الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

خريف حيتان «الاستيراد»

ظلت مشكلة ارتفاع فاتورة الواردات، بمثابة الصداع المزمن للاقتصاد المصرى طوال عقود ، نظرا لضخامة العجز التجارى الذى تجاوز الـ60 مليار دولار سنويًا، لكن يبدو أن هذه المشكلة أخذت طريقها للحل أخيرا، بعدما بدأت الواردات  فى الانخفاض بنسبة كبيرة خلال العام الماضى، مما أدى إلى تراجع عجز الميزان التجارى بنسبة %25، نتيجة للسياسات التى اتخذتها الدولة لإحلال المنتج المصرى محل الأجنبى،  ومحاولات تحقيق الاكتفاء الذاتى فى بعض السلع الاستراتيجية.



رغم أن  ما تحقق يعتبر إنجازا كبيرا مقارنة  بالأعوام السابقة فإن الحكومة يجب أن تسرع الخطى خلال الفترة القادمة، لا سيما فى ظل انتشار فيروس كورونا، والذى يمكن أن يؤدى إلى غلق الموانئ الصينية ومنع وصول %20 من واردات مصر، وذلك عبر تحفيز كل الطاقات الصناعية المعطلة بالاقتصاد المصرى للعودة للعمل من جديد.

 

الميزان التجارى

 

المعلومات الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء مؤخرا تشير إلى أن عجز الميزان التجارى هبط  بنسبة %25.3 على أساس سنوى إلى 2.97 مليار دولار فى نوفمبر من العام الماضى،  وذكر الجهاز أن الصادرات انخفضت 0.8 % إلى 2.37 مليار دولار فى نوفمبر، فى حين تراجعت قيمة الواردات %16.1 إلى 5.34 مليار دولار.

وبحسب جهاز الإحصاء تراجعت واردات المنتجات البترولية %20.8 والمواد الأولية من الحديد والصلب %45.2 وفول الصويا %148 والذرة %43.8 والقمح %5، وفى ظل هذه المؤشرات  الرسمية  التى جاءت وسط ظروف عالمية طبيعية، فإننا أمام  موجة جديدة من التراجع فى الواردات المصرية خلال  الفترة القادمة خاصة فيما يخص السلع الصينية المستوردة بسبب كارثة تفشى فيروس كورونا.

 

قائمة الواردات

لا يخفى على أحد أن  واردات مصر من الخارج باتت تشمل كل شىء، حيث تمثل  كافة السلع الصناعية والزراعية والبترولية،  ومنها  السلع التى نصدرها للخارج بكميات كبيرة، لكن بعض هذه السلع تستحوذ على نصيب الأسد من الواردات، فـ%50 من تلك السلع  هى عبارة  عن منتجات بترولية، وسلع وسيطة، ومواد إنتاج، فى حين أن  %25  من الفاتورة  المتبقية عبارة عن سلع ضرورية كالقمح  والذرة والزيوت والسلع الاستراتيجية كاللحموم وفول الصويا، فى حين أن النسبة المتبقية عبارة عن سلع استهلاكية من الممكن ترشيدها أو إحلالها  بمنتجات مصرية.

ويحتل البترول ومشتقاته القائمة بقيمة تصل إلى نحو 7 مليارات دولار سنويا، تليها المواد الأولية من الحديد بنحو 4.5 ملياردولار، ولدائن البلاستيك بنحو بنحو 2.9 مليار دولار، والسيارات بكافة أنواعها نحو 2.7 مليار دولار.

أما الأدوية والمستحضرات الصيدلانية فتستحوذ على نحو 2.7 مليار دولار، والقمح بنحو 2.2 ملياردولار، والذرة نحو 2 مليار دولار، وفول الصويا نحو 1.5 مليار دولار، والأنابيب والمواسير بنحو 1.5 ملياردولار، والأخشاب بنحو 1.5 ملياردولار، وأجزاء السيارات بنحو 1.100 ملياردولار، وخامات الحديد بنحو مليار دولار، والزيوت المكررة بنحو ملياردولار، وورق الصحف والطباعة بنحو 500 مليون دولار سنويًا.

 

خطة وزارية

وضعت وزارة التجارة والصناعة بداية من عام 2016، خطة لخفض الواردات وزيادة الصادرات، وذلك بهدف العمل على تقليل الفجوة فى الميزان التجارى،  بعد أن تفاقمت هذه الفجوة حتى وصلت فى عام 2015  لنحو 49 مليار دولار، واستهدفت الخطة  خفض الواردات  بنحو %50، فضلا عن العمل على زيادة الصادرات بنحو %10، لكى تصل إلى 30 مليار دولار بنهاية العام المالي2020، وذلك من خلال إحلال الواردات غير البترولية وتخفيضها من 67 مليار دولار إلى 54 مليار دولار، بما يوفر نحو  3 ملايين فرصة عمل، وبلغت قيمة  الواردات غير البترولية 67 مليار دولار، و80 مليار دولار بإضافة المنتجات البترولية فى 2015.

بالفعل نجحت هذه الخطة  فى خفض الواردات لتصل إلى  70 مليار دولار مع نهاية  2016 مقابل 77 مليار دولار فى 2015، وزيادة الصادرات إلى 20 مليار دولار مقابل 18.5 مليار دولار، لكن سريعا ما عاودت الأزمة مرة أخرى   فى عام 2018 ، حيث بلغ إجمالى قيمة واردات مصر 81.9 مليار دولار عام 2018 مقابل 66.6 مليار دولار عام 2017، بنسبة ارتفاع  قدرها 23.1٪، و ارتفعت الواردات غير البترولية لتصل قيمتها 69.6 مليار دولار عام 2018 مقابل 56.6 مليار دولار لعام 2017، بنسبة ارتفاع قدرها 23.0٪، وزادت  الواردات البترولية والكهرباء لتصل قيمتهـا 12.3مليار دولار عام 2018 مقابل 10.0 مليار دولار لعام 2017، بنسبة ارتفاع قدرها 23 ٪.

ما لبثت الأمور أن عادت مرة أخرى لنصابها فى عام 2019، حيث واصلت الواردات تراجعها على مدار شهور العام الماضى،  وكشفت الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، عن تراجع حجم الواردات المصرية غير البترولية خلال شهر ديسمبر 2019 بقيمة 1٫180 مليار دولار بنسبة %18 مقارنه بشهر ديسمبر 2018، حيث بلغت قيمة الواردات المصرية غير البترولية خلال ديسمبر 2019 ، 5٫292 مليار دولار مقابل 6٫473 مليار دولارخلال ديسمبر 2018.

وكشف تقرير للبنك المركزى لأداء ميزان المدفوعات، خلال الربع الأول من العام المالى الجارى،  عن  تراجع عجز الميزان التجارى، نتيجة  تراجع المدفوعات عن الواردات  السلعية غير البترولية بمقدار 322.7 مليون دولار ، لتسجل نحو 12.9 مليار دولار مقابل نحو 13.2 ملياردولار، وتمثلت السلع التى انخفضت وارداتها  فى حديد صب زهر، والقمح والخشب الخام  والمكثف، وقطع غيار وأجزاء السيارات والجرارات.

سياسة الاكتفاء الذاتى

من أهم الأسباب  التى أدت إلى تراجع  حجم الواردات فى بعض السلع خلال الفترة الأخيرة سعى الدولة  لتحقيق الاكتفاء الذاتى فى بعض السلع، ويأتى على رأس هذه السلع الغاز الطبيعى والسكر والزيوت والغزل والنسيج  وفول الصويا، فقبل عامين استطاعت وزارة البترول تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى والتحول مرة أخرى للتصدير، مما وفر على الدولة نحو 2.7 ملياردولار كانت  تنفق سنويا لتوفير واردات الغاز المسال.

أما على مستوى واردات  السكر والتى انخفضت بشكل واضح خلال العامين الماضيين، فقد جاءت نتيجة تشجيع الدولة على زراعة قصب وبنجر السكر، بالإضافة لتطوير مصنع الدلتا للسكر وإنشاء شركة القناة للسكر باستثمارات ملياردولار لإقامة أكبر مصنع بالشرق الأوسط بمحافظة المنيا.

وبنفس الأسلوب قامت الدولة بالتوسع فى زراعة النباتات الزيتية، كعباد الشمس والصويا والذرة ، بجانب إعادة تشغيل خطوط العصر بالمصانع، ونتيجة لذلك انخفضت واردات الزيوت فى الربع الأول من 2019 بنسبة %14، بعد أن تراجعت الكميات بنحو 62 ألف طن من أجمالى واردات بلغت 382 ألف طن فى الربع الأول.

ولا تقتصر سياسة الدولة على تحقيق الإكتفاء الذاتى فى السلع الزراعية والبترولية فحسب، بل أنها تشمل السلع الصناعية أيضا عبراسترتيجية توطين الصناعة التى تعمل على الانتهاء من ملامحها  وزارة  الصناعة والتجارة الخارجية.

المصانع المتعثرة

ويعد ملف المصانع المتعثرة، والتى كانت قد توقفت نتيجة الاضطرابات السياسية والاقتصادية التى عصفت بالاقتصاد عقب أحداث 25 يناير ضمن أهم عوامل الحد من الواردات الصناعية خلال الفترة المقبلة، ولعل ما طالب به الرئيس عبد الفتاح السيسى الأسبوع الماضى خير دليل على أن الدولة تعى ذلك تماما، حيث طالب الرئيس الحكومة بإنقاذ آلاف المصانع والشركات المتعثرة بسبب الأضرار الجسيمة التى لحقت بنشاطها، جراء الانفلات الأمنى خلال عام 2011.

ووجه الرئيس  باتخاذ الإجراءات الفورية التى تدعم تلك الكيانات الاقتصادية المتعثرة وتمكنها من استعادة ممارسة نشاطها بما فى ذلك الاتفاق مع البنوك لإعادة  تشغيل المصانع المتوقفة بكامل طاقتها.

وأطلقت الحكومة والبنك المركزى المصرى قبل نحو شهرين، مبادرة لإنقاذ هذه المصانع والتى بلغ عددها نحو 5184 ، عبر حث  البنوك على إزالة الفوائد المتراكمة من هذه المصانع المتعثرة، والتى تصل لـ31 مليار جنيه بجانب إزالتهم من القوائم السلبية وإسقاط القضايا المنظورة أمام القضاء.

 

الواردات الصينية

حذر المستوردون من إمكانية  عدم قدرة  تعاقدات الاستيراد  الجديدة  التى من المنتظر وصولها خلال الشهر الجارى، أن تصل إلى البلاد  حال غلق الموانئ الصينية، بما يؤثر سلباً على الأسواق، فقال أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية بالقاهرة، إنه لا تأثير حتى الآن من الفيروس على التعاقدات القديمة، فالبضائع المشحونة تتوافد على الموانئ بشكل مستمر.

 وأشار شيحة  إلى أن حصة مصر من الواردات الصينية تبلغ 14 مليار دولار، وهو ما يمثل %20 من الواردات، مضيفا  أن تأثير كورونا على السلع المستوردة سيظهر فى التعاقدات الجديدة، ولن يكون هناك ضرر من التى شحنت من الصين حالياً، مشيراً إلى أن التأثير الأكبر على الصناعة المصرية لاعتماد السوق على استيراد سلع وسيطة ومادة خام.