الخميس 6 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
100 سنة روزاليوسف
وكانت لنا فى حرب الإرهاب صولات

وكانت لنا فى حرب الإرهاب صولات

لذالزم التوكيد، لم يُطلب من «روزالىوسف» يومًا أن تخوض حربها الضروس مع جحافل الإرهاب التى اجتاحت البلاد فى التسعينيات، ولكنها فى عقيدة «روزالىوسف» وكتّابها وصحفييها حتى عمالها وإدارييها، أب عن جد إلى الأحفاد، كما يقولون كابر عن كابر، فى عقيدتهم ومن الفروض الوطنية التى آلت «روزالىوسف» على نفسها أن تخوضها ببسالة معركة التنوير، وفى قمتها حرب طيور الظلام، والتعبير من بُنات أفكار طيب الذكر، كاتب روزالىوسف الراحل الكبير «وحيد حامد».



ورغم عِظم التضحيات، وعنف التهديدات بالتفجير والنسف والاغتيالات، وصخب المنابر الزاعقة فى وجه «روزاليوسف» تخوينًا وتفسيقًا وتحريضًا، وحصار مطبوعات «روزالىوسف» فى الأسواق، ومصادرتها من بين أيدى القراء عنوة بواسطة جماعات النهى عن المنكر، وكانوا يصنفون «روزاليوسف» منكرًا، محرمًا على القراءة، مخافة النور الذى يفج من بين صفحاتها، يزعج طيور الظلام ويهشها عن شجر الوطن الأخضر. 

 

 

 

لم يكن مطلوبًا، لكن «روزالىوسف» فى حربها الشرسة ضد الإرهاب، اختارت مكانها فى الصفوف الأمامية فى حرب العشر سنوات، العشرية السوداء التى مرت على مصر فى التسعينيات، امتدادًا مستدامًا لدورها منذ تأسّست فى العام 1925 على أيدى «فاطمة اليوسف» واحدة من أنوار المسرح المصرى المنيرة.

 

مائة عام، ولم تبرح «روزاليوسف» مكانها فى مقدمة الصف الوطنى تذود عن الحياض المقدسة بأسلحتها النافذة، الكلمة، الصورة، الكاريكاتير، وتعجب من نفاذية سلاح الكاريكاتير الذى كان أمضى أسلحة «روزاليوسف» فى حربها ضد الإرهاب، وثنائية اللحية والقنبلة الشهيرة فى رسوم طيب الذكر المقاتل بالريشة «جمعة فرحات».

 

«روزاليوسف» منذ وعَينا، وتشكل وعْيُنا صغارًا، وهى تخوض حربها الشريفة ضد الإرهاب، وقائمة الشرف لا تسعها هذه السطور، تحتاج إلى مجلدات، وحصر المقالات والتحقيقات والرسوم فى المواجهة الشرسة مع طيور الظلام من الصعوبة بمكان.

 

«روزاليوسف» المقاتلة بكتائبها الباسلة عيّنت نفسَها حارسًا على موقع متقدم من ثغور الوطن فى حرب الإرهاب، وعجبًا كل من يتطوع لحرب الإرهاب من الكتّاب والصحفيين كان يحتمى بجدار «روزاليوسف» العالى، موقعها الحصين، وكم استضافت «روزاليوسف» وفتحت صفحاتها لمقاتلين أشداء.

 

كانت مثالاً للمقاومة التنويرية للإرهاب، وتوزع نسخها كمنشورات فى خفية بين طلاب المدارس الثانوية والجامعات التى كانت تسيطر عليها جماعات إرهابية لا ترعوى لوطن ولا لعَلم ولا نشيد، و«روزاليوسف» تُحَيى العَلم صباحًا وتنشد النشيد مع شروق الشمس، وتناضل ليل نهار فى مواجهة طيور الظلام.

 

 

التكليف الطوعى، تحوّل بمرور السنوات فى معركة الوعى إلى تكليف شعبى، واحتضان البيئة الشعبية الحاضنة لـ«روزاليوسف» كان أعظم تكليف، تكليف رجل الشارع لـ«روزالىوسف» بحماية عقل أولاده من الاختطاف باسم الدين، والدين منهم براء.

 

 

 

 

سنوات عشتها فى أحضان «روزاليوسف»، كنت أرى بِيض الرءوس من القادة الروحيين، وكأنهم فى معركة وجودية، يخططون للحملات ضد مواقع الإرهاب بامتداد الجبهة بعرض وطول الوطن، فى كل موقع إرهابى هناك جندى من «روزاليوسف» يخوض المعركة بروح انتصارية فريدة، فى «الحميدات» بقِنا، فى الجزيرة المرتفعة ببنى سويف، فى «كحك بحرى» بالفيوم، فى ناهيا، وإمبابة، حتى على تخوم الصحراء..

 

في ردهات ومكاتب “روزاليوسف”

تروى الألسنة حكايات صحفية وكأنها أساطير، كل كاتب يروى عنه أسطورة فى مواجهة الإرهاب ويفتخر بأنه يقاوم الإرهاب، وكل صحفى وراءه بطولة مستحقة، والعيون لا تغمض.. لا تنام على ما تخطط له الجماعات، وتجتهد «روزاليوسف» فى فضح المخططات، وإيقاظ الوعى، والنفير فى أذان الوطن حى على الجهاد.

 

رأيتهم يركضون، يتدافعون، يتسابقون فرحين مهللين إلى مواقع المواجهة مع الإرهاب، كل مهمة فى حب الوطن يتسابق إليها الصحفيون فى شوق لقصة تضرب فى سويداء قلب الإرهاب، وكل مهمة صحفية لها الموعودون بالنشر، والنشر كان أسمَى أمانينا، أن يُكتب اسمك فى «روزاليوسف» يرسمك صحفيًا برسم «روزاليوسف».

 

 

عشت ليالى وأيامًا فى معية نخبة من كبار الكتّاب والصحفيين، وسجلت شهاداتهم فى حرب الإرهاب، مفكرتى الصغيرة لا تزال تحوى أسماء أحباء نذروا حيواتهم لحرب الإرهاب، تشعر أنهم خُلقوا لخوض معركة الوعى، وهى حرب لو تعلمون من أخطر المعارك الوجودية.

 

«روزاليوسف» لم تُكَلَّف سياسيًا قَط بحرب الإرهاب؛ ولكنها كانت مُكلَّفة شعبيًا بمقاومة احتلال العقول، وأذكر ذات مرة، عدت من «أسيوط» معقل من معاقل الجماعات، بتحقيق صحفى استقصائى، قبل أن تظهر الاستقصائية فى المجال، تحقيق جد خطير يشى بتحالف الحزب الوطنى الحاكم آنذاك فى التسعينيات مع جماعة الجهاد، وبالوثائق والشهادات كتبت التحقيق، وتلقفه الخبير بشئون الإرهاب، معلمنا الكبير الكاتب الصحفى «عادل حمودة»، واختاره لغلاف «روزاليوسف»، وكانت ضربة قاسية موجعة لتحالف غير مقدس بين حزب حاكم والإرهاب.

 

وهاجت زنابير القفير، وانقلبت الدنيا رأسًا على عقب، واتصل من اتصل بالأستاذ عادل حمودة، وتحمّل الرجل الهجوم المؤسّسى بصبر وأناة، وإذ فجأة يطلب منّى السفر فورًا إلى أسيوط لاستكمال ما بدأته، وذهبت خائفًا من مغبة انتقام رجال الحزب بأيدى الإرهاب، وتسللت إلى مخادع من يعلمون وهم صامتون، وتحولت فى سراديب العلاقة الملتبسة بين الحزب وتنظيم الجهاد، وكان ما كان زمان. استثار التحقيق محافظ أسيوط آنذاك طيب الذكر «اللواء حسن الألفى»، وهاجم «روزاليوسف» بعنف، وقسوة، ونالنى ما نالنى من الغرم، وشكك قدر التشكيك فى الرواية التى صمدت فى وجه الرياح المعاكسة التى تحولت لهبوب لافح مع ترقية اللواء حسن الألفى إلى وزير الداخلية، وخشى من خشى ولكن الله سلم..

 

حرب الإرهاب جرت «روزالىوسف» لمواجهة مع محافظ أسيوط اللواء حسن الألفى، وكان وزير الداخلية وقتها «اللواء عبدالحليم موسى»، تحقيقاتى عن الجماعات الإرهابية فى محافظة أسيوط كانت تذهب بخيوطها نحو مقر المحافظة الذى يقطنه اللواء الألفى، ومقر الحزب الوطنى الذى يسكنه «عبدالمحسن صالح» رئيس الحزب فى أسيوط، ما أطار صواب الألفى، وجاء إلى «روزاليوسف» يسعى مهددًا متوعدًا بالويل والثبور وعظائم الأمور، وما نشر كان مهددًا لمستقبله السياسى، ويضع على وجهه علامات استفهام، ويلون رأسه بعلامة حمراء، وقابله الكبير «حمودة» بثبات، وكان أستاذًا فى المناورة والمحاورة، ونجح فى انتزاع فتيل الأزمة.. إلى حين التوصل لسياق ينهى فيه الأزمة فى العدد المقبل.

 

 

 

ساعات وأعلن نبأ تولى الألفى نفسه وزارة الداخلية، وكان الموقف كموقف «قليل البخت يلاقى العضم فى الكرشة»، والصحفى المتعوس المنحوس الذى يجد وزير الداخلية فى طريقه..

 

بمَعلمة طلب منّى الأستاذ عادل كتابة ما يشبه المقال استقبالاً حسن لوزير الداخلية الجديدة، دون شبه اعتذار، مقال ترحيبى، يبيّن التحديات والمخاطر التى عليه أن يواجهها، سيما ما يجرى تحت السطح من اختراقات إرهابية للحياة السياسية، فى إشارة لن تخفى على الوزير الذى كان عليمًا بمثل التفاهمات المشبوهة.. 

 

وهضمها الألفى، وزاد عليه الكبير حمودة بتكليفى وتوأمى الكاتب الكبير «أسامة سلامة» بتحقيق كان عنوانه «حسن الألفى وزيرًا لمواجهة الفساد والإرهاب».

 

لن أنسى ما حييت وتذكره الصفحات مقالاً للأستاذ عادل حمودة مخطط حملات «روزاليوسف» على الإرهاب، بعنوان «عقد عمل بين الحكومة والتطرف» كان غاية فى الجرأة، وشكّل غطاءً لواحدة من حملات «روزالىوسف» على الإرهاب سيما فى محافظة الإرهاب وقتئذٍ (الفيوم)، كان التحقيق خطيرًا وكأنك تمشى فى حقل ألغام، والرسام الكبير جمعة فرحات مستهدف وزير الداخلية «عبدالحليم موسى» بريشته الحادة، والتحقيق بعنوان «تصفية مواقع الإرهاب فى الفيوم»، المادة المتفجرة فى التحقيق كانت تحتاج غطاء صحفيًا صلبًا، قبّة صحفية، وكان الأستاذ عادل يفرد عباءته علينا ونحن صغار نمشى فى حقل الألغام الذى نثره المتطرفون فى الفيوم..

 

سبق اسمى فى هذا التحقيق- ولى الشرف- الصحفى الكبير «إبراهيم خليل» رئيس تحرير جورنال روزاليوسف تاليًا بعد 25 يناير 2011، وكان ولا يزال محققًا من طراز رفيع، نافد حتى العصب، لا يخشى ولا يهاب، وظللت فى معيته ليلة سوداء فى «كحك بحرى» فى الفيوم مختبئين فى الزراعات وإطلاق الرصاص زخات فوق رءوسنا فيما عرف بـ«حرب النخيل» الذى كان يسكنه الإرهابيون من عصابة «شوقى الشيخ» الإرهابية.

 

قبلها وفى مغامرة مجنونة التقيت مع «الشيخ عمر عبدالرحمن» بعد صلاة الجمعة فى مسجده بـ«الحادقة» بالفيوم، وسجلت حوارًا غاضبًا للشيخ الضرير ليس من الداخلية والأمن لكنه كان حانقًا من أمير للإرهاب ظهر حديثا فى كحك بحرى، يهاجم الشيخ الضرير، ويهزأ منه، ويسخر من عاهته، ويردد مقولة «لا ولاية لضرير» فى إشارة لإمارة عمر عبدالرحمن على تحالف الجهاد والجماعة الإسلامية فى السجون ما بعد اغتيال السادات.

 

ذهبت عبر دليل إلى مكمن شوقى الشيخ، وقبل الحوار على مضض، ووجدها فرصة للنيل من الشيخ عمر عبدالرحمن، وقال متفاخرًا، إذا كان الشيخ عمر يُكَفِّر الناس فى الأسواق، ف أنا أكفِّر الطير فى السماء!! 

 

وكان ختام معركة الفيوم عنوان غلاف لـ«روزالىوسف» (نساء كحك بحرى يخلعن النقاب). 

 

لا أزعم بطولة فى حرب الإرهاب، الصفحات والسطور تكفينا عن التحدى، ولكنها ذكريات عبرت، سطر من مجلد حرره كبار «روزاليوسف» ونحن لهم من الناظرين.

 

 

 

المعركة الثانية والخطيرة كانت فى أسيوط، وقد ذكرت طرفًا منها فى المخاشنة الصحفية مع اللواء حسن الألفى، كنت شبه مقيم فى أسيوط فى رعاية أسرة صديق العمر أسامة سلامة، كان بيت الأسرة محطتى الرئيسة، ومنها انطلق إلى الأرجاء المعتملة بالإرهاب، وتحت ناظرى عناوين عديدة، منها على سبيل المثال «ديروط» مدينة للأشباح فقط.. ومن ديروط فى أسيوط إلى «ملوى» فى المنيا، إتاوات الجماعات على تجار بنى سويف، وجماعة ملوى بدأت تمويل نفسها بمشروع الجنيه. 

 

ومن ملوى إلى بنى سويف ومعركة الجزيرة المرتفعة بين أميرىّ الجهاد «أحمد يوسف» و«حسام البطوجى»، وشرائط واعترافات مثيرة.. ولهذه المعركة قصة طريفة، تم احتجازى لدى جماعة البطوجى فى منزله، وطالت فترة الاحتجاز دون مبرر معقول، حتى مكننى من الهروب شقيقه وكان طبيبًا وخشى من انتقام الجماعة أن يصيبنى بسوء، فسهّل لى المروق إلى شارع جانبى لأستقل خلفية سيارة نصف نقل ذهبت بى بعيدًا عن المعركة التى نشبت وخلفت قتلى، وحمدت الله كثيرًا على النجاة.

 

ومن كحك بحرى إلى مصر الجديدة، وعلى إثر اغتيال طيب الذكر المفكر الكبير «فرج فودة»، طلب الكبير «عادل حمودة» قائد كتيبة المقاومة ضد الإرهاب، تحقيقًا عن قوائم الاغتيالات، وتطوعت بالإجابة من خلال أحاديث طويلة مع قيادة أمنية عظيمة (اغتيلت تاليًا فى شارع الهرم)، وشملت القوائم وزراء ومسئولين ومفكرين وكتابًا وصحفيين وحتى شيخ الأزهر وبابا الكنيسة، وتلقفها الكبير عادل حمودة، وأفرَدَ لها مساحة ضخمة على الغلاف، كانت كمثل قنبلة شديدة الانفجار، تناثرت الشظايا فى كل اتجاه، وطالت قصر الاتحادية، وطلب طيّب الذّكْر الرئيس مبارك معلومات موثقة حول هذه القوائم ومصادرها.

 

كان الموقف صعيبًا على محرر صحفى تحت التمرين، اتصلت بالمصدر الكبير، طلب منّى الصمت، ومعالجة الموقف صحفيًا دون الإشارة إليه، وعالج الكبير عادل حمودة الموقف بذكاء ودهاء الخبير، بالإشارة لمصادر المعلومات والأسماء فى متون قضايا إرهابية واعترافات سابقة لإرهابيين تكفل بجمعها شذرات من الملفات طيب الذكر الأستاذ «يوسف هلال» قدّس الله سرّه، ونجوت من التفخيخ الممنهج بسلام.. والتفاصيل لا تزال فى حوزتى لزمن قادم.