الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ترزية السيناريو وتوصيل الحبكة الدرامية للمنازل

ترزية السيناريو وتوصيل الحبكة الدرامية للمنازل
ترزية السيناريو وتوصيل الحبكة الدرامية للمنازل


سألنى كاتب درامى شاب فى بداية الطريق يبحث عن مكان له على الشاشة الصغيرة: كيف يتسنى لى أن أصبح مؤلفاً شهيراً يشار لى بالبنان وتستضيفنى القنوات الفضائية وتسألنى المذيعة الحسناء عن أحب أنواع الطعام إلىّ ومن هم أحب النجوم إلى قلبى ومن هى النجمة التى أحلم بأن أعمل لديها «ترزياً» أو «رفا» ومستعد لتوصيل الحبكة الدرامية لها بطريقة (الهوم دليفرى) وما رأيى فى مستقبل السينما غير النظيفة وهل سيكون مثوى أصحابها جهنم وبئس المصير حيث النار التى لا تنطفئ.. والدود الذى لا يموت.. وطبعاً لن أنسى فى نهاية اللقاء أن أشيد بعبقرية إدارة المذيعة للحوار وجمال طلتها.. وبهاء حضورها الساخن.. كما سأدعو لها بدوام الظهور والتألق و«السخونة».
ثم عاد إلى السؤال: بماذا تنصحنى؟
 
قلت له: أنصحك ألا تسمع نصيحتى.
 
نظر إلىّ بدهشة واستنكار متصوراً أنى أسخر منه.. فأسرعت موضحاً:
 
- افهمنى يا ابنى.. أنا لا أريد لك أن تفشل وتلعن اليوم الذى استمعت فيه إلىّ .. سوف أتسبب لك فى ضرر بالغ إذا نصحتك بالقراءة الجادة فى شتى أنواع المعرفة وفى العلوم الإنسانية والفنون المختلفة.. وأن تتذوق الشعر وتستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية وترتاد معارض الفن التشكيلى وتشاهد أفلام السينما العالمية الجادة وتدرس فلسفة الجمال والمدارس الفنية المختلفة وتتابع حركة الرواية والقصة القصيرة المعاصرة وقبل كل ذلك تدرس الدراما منذ «أرسطو» مروراً بشكسبير و«إبسن» وحتى مسرح العبث.. ثم تكتب بعد ذلك متسلحاً بموهبتك أولاً .. ثم لفهمك لمعنى «البناء الدرامى» من رسم للشخصيات بأبعادها الاجتماعية والنفسية والجسمانية المختلفة.. وإنشاء الصراع.. وكتابة الحوار الذى ينبغى أن يكون ذكياً ولماحاً ومكثفاً وبليغاً وملائماً لبيئة وثقافة ومهنة ومستوى الشخصيات الاجتماعى.. لا ينحدر إلى مباشرة وخطابية ووعظ.. أو إسفاف وسوقية وابتذال.. بل يرتفع إلى مستوى الشعر ويعلى من ذوق ووعى المتلقى.. على أن يكون موضوع الدراما يناقش قضية اجتماعية أو سياسية أو فلسفية تشغل المجتمع أو الإنسانية عموماً ومعالجته فى شكل فنى مناسب كوميديا كان أو تراجيدياً.. تحقق الوحدة والشكل والمضمون والانسجام بين الإطار والمحتوى فى إيقاع متناغم يتناسب والهدف من الدراما المطروحة ويبرز القيمة الفكرية والذهنية للعمل فى ثوب من المتعة البصرية والجاذبية الفنية.
 
إنك لو فعلت ذلك فسوف يلقى المنتج بأوراق السيناريو فى وجهك ويطردك مشيعاً بلعناته.
وماذا أفعل إذن؟!
 
عليك أن تكتب ملخص قصة تافهة من صفحتين.. واهتم أن تكون الشخصية الرئيسية منحطة أخلاقياً كأن تكون مثلاً لرجل مزواج لأسباب انتهازية.. أو امرأة مثيرة وأيضاً مزواجة ولنفس الأسباب المنحطة أو معلمة لعوب زوجة تاجر مخدرات تخونه مع ضابط متنكر.. وتعمد أن تصوغ المعالجة الدرامية بأسلوب ركيك.. مستخدماً عبارات فجة وأنت جالس على مقهى بحى شعبى لزوم الالتحام الجماهيرى والتأثر بمفردات حوارية لاذعة من قاموس لغوى جديد فرض نفسه على الشارع المصرى هو مزيج من رموز سوقية مبهمة.. ولزمات غليظة متدنية تحتشد بكل سلبيات الشخصية المصرية فى واقعها المعاصر والمتغير.
 
ويجب أن تراعى أن تكون القصة مناسبة لنجم أو نجمة من أصحاب الأجر الملايينى لزوم التسويق.. وعليك بميلودراما تنسف كل منطق.. وتخاصم كل عقل.. وتتعفف عن مناقشة أى قضية لها قيمة حقيقية.. واسعَ إلى كل فعل أو سلوك قبيح تقوم به الشخصية الدرامية وألقِ عليه الضوء وأبرزه وجسده فى كل مشاهد الحلقات.. فالمتلقى سوف ينصرف عنك إذا استشعر شبهة قيمة جمالية تسعى إليها.. فقد اعتاد القبح فأصبح بالنسبة إليه هو الجمال.. كما أن عليك أن تبتعد تماماً عن طرح أى تفاصيل خارج السياق الأخلاقى بمعناه الضيق .. ذلك السياق الذى اختلط فيه الخطاب الفنى بالخطاب الدينى.. وأصبحت المحظورات أخطبوطاً ذا ألف ذراع توشك أن تطبق على الأنفاس، بل إنها فى سبيلها إلى إطفاء شموع الحضارة.. لابد إذاً أن تتقى شر «المكفرين» ودعاوى الحسبة من الدعاة.. ولا تنسَ أن المنتج الذى تحمس لك وأشاد بعبقريتك قبل عرض المسلسل سوف يتنكر لك بعده وينضم إلى طابور لاعنيك.. ولا تستبعد أن يطالب بقطع يدك الآثمة التى ارتكبت كتابة سيناريو «المعصية».. بل ربما يطالب بقطع يديك ورجليك.. خلف خلاف وحذار أن تردد كلمات الفاشلين من المثقفين مثل البناء الدرامى أو المضمون الفكرى أو الحتمية الاجتماعية أو براعة الاستهلال أو تعدد مستويات الرؤية أو تشابك الخاص مع العام بل قل : «عندى ورق - لا مؤاخذة - زى الفل».
 
إذا حازت القصة على إعجاب النجمة فلن تكون هناك أى عقبة فسوف يستقبلك المنتج بالأحضان والقبلات ويتعاقد معك بمبلغ مغرٍ.. ويسفرك مع فريق العمل إلى دولة أوروبية كام يوم حلوين «فول بورد» إذا ما تضمنت أحداث العمل مشاهد بالخارج، كما سوف تضمن عرض مسلسلك فى أفضل أوقات المشاهدة فى الأوقات المتميزة.. و«سطح توصل للسطح» «وانسى وخد البنسة» و«الرزق يحب الخفية».
 
أما نجمة المسلسل المحبوبة «الساخنة» فسوف تنسب المسلسل لها.. فهى المسئولة عنه أمام جماهيرها الغفيرة متجاهلة تماماً أن العمل الدرامى ينسب إلى مؤلفه نسب الابن إلى الأب وبنص قانون الملكية الفكرية ولا ينسب أبداً إلى ممثليه.. وما عليك إلا أن تهز رأسك بالموافقة منفرجة أساريرك عن ابتسامة بلهاء مؤيدة راضية.. ذلك لأنها للأسف محقة فى ادعائها هذا.. لماذا ؟! لأن المفهوم الشائع لمهمة المؤلف الدرامى مازال يتوقف عند الأغلبية عند حدود «الصنعة» أو «الحرفة» التى يمكن تعلمها وليست فكراً وفناً وإبداعاً وعلماً وموهبة وثقافة ودراسة أكاديمية متخصصة.. وبطبيعة الحال فإن الصبى بكره يبقى معلم وما أكثر الصبيان.. فالمهنة بهذا المفهوم شملت عدداً وفيراً من معدومى الموهبة.. والأرزقية ولاعبى الثلاث ورقات واللصوص والمخبرين الصحفيين.. وعابرى السبيل والمرضى النفسيين.. والكثير منهم لم يقرأ كتاباً واحداً فى حياته وفى زمن سطوة الإعلان وشروط التسويق التجارية المرتبطة بالنجوم يبرز الصبية ويتوارى الأسطوات لأن المبدع ثقيل الظل صاحب فكر، بطىء الإنجاز، نمكى، كثير الجدل.. يعمل عقله.. غاوى فلسفة.. وله كرامة ولديه شروط فى التعامل ولا يقبل تقديم تنازلات.. وبتوارى الأسطوات يتحول دور المؤلف إلى «ترزى» والمخرج إلى «سفرجى».. والمنتج المشارك إلى «سمسار» .. أو «مقاول من الباطن» .. والمشاهد المسكين إلى متلقٍ سلبى لا حول له ولا قوة.. وقد استغفله الجميع.