الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
جيش مصر الأبيض.. فى زمن الفراعنة!

جيش مصر الأبيض.. فى زمن الفراعنة!

تقول أسطورة «هلاك البشرية» عن فترة من فترات الزمان القديم فى مصر القديمة إنه حين كان رب الأرباب الإله رع هو سيد الإلهة بلا منازع كان البشر يكنون له كل الاحترام والتقدير والطاعة.. ولكن بعد أن كبر سنه، وتحولت عظامه إلى فضة، ولحمه إلى ذهب، وشعره إلى لازورد، لاحظ البشر ضعف رع، وأنه تقدم فى الشيخوخة، فأعلنوا التمرد عليه، واستهانوا به. 



 

فى البداية، لم تخف نواياهم السيئة عن الإله رع الذى سئم الحياة بينهم. وعندما تحقق الإله رع من الأمر، سخط عليهم، وقرر الانتقام منهم؛ نظرًا لأن الناس عابوا عليه، وتهكموا عليه، ووصفوه بالضعف. وطلب أن يجتمع مع الآلهة التى كانت معه فى المياه الأزلية فى القصر الكبير؛ لأخذ آراء الآلهة فيما سوف يفعله بأولئك البشر المتمردين عليه.

 

رد أحد الآلهة وقال له: «أطلق عليهم عينك، الربة القوية سخمت؛ لتفتك بهم وتقتل البشر جميعًا، وتفرقهم فى الصحراء لملاحقة من قالوا ذلك عنك» ففعل ما قاله له. ونزلت الربة كى تفتك بالبشر، وتسبح فى دمائهم. ويبدو أن أعمال الانتقام والقتل التى قامت بها تلك الربة ضد أولئك البشر كانت بشعة؛ إذ ندم الإله رع على ما أصدره من أوامر لها. وقرر العدول عن ذلك. وفكر فى حيلة يستطيع بها منع تلك الآلهة المتعطشة للدماء من الاستمرار فى القضاء على بقية البشر. فطلب رؤيتها. فع ادت لأبيها رع. وقال لها: «أهلا بك، لقد فعلتِ ما أمرتك به، فكفى فتكًا بالبشر، وأنا سوف أنتقم من الباقين فى آن واحد.» فانصرفت. ولم تسمع لكلام أبيها. وأخذت تفتك بالبشر حتى قاربت على القضاء عليهم. فهربت ونفت نفسها فى النوبة.

 

وعندما علم الإله رع بذلك، خاف على البشر، وأمر بإحضار رسل يسبقون الريح. فلما حضروا، قال لهم: «أسرعوا إلى إلفنتين، الجزيرة التى أمام أسوان، واحضروا لى كميات كثيرة من الطفلة الحمراء.» وعندما تم إحضارها، أمر خادماته بإعداد الخمر، وخلطه بالطفلة الحمراء كى يصبح أحمر اللون. وفعلوا ذلك. وملأوا ما يقرب من سبعة آلاف إناء. وأمر بوضعها فى الصباح فى المكان الذى اعترفت الربة فيه بأنها ستفتك بباقى البشر. فلما ذهبت الربة، وجدت بركة من الدماء. ورأت صورتها، ووجها جميلاً، فراحت تشرب حتى سكرت. وتسّبب هروب الربة سخمت، عين إله الشمس الإله رع، إلى النوبة فى حرمان رب الأرباب من إحدى صفاته الأساسية. فاستوجب الأمر ضرورة إرجاع عين الشمس من منفاها الاختيارى.

 

 واستطاع الإله شو متخذًا اسم أنوريس «أى الذى يعيد البعيدة»، وأيضًا الإله تحوت، فى إقناعها بالرجوع إلى موطنها الأصلى؛ إذ كان صوت الصلاصل حاميًا ورمزًا للبركة المقدسة وإعادة الميلاد. وعلى الرغم من ارتباط الصلاصل بطقوس معبودات عديدة، خصوصًا الرب آمون والربة إيزيس، فإنها كانت من رموز الربة حتحور، وكان هناك ارتباط كبير بين الربة حتحور والربة سخمت. ورجعت الربة ونسيت أمر البشر. وبذلك، تم إنقاذ البشرية من الفناء. وأقيمت الاحتفالات وفرح الإله رع بهذا العمل الذى أنقذ به البشر.

 

مما سبق يتضح أنه فى الأزمنة القديمة، انتشرت الخرافات حول غضب الآلهة وانتقام الآلهة من البشر. وفى زمن الأوبئة، شاعت، كذلك، الخرافات حول قدرة المعبودات على سحق البشر بسبب الغضب الذى أصاب الآلهة نتيجة ما قام به البشر من أفعال أثارت استيلاء الآلهة.. ومن ثم كان ينزل العقاب الإلهى على البشر. ومنذ أقدم العصور، يرجع ذلك الاعتقاد إلى خوف الإنسان من المجهول ومن قدرة الآلهة العليا على إنزال العقاب بالبشر، فتقرب الإنسان القديم إلى الآلهة منذ أقدم العصور راجيًا رضا الآلهة والنجاة من غضب وسخط الآلهة. وفى مصر القديمة، وفى بعض فترات الضعف، ولدى البعض القليل من البشر، ساد الاعتقاد أن بعض الأرواح الشريرة كانت سبب بعض الأمراض نتيجة غضب الآلهة. وكانت الربة الشهيرة سخمت، هى المسئولة عن الشفاء من الأمراض. وكان البعض يتقرب لها طلبًا للشفاء؛ وذلك نظرًا لأن للإلهة سخمت هيئتين، هيئة مدمرة وأخرى حامية. 

 

ومما لا جدال فيه أن مصر القديمة هى حضارة العلم والعمل، لا حضارة السحر والخرافة. وقد قامت تلك الحضارة العظيمة على تقديس العلم والاعتقاد الصحيح فى أصول الدين الذى جعل من العلم مصدرًا لا يقل تقديرًا واحترامًا عن الدين. فقد عرفت مصر القديمة، مثلها مثل أى مجتمع إنسانى قديم، الأمراض والأوبئة. وعرفنا عن تلك الأمراض من عدة مصادر. وأمدتنا دراسة المومياوات والبقايا الآدمية بالعديد من المعلومات عن الأمراض التى عانى منها أصحاب المومياوات من المصريين القدماء، والغذاء الذى كانوا يأكلونه، والأنساب التى كانت تربط بينهم، وأسباب وفاة الأفراد فى مصر القديمة وغيرها من المعلومات القيمة عن الحياة الطبية لدى المصريين القدماء. وعلى الرغم من أن الفن المصرى القديم قد صوّر بعض المناظر التى تعبر عن شفاء المرضى، فإنها كانت نادرة بشكل كبير. 

 

وعرفنا بعض الأمراض مثل أمراض العيون التى كانت منتشرة، والتى احتلت مكانة بارزة فى البرديات الطبية؛ وكان ذلك طبيعيًا فى جو مصر المعروف بوجود الرمال والأتربة القادمة لها من الصحراء، غير أنه لم يتم تصوير ذلك فى الفن. وهناك مناظر عازف الهارب المصورة بكثرة فى مقابر الفراعنة، والتى ربما كانت حيلة فنية لتصوير العازفين المصريين القدماء، وهم يغنون وهم مغمضو العينين؛ وذلك ليس لأنهم فقدوا حاسة البصر فى الواقع. وكانت هناك أيضًا الأمراض الناجمة عن لدغات العقارب والثعابين التى كانت منتشرة فى مصر القديمة. وكذلك احتلت مكانة بارزة فى البرديات الطبية، وكانت تحدث نتيجة وجود مصر فى نطاق الصحراء الكبرى. وهناك ما نطلق عليه فى علم المصريات اصطلاح «لوحات حورس السحرية» والتى انتشرت فى الألفية الأولى قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام. وكان الهدف من عمل تلك اللوحات هو تقديم الحماية لأصحاب تلك اللوحات ضد تهديدات وشرور العقارب والثعابين. وكانت هناك الأمراض التى تخص الأعضاء الداخلية للإنسان. غير أنه كان من الصعب اكتشافها حتى فى المومياوات جيدة الحفظ. بيد أن هناك بعض الأمراض التى تم اكتشافها داخل أعضاء الإنسان مثل حصوات الكلى التى عُثر على بعض منها، من خلال فحص بعض بقايا المومياوات. 

 

وكان مرض السل من الأمراض المعروفة فى مصر القديمة. وتم العثور على عدة حالات أُصيبت بسل العمود الفقرى فى البقايا الآدمية. وقد تم تصوير بعض الأفراد وهم محدوبو الظهر. غير أن هذا الأمر ربما كان يرجع إلى مرض آخر غير مرض سل العمود الفقرى، أو لسوء فى التصوير الفنى من قبل الفنان الذى نفذ هذا العمل أو ذاك. وعرفنا كذلك بعض حالات شلل الأطفال فى مصر القديمة؛ إذ صورت لوحة من عصر العمارنة، تلك الفترة التى تُنسب للملك أخناتون وخلفائه، رجلاً، يحمل اسم «رع مع»، ذا ساق هزيلة، ويستند إلى عصا. وهذا هو الدليل الأساسى على وجود مرض شلل الأطفال فى مصر القديمة. وربما تعود التشوهات التى وُجدت فى مومياء الملك سبتاح، من الأسرة التاسعة عشرة من عصر الدولة الحديثة، إلى نفس المرض. وفى مصر القديمة، وُجدت أيضًا الأمراض الطفيلية مثل البلهارسيا والدودة الغينية والدودة المستديرة والدودة الشريطية.

 

وهناك بعض الأمراض التى لم تترك أى أثر يُذكر حتى فى المومياوات المحفوظة جيدًا. وبعض من هذه الأمراض لم نجد له اسمًا فى المفردات المصرية القديمة؛ مما سبّب لنا فجوة كبيرة فى معرفتنا العلمية بهذه الأمراض. ونجد، على سبيل المثال، أن الجذام لم يكن معروفًا فى مصر القديمة. وتم تسجيل أول حالات الجذام فى دفنة مسيحية من القرن السادس الميلادى فى النوبة. ومن الجدير بالذكر، ووفقًا للمصادر الأثرية، فإن الطاعون لم يكن معروفًا فى مصر القديمة حسب المصادر التى نعرفها، إلى الآن. وهناك إشارة قد تكون تشير إلى الطاعون على أنه هو المرض المسمى فى البرديات المصرية الشافية «تا نت عامو» أى «(المرض) الآسيوى»، غير أن هذا الأمر غير مؤكد. ولا نعرف على وجه اليقين لماذا تمت نسبة مرض الطاعون إلى آسيا. وتذكر بعض المصادر المكتوبة «رنبت إيادت» أى «عام الوباء» المرتبط بالربة سخمت، الإلهة التى كانت تجسد الغضب الإلهى. وتشير برديات من العصر الرومانى إلى الإجراءات التى اتخذها كاهن المعبد، كاهن الربة سخمت، لفحص اللحوم والمواشى، والحماية من العدوى.

 

غير أن أهم المعلومات العديدة عن الأمراض جاءت إلينا من البرديات المكتوبة بالخط الهيروغليفى أو الخط الهيراطيقى. وبالنظر إلى تلك البرديات الطبية فى مصر القديمة، نجد أنها ذكرت العديد من الأمراض وطرق علاجها؛ وذلك لأن المصريين القدماء عرفوا علوم الطب وبرعوا فيه بشدة. ودونوا تلك الأمور المختلفة على بردياتهم التى رصدت عبقرية المصريين القدماء؛ إذ إنهم عرفوا تكوين الجسم الآدمى. وكان الأطباء المصريون القدماء متقدمين للغاية فى الطب. وبرعوا فى الجراحات، وإصلاح كسور العظام وتركيب الأدوية. ومن تلك البرديات الشهيرة بردية إدوين سميث وبردية إيبرس وبردية كاهون أو اللاهون ولندن وبرلين وغيرها من برديات العلاج بالطب، وكذلك برديات أخرى تم فقد أجزاء كبيرة منها أثناء العثور عليها كبرديات شستربيتى، وليدن، والرامسيوم، وهرست، وبرلين الطبية التى تحتوى على شرح مطول عن القلب والأوعية وأغلب العقاقير سواء أكانت نباتية وحيوانية.

 

برديات كاهون أو اللاهون 

 

تم العثور على برديات كاهون أو اللاهون بالفيوم. وهى محفوظة فى جامعة لندن. ومن بين تلك البرديات توجد بردية خاصة بأمراض النساء بالكتابة الهيراطيقية. وبالنسبة لأمراض النساء، لا تقدم البردية وصفًا لكيفية فحص المريضة، لكنها تقدم النصائح العلاجية لمن يشتكين من بعض الأعراض، مثل وصفات تُعطى عن طريق الفم، أو تُوضع داخل المهبل أو خارجه، وتتحدث إحدى فقرات البردية عن تبخير المهبل بوصفة ما من أجل زيادة فرصة حدوث الحمل. كما تذكر بعض اللبوسات المهبلية كوسيلة لمنع الحمل. ولم تغفل البردية اختبارات الحمل. وتعتبر احتقان الأوعية الدموية للثدى علامة على الحمل. ويصف الكثيرون محتوى البردية بالمخيب لآمال الطب المعاصر؛ بسبب بعدها عن المفاهيم الحديثة لأمراض النساء، وعدم وجود أى شىء بها عن الولادة. 

 

بردية إيبرس 

 

تُنسب البردية لعالم المصريات جورج إيبرس. وذكرت ما يقرب من أربعمائة دواء وثمانمائة وسبع وسبعين طريقة طبية لعلاج أمراض كالعيون والنساء والجراحات والتشريح والباطنة والجلد. ومن الديدان التى ذكرت البردية طريقة التعامل معها، دودة غينيا، التى كانت مشكلة صحية كبيرة فى الماضى. كما تقدم البردية وصفة للمساعدة على نمو شعر الرأس الأصلع باستخدام. ومن الأمراض التى سجلتها البردية مرض الطفح الجلدى. وقدمت عدة وصفات لتصنيع المراهم.

 

بردية برلين وبردية لندن 

 

تتعامل البردية مع أمراض الثدى، وتعرض طريقة فولكلورية لمنع الحمل، واختبارًا لتحديد نوع الجنين «ذكرًا كان أم أنثى». وتعد من البرديات الطبية القليلة التى تناولت علاج أحد اضطرابات الجهاز العصبى، فتصف البردية حالة شلل عصب الوجه. وهو يصيب عادة ناحية واحدة من الوجه. وبها 25 فقرة طبية. والباقى تعاويذ سحرية. ويوجد بالبردية جزء صغير عن أمراض النساء. وهناك سبع عشرة فقرة تتفق مع بردية إيبرس.

بردية بروكلين 

تتناول بردية بروكلين لدغات الثعابين فقط. وهى محفوظة فى متحف بروكلين فى مدينة نيو يورك. ويحتوى الجزء الأعلى منها على تصنيف لمختلف أنواع الحيات ولدغاتها. ووصل عددها إلى ثمانية وثلاثين ثعبانًا وحية. وتضمن الجزء التالى منها عرضًا للعقاقير المستخدمة فى التخلص من سموم الثعابين والحيات، وكذلك طرق طرد جميع الثعابين وغلق أفواهها، وبعض الرقى التى تُستخدم فى الشفاء من لدغات الثعابين. ويحظى البصل بمكانة مميزة فى البردية فى ما يخص حالات لدغ الثعابين. فتقول إحدى فقرات البردية «أدوية عظيمة الفائدة تُحضر من أجل هؤلاء الذين يعانون لدغ جميع أنواع الثعابين: البصل.. يُدهس جيدًا فى الجعة. يتناول المريض المزيج ليتقيأ يومًا واحدًا.» وفى فقرة أخرى «بالنسبة للبصل، فيجب أن يكون بين يديّ كاهن الربة سرقت أينما ذهب، لأنه يقضى على السم الخاص بأى ثعبان، ذكرًا كان أو أنثى. وإذا دُهس البصل فى الماء ومُسح به جسم الإنسان فلن تلدغه الثعابين. وإذا خلطه إنسان بالجعة وسكبه فى كل أنحاء المنزل فى أحد أيام السنة الجديدة، فلا يمكن لأى ثعبان أن يدخل المنزل».

بردية هيرست 

وتعتبر بردية هيرست مملكة طبية وتشمل أجزاء عن الجهاز الهضمى والجهاز البولى والأسنان والعظام والشعر والدم ولدغات الزواحف. وتشتمل أيضًا على وصفات علاجية لبعض الحالات المرضية غير المحددة. وتتحدث إحدى فقرات البردية عن علاج مرض «أشيت»، الذى لم يتوصل العلماء والأثريون إلى معرفته. كما تتحدث عن وصفة لوضعها فوق شعر الرأس لمنع المشيب. 

 

بردية كارلسبرج الثامنة وبرديات الرامسيوم 

 

تدور بردية كارلسبرج حول كيفية اكتشاف الحمل ومعرفة جنس الجنين، وكذلك قابلية المرأة للحمل من عدمه، كما تعرض بعضًا من أمراض العيون. وتحتوى على عدة فقرات تشبه ما جاء فى برديات برلين وكاهون أو اللاهون الطبية. أما برديات الرامسيوم فيقع الجزء الطبى فى برديات الرامسيوم الثالثة والرابعة والخامسة. وتتحدث البردية الثالثة عن طب العيون وأمراض النساء والأطفال. كما تشتمل البردية الرابعة على وصفات تخص أمراض النساء والأطفال. وتضم البردية الخامسة بعض المفاهيم الطبية والعلاجات لإصابات العضلات والأوتار إلى جانب تعاويذ سحرية.

 

برديات شستر بيتى 

 

تنسب برديات شستر بيتى إلى صاحبها رجل الأعمال السير ألفريد بيتى. ويضم الجزء الثالث من البردية الخامسة تعازيم سحرية لعلاج الصداع والصداع النصفى. وتدور أغلب فقرات واجهة البردية السادسة عن أمراض الشرج، بينما تحمل خلفيتها القليل من الوصفات الطبية مع الكثير من التعاويذ السحرية لأمراض غير معلومة.

 

بردية إدوين سميث 

 

ختامًا للحديث عن البرديات الطبية فى مصر القديمة، فإن بردية إدوين سميث هى مسك الختام. وتعتبر من أكثر البرديات الطبية أهمية؛ لأنها تتحدث عن الجراحة وتعرض معلومات عن جراحة ثمانية وأربعين حالة مثل إصابات حوادث، وتقدم أسلوب التعامل والعلاج مع كل إصابة. وتبدأ بعنوان مختصر، ثم طريقة الفحص الطبى، ثم التشخيص، وتنتهى بالعلاج. ومن الحالات التى سجلتها تلك البردية التعامل مع مصابين بجرح فى الفخذ. وتضمنت البردية أيضًا التشخيص الصحيح لإصابة كسر قاع الجمجمة، وتشخيص الالتهاب السحائى بعلامات دقيقة. ووصفت البردية بعض الوصفات والأدوية بغرض تخفيف الألم عن مصاب بكسر مضاعف بالعظمة الصدغية بالجمجمة. وتعرض البردية الحالات المسجلة بها فى تسلسل منظم. وتبدأ بإصابات قمة الرأس ثم تتجه إلى أسفل نحو الوجه والفك ثم الرقبة حتى تصل إلى أعلى القفص الصدرى والذراعين ثم العمود الفقرى، ويستمر الفحص إلى الأسفل حتى القدمين، فيعرض تشريحًا منظمًا يتبع قواعد التشريح الكلاسيكية الواردة فى كتاب التشريح الشهير للعالم جراى.

 

ويعتبر تاريخ الطب وأسرار البرديات الطبية بما يحملان لنا من معارف وعلوم عن تاريخ الأمراض والأوبئة فى مصر القديمة مثيرًا وحافلًا للغاية بالعديد من المعلومات والأحداث والكثير من العلوم والأمور القيمة والمدهشة مثله فى ذلك مثل كل شأن من شئون الحضارة المصرية العظيمة الخالدة. والخلاصة أنه فى بعض الأزمنة تنتشر الأوبئة، فتعمّ الخرافات وتسود الأساطير، ومنها ما قد يستند إلى أصل تاريخى، ومنها ما يكون وليد اللحظة، وينتهى ذكره باختفاء الأوبئة وانتهاء الأمراض، غير أن بعض الأمور والحوادث والوقائع والذكريات والحكايات قد يبقى فى بعض السجلات والوثائق المكتوبة أو فى الذاكرة والوعى الجمعى. تلك هى الحكاية باختصار شديد.