ثورة «رجال الداخلية»

هدى المصرى
الباحث عن الحقيقة فى كواليس الأحداث الدائرة الآن داخل الجهاز الأمنى يرى بوضوح أن الداخلية «أهم قطاع من قطاعات الدولة» تواجه حربا ضروساً ومؤامرة مدروسة هدفها الأساسى هو كسر جهاز الشرطة وانهيار المنظومة الأمنية بالكامل.
ففيما يرى البعض أن الجهاز نفسه يواجه انقساما بداخله وبث شائعات لإحداث الوقيعة بين أفراده - وهم القوة الضاربة لدى وزارة الداخلية وبدونهم ستسقط - هناك من يتهم الفضائيات بإشعال الموقف داخل الوزارة!
لكن ظهور ما يطلق عليها اللجان الشعبية التابعة للجماعة الإسلامية بأسيوط - مؤخراً - يشير إلى ما ذهبت إليه قوى المعارضة بأن ما يحدث يصب فى مصلحة جماعة الإخوان، وأنها فى طريقها لنشر ميليشياتها، لإحكام قبضتهم على مصر ودفع الشرطة إلى المواجهة مع الشعب بهدف إسقاط الداخلية، لإتمام خطة التمكين.. فأين الحقيقة فيما يحدث؟
القيادات وضباط الشرطة اتفقوا على صحة وجود أزمة داخل وزارتهم، وأن هناك من يحاول الوقيعة فى ظل خلافات سياسية ينبغى إيجاد حلول لها، لا أن تترك الشرطة وحدها تواجه كل تلك الأحداث فى الشارع بدون تسليح، رافضين أى محاولات لإحلال أى جماعة أو تدخلها لتقوم بمهام رجال الشرطة.
اللواء عبدالموجود لطفى مدير أمن الجيزة علق على ذلك الأمر مستنكرا أن تكون الحرب على وزارة الداخلية من داخلها، وانتقد اتجاهات بعض القنوات الإعلامية وأثرها وتعمدها بث أخبار ومعلومات مغلوطة بين أفراد وضباط الشرطة بغرض الوقيعة وإلصاق التهم جزافا بالوزارة.
وأشار إلى تأكيد اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية خلال اجتماعه بمديرى الأمن أن الوزارة تقف على مسافة متساوية من جميع القوى السياسية وأن جهاز الشرطة لا يعمل لحساب أى جهة، مضيفاً: لا أشكك فى نوايا الإعلام، ولكن هناك نسبة كبيرة من الإعلام المرئى تحاول تضخيم المشكلات والسلبيات داخل جهاز الشرطة دون إبراز أى إيجابيات لها، باستغلال بعض الرتب الصغيرة داخل الوزارة!
واستطرد: ومع ذلك هناك نسبة كبيرة من الأفراد والأمناء وضباط الشرطة الذين بدأوا يدركون ذلك ويواصلون عملهم دون التخلى عن واجبهم ومديرية أمن الجيزة خير دليل على ذلك بجميع أقسام الشرطة بها.
وعن المطالبات التى ينادى بها رجال الشرطة قال: الوزارة تسير فى اتجاه تحقيق مطالب رجال الشرطة.. والرأى العام عليه أن يدرك أن الجهاز الأمنى مثله مثل جميع الهيئات، بالطبع يوجد به مشكلات ولكن ليست من النوع الذى يؤدى لتعطيل العمل.. ولذلك لا ينبغى أن يتم تضخيم الأمور بهذا السوء.
ونفى وجود أية جماعات مسلحة أو ميليشيات تقوم بمهام رجال الشرطة فى الشارع قائلاً: رجال الأمن فى الجيزة يقومون بواجبهم والأقسام تعمل بكامل طاقتها ولا يوجد أى مشكلات أو جماعات مسلحة.
بنفس المنطق رفض مدير أمن الإسكندرية اللواء أمين عز الدين فكرة تصعيد الأزمة داخل الوزارة.. معرباً عن أنه لا يوجد أى مشكلات داخلية على حد توصيفه.. والشرطة تعمل فى الشارع، والحملات الأمنية مستمرة، مضيفاً: لا يوجد فى الإسكندرية أى لجان شعبية وأنا كرجل أمن أرفض أن تقوم أى جماعة أو جهة بدور الشرطة، ولن أقبل بذلك.
الرائد أحمد رجب أحد مؤسسى ائتلاف ضباط الشرطة والمتحدث الإعلامى باسمه قال لنا: ليس صحيحا ما يتردد عن وجود انقسامات أو صراعات داخل الوزارة، ومع ذلك لا أحد يستطيع أن ينكر أن الوزارة تواجه الآن محاولات متعددة لضرب جهاز الأمن فى مقتل، ونحن نشاهد بأنفسنا مظاهر تؤكد ذلك منها إضرام النيران فى نادى الشرطة، ومحاولات الاعتداء على أقسام وضباط الشرطة.. وكل ذلك نتيجة الدفع بأفراد وضباط الشرطة لمواجهة ما يطلق عليهم الإعلام «المتظاهرين».
أما الدفع برجل الشرطة فى مواجهة المتظاهرين، وهو مكتوف الأيدى، وليس بوسعه إلا استخدام القنابل المسيلة للدموع.. فهذا يعتبر تضحية برجال الأمن! لأن كثيرين منهم ليسوا بمتظاهرين، فالمتظاهرون نعرفهم جيداً.. وشاهدناهم فى 25 يناير، لكن بخلاف هؤلاء.. كيف نطلق على من حاولوا اقتحام فندق سميراميس ومن أشعلوا النيران فى النادى العام لضباط الشرطة فى قاعات الطعام والنادى الاجتماعى، ومن روعوا الأطفال والزوجات.. متظاهرين - هؤلاء يطلق عليهم بلطجية وخارجين عن القانون ومجرمين.
وبالتالى لابد من التعامل معهم بمنتهى الردع والقوة، لذلك نطالب بإعادة تسليح رجال الشرطة وتفعيل المادة .102 وهى المادة الخاصة بقانون فض الشغب المنصوص عليها فى قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971بأن تكون هناك خيارات وسبل متاحة لاستخدام السلاح بداية من استخدام مكبرات الصوت لإنذار البلطجية، ثم خراطيم المياه ثم استخدام السلاح الخرطوش بأنواعه، ثم الطلقات الحية.
أى أنه يوجد قانون حصانة لرجل الأمن أثناء مباشرة عمله، وأيضا أن يكون هناك مشروع قانون بتنظيم التظاهر بالتوازى مع ذلك.
وأضاف: من الواضح جدا أن هناك مجموعة أو فصيلا يهدف لضرب الأمن المصرى.. ومع ذلك لا يمكن أن نطلق أحكاما دون تحريات النيابة، حتى إن كانت الشواهد المبدئية تشير إلى وجود مؤامرة.. فلابد أن نضع المسميات فى إطارها الصحيح خصوصا أن الذى يحدث بلطجة مباشرة لا تظاهر.
فمن يحرق ممتلكات الداخلية يحرق ممتلكات الدولة، وما يحدث فى الداخلية ليس إضرابا عن العمل ولكن صرخة، فإذا سقطت الداخلية سقط كل شىء فى مصر «السياحة والاقتصاد والبورصة».
المقدم طارق سرى المتحدث الإعلامى باسم نادى ضباط الشرطة قال لنا: لا أستطيع أن أجزم بوجود جهة معينة تسعى لإسقاط الداخلية، أما الحديث عن ميليشيات من قبل الجماعات الدينية أنفسهم فهو أمر متوقع، ومع ذلك لا أريد أن أتحدث عن ذلك من منطلق نظرية المؤامرة، لأن الذى يهمنى هم ضحايا الشرطة «181» فردا الذى لم يتغن الإعلام بهم مثلما فعل فى واقعة حمادة المسحول!
ولخص سرى أزمة ضباط الشرطة من وجهة نظره فى مشكلتين أساسيتين، هما: السبب وراء الإضرابات والأجواء المشحونة داخل الجهاز: أولا لنزولهم فى مواجهة عنيفة وهم منزوعو السلاح فى الوقت الذى تتواجد فيه جميع الأسلحة فى الشارع المصرى بداية من المولوتوف حتى طلقات النار الحية وهذا بمثابة انتحار لرجل الشرطة.
وبصفته المنسق العام للائتلاف العام لضابط الشرطة سابقا عبر المقدم محمد نبيل عمر المنسق العام لنادى ضباط الشرطة «تحت التأسيس» عن أنه يريد العمل على أرض الواقع لحل الأزمة، ولذلك فهو وزملاؤه بصدد إجراء انتخابات حرة ونزيهة لاختيار مجلس إدارة منتخب لنادى ضباط الشرطة على غرار نادى القضاة يعبر عن تطلعات وطموحات الضباط ويكون الكيان الشرعى الذى نادى به جموع ضباط الشرطة عقب قيام الثورة وحتى تكون أفكار الإصلاح والتغيير بصورة عملية وليست مجرد شعارات وملصقات لا تجد لها تطبيقا على أرض الواقع.
على خلفية أزمة الإضراب أكد لنا النقيب هشام المصرى أن اجتماع أعضاء هيئة الشرطة بمديرية أمن الإسكندرية مؤخرا خرج بتأكيد عدة مطالب منها الاستمرار فى غلق الأقسام والإدارات والمنشآت الشرطية فى وجه وزير الداخلية وقياداته على أن تعمل وبكامل طاقتها من أجل المواطنين حتى رحيل الوزير.
وأضاف: طالبنا بتوحيد الصف بين أعضاء هيئة الشرطة من ضباط وأمناء وجميع فئات الشرطة، وبالإعلان الرسمى بأن الشرطة هى الجهاز المنوط به التأمين طبقا للدستور والقانون.
وأشار إلى تأكيده وزملائه الضباط بتكليف الوزارة بتدبير المهمات اللازمة، لمواجهة البلطجية والخارجين عن القانون ومثيرى الشغب، وعدم الانحياز لأى فصيل أو حزب سياسى.
وأنهم يعلنون رفضهم لبيان النائب العام بشأن إعطاء أى مواطن حق الضبطية القضائية، لأن ذلك يثير الفوضى بين جموع الشعب المصرى.. وهو ما أدركوه بعد الإعلان، فكان عليهم النفى والتوضيح من جديد.
وكذلك رفضهم لسياسة الوزارة فى الوقت الحالى، وأن مطالبهم تتلخص فى تغيير المنظومة الأمنية بالكامل، وضرورة تفعيل دور جهاز العلاقات العامة والإعلام لوزارة الداخلية لتوصيل الرسالة الصحيحة للشعب المصرى، نظرا لاستغلال بعض القنوات الإعلامية لتلك الأحداث الجارية لقلب الحقائق.
∎∎
النقيب هشام صالح عضو اللجنة الإعلامية لنادى ضباط الشرطة «تحت التأسيس» شدد على أن الحلول الفعلية اللازمة لمواجهة الحرب الشرسة على رجال الأمن تتمثل فى عدم تصدير الأمن لحل الأزمات والمشاكل السياسية متسائلا: لماذا نترك الوزارة تنهار ونريد من الشعب دعم أبنائها من الشرطة، ولماذا يترك ضباط الشرطة يدفعون الثمن يوميا، وهناك تعمد لإسقاط الشرطة، إذن فالحل للوضع الحالى سياسى وليس أمنيا، والضباط لن يدفعوا فواتير المشاكل السياسية لأى نظام.