المصريون على شفا «انفجار جديد»
وفاء شعيرة
ثورة جياع فى الطريق، ليست هذه تأويلات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى، ولا تهديدات قوى ليبرالية ضد الحزب الحاكم.. بل تحذير حقيقى انتهى إليه تقرير صادر من جهة سيادية يشير إلى مدى ازدياد الغضب والاحتقان والشعور بالظلم بين المصريين فى الآونة الأخيرة، بسبب هذه الحالة المزعجة جدا التى تطارد المصريين وهى خليط من الخوف والقلق من الصراعات المحتدمة بين القوى السياسية، خاصة الإسلامية والليبرالية، والمجهول الذى يخشاه كل بيت مصرى إثر استمرار تدهور الحالة الاقتصادية وعدم الشعور بأى تحسن بعد وصول الرئيس بل بالعكس ازدادت الأمور تعقيدا، حتى أصبح المصريون زبائن معتادين فى عيادات الطب النفسى يعانون الاكتئاب والهستيريا والفصام بزيادة وصلت إلى 25٪ عما كانت عليه؟!
فواد علام
«أمل» ابنة الثلاثين عاما هى مثال على معاناة المصريين، حيث ذهبت إلى عيادة الدكتور محمد سمير عبدالفتاح أستاذ علم النفس وعميد كلية الخدمة الاجتماعية ببنها تشكو من القلق وقلة النوم والإحباط والشعور باليأس الذى أصابها، بالإضافة إلى شعورها بالضيق والغضب المستمر من أهل منزلها وأثر هذا على عملها كموظفة فى إحدى الهيئات الحكومية، بدأ الدكتور عبدالفتاح العلاج مع «أمل» وفى النهاية اكتشف أن ما تشعر به هو ما يشعر به الغالبية العظمى من المرضى المترددين على عيادته الآن!
وأن السبب وراء هذا هو حالة القلق الواصل للاكتئاب والإحباط إثر الصراع الموجود فى مجتمعنا بين القوى السياسية فيما بينها وبين الليبراليين والإسلاميين، وبين الليبراليين أنفسهم والإسلاميين أنفسهم، وبين مؤسسة الرئاسة وباقى القوى.
وفى المقابل لم تعكف الحكومة على حل مشاكل «أمل» وغيرها برفع مستوى المعيشة وتوفير السكن الملائم للزواج والأمن فى الشوارع، وهذا كله أصاب أمل وأغلب المصريين بمرض الاكتئاب والهستيريا والفصام حتى وصلت الإصابة إلى 25٪ من الشعب المصرى بعد أن كانت 5٪ فقط!
والحقيقة أن ما تشعر به أمل كلنا نشعر به، فمن منا لا يشعر بالخوف والقلق والإحباط الدائم الآن مهما كانت وظيفته ومكانته الاجتماعية وارتفاع مستواه المادى!
فمنذ أكثر من أسبوعين أصدرت جهة سيادية تقريرا يحذر من خطورة الوضع الاقتصادى على حالة المواطن المصرى ومن ثم على الأمن القومى، التقرير أكد أن الشعب المصرى غاضب بسبب زيادة أسعار الكثير من السلع الأساسية عن معدلها الطبيعى وبما لا يتناسب إطلاقا مع مستوى دخل الأفراد، وهو ما يشكل عبئا ثقيلا على عاتق المواطن وخلق حالة من الضيق والغضب لدى شريحة كبيرة من أبناء الشعب.
وأكد التقرير أن إعلان المسئولين فى الوزارات المختلفة من وقت لآخر عن نيتهم زيادة أسعار بعض الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين الذين تتوقف حياتهم اليومية عليها مثل تذكرة المترو وأسعار الوقود والكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية، سبب خوفا فى نفوس محدودى الدخل من أبناء الشعب، وأفاد التقرير التفاوت الملحوظ بين مستويات الأجور والرواتب فى الأجهزة الإدارية بالدولة يشعر المواطن بالغضب الشديد والإحساس بالظلم ليس فقط ناتجا عن التفاوت فى الأجور لكنه أيضا نتيجة تدنى مستوى الأجور.
فرواتبهم لا تكفى لسد متطلبات المعيشة اليومية ما يضطر كثيرا منهم إلى اللجوء لحلول أخرى مثل العمل الإضافى بعد انتهاء الوقت الرسمى لأعمالهم اليومية، وكشف التقرير عن أن هناك بعض المواطنين فى أماكن معينة من أنحاء الوطن يشعرون بالظلم والاضطهاد وضياع حقوقهم التى كفلها وضمنها لهم الدستور والقانون، وقد لا يكون شعور هؤلاء المواطنين صحيحا بشكل كامل، لكنه واقع نتيجة عدم الصواب فى التعامل معهم.
التقرير حذر من خطورة اتخاذ بعض القرارات التى تؤدى إلى غضب شديد بين أبناء الشعب وتصنع مشكلات ومعوقات على غير إرادة شريحة كبيرة من المواطنين مثل قرار غلق المحلات التجارية فى الساعة العاشرة مساء، والذى سيؤدى إلى مشكلات كثيرة وخطيرة تهدد أنواعا متعددة من الأمن فى المجتمع.
فهذا القرار سيؤدى إلى زيادة نسب البطالة مما قد ينتج عنها علاقة ذات صلة بانتشار حالات السرقة وتدنى المستوى المعيشى لأسر كثيرة من أبناء الشعب.
واستنتج التقرير عواقب هذه المشكلات التى ستكون خطيرة، منها زيادة الاحتقان والغضب بين صفوف الشعب مما سيؤدى إلى تهديد قوى لأمن المجتمع واستقراره وتكاتف أبنائه وتردى الوضع الاقتصادى للمواطنين يؤدى إلى زيادة إضافية فى الجريمة والخروج على القانون والانحراف الأخلاقى ما يسبب ترديا مضاعفا فى الحالة الأمنية.
التقرير قال إن مقومات المجتمع متماسكة ومترابطة ببعضها ويؤثر كل منها فى الآخر، وهو ما يعنى أن تردى الوضع الاقتصادى سيؤثر بقوة على الوضع السياسى والأمنى والاجتماعى والثقافى والتعليمى، وهو ما يمثل تهديدا من الدرجة الخطيرة لأمن المجتمع بجميع أشكاله، وأشار إلى أن الحالة غير المستقرة للوضع الاقتصادى تؤدى إلى زيادة البطالة وانتشار مساحة الفقر بين شرائح المجتمع المختلفة.
وانتهى التقرير مؤكدا أنه بعد ثورة 25 يناير التى شاركت فيها جميع أطياف الشعب وكان شعارها العيش الكريم والحرية غير المنقوصة والعدالة الاجتماعية لجميع فئات المجتمع، إلى مزيد من التقدم والرخاء وارتفاع مستوى الدخل، مما يشعر المواطن بالتحسن فى أحواله، وهو ما سيخلق أمنا قويا ومطمئنا فى الشرائح المجتمعية كى يتطلع المواطنون إلى المشاركة بفاعلية فى الحياة السياسية والحزبية ليعبروا عن طموحاتهم وآرائهم، كما يتطلع أبناء الشعب إلى المساواة فى الحقوق والواجبات السياسية، وهناك قطاع كبير خرج فى ثورة 25 يناير لرفض هيمنة الحزب الواحد على الحياة السياسية مما شكل خطرا كبيرا على المجتمع وأدى إلى ثورة غضب انفجر بركانها فى الشوارع والميادين، وهم الآن يطمحون إلى المشاركة فى الحياة السياسية لكن مازال الخوف والشعور الذى يتملكهم هو سيطرة الحزب السياسى الواحد على الحياة السياسية.
د. هبة عيسوى أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس قامت بدراسة مهمة انتهت إلى أن الصراع بين الإسلاميين والليبرالين على «كعكة» لا وجود لها هو السبب الرئيسى فى شعور المواطن بعدم الأمان والخوف من المستقبل فى ظل صراعات سياسية لا نهاية لها، يشعر معها المواطن بالوقوف بلا حراك أمام هذه الصراعات التى تؤثر سلبا على الوضع الاقتصادى والحالة الاجتماعية والجو العام المشحون بالصراعات والمطالب وأشكال الاحتجاج الخاطئة التى تزيد من حالة الاكتئاب سوءاً يوما بعد يوم.
فالحالة النفسية للشارع المصرى قبل الثورة وبعدها قاتمة، فقبل الثورة كانت الحالة النفسية للمصرى سلبية، وظهرت فى الأنانية المطلقة فى الحصول على لقمة العيش والدوران فى فلكه الشخصى، وهو ما أدى إلى حالة من الانفجار المجتمعى الذى نعيشه اليوم بعد أن أخرج المواطن حقوقه المكبوتة دفعة واحدة باندفاع أدى إلى الفوضى الشديدة التى تهدد استقرار الأوضاع.
هالة حماد استشارى العلاقات الأسرية قالت لنا: إن أسباب الاكتئاب السيطرة على المشهد العام حاليا ترجع لعدة أسباب رئيسية على رأسها الحالة الاقتصادية الحرجة التى تعيشها معظم الأسر نتيجة للظروف غير المستقرة خلال العامين الماضيين إلى جانب الإحباط المصاحب لظروف البطالة؟
وكثيرا ما نصادف اختلافات بين الأسر تصل إلى الطلاق نتيجة لعجز الزوج عن سد احتياجات منزله المادية وعدم استطاعة الزوجة تحمل الموقف، هذا إلى جانب الخوف من المجهول الذى يعيشه البيت المصرى يوما بعد يوم، فلا يوجد من يستطيع التنبؤ بالقادم واعتاد الشارع على المفاجآت السياسية!
بينما ترى الدكتورة هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع السياسى: الشعب المصرى ليس غاضبا ولكنه قلق، لأن، كل يوم ينتظر الأحسن فى الحياة الاقتصادية والسياسية ولم يجده وتكتشف الآن أن الرجل المناسب لا يوضع فى المكان المناسب، وهذا يصيبه بالقلق.
كما أنه يسمع الآن تصريحات هى نفس تصريحات النظام السابق الذى قام ضده بثورةينايرفالإنسان المصرى أصبح يعيش حالة من القلق والخوف بعد أن أصابت أمراض الفساد جسد الدولة!
الدكتور محمد سمير عبدالفتاح أستاذ علم النفس وعميد كلية الخدمة الاجتماعية ببنها قال لنا: الناس الآن غضبانة وقلقانة لأنها محتقنة إلى أبعد حد لأنهم قاموا بثورة وأصيبوا فيها بل قتل أصدقاؤهم وأهلهم من أجل العدالة الاجتماعية وتحسين الحالة الاقتصادية والحصول على الحرية والديمقراطية، ولكنهم الآن وجدوا أن الحالة الاقتصادية منهارة فلا توجد مشروعات والصراعات رهيبة بين المجتمع المدنى والقوى الليبرالية والإخوان والسلفيين والرئاسة وداخل سيناء، بالإضافة إلى عدم وجود الأمن المطلوب وانتشار البلطجة والمليونيات التى تخترع كل أسبوع وتوقف العمل والإنتاج، والنتيجة أصبح المصرى يشعر بالاختناق، وقد نبحث عن مخرج لهذا الشعور وما يراه أمامه، والمخرج قد يكون خطيراً وهو ثورة الجياع، وهذه الثورة لا تستطيع أن تعرف مداها لأنها حرب الفقراء مع الأغنياء.
ونتيجة لهذا أصبح الشعب المصرى من الذين يترددون على العيادات النفسية ومصابين بأمراض نفسية خطيرة مثل الهستيريا والفصام نتيجة الخوف الشديد والاضطرابات النفسية حتى وصل عدد المصريين المصابين بأمراض نفسية الآن إلى 25٪ من مجموع الشعب بعد أن كانت النسبة 5٪ فقط.
وقال د.سمير: إن جميع من يأتى إلى العيادات النفسية الآن للبحث عن علاج للإكتئاب والقلق والخوف وكيف يمكن أن يعمل ويتزوج ويحصل على شقة، بل إن بعضا ممن كانوا يحبون المرشح السابق للرئاسة أحمد شفيق يأتى إلينا ويقول بأنه خائف من الانتقام منه سياسيا لأنه كان يؤيد شفيق وأنه خائف من المستقبل.
فالكبار فى مجتمعنا من الآباء والأجداد يعانون من فقدان الثقة وبدلا من أن يكونوا قدوة للمجتمع ومساندة للأحزاب وللشباب أصبحوا فى حالة من الزهد وفقدان الآمال.
والشباب فاقد الأمل والقدوة ويشعر الآن بالضياع لأنه ليس له قدوة أو مثل، بل أصبح هو الذى يوجه الآباء والأجداد والكبار مع فقدان الأمل، وهذا أصابه بالقلق والضيق والخوف من المستقبل، خاصة مع الحالة الاقتصادية السيئة ومع فقدان الوازع الدينى فى المجتمع الآن، رغم وجود الإخوان والسلفيين، لأنه يشعر أن التيار الإسلامى لا يأتى بالديمقراطية والانتخابات والدعاية النزيهة ولكنه يأتى بالسكر والزيت.
بالإضافة إلى أن التيار الدينى يفرض رأيه بالقوة والتعصب، الأمر الذى انصرف الشباب عنه وعمل ضد التيار الإسلامى طبقا للمثل المصرى «الممنوع مرغوب»!
والحل كما يرى د.سمير يتلخص فى السعى إلى الاستقرار الأمنى والاقتصادى والتصالح والمواءمة والرضا بين القوى السياسية والعمل من أجل مصلحة الشعب المصرى فقط دون النظر إلى المصالح الشخصية، «فمانديلا» عندما تولى رئاسة جنوب إفريقيا بعد سجنه لسنوات طويلة لم يستبعد النظام السابق من البيض لكنه استعان بأهل الخبرة والتميز والشرفاء منهم فى إدارة شئون البلاد.
وهذا ما يجب أن نفعله الآن بأن تستعين بأهل الخبرة وليس أهل الثقة فى المناصب بغض النظر عن فلول النظام السابق أو غير فلول، فبالتأكيد بين الفلول شرفاء يتمتعون بخبرة عالية لابد من الاستعانة بهم فى حل مشاكل المجتمع.
أما إذا تركنا المجتمع على ما هو عليه فبالتأكيد نحن ذاهبون إلى المجهول والفوضى والبلطجة وزيادة القلق والغضب وأمراض الاكتئاب والهستيريا والفصام.
اللواء فؤاد علام الخبير الأمنى قال لنا: بالتأكيد هناك حالة احتقان شديدة من الشعب لوجود أكثر من 15 توجها فكريا سياسيا داخل المجتمع تهدد النظام بصراعاتها فأصبح المواطن وأنا منهم أشعر بالخوف والرعب وفقدان الأمل والارتباك بسبب الصراع الإيدولوجى والفكرى الموجود فى المجتمع، والذى قد يصل إلى استخدام العنف بالأسلحة.
ولهذا أنا أنصح القوى المتصارعة أن تراعى الله فى الوطن والشعب المصرى وبالتعاون مع بعضهم من أجل النهوض بالدولة وتغليب مصلحة الدولة على مصلحة الجماعة والمصلحة الشخصية، وغير هذا فأنا أتوقع كل الاحتمالات السيئة التى قد تحدث فى المجتمع وقد تحدث انهيارا كاملا لمصر لهذا فأنا خائف.
ما جانبه قال لنا الدكتور: عمرو موسى الخبير فى النظم المصرفية إن انخفاض قيمة الجنيه المصرى وارتفاع الأسعار وعدم استطاعة الدولة حتى الآن استرداد الأموال المهربة وراء شعور المواطن المصرى بالغضب والإحباط، لأن كل هذا يؤرق المواطن وأسرته، فمع انخفاض قيمة الجنيه تزداد الأسعار وأصبح المواطن لا يستطيع أن يلبى احتياجات أسرته وأولاده والنتيجة أنه يعمل وباله غير مرتاح يفكر وهو أمام آلة الإنتاج ولم يركز فى عمله وبالتأكيد هذا يؤثر على الإنتاج ويؤثر على الاقتصاد.
فقبل ثورة 25 يناير لم يكن هناك إنتاج حقيقى فى مصر كان الاقتصاد عبارة عن 40٪ مصانع منتجة و60٪ الباقى غسيل أموال ومضاربات فى البورصة.
ومع الثورة هربت الأموال ولم تعد هناك مضاربات وأصبح الإنتاج المصرى 40٪ فقط، وباقى العاملين فى 60٪ الأخرى توقفوا عن العمل وهربت الأموال وزادت البطالة، الأمر الذى أدى إلى إحباط المواطن المصرى.
ولكن لابد من عودة الأموال المهربة إلى الخارج فهناك دول أقل من مصر استطاعت أن تعيد جزءا من الأموال المهربة منها، مثلاً نيجيريا وغانا وليبيا استطاعت أن تعيد جزءا من الأموال المهربة.
أما نحن فلا نعرف حتى الآن لماذا لا تزال الأموال مهربة، ولماذا نحن متقاعسون عن استردادها رغم أن هناك مقولة اقتصادية تقول إنه لابد من عودة الأموال المهربة من البلد لإعادة بناء الاقتصاد.
فرغم أن الدكتور محمد محسوب وزير الدولة للقانون كون لجنة لاسترداد الأموال المهربة إلا أن هذه اللجنة لم تفعل شيئا حتى الآن.
ولابد أيضا أن يقضى على منظومة الفساد التى كانت موجودة قبل الثورة ومستمرة حتى الآن، وأنا لا أعرف لماذا لم تصدر قوانين حرية تداول المعلومات وتنفيذ تشريعات المناقصات والأمر المباشر وإلغاء المواد التى تعاقب الموظف العام فى حالة إبلاغه عن واقعة فساد.
فلابد أن نتحرك بسرعة وأنه بالوضع الحالى ومع زيادة الأسعار ورفع الدعم ستزداد كآبة وإحباطات المواطن المصرى.∎
محمد محسوب
سمير عبد الفتاح