السبت 8 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
100 سنة روزاليوسف
صحفيو «روزاليوسف» على قوائم الاغتيالات!

من معركة الإرهاب فى أسيوط إلى حادث الأقصر

صحفيو «روزاليوسف» على قوائم الاغتيالات!

فى عام 1992 وبالتحديد مع بداية موجة الإرهاب فى أسيوط وبعد قيام الجماعات المتطرفة بقتل 16 مواطنًا قبطيًا فى قرية حنبو بمركز شرطة ديروط التابع لمحافظة أسيوط، كانت أولى خطواتى فى روزاليوسف.. يومها كنت قد انتهت من أداء الخدمة العسكرية ودخلت روزاليوسف ومع وقوع أحداث قرية حنبو دخلت على مكتب الأستاذ عادل حمودة، وكان يجلس فى المكتب بمفرده، وكان معى تقرير مكتوب فى صفحة ونصف على ورق الدشت به ملخص حادث حنبو، القرية التى تقع على بُعد ثلاثة كيلو مترات من قريتى، وكتبت فيه معلومات كان من الصعب أن يصل إليها أحد من الصحفيين فى مصر؛ لأنى كنت أعرف كل كبيرة وصغيرة عن المجموعة الإرهابية المنفذة لهذه العملية، وكنت فى غاية نشوتى بهذا التقرير.



لكن ما أن أخذه منّى الأستاذ عادل وقرأه حتى فوجئت به يمزقه ويضعه فى سلة المهملات، ما جعلنى أفكر فى كيفية الهرب من أمامه لأنه على ما يبدو لم يعجبه وسوف يطردنى؛ خصوصًا أنه أول تقرير صحفى أقدمه له وهو الذى لا يعرفنى ولا يعرف من أين أتيت أو يعرف حتى مؤهلى الدراسى، لكنى فوجئت بالأستاذ عادل يقوم من مكتبه ويطلب منّى أن أجلس مكانه مما جعلنى أتوجس أكثر بأن الأمر خطير لدرجة أن الأستاذ عادل يتهكم علىَّ؛ خصوصًا أن خطى مشهور بين كل أصحابى بأنه من الخطوط الصعبة فى قراءتها، لكن المفاجأة الكبرى أن الأستاذ عادل طلب منّى أجلس على مكتبه وأن أكتب كل ما أعرفه عن هذه الواقعة، وأنه سوف يغيب لمدة ساعتين، ووضع أمامى رزمة من الورق وأعطانى قلمه الخاص به، وطلب من «عم عبدالراضى» وهو كبير سعاة روزاليوسف، أن يلبى طلباتى من الشاى والقهوة حتى يرجع، فلم أصدّق نفسى وشعرت بنشوة أكبر بكثير من نشوة كتابة التقرير فى أول الأمر، وهناك كل هواجس الخوف التى انتابتنى عندما قام بتمزيق التقرير ووضعه فى سلة المهملات. 

 

 واستطعت طوال الساعتين كتابة 35 صفحة عن الحادث، وعن كل تفاصيل المجموعة الإرهابية التى كنت أعرفها جيدًا، وعن مكان اختفائهم.. وبعد أن عاد الأستاذ عادل وقرأ التقرير شكرنى جدًا.. لكننى لم أتخيل أبدًا أن يكون أول موضوع صحفى لى هو المانشيت الرئيسى للمجلة.. وكتب عليه ضربة 1992 الصحفية.. وتم نشره قبل افتتاحية روزاليوسف فى ثلاث صفحات.. وأحدث وقتها ضجة صاخبة فى الأوساط الصحفية لما يحمله من معلومات خطيرة عن الحادث البشع.. بعدما انطلقت داخل روزاليوسف التى أصبحت بين ما تحمله الكلمة من معانٍ أخوض معارك الإرهاب فى محافظات الصعيد بدعم كبير من المؤسّسة ومن كل زملائى المحيطين بى، حتى إن روزاليوسف ظلت سنوات مهددة من قِبَل الجماعات الإرهابية لدرجة وقت وقوع زلزال فى 12 أكتوبر عام 1992 وقد وقع مع صوت يشبه الانفجار فى المؤسّسة ظن وقتها العاملون فى المكان بأن هناك عملية تفجير فى المبنى من الجماعة الإرهابية. 

 

 

 

 فى هذا الوقت بالذات كانت روزاليوسف وحدها التى تقف على الساحة فى محاربة الإرهاب والجماعة المسلحة، ليس بنشر أخبار عملياتهم الإرهابية فقط ولكن بنشر أفكارهم وأهدافهم الخبيثة، والدخول معهم فى معارك طاحنة فندت روزاليوسف كل أفكارهم وكشفتهم على الملأ وفضحت مخططاتهم الخبيثة فى كل ربوع مصر، وكلما اشتدت عملياتهم كلما قامت روزاليوسف بمحاربتهم وكشفتهم للجميع، لدرجة أن أحد قيادات الجماعة الإسلامية فى ملوى أصدر فتوَى بإباحة دم وتحريم قراءة روزاليوسف أو شرائها، وكانوا يطاردون باعة الجرائد الذين يبيعون مجلة روزاليوسف ويهددون من يقرأها بالقتل، فبدأ كثير ممن يحافظون على قراءة روزاليوسف فى ذلك الوقت أن يقرأوها فى السِّر، وحرص البعض منهم أن يشتريها من مكان بعيد عن قراهم أو مدنهم التى ينتشر فيها الإرهاب حتى لا يراهم أحد من الجماعات الإرهابية فتقع الواقعة وتكون نهايتهم . 

 وكان لـ«روزاليوسف» دور مهم جدًا فى كشف أساليب هذه الجماعات فى كيفية ضم الأطفال وتكوين جيل إرهابى صغير يستطيع أن يحقق أهداف الجماعة فى الكبر، وقد كان لنا السّبق فى كشف خطة الجماعة الإسلامية فى مدينتىّ ديروط ومنفلوط عندما استخدمت الأطفال فى ديروط؛ وبخاصة أطفال المدارس الثانوية الفنية ومدارس المعلمين التى لم تكن قد ألغيت وقتها فى تكوين شبكة ضخمة من الأطفال فى نقل المعلومات لقيادات الجماعة عن تحركات أجهزة الأمن وأحيانًا أخرى لنقل الأسلحة والمتفجرات لأعضاء الجماعة الهاربين داخل زراعات القصب أو فى الأماكن النائية، وفى الوقت نفسه استطاعت الجماعة الإسلامية من خلال هؤلاء الأطفال الذين زاد عددهم على أكثر من ألف طفل فى ديروط أن يكونوا نواة لجيل إرهابى يستطيع تنفيذ عمليات إرهابية فى المستقبل، وهو ما سُمى وقتها بالجيل الرابع من الجماعات المتطرفة، وكان للجماعة كادرات إلا فى مدينة منفلوط فكانت الجماعة الإسلامية أكثر تطورًا عندما قامت بتكوين فرقة كورال منفلوط من الأطفال الذين استخدموهم فى إحياء الحفلات التى أطلق عليها الحفلات الإسلامية، ومجموعة الأطفال لا يتعدى عددهم 20 طفلاً كانوا قد تدربوا جيدًا على حفظ الأغانى والأناشيد الإسلامية وهم يلقونها على نغمات الدفوف فقط، وانتشر بعضها داخل وخارج مدينة منفلوط وقراها، وكان هدف الجماعة أن تخلق جيلاً من الأطفال لا يسمع الأغانى ولا الألحان غير الألحان والأغانى الإسلامية التى تفرضها الجماعة، وفى الوقت نفسه تشجع الصغار على الانتماء للجماعة من خلال تكوين مثل هذه الفرق التى تلفت نظر أهالى القرى والنجوع، وكانوا يقبلون عليها بشكل كبير مما زاد عدد الأطفال الذين انضموا إلى الجماعة الإسلامية من خلال انتمائهم لمثل هذه الفرقة التى سيطرت على الأفراح والحفلات فى قرى ونجوع منفلوط وأسيوط فى ذلك الوقت.

 

 

 

واستمرت روزاليوسف فى مطاردة الجماعات الإرهابية فى كل محافظات الصعيد بعد تنقل عملياتهم الإرهابية من أسيوط إلى المنيا وسوهاج وقنا.. كانت روزاليوسف لهم بالمرصاد حتى كان حادث الأقصر الشهير الذى وقع عام 1996 والذى راح ضحيته ما يقرب من 60 سائحًا بعد أن قامت مجموعة إرهابية بالاختباء فى أحد الجبال والتسلل إلى وسط أهم منطقة سياحية فى الأقصر وقاموا بعمليتهم الدنيئة وحاولوا الهروب من المكان، إلا أن قوات الأمن لاحقتهم وقتلتهم، وقمنا وقتها بنشر نص تحقيقات النيابة وتقرير الطب الشرعى الذى أكد أن هناك تقصيرًا يجب أن يتم تداركه فى المستقبل حتى لا يتكرر مثل هذا الحادث.

 

 روزاليوسف قادت حملة ضخمة ضد هذه الجماعات وفنّدت أفكارهم وأهدافهم ووقفت لهم بالمرصاد حتى استطاعت أن تخلق رأيًا عامًّا مصريًا ضد هذه الجماعات المنحرفة التى أرادت أن تهدم مصر وتحولها إلى دويلات وجماعات مسلحة.

 

وكان لنا الدور الأكبر فى كشف كل المخططات الإرهابية الخبيثة فى ذلك الوقت، حتى فى أيام ثورة 30 يونيو كان لـ«روزاليوسف» الدور الأكبر والأهم فى كشف مخطط جماعات الإرهاب من الاستيلاء على مفاصل الدولة والسيطرة عليها، إلاّ أن الشعب المصرى العظيم وقف لهذه الجماعات بالمرصاد واستطاع فى 30 يونيو التخلص منها للأبد.