كرامة الرجل أقوى من الحب
صفاء الليثى
عام 1953م بَعد ثورة 23يوليو بعام واحد، يخلص فيلم (أقوى من الحب) إلى ضرورة اعتماد الأسرة على عمل الرجل.. المخرج «عز الدين ذو الفقار» والمؤلف «محمد كامل حسن» المحامى ومن إنتاج بكباشى مهندس «حلمى عبده»، أى أن الفيلم أنتج بمباركة الضباط الأحرار.
المشهد الأول فى القطار لقاء البطل «عماد حمدى» مع «شادية»، «مجدى» فنان موهوب له يد مقطوعة، تبدى «شادية» اهتمامًا وتعاطفًا منذ البداية، صورة المرأة التى يفضلها الرجال. سنعرف أنه تَعرّض لحادث أفقده عمله، وسيخبرها «انتِ جددتِ الأمل» هى سكرتيرة معرض الفنون وستعجب برسمه لها وتقدمه لصاحب المعرض.
هناك سيارة فخمة فى استقباله فى المحطة. يقدم المخرج الزوجة مشغولة بنفسها يخشاها الجميع، الأولاد والخدم، تقابله وهى تقول «فى أوضة المكتب عندى». يتعمد صُناع الفيلم إظهار أوضاع مقلوبة للزوجة التى تنفق على البيت ويبقى الزوج مع الأولاد، ومربية وسُفرجى فى بيت أنيق سنعرف أنه مِلْك الزوجة.
يرسم «مجدى» لوحة يسميها «طريق الحياة». أجدها لوحة بدائية كرسم الهواة، يعكس شرح اللوحة بالكلمات، المفهوم الذى يطرح فى الفيلم، دور المرأة فى الحياة أنها تنور الطريق بحنانها وأمومتها، أندهش من سذاجة تفسير لوحة فنية بهذه الكلمات، ويستمر الشرح، منذ بدء الخليقة حتى عصرنا الحديث. وفى موضع آخر سيوبخ «مجدى» زوجته الطبيبة ويخطب فيها أن الرجل الحقيقى «لمّا نكون مع بعض نمشى على قدّى أنا».. يتمرد على وضعه بعد تَعرُّفه على «سميرة» الحنون، ويمضى يومه خارج البيت من معرض اللوحات إلى السينما إلى الغداء «سميط ودقة». المرأة الملاك هى من تشجع الرجل وتتفانى فى تقديره، والشيطان ممثلا فى الطبيبة الناجحة المشغولة بعملها مع التغاضى عن توفيرها عيشة غنية لأسرتها بعد فقْد الزوج عمله كضابط بوليس.
«مديحة يسرى» وقد نمطها المخرجون فى دور المرأة المسترجلة و«شادية» الرقيقة مدعومة بأغانيها الرائعة، (يا سارق من عينى النوم)، السخرية من الوضع فى البيت مستمرة و«مجدى» يقول «عيد ميلاد الست وعلشان كده هيه اللى جابت لنا الهدايا». حملها رجل وهو يسأل منزل الدكتورة أمينة؟. سيتغير الوضع بعدما تباع لوحة «طريق الحياة» بثمانين جنيهًا، مبلغ كبير وقتها، يسترد الزوج كرامته المهدرة ويشترى هدايا للأولاد وهدية للزوجة، طفله يندهش ويقول للأب «خلاص يا بابا اشتغلت دكتورة!!». أداء دكتورة «أمينة» يتكرر بمبالغة فى تصويرها ككائن متسلط تقاطع حديثه معها، لا تستمع إطلاقًا بينما هناك موسيقى كورالية كأنها آتية من الجنة مع مَشهد لـ«مجدى» و«سميرة» فى حديقة الحيوان وشادية تغنى «إحنا فى الدنيا ولّا فى الجنة، دى حياة تانية مش على بالنا». هذه النزهات لم يعتبرها صناع الفيلم نوعًا من الخيانة الزوجية بل حق للرجل لأن الزوجة لم تراعِ ظروفه ولم تنتبه لما هو أقوى من الحب بالنسبة للرجل.. تتطور العلاقة بين المحبين وتكتب الجرائد عنهما، وهنا فقط تفيق الدكتورة لكرامتها وتعيد القول «عاوزاك فى المكتب»، وهنا المشهد الفائق الذى يرتفع فيه صوت الزوج، «كلمينى زى أى ست ما بتكلم راجلها، الحب مش كل شىء فى حياة الرجل، حاجة أقوى من الحب، أن يكون عندى أمل أعيش علشانه، الوضع الطبيعى أن تعيش الأسرة على قد الرزق اللى بيجيبه راجلها». هذه الخطبة تتناقض مع ما أقرّه الرجل من أن معاشه لا يكفى سجائره.. كم الأخطاء التربوية فى الفيلم كبيرة جدّا، الأطفال؛ خصوصًا الصبية الكبرى، تردد كلمات أكبر من عمرها بميلودرامية فجّة. يرسل لها خطابًا يُخيرها بين العيش على قدر استطاعته أو تطليقها، تحرق الخطاب وهى فى معمل عملها، أرتاح لرد فعلها ولكن الفيلم سيعود ويجعلها تقرر الانصياع لشروطه، تصل قبل إتمام زفافه على «سميرة» وينتصر الفيلم للرجل وكرامته التى هى أقوى من الحب.
مضت سنوات على هذا الوضع ووصلنا إلى نسبة تتخطى 40 بالمائة من الأسر تعيلها النساء، وأصبح عمل المرأة ومشاركتها الزوج أعباء المعيشة ضرورة لتحسين أوضاع الأسرة ولصالح الأبناء، تحقيق المرأة لذاتها أصبح أقوى من الحب ومن الستر ومن إرضاء الزوج، هى أيضًا تحتاج لما هو (أقوى من الحب).