الجمعة 25 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«باترسون».. السفيرة التى تحكم مصر!

«باترسون».. السفيرة التى تحكم مصر!
«باترسون».. السفيرة التى تحكم مصر!


الشاطر كلمها مرتين قبل خطاب مرسى .. وخالد القزاز راجع معها مضمونه فى الثانية عشرة ظهراً

 
الاتصال الأول:
كانت عقارب الساعة تؤشر نحو العاشرة من صباح الأربعاء الماضى .. حينها كان أن انهمك كل من خيرت الشاطر، نائب مرشد جماعة الإخوان، والسفيرة الأمريكية بالقاهرة «آن باترسون»، فى تجاذب أطراف الحديث حول ما يجب أن يقوله «مرسى» خلال كلمته «المرتقبة»، مساء اليوم نفسه.. وانتهت المكالمة التى استغرقت نحو 02 دقيقة، بالاتفاق على اطلاع «باترسون» على تفاصيل الكلمة فى أقرب وقت ممكن(!)
الاتصال الثانى:
بعد ساعتين تقريبا من الاتصال الأول..  كان على طرف الهاتف مع «باترسون»، مستشار الرئيس للشئون الخارجية «خالد القزاز»، حاملا فى يده مضمون الكلمة التى أذيعت فى التاسعة والنصف، مساء الأربعاء(!)
الاتصال الثالث:
فى الرابعة من عصر اليوم نفسه، وبعد مشاورات متعددة أجرتها «باترسون» مع مسئولى «الإدارة الأمريكية»، كان أن أخبرت، خيرت الشاطر بضرورة عدم الهجوم على ثلاثى «المعارضة التقليدية»: د. محمد البرادعى، وحمدين صباحى، ود.السيد البدوى شحاتة ، موصية - كذلك - بضرورة البدء فى البحث عن طرق «فعالة» للاتصال بهم  مجدداً.. لأن «الجماعة» لو نجحت فى هذا الأمر، سيكون من الجيد أن يكون هؤلاء الثلاثة - على حد توصيفها - وجها مقبولا للبدء فى فعاليات المصالحة الوطنية، التى حُمّل بالترويج لها «عماد عبد الغفور»، مساعد رئيس الجمهورية.
وهى المبادرة التى تشمل الدعوة لمؤتمر وطنى عام، بمشاركة ممثلين عن الأحزاب والنقابات والقضاة (!)
بعدها كان أن التزم كل من محمد بديع، مرشد جماعة الإخوان، ونائبه «خيرت» بالتوجيهات الأمريكية.. وطلبا إجراء التعديلات المطلوبة.. وتم لهما ما أرادا(!)
لكن.. إن كانت العديد من دوائر صنع القرار الأمريكية - وهو ما تعكسه بوضوح الدراسات والتقارير الصادرة عنها - باتت ترى أن الارتباط بـ«الإخوان» فى مصر، كان خطأ استراتيجيا غير مدروس -  بمن فى ذلك المسئولون عن برنامج «تحليل استراتيجيات الإسلام السياسى» بوكالة الاستخبارات المركزية(CIA) فلماذا سعت «الإدارة الأمريكية» مجددا لمد ما تتصور أنه «يد الإنقاذ» لحكم الجماعة فى مصر (؟!)
(1)
توضح دراسة حديثة كتبها «ناثان براون»، ونشرت بـ «واشنطن بوست»، قبل شهر تحت عنوان : (إعادة ضبط السياسة الأمريكية فى مصر)، أن «إدارة أوباما» اعتمدت سياسة «براجماتية» تجاه الحكومة الجديدة التى يقودها الإخوان.. وكانت الرسالة الأمريكية الأساسية للرئيس المصرى محمد مرسى واضحة:
(احترم معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والقواعد الديموقراطية الأساسية، وستكون حكومة الولايات المتحدة شريكاً مفيداً ومربحاً).
.. ومن خلال طرح هذا الخط، يمكن للإدارة أن تضع حدّاً للشكوك العربية القديمة فى أن الولايات المتحدة لن تقبل الانتصارات الانتخابية الإسلامية.
(يمكن أن نلاحظ هنا أن العديد من التقارير الصحفية المدعومة أمريكيا كانت تروج فى حينه إلى أن وجود حكومة ذات خلفية دينية فى مصر لن يتعارض ومفاهيم الديمقراطية - على سبيل المثال ما كتبه «تيموثى ستانلى» لشبكة (CNN) الإخبارية، تحت عنوان : An Islamic state in Egypt can still mean democracy ) .
يقول براون : كانت هذا المقاربة ملائمة للوضع بما فيه الكفاية على مدى بضعة أشهر، إذ لم يظهر مرسى أى علامات على التشكيك فى معاهدة السلام مع إسرائيل.. بل عمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة لوضع حدّ لتفجّر العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين.. ومع ذلك اتّخذت السياسة المصرية فى الأشهر الخمسة الماضية منحى مقلقاً وخطيراً، إذ جابت البلاد احتجاجات عنيفة، وانعدمت الثقة بين الحكومة وأحزاب المعارضة الرئيسة، وباتت هناك حالة من السخط العام والهائل.. وطفا على السطح مجددا التوتّر الطائفى، وتزايدت الهمهمات عن انقلاب عسكرى محتمل.
ورغم أن المشهد السياسى - بحسب براون - كان صعباً غداة تولى الجماعة السلطة، إلا أن تصرفات «الإخوان» أدّت إلى تفاقم الأوضاع.. ومن الأمثلة على ذلك التسرّع فى وضع دستور جديد وتعيين نائب عام جديد، على رغم الاعتراضات القضائية الجريئة والراسخة فى القانون المصرى.
كما ضغط نواب الجماعة فى البرلمان، لفرض قيود جديدة على المنظمات المدنية المستقلة.. وحاصر أنصارها المحكمة الدستورية، لإرغامها على الانصياع لرغبات الجماعة.. ونزلوا فى بعض الأحيان إلى الشوارع لمواجهة المعارضين بعنف.
فى الوقت نفسه، كانت مصر تقترب من دوامة المشاكل الاقتصادية.. وكانت الحكومة بين خيارين، إما أن تصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولى، وتفرض استقطاعات مؤلمة فى الإنفاق العام، أو تفشل فى التوصل إلى اتفاق وتواجه عجزاً مالياً مدمّراً.
ومن الناحية السياسية.. كان هناك مسئولون بإدارة أوباما يتمسكون بفرضية مفادها أن «الإخوان» حسنو النية، حتى لو كانت سياساتهم تتّسم بالحمق أحياناً.. لكن هذه الفرضية، لم تعد تتناسب والحقائق الموجودة على الأرض.. وفى ظل الإجراءات المعادية للديمقراطية، التى تقوم بها الحكومة المصرية تجازف «الولايات المتحدة» بصورتها التى ستبدو غير مرنة وغير حصيفة(!)
(2)
ما قاله «براون» كان الخلاصة التى انتهت لها - حتى كتابة هذه السطور - أغلب الدراسات الميدانية لمراكز الدراسات الأمريكية، والتى انتهت إلى ضرورة أن تكون هناك رسالة واضحة من البيت الأبيض لـ«مرسى»، مفادها:
(لا يجب أن نكون بعد الآن معك.. فنحن قلقون للغاية بشأن انتهاكاتكم للمبادئ السياسية والدستورية.. ولا يمكن أن تكونوا الشريك الذى نوده، إذا ما قوّضتم تحقيق التطلّعات الديمقراطية للمصريين).
ويتطلّب تطبيق هذه الرسالة - بحسب التوصيات البحثية - استجابة عامة أكثر وضوحاً من جانب البيت الأبيض ووزارة الخارجية لانتهاكات القواعد الديمقراطية وسيادة القانون، وسيعنى ذلك وضع حدّ لتبرير الخطوات السياسية «السلبية»، التى تقوم بها جماعة الإخوان.. ويجب على الولايات المتحدة أن تبين أن إمكانية تقديم مساعدات جديدة للجماعة، ليست بمعزل عن الواقع السياسى المصرى الداخلى.
وتتطلّب إعادة ضبط خط السياسة الحالية -من قبل الادارة الأمريكية - فارقاً دقيقاً وحذراً، إذ ينبغى أن يكون واضحاً أن الولايات المتحدة لا تنقلب على الإخوان ولكنها منحازة بصورة أكثر حزماً إلى الديمقراطية (!).. ويجب على إدارة أوباما أيضاً أن تجعل جميع الأطراف تدرك أنها تعارض بشدّة أى تدخل للجيش فى السياسة المصرية (!)
وعلى وجه عاجل.. أخذت هذه التوصيات - التى باتت محل تنفيذ بالفعل- طريقها للسفارة الأمريكية بـ«جاردن سيتى».. وبعدها مباشرة، كان أن رتبت السفيرة لقاءها بعدد من الأطياف السياسية، بمركز (ابن خلدون) للدراسات الإنمائية.. لا لشىء إلا لتقول ما وصلها مباشرة من «البيت الأبيض».. وبين العجلة، وعدم الاستيعاب الكامل للرسالة، لم تستطع «آن باترسون» خلال الجلسة أن تعبر جيدا عما أرادت «إدارة أوباما» أن تقوله.. فأوقعت نفسها فى تناقضات حادة، لم تغفرها لها وسائل الإعلام، التى قالت أنها ترتبط بعلاقات سيئة بها (!) .. وهو ما دفع السفارة فى اليوم التالى لنشر كلامها بشكل أكثر انضباطا (!)
بعد ذلك.. وعلى طريقة (أنا مش إخوان بس باحترمهم!).. كان أن نقلت «باترسون» خلال لقائها بخيرت الشاطر رسالة توضيحية للجماعة مفادها أن «الولايات المتحدة» حساسة - على نحو مفهوم - إزاء اتهامها باتّخاذ مواقف ضد الإسلاميين فى العالم العربى.. وأن إظهار حقيقة أن واشنطن جادة بشأن المعايير الديمقراطية فى ظل وجود أطراف إسلامية فاعلة جديدة فى السلطة بمصر، هو فى نهاية المطاف، علامة على احترامهم، أكبر من كونه تبريراً لأوجه قصورهم، وخفض سقف التوقعات الأمريكية منهم (!)
وخلال هذا اللقاء، تولدت فكرة خطاب «الساعات الثلاث»، ممهوراً بعبارة  (Made in U.S.A ) .. فإدارة الإخوان - على حد توصيف مرسى - غير القابلة لـ (الانضغاط !)، لا تمانع فى قبول الإملاءات(!)