السبت 10 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الخوف.. خيانـة!

الخوف.. خيانـة!
الخوف.. خيانـة!


تفجيرات ودماء، قتلة وشهداء، أشلاء وحطام سيارات.. هذه هى ملامح المشهد الذى يريده الإرهابيون لمصر، وللأسف تملك الخوف من البعض، رغم أن الإرهابيين لجئوا لهذه الجرائم الدموية اعترافا بخوفهم من نهايتهم التى أصبحت قريبة جدا، ويكتمل مثلث الخوف فى مصر الآن بخوف الشرطة من أى انكسار جديد خاصة أن اتهامات عودة الدولة البوليسية تحاصرهم من ثوار يناير ومن الإخوان وحلفائهم!
 
«روزاليوسف» ترصد حالة مثلث الخوف لتؤكد أن البقاء بإحساس (الأمان الثورى) هو الأمل، ولن يخيفنا الإرهابيون خاصة أنهم مرعوبون!
 
«هبة العيسوى» أستاذ الطب النفسى بكلية الطب جامعة عين شمس تحلل لنا الحالة التى نعانى منها بقولها: نعيش فى عصر من المخاوف الاجتماعية باختلاف صورها وأنواعها، ومنها هذه الصور الثلاث لأضلاع مثلث الخوف سواء التيارات الإسلامية وعلى رأسها الإخوانوالشرطة والمواطن البسيط، وأضافت أنها ترى أن الجماعات الدينية ليس لديها تخوف من الشرطة، بل هى التى تقوم بتصدير الخوف للآخر وترهبه، هذا الآخر الذى يمثل المجتمع بشكل عام أو من لا يتفق مع هذه التيارات المتأسلمة ويتبنى موقفها يصبح آخر، وتستهدف من تصدير هذا الإرهاب مأربين، من إشعاره بعدم الاستقرار والفوضى وفشل 30 يونيو، وضياع أحلامه التى نزل من أجلها وبالتالى تجعله يكفر بكل ما حدث، والرسالة الأخرى تصدير الخوف لأتباعه من هذا التيار المتأسلم وتخويفه إذا لم يكمل فى دعمهم سوف يتعرض للأذى والقتل مثل الآخرين.
 
وأشارت العيسوى إلى أنه من ثم هذه التيارات الإرهابية تقوم بتصدير رسالتين إحداهما للآخر والثانية صامتة للأتباع لعدم التفكير فى المراجعات، وهذا شىء يدعو للدهشة والتعجب لطبيعة عمل هذه التيارات (المتأسلمة) التى بدلا من أن تصدر الأمن والأمان للمجتمع نسبة إلى دينها إلا أنها تصدر الفزع والاضطراب فى أوصال المجتمع.
 
أما الضلع الثانى من المثلث وهو الشرطة رغم ما بذلته من قصارى جهدها لحماية الأمن فى الشارع الآن، إلا أنه لا مانع من أن أفراد وقيادات الشرطة تراودهم الصور العقلية التى كانوا عليها فى 28 يناير، ومن ثم معاناتهم تنتج عن خوفهم من السقوط النفسى الذى يشعرون به والانفلات الأمنى حتى عادوا مع ثورة 30 يونيو.
 
العيسوى ترى أن تخوفات الشرطة نابعة من السقوط الشعبى الذى تخشى أن تقع فيه مرة ثانية، وأن تصبح غير قادرة على القيام بمهامها، ويعتبر ذلك أقسى أنواع الإحساس بالضعف والمهانة، مؤكدة أنه إذا سقطت الشرطة للمرة الثانية فلن تقوم ثانية.. لأن سقوطها يعنى انهيار البلد ومؤسسات الدولة، ولكن هذا لن يحدث لأنه يتضح من إجراءاتها أنها تسير بشكل فيه تنسيق وتواز مع الجيش.
 
وأكدت (العيسوى) أن خوف الشرطة أيضا موجه الآن نحو فئة واحدة فقط من المجتمع وهى الجماعات الإرهابية، فهى التى أهانت الشرطة واصطدمت بها بعد 30 يونيو، ومن ثم تحول الأمر بين الطرفين إلى ثأر، وأصبح الشعب يطالب الشرطة بالتخلص من هذا الإرهاب.
 
أما مخاوف المواطن البسيط الذى يأكل ويشرب ويدفع أقساط مدرسة أطفاله ولا ينتمى لأى تيار سياسى.. فهو أكثر أضلاع هذا المثلث معاناة، فهو يخشى من كل أنواع العنف الموجود بالمجتمع والذى يمارسه الإرهابيون، ومن ثم فهو يشاهد الموقف بذعر شديد ويترجم هذه المشاعر من الخوف لديه فى تفاقم المشكلات مع أفراد أسرته، يزداد توتره وخوفه على بكره، ينزوى فى بيته نظرا لعدم شعوره باللحظة الراهنة ولا بالمستقبل ولا بخارطة الطريق، فضلا عن الأمراض الجسمانية والنفسية ويصل فى النهاية إلى انخفاض كفاءته فى الأداء والعمل وهذا ما يريد الإرهابيون الوصول إليه، وأكدت عندما تنجح هذه الجماعات المتطرفة فى توصيل المواطن لهذه الحالة الانهزامية، وهو نفس الشعور الذى ذاقه الشعب المصرى وثار عليه فى 25 يناير، سيكون انتصاراً لهم!
 
 أحمد عبدالله مدرس كلية الطب النفسى بجامعة الزقازيق أكد أن هذا المثلث من الخوف كان نتيجة طبيعية لعدم المصارحة والمصالحة وجلوس جميع الأطراف على مائدة واحدة، وهو أسلوب اتخذته جميع الدول التى مرت بتحول ديمقراطى فى العالم، ومن أهم نماذجه حوار المائدة المستديرة فى بولندا، وتم إنتاج فيلم وثائقى عنها تحت عنوان (التحول البولندى).
 
عبد الله أوضح أن المائدة المستديرة كانت ستوفر أوقاتا كثيرة حيث تجلس كل الأطراف من جيش وشرطة وكنيسة وأزهر وقوى سياسية، والكل يطرح إجابة على سؤال واحد (إزاى هنكمل فى البلد دى )، مشيرا إلى أن ذلك لم يحدث لدينا طوال السنتين والنصف الماضيين، فلم نصل حتى الآن إلى الحقيقة، وتم تحديد من قتل من ؟ ولم يحدث حوار ومصارحة كشفت للمجتمع الحقائق، بل كل الإجراءات تسير بشكل سرى، ومن ثم ندور جميعا فى حلقة مفرغة يجب أن تكون نهايتها خوف كل هذه الأضلاع للمثلث.
 
وأضاف (عبدالله) أن تخوفات الشرطة ناتجة عن ثلاثة مشاهد يراها هذا الجهاز لنفسه، الأولى شرطة ما قبل 25 يناير.. وكانت مفوضة بالكامل من النظام لقمع أى احتجاج، وكانت تتحكم فى رقاب المصريين، ولم يتم تقصى حقائق أو الوصول إلى من القاتل والبرىء منها فى أحداث الثورة.
 
أما على مستوى المواطنين البسطاء.. فتتولد مشاعر الخوف لديهم من كل ما يدور فى المشهد أمامهم من صدام ضلعى المثلث الآخرين، وخاصة يزداد خوف هذه المواطن إنه يشعر أنه بمفرده لا ينتمى لعصبة أو جماعة، ولكن أزمة خوف هذا المواطن، أنه يعبر عنه ويصدره فى غضب، فهو لا يشرح أو يتحدث عن أنه يشعر بغضب بوعى وبصيرة، إنما يأخذ غضبه وخوفه أشكالاً من العنف تبدأ بإيذاء الذات والخلافات الأسرية والفشل فى العمل ويتحول إلى شخص نكوصى انكفائى عديم الفاعلية للمجتمع، ومن انتحاره.
 
د. ( جمال فرويز) قال إن الصراع بين ضلعى مثلث فقط بين الشرطة والجماعات الدينية والمخاوف المتبادلة من كلا الجانبين، أما المواطن المصرى غير المنتمى الى جماعة أو تيار سياسى مخاوفه طبيعية جدا، فهو يخشى دائما على لقمة عيشه ومستقبل أولاده.
 
أما الجماعات المتطرفة فتعبر عن مخاوفها باللجوء للعنف سواء فى العمق المصرى   أو سيناء كنوع من الضغط على الحكومة وصانعى القرار لتحقيق أكبر مكاسب عند التفاوض على طاولة السياسة، فهذه الجماعات تعلم علم اليقين أنها خسرت وانهزمت سياسيا وشعبيا، ولكنها تريد أن تضغط على الشارع وتجمع عناصرها وإن كانوا أقلية الآن، إلا أنها تريد أن ترسل عبر الكاميرات أن هناك عدم استقرار بالشارع ومن ثم تحسن من شروطها عند التفاوض.
 
واشار إلى أن المخاوف عند الشرطة تعود إلى خشيتها من العودة لتجربة 28 يناير، فالشرطة بعد أن تمتعويضها نفسيا وماديا من دعم وتأييد من الشعب أو السلطة الحاكمة سواء رئاسة أو جيش على مجهوداتها فى ثورة 30 يونيو، فهى لا تريد أن تسقط مرة أخرى، خاصة أنها تواجه قطاعين من الشعب أحدهما يقف بجانبها ويمدحها فى الشوارع والأكمنة، وفصيل تمثله هذه التيارات الإسلامية وعلى رأسه الإخوان يكن كل الكراهية والعداء لهذه الشرطة، وفى نفس الوقت هذا الفصيل مكروه شعبيا، فتتحول المواجهة فقط بين الشرطة وعناصر الإرهاب.
 
وأكد (فرويز) أنه من هذه المعادلة نجد الشرطة تستخدم منهج (العصا والجزرة)، فمخاوف المواطن العادى البسيط من الانفلات الأمنى والفوضى يجد فى هذه (الجزرة) التى تقدمها له الشرطة من خلال تأكيدها على القبض على الإرهابيين أو أى شخص يصطدم بالدولة، أما ( العصا ) فتستخدمها الشرطة مع كل من يلجأ للعنف من هذه التيارات الدينية، وفى نفس الوقت الأغلبية من الشعب ترضى على هذا الأسلوب لتتخلص من مخاوفها على أمنها واستقرارها الشخصى.
 
أما عن القراءة السياسية لهذا المثلث.. فيقول د. حازم حسنى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إنه بلا شك أداء الدولة حاليا يتسم بعدم الكفاءة وغياب فى وضوح الرؤية، فضلا عن عدم القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة، أما عن خارطة الطريق فهى غير واضحة، بل هى إجرائية وليس فيها أى رؤية حقيقية أو فلسفة أو حس تاريخى باللحظة الحاسمة التى تمر بها مصر.
 
وأضاف حسنى أننا نفتقد لإدارة جيدة لمؤسسات الدولة كلها وخاصة السيادية منها، نتيجة لغياب عنصر الكفاءة، فضلا عن العناد الذى ورثته الدولة المصرية مع كل نظام سواء مبارك أو فى عهد المجلس العسكرى أو السنة التى تولى فيها الإخوان الحكم، معربا عن أسفه من أن استمرارية الأوضاع بهذا التردى فى الأداء والتعامل سيؤدى إلى انهيار الدولة.
 
وأشار حسنى إلى أن استمرار تواجد هذه التيارات الإسلامية فى الشوارع يكشف أن لديهم حالة من الاستقواء ناتجة عن قراءتهم لضعف الدولة وعدم كفاءتها فى إدارتها للمشهد السياسى الجارى، وإلا كانوا دخلوا جحورهم من أنفسهم، مؤكدا أنه يرى كأن الدولة خائفة من اتخاذ قرار بشأن هذه التيارات أو ليس لديهم القدرة أو معرفة القرار الصحيح، ومن ثم هم يراهنون على الزمن ولكن هذا يمثل منتهى الخطورة.
 
وأكد حسنى أنه يجب على القائمين على أمور البلاد أن يرتبوا أوضاعهم بسرعة، ويكون لديهم قدرة على مواجهة الأزمات المختلفة، مع بناء سياسة خارجية معبرة عن طبيعة الأحداث فى مصر، عن طريق دبلوماسية قوية لا تستجدى تعاطف الخارج للاعتراف بثورة 30 يونيو أنها ليست انقلابا بل هى ثورة تفرض نفسها وتستعرض إرادة الشعب المصرى.
 
وأضاف حسنى أن التردد فى اتخاذ قرارات مهمة كحل جماعة الإخوان أو إلغاء المادة 219 أو التراجع عن فكرة إلغاء الأحزاب الدينية يعطى فرصة سانحة للتيارات الدينية أن تستغل ضعف الدولة وارتعاشها فى فرض شروطها على أرض الشارع وطاولة التفاوض أيضا، والعمل على إثارة الفوضى ماديا ومعنويا بنشر الشائعات المختلفة لإحداث البلبلة وتوجيه ضربات قاتلة للاقتصاد لاستنزاف الدولة وخرابها.
 
وبسؤاله: هل لا يكفى القبض على قادتهم فى إلحاق الهزيمة والتراجع لهم؟ قال إنه حتى الاتهامات التى توجه إلى قياداتهم تكاد تكون هزلية، ومضحكة، حيث تم توجيه اتهامات خاصة بموقعة الاتحادية، وتترك الدولة توجيه جرائم واضحة ومحددة من قتل المتظاهرين أو تخابر لصالح دولة أجنبية، مؤكدا أنه طالما الدولة لم تعترف بأن ما حدث فى 30 يونيو وتقوم بمحاكمة هؤلاء المجرمين بإجراءات وقوانين لم تفصل لمواجهة مثل هذه الأوضاع والجرائم وتعتمد على الحبس والتجديد، ستظل الدولة فى نظر هؤلاء مرتعشة وضعيفة ومتراخية.
 
أما عن السيناريوهات التى يمكن أن تصل لها الدولة مع استمراريةهذا التراخى يقول حسنى: على المستوى الاقتصادى سوف يتم القضاء عليه بالكامل بل ويصل إلى حافة الهاوية، ويجبر الدولة على تقديم تنازلات للدول التى نحصل منها على قروض. أما فيما يتعلق بالمستوى السياسى ستؤدى إلى سيطرة الفوضى على الشارع الذى يصعب السيطرة عليه فيما بعد، فضلا عن حالة التراشق والتحارب الشديد وعدم استقرار مؤسسات الدولة.
 
حسنى أكد أن حالة الفوضى التى تخلقها هذه التيارات فى الشارع سوف تنقلها إلى دواوين ومؤسسات الدولة، لأنها لم ترتدع من أى عقوبة تنفذ على قياداتها، خاصة أنه من المعروف أن هذه الجماعات تتسم بأنها تنظيم شبكى، ولو لم يتم مواجهته بالقوة والحسم سيؤدى إلى انهيار الدولة وهذا سيناريو كارثى للغاية.
 
وأشار إلى أن الجيش عندما يقع هذا المشهد سوف يتولى الحكم بشكل مباشر وهذا يمثل خطرا كبيرا سواء على الدولة أو الجيش نفسه، لأن الجيش إذا أراد السيطرة علىحالة الفوضى ولجأ إلى الأحكام العسكرية والعرفية لن يكون مقبولا من الشعب، بالإضافة إلى أن المجتمع الدولى لن يسمح بجنرالات يحكمون الدول من جديد.
 
السفير حسين هريدى مساعد وزارة الخارجية الأسبق يرى أنه يجب أن ينتصر المواطن والشرطة فى مثلث الخوف على هذه التيارات المتأسلمة التى كانت تسعى فى عام من حكمها إلى ترسيخ ديكتاتورية دينية غير مسبوقة فى التاريخ الحديث والمعاصر، ومن ثم رغم كل المخاوف التى يتم الترويج لها من قبل كل طرف نحو الآخر فى هذا المثلث، فبكل تأكيد أن هذه الأقلية المتطرفة لا يجب أن تفرض رأيها على الأغلبية التى نزلت يوم 30 يونيو، ويجب ألا تخرج هذه التيارات مصر عن تاريخها وحضارتها.
 
وأشار هريدى إلى ضرورة الإسراع فى تنفيذ خارطة الطريق لعدم إعطاء هذه التيارات الدينية الفرصة فى استغلال هذا البطء، فكان يجب أنه بدلا من أن تنتهى لجنة عمل الدستور من عملها بعد شهرين، كان يكفى شهر واحد، أما الحوار المجتمعى كان لا يحتاج أكثر من عشرة أيام بدلا من تلك الأسابيع الطويلة، وبعدها مباشرة تجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وكل ذلك يسهم فى إعادة بناء مؤسسات الدولة بشكل ديمقراطى وسريع.
 
بينما يرى الدكتور عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن المرحلة الانتقالية تواجه مشكلة أمنية واقتصادية لا يمكن إنكارها، وكلتا الأزمتين مرتبطتان ببعض، فاستقرار الأوضاع الأمنية وهدوء الشارع من الصدامات وأحداث العنف التى تنتج عن مظاهرات الإخوان والتيارات الإسلامية سوف يؤدى بدوره إلى دفع الحالة الاقتصادية وجذب الاستثمارات.
 
وأشار ربيع إلى أنه متفائل وأنه لا يرى المخاوف كبيرة فيما يتعلق بالصدام المستمر بين جماعة الإخوان المسلمين والشرطة، ومؤكدا أنه أصبح يختفى تدريجيا، وآخرها جمعة الحسم لـ 30 أغسطس، فظهرت بأعدادقليلة جدا، لم تكن معبرة عن كل هذا الحشد والاستعداد لها، خاصة بعد القبض على عدد كبير من قيادات الإخوان، بالإضافة إلى أن الشعب ذاته ليس لديه مخاوف بل نراه فى مناطق وأحياء كثيرة يواجه الإخوان قبل أن تواجههم الشرطة، ويصطدم بهم عندما يهتفون ضد الجيش.