الخميس 27 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الأرض الخراب

الأرض الخراب
الأرض الخراب


عندما تشبه ليالى مصر ذلك الذى يحدث فيها الآن: غبار فى الكلام.. رماد فى العقول وصخور فى القلوب، هنا وعند هذه الزاوية أجدنى أسحب أحلامى وأغلق سماواتى وأفتح نفقا فى كتب الأشعار أجمع منها أياما وأحلاما وبشرا آخرين.. فالشعر نبوءة والشاعر عراف.. وليس أولهم «المتنبى» ولا آخرهم «أمل دنقل»، لكن بينهما كثيرين «ت.. س.. إليوت» مثلا.
 
بعشوائية وطفولة مطلقة فتحت صفحة أى صفحة من قصيدة «إليوت» «أرض الخراب» وقرأت فقرة فى القصيدة بعنوان «ما قاله الرعد»، بعد أن توهجت الشعلة الحمراء على عرق الوجوه المنهمر، وبعد أن ساد الصمت بصقيعه الحدائق وبعد أن تربع الأسى على البقاع الحجرية.. تعالى الصراخ والعويل، برجع الصدى فى السجن والقصر، هذا الذى كان حيا صار الآن ميتا ونحن الذين كنا أحياء صرنا فى طريق الأموات وصبرنا يكاد ينفد».
 
الشاعر الأمريكى الكبير «توماس سيترناس إليوت» أو اختصارا «ت.س إليوت» كتب رائعته «الأرض الخراب» عام 1922 تسعون عاما ولاتزال أراضينا هنا خرابا رغم الثورات والمغدورين وربيع الشهداء والمفقودين، بل إن الأرض العربية صارت أكثر خرابا.
 
و «ت.س إليوت» شاعر عظيم امتد أثره لأكبر شعراء العرب فى مصر وسوريا والعراق صلاح عبدالصبور مثلا والتاريخ العربى الحديث مازال يحكى لنا عن «ما قاله الرعد» ونحن لا نعرف الآن من أين سيأتى الرعد؟ من أى الاتجاهات سوف يصرخ؟ وعلى أى الآذان العربية سوف يلقى عويله؟ أظنه فى مصر سوف يبدأ من حيث ستنتهى أعمال من يكتبون الدستور الآن.. أم من حيث قرر العمال الأربعاء الماضى شل محطات المترو فى «بروفة جنرال» للمد الثورى القادم وإنقاذ الأرض الخراب؟ أم من حيث دموع الأمهات فوق بقايا دماء أولادهن الساخنة لاتزال.. وحيث القاتل يجلس أعلى عروش الوطن ــ لا يزال.
 
ما الذى سوف يقوله الرعد القادم يا «ت.س إليوت» العظيم؟
 
لما قال أمل دنقل للسادات منذ أكثر من ثلاثين عاما «لا تصالح»، والسادات عاند وصالح فقتلوه.. الذين قتلوه هم من يصالحون الآن ويسعون لقتل من يكره إسرائيل، فهل ذهبت دماء السادات سُدى أم أنها لاتزال عبرة لمن نسى.