حكاية كوبرى «المسيح» فى إيران !
روزاليوسف الأسبوعية
(مجنون) أكثر كلمة سمعتها عندما كنت أخبر أحدهم بأننى سوف أقوم برحلة لإيران.. وهناك من كان يصرخ فىّ ناصحا مستنكرا.. فيه مسيحى يروح دولة إسلامية برجليه! لذلك لم يكن تشكيل الوفد الشعبى القبطى الذى يصحبنى للتعرف على وضع الأقليات الدينية فى إيران أمرا سهلا، نظرا للخوف الشديد والتشويه الإعلامى المتعمد ضد إيران.
كثيرون اعتذروا ممن يدعون الشجاعة عن هذه المغامرة غير المحسوبة، ولم أجد إلا القس (عيد صلاح) - راعى الكنيسة الإنجيلية الثالثة بالمنيا - شغوفا بهذه الرحلة وأعطانى كلمة واحدة بلا تردد، وهو باحث عميق ومثقف موسوعى. ساعدنى كثيرا بملاحظاته الذكية فى كتابة هذه الرسالة عن إيران !
الوفد ضم الدكتور حمدى صموئيل استشارى التنمية الكاثوليكى، الأستاذ هانى الجزيرى ورئيس مركز المليون لحقوق الإنسان، والمحاسب أكرم خليل، والكاتبة الصحفية مارى رمسيس، والدكتورة (عايدة نصيف) - أستاذ الفلسفة.
يلزم بداية أن أشير إلى أن عرضنا لوضع المسيحيين هناك لا يعنى وصف ما رأيناه ولا هناك مجال للمقارنة بين الوضع هنا وهناك، فعدد المسيحيين بإيران لا يتجاوز 100 ألف، أى أنهم يمثلون عدد سكان منطقة مسرة أو شارع فى شبرا من الأقباط.
مجلس الشورى الإيرانى
تضمنت رحلتنا زيارة لمجلس الشورى الإيرانى المنتخب من الشعب وأعلى هيئة برلمانية فى إيران، دخلنا قاعته أثناء انعقاد إحدى جلساته وجلسنا فى بلكونة الضيوف بحيث نرى ونشاهد ونستمع إلى المناقشات وتصادف المناقشات كانت لاستجوابات قدمها النواب لوزير النفط وكان يرد عليها !
البرلمان الإيرانى به 5 نواب من الأقليات 3 من المسيحيين وعضو من اليهود، وآخر عن الزرادشتيين.
وقد جلسنا فترة طويلة مع النواب المسيحيين الثلاثة للتعارف والحوار وفسروا لنا أن الأقليات هى التى تختار نوابها عن طريق الانتخاب فهم يقرون بالآلية الديمقراطية، فالمسيحيون الأرمن والمسيحيون الأشوريون هم من يختارون نوابهم فى البرلمان وخرجنا بمجموعة من الأمور المهمة وهى :
1- أول إمام شيعى فى إيران كان له طبيب مسيحى أرمنى.
2- الأرمن منذ وقت طويل وهم فى إيران والأقليات ممثلة فى الدستور الإيرانى.
3- قال النائب عن الكتلة الأرمينية إنى أعتز وأفتخر بأننى أعيش فى إيران.
4- أول معاهدة تمت بين الأرمن والإمام على موجودة فى مدينة أصفهان، وهذا الأمر يريحنا ويجعلنا مطمئنين
5- لم يسجل التاريخ حالة اعتداء على مسيحى ولاسيما بعد الثورة الإيرانية.
6- الدستور الإيرانى يكفل حريات المسيحيين وأنهم ليسوا أقل من المسلمين.
7- تم مؤخرا إقرار قانون لوضع الدية بحيث كان قبل الثورة قتل المسلم يأخذ مقابله 20 مسيحيا أما بعد الثورة المسلم مقابل مسيحى فرد لفرد، وهذا تطور كبير.
8- العلاقات جيدة بين النائب البرلمانى وشعب طائفته، الشعب هناك يجل ويقدر الشخصيات والمؤسسات الدينية، وهذا هو العامل المشترك بين المسيحيين والمسلمين فى إيران.
9- تم نقل الأمانة العامة لاتحاد الكنائس الأرمينية على مستوى العالم بعد 37 سنة من بقائها فى الولايات المتحدة وذلك منذ 4 سنوات.
10- نقيم المؤتمرات المسيحية ويأتى الرئيس نجاد ويفتتحها.
11- مادة 84 تنص على أن النائب يختار من الشعب ولكن تحت قبة البرلمان هو نائب السبعين مليون إيرانى.
12- تخصص الجمهورية الإيرانية ميزانية خاصة لكافة أنشطة الكنائس ورعاية الشعب سياسيا وثقافيا.
13- لا نحتاج إلى بناء كنائس جديدة ولكن نرمم بسهولة الكنائس المقامة وأحدث كنيسة بنيت منذ 30 سنة توجد 200 كنيسة لـ 100 ألف مسيحى.
14- لدينا مدارس خاصة نعلم فيها ساركسيان مناهج وزارة التربية والتعليم بلإضافة إلى الدين واللغة الأرمينية.
15- بالنسبة للقضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية هى وفق العادات والثقافة والتعليم المسيحى ويعترف بها فى الدستور والقانون.
وفى حال تصعيد بعض قضايا الأحوال الشخصية إلى المحاكم الإسلامية يتم التنسيق بين الكنيسة والمحكمة والمحكمة تنفذ الأحكام الدينية الخاصة بالمذهب.
16- يصدر الإيرانيون الأرمن ثانى أقدم جريدة فى إيران تدعى (إليك) وتعنى موجة.
17- حسب الدستور الإيرانى المدينة التى ترى أن يكون لها نائب فى البرلمان لابد أن يبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة. وعدد الأقليات فى إيران يصل إلى مائتى ألف نسمة، ولهم 5 نواب، وبالتالى الاحترام الذى نحظى به يفوق الاحترام للآخرين من الإيرانيين المسلمين.
18- اختير عضو الأرمن فى البرلمان ليكون رقم 2 من ضمن 15 عضوا فى اللجنة المخصصة لإقامة علاقات بين البرلمان الإيرانى وبرلمانات العالم.
الجريدة المسيحية
كان لنا لقاء مع أسرة جريدة (إليك) وهى كما ذكرنا من قبل تصدر عن الأرمن وهى تعتبر ثانى أقدم جريدة فى إيران. وتعتبر مركزاً ثقافياً للأرمن الموجودين فى إيران وهى جريدة يومية أرمينية، والأرمن فى إيران يعود تاريخهم إلى 700 مائة سنة لم يمارس عليهم ضغط فى ظل الثورة الإيرانية. فالمعاملة أفضل، لا تضييق ولا حصار ولا تمييز.
الجريدة تطبع 4000 نسخة وهى الوحيدة باللغة الأرمينية وبالتالى هى تدخل فى جميع مجالات الحياة وتتكلم عن القضايا المسيحية والقضايا المحلية. ويوجد بها عامود باللغة الفارسية ونصدر مجلة أخرى باللغة الفارسية كل ثلاثة شهور اسمها (بيمان) وتعنى عهد.
للأرمن ساعة فى الإذاعة بالفارسية يوميا تخص الثقافة والآداب والفكر الأرمينى. وعندما سألت: ما هى الخطوط الحمراء فى النشر أجاب مدير التحرير: نحن ننشر فى ضوء القانون الموجود، لا نتدخل كثيرا فى الشئون السياسية الإيرانية ولكن نقدم ما هو فى إطار الصالح العام للجمهورية الإسلامية. لدينا نشاطات ثقافية ولدينا علاقة بالأرمن على مستوى العالم، نحن ننشر قضايانا وندافع عنها ونسعى لحلها فى إطار عادل وفق القوانين الموجودة. جميع الأسر الأرمينية تتكلم الأرمينية وتعلم أبناءها الأرمينية ولهم جامعتان.
للأرمن مركز ثقافى ورياضى كبير يدعى (أراراط) وقد زرناه وهذا مركز كبير به جميع الأنشطة الرياضية وملاعب كرة القدم والسلة والتايكوندو، وقد رأينا مباراة بين فريقين من البنات يلعبن معا !
مساحة المركز كبيرة جدا بحيث تستوعب جميع الأنشطة. وعرفنا من مدير المركز هناك تميز للأرمن فى بعض الرياضات والأنشطة الموسيقية والمسرحية، والأرمن لهم مسرح خاص بهم، المسيحيون الأرمن يشاركون فى الحياة العامة فى إيران فى كرة القدم، والإخراج، والموسيقى والتمثيل ويعملون فى جميع المجالات الصناعية والتجارية وفى نهاية الزيارة شاهدنا فى صالة الأفراح عرساً إيرانياً أرمنيا لم يكن فيه محجبات واللبس مثل أوروبا ويرقصون على نغمة الموسيقى، والحياة تشعر بها أنها عادية جدا.
الخليفة ساركسيان
قمنا بزيارة المقر البطريركى للخليفة أى البطريرك ساركسيان.. كلمة خليفة تستعمل فى إيران لتصف الرئيس الدينى للمسيحيين الإيرانيين - وهو رئيس الأساقفة أبرشية جنوب وشمال البلاد فى إيران للإيرانيين الأرمن. رحب بنا بكلمات متميزة عبرت عن فهم مسيحى ووطنية إيرانية، تكلم إلينا باللغة العربية الفصحى قائلا :
(ميزة إيران كدولة ومجتمع هذه الميزة تأتى من الماضى من التاريخ القديم، فهى مهد للحضارات والتعايش. إيران مهتمة بالحوارات بين الكنائس وبين المجتمعات ويوجد بها مراكز للحوارات بين الأديان ومركز حوارات بين الثقافات، والحوار نمط حياتى فى مجتمعنا اليوم).
الكنيسة الأرمنية هى كنيسة أرثوذكسية وتشترك مع الكنيسة القبطية والكنيسة السريانية، وتوجد لجنة دائمة للعلاقة بينهما. ولاهوت الكنيسة الأرمينية يتفق مع لاهوت الكنيسة القبطية فى التركيز على لاهوت المسيح ورفض قرارات مجمع خلقدونيا وقبول مجامع نيقية وإستانبول وأفسس.
البطريرك (ساركسيان) أضاف : بالطبع هناك إشكاليات وسوء تفاهم فنحن لا نعيش فى الفردوس ورغم بعض الإشكاليات أو سوء التفاهم عادة نحن نعيش فى وطننا الأم فى حب، وإذا لم نحب وطننا الذى فيه نحيا ونعيش لم نستطع أن نحب وطننا الأم أرمينيا.
عندما نشرت الصور الكاريكاتير ضد النبى فى كل البلدان صارت ضجة كبيرة، ولكن هناك قمنا بعمل مؤتمرات لفهم بعضنا بعضا، وعندما حرق القس الأمريكى القرآن طلب منا البعض أن نطلب حرسا للحماية ورفضنا، وقد قال المرشح الروحى إن ما قاله القس والعمل الذى قام به ليس عمل المسيحيين وليس عمل الكنيسة لأن المسيحيين والكنيسة تحترم مقدسات الآخر. كان هذا التصريح له صدى فى المجتمع الإيرانى.
نحن لا نحب كلمة أقلية، نحن أصحاب الأرض وقد يكون هناك بعض الصعوبات، ولكن الشىء الذى يلفت النظر هو أن الفكر الإيرانى يحل المشكلات من جذورها، فمثلا فى قضية الأحوال الشخصية الدولة الإيرانية شكلت لجنة بأصفهان لحل الخلافات بين الطوائف وهذه فكرة عظيمة. وعندما تحصل مشكلات يكون الحل فى القانون، ليس هناك مشاكل طائفية فى إيران، ترميم الكنائس مسئولية الدولة، تصرف ملايين من الدولارات على ترميم الكنائس وإعادة البناء.
الكنائس تدار فى إيران من خلال منظور قومى، آخر كنيسة رممت كلفت الدولة 25 ألف دولار أمريكى. وتوجد كنائس قديمة يعاد ترميمها وتوجد كنائس قديمة لا بشر فيها. بنينا كنيستين جديدتين بعد الثورة والدولة تساعد فى البناء، وهناك بعض الأصوات التى تقول كيف تعطون أموال الإسلام للكافرين؟ وهؤلاء أقلية، لكن الدولة الإيرانية مصرة على موقفها.
يوجد فى الأرمن كنائس متنوعة مثل البروتستانت، أشورية، لاتينية، كاثوليكية لدينا علاقات مع كل هذه الكنائس ولكن ليس لنا مجلس كنائس لها.
■ كوبرى 33
يوجد كوبرى قديم فى إيران يسمى 33 هى عدد الفتحات على نهر يربط بين التكتلات السكانية، ولأول مرة أرى نهراً جافاً.
وعن سبب تسمية الكوبرى بهذا الاسم قيل لنا إنه يشير إلى عمر المسيح الذى يؤمن به المسيحيون والمسلمون معا، كما أن كتب الأرمن تشير إلى أن هناك 33 ينبوعا فى الجنة، هكذا قالوا لنا، وفى الكوبرى أمر عجيب هندسيا فإذا وقفت إلى إحدى العيون ووقف شخص مخالف لك فى الاتجاه وتحدثت معه تسمع صوته بوضوح كأنك تتحدث تليفونيا.
مظاهر الجمال
عندما كنا نسير فى أصفهان كنا نجد الطراز المعمارى متميزاً ومنسقاً بسيطاً وعريقاً كل شىء منظم وكل شىء فى مكانه، المبانى التراثية ولا سيما التى بنيت فى العصر الإسلامى جمعت ما بين الحضارة الفارسية والفكر العربى، أصفهان أصبحت عاصمة الثقافة الإسلامية. ومهما تكلمت أو وصفت لا أستطيع أن أصف ما رأيت من روعة وجمال.
المبانى الأثرية فى أصفهان كثيرة ولها طابع خاص يمتزج فيها الفارسى بالإسلامى، وهذا الأمر فى كل إيران. فهم يعتبرون التراث المعمارى والفكرى ثروة كبيرة لإيران.
■ فى أصفهان
فى أصفهان توجد أعلى قبة فى العالم على ارتفاع 85 مترا، وفى ما يقابل مركز الدائرة على الأرض مربع أسود، إذا تكلمت فيه تعطى الصوت منتشرا قويا واضحا ويبعد الصوت كلما بعدت عن الدائرة. النقطة الموجودة فى مركز صحن القبة تشير إلى الله سبحانه وتعالى وهى تعبر عن كل شىء من الله وإلى الله.
