «يوسف شاهين» رغم كونك حينذاك نجمة؟
- قابلت «شاهين» عن قرب لأول مرة فى مهرجان جربا بتونس، تحدثنا كثيرًا عن السينما، وسافرت بعدها لأمريكا، وفوجئت باتصاله قائًلا: «عندى دور صغير لو قبلتيه هكون سعيد لو اعتذرتى مش هزعل»، كانت إجابتى «لو همثل جملة واحدة فى فيلمك هيكون لى شرف الدخول فى مدرسة شاهين»! وقرأت السيناريو وأعجبت بالشخصية ورسمت لها شكل الشعر العشوائى وطريقة ملابسها، وكانت تجربة ناجحة تأكدت بالخطوة الثانية فى فيلم (المصير) زوجة ابن رشد، وبالمناسبة وزنى كان زائدًا حقيقة فى الفيلم، الأستاذ طلب منى أن يكون فطارى وغدائى وعشائى مكرونة، لأصبح ممتلئة وأناسب شخصية زوجة ابن رشد، ذات المطبخ المفتوح دائمًا لتلاميذه وأصدقائه، وأنا فخورة بالفيلمين.
سأطرح عليك بعض الأسماء وتعلقين عليها فى جملة قصيرة.
- أحمد زكى: أرجو أن يجود الزمن يومًا ما بفنان مِثله، فنان عظيم معجون بالتمثيل.
نادية لطفي: يدق قلبى بمجرد ذكر اسمها! سيدة جميلة، صاحبة طلة سينمائية مميزة، فنانة مثقفة ولها دور وطنى كبير سواء فى مصر أو بيروت، ولن أنسى ثقتها فى وترشيحها لى فى فيلم (أبدًا لن أعود).
رشدى أباظة: برنس السينما المصرية. وأندهش من غياب فنان بقيمته عن التكريمات بالمهرجانات وعدم تخصيص قاعة باسمه! حقه مهدر مثل كثير من الفنانين الراحلين.
هنرى بركات: من أهم مخرجى السينما المصرية وصاحب بصمة كبيرة بأفلامه التى نعيش معها لليوم. حقيقى فخورة ومحظوظة لعملى مع هؤلاء الكبار.وليس حظ الصدفة أو لشكلى الحلو، ولكن لكفاحى حتى أثبت نفسى تمثيليًا وأقنعت المخرجين العظام للعمل بأفلامهم.
صلاح السعدنى: (تضحك) سليمان غانم.. عمدة التمثيل فى مصر !
يحيى الفخرانى: أستاذ متمكن من أدواته، يعطى طاقة تمثيلية هائلة لكل من يقف أمامه.