الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تعذيب حجاج «البيت الحرام».. على المذاهب الأربعة!

تعذيب حجاج «البيت الحرام».. على المذاهب الأربعة!
تعذيب حجاج «البيت الحرام».. على المذاهب الأربعة!


فى الوقت الذي يعانى فيه الحجاج المصريون من سوء الخدمة فى الأراضى المقدسة من قبل البعثة المصرية الرسمية لدرجة أن مئات ممن تظاهروا اعتراضا يعذب كل الحجاج على المذاهب الأربعة بفتاوى متضاربة ، فما حكم المبيت فى المزدلفة بدلا من المبيت فى منى؟.. وما حكم الجمع بين أكثر من عمرة ؟.. كانت كل هذه الأسئلة تدور برأسى أثناء زيارتى لبيت الله الحرام، عسى أن أعود الى مصر كيوم ولدتنى أمى».. هكذا بدأ كلامه معنا «أحمد مهران» رجل فى العقد الخامس من عمره، ولكن وفقا لقوله صدمت من هول ما سمعت وقرأت من كتب بها فتاوى وأحكام متناقضة.. وقفت حائرا بين المدارس الإسلامية المختلفة لا أدرى ماذا أفعل؟! فتوى إخوانية من هنا وفتاوى سلفية من هناك متناقضة مع بعضها لاختلاف المدارس ما بين سلفية حركية وأخرى مدخلية.
 

 
 
كل هذا لمجرد أننى أردت التزود بالعديد من الكتب والفتاوى حتى لا أترك صغيرة ولا كبيرة فى الحج لبيت الله لكنى كفرت بكل تلك الفتاوى!.. وعندما أردت أن أرتوى من نبع الأزهر صدمت أيضا بفتاوى متناقضة مع فتاوى وكتب ومشايخ السلفيين، الأمر الذى جعلنى أزهد بالجميع.
 
رجعنا إلى الكتب والمراجع والعلماء والفتاوى الخاصة بالحج، فوجدنا ما سرده لنا لا يمثل نقطة فى بحر الفتاوى المتضاربة الكثيرة فى كل تفصيلة وتفريعة من مناسك الحج، خاصة فى عدد كبير من الفتاوى المنتشرة على مواقع الإنترنت، وعلى المواقع الخاصة بأسماء مشايخ السلفية مثل موقع الداعية السلفى الشيخ محمد حسان، وموقع الشيخ محمود سعيد رسلان «مرجعية السلفية المدخلية»، وموقع الدكتور يوسف القرضاوى بالإضافة الى موقع دار الإفتاء المصرية.
 
وجدنا الفتاوى الخاصة بالحج منها ما يتعلق بالإحرام من مكة، أو خارجها ومواقيتها وبداية العمرة ووقتها وحكم التمتع بالعمرة إلى الحج، وعدم الوقوف بعرفة والحج والعمرة عن الغير وترك الوقوف بعرفة، بسب مرض أو وفاة الأب والأم المرافق فى الحج وغيرها من الفتاوى الكثيرة.. وفى المسألة الواحدة تجد أحكاما بالجواز ، والوجوب، والمنع .
 
 

 
خرجنا من جحيم تلك الفتاوى المنتشرة على الإنترنت للبحث عن المراجع الخاصة بفتاوى الحج.. ولم تختلف الكتب كثيرا، بداية من كتيب دار الإفتاء الذى قامت بتوزيعه 80 ألف نسخة على الحجاج المصريين لهذا العام. وانتهاء بكتيبات التيار السلفى باختلاف مشاربه!
 
وكتب دار الإفتاء فيها كثير من الفتاوى العصرية التى تتعلق بأمور ومحدثات لم تكن تحدث فى عهد الرسول ولا السلف الصالح أو فى عهد التابعين وتابعى التابعين: مثل تكرار العمرة أكثر من مرة قبل الحج، والتعجيل أيام التشريق ورمى الجمار فى منتصف الليل، والشك فى عدد أشواط الحج، رمى الجمرات السبع دفعة واحدة، وسار الدكتور على جمعة فى جمع هذا الكتاب على القواعد الفقهية فى استنباط الأحكام الشرعية الحالية وفقا لقواعد القياس التى استخدمها الإمام أبوحنيفة وسار عليها عدد من تلاميذه مثل أبويوسف الشيبانى.
 
 

 
ونفس المنطق الذى تعامل به الإمام ابن حزم الأندلسى فى تطبيق قواعد المنطق على استنباط الأحكام الفقهية من أقوال وأفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الصحابة أو أفعال الصحابة مع بعضهم البعض، وبعد وفاة الرسول فى عدد من مستحدثات الأمور التى لم تقع فى عهد الرسول، والقاعدة الفقهية فى الأساس مردها إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
 
لكن الأمر يختلف تماما فى كتب مرجعيات السلفية خاصة كتاب د. أحمد حطيبة عضو مجلس رئاسة الدعوة السلفية بالإسكندرية الذى يحمل عنوان (الجامع لأحكام الزيارة والعمرة والحج لبيت الله الحرام) طبع من هذا الكتاب نحو ألفى نسخة، فحطيبة لم يخرج فى فتاواه وأحكام الحج عن مذهب الإمام أحمد بن حنبل مؤسس المدرسة السلفية فى عهد العباسيين رافضا الكثير من الفتاوى الحديثة التى تتعلق بأحكام العصر، ولم يترك مجالا للتحديث.. فما لم يأت به السلف الصالح، فلا يجوز الخروج عليه ماشيا على صراط منظر المدرسة السلفية السعودى ابن باز وكتابه الذى يعتبر مرجعية مشايخ السلفية فى مصر فى الجزء الخاص عن الحج الذى يحمل عنوان «التحقيق والإيضاح فى مناسك الحج والعمرة».
 
 

 
الاختلاف الفكرى والمذهبى بين المدرسة السلفية والأزهر والإخوان لم يكن رحمة وتسهيلا للناس، بل أثار معارك التحريم والوجوب فى المسألة الواحدة مثل فتاوى ترك المبيت فى المزدلفة خشية الموت، ففيها ثلاثة أقوال مختلفة تماما.. يقول مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة: إن ترك المبيت فى مزدلفة للحاج جائز شرعا وهو المعتمد جوازه في الفتوى فى هذه الأزمان التي كثرت فيها أعداد الحجيج كثرة هائلة، وخرج على قول الإمام الشافعى وأحمد بسنية المبيت فى المزدلفة، وسن سنة المالكية بإيجاب المكث فيها بقدر ما يحط الحاج رحله ويجمع المغرب والعشاء، وعلل جمعة ترك المبيت فى المزدلفة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد رخص للرعاة في عدم المبيت بمزدلفة من أجل رعي أغنامهم، ورخص لعمه العباس رضي الله عنه من أجل سقايته، فلا شك أن الزحام الشديد المؤدي إلى الإصابات والوفيات الناجم عن كثرة الحجاج عاما بعد عام مع محدودية أماكن المناسك أَولى في الأعذار من ذلك، لأن أعمال السقاة والرعاة متعلقة بأمورهم الحاجية؛ أما الزحام فقد يتعارض مع المقاصد الضرورية، لأنه يؤدي في كثير من الأحيان إلى الإصابات، بل الوفيات.
 
ولم يسر الداعية السلفى محمد حسان على نهج الدكتور على جمعة، إذ قال إن على الحاج فى هذه الحالة أن يقوم بالذبح والهدى لأن المبيت بمزدلفة واجب، وليس ركنا في قول أكثر أهل العلم، وهو ما اطمأن له قلب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وقام به السلف الصالح، وأن الإمام ابن حنبل أسس مذهبه ومدرسته على الاحتكام إلى النص والسنة النبوية الشريفة وما قام به السلف الصالح وتركه الخلف.. وهو منهج وعقيدة السلفيين، حيث تعتبر المدارس السلفية المنتشرة فى مصر أن مذهب الإمام أحمد بن حنبل هو مرجعيتهم ومؤسس مدرستهم التى ينتمون إليها ومنظرا تلك المدارس هما الإمامان ابن باز وابن عثيمين فى أوائل القرن العشرين.
 
أما مرجعية جماعة الإخوان المسلمين د. يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين فقد سار فى فتواه على مذهب المالكية باعتباره مذهبا ميسرا، معللا ذلك بأنه أقرب بالميل إلى التيسير، إذ رأى أن الحاج ليس عليه أن يبقى في المزدلفة إلا بمقدار ما يصلى المغرب والعشاء جمعا، ويتناول طعامه، ولكن لا يوجد نص فى القرآن اوالسنة يفيد بترك المبيت فى المزدلفة نهائيا.
 
تقريبا كل المسائل المتعلقة بالحج وأركانه وواجباته والشروط والنواهى المترتبة عليه سارت على هذا الدرب من الاختلاف الصارخ.. ومنها مسألة القيام بأكثرمن عمرة قبل شعائر الحج أو التمتع بالعمرة إلى الحج .
 
القرضاوى قال: من يحرم بالعمرة ثم بعد ذلك يحرم بالحج فهذا هو الذي يسمى (التمتع) فهو أفضل أنواع النسك عند الحنابلة وغيرهم، ولكن اعترض على أن يقوم الحاج بعمل عدة عمرات قبل الحج فهذا أجازه بعض العلماء، ولكن لم يثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في مكة بضعة عشر يوما لم يرد أنه عمل عمرة، ولا أنه أمر أحدا من أصحابه أن يعمل عمرة.
 
فيما قال أهل السلف، مثل محمد حسان وياسر برهامى وعبدالله شاكر: لا يجوز نهائيا قيام الحاج بعمل أكثر من عمرة قبل الحج نهائيا لأن الثابت عن الرسول الكريم أنه لم يقم بالجمع بين أكثر من عمرة قبل الحج، حيث قام بالعمرة وبقى فى مكة حتى إحرام الحج وقام بشعائر الحج.. ولم يثبت عنه أنه قام بأكثر من عمرة قبل الحج.. ولن نصرح بفعل أو عمل أو قول لم يقم به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
 
على النقيض تماما جاءت فتوى الأزهر الشريف ودار الإفتاء إذ أجازت الجمع بين أكثر من عمرة قبل الحج وكل ما على المعتمر أن يقوم بالتحلل من الإحرام بقص الشعر وذبح الهدى ثم يقوم بإعادة الإحرام مرة أخرى من مواقيت الإحرام الموجودة فى مكة، ويجوز عمل ذلك قبل الحج أكثر من مرة بشرط التحلل وذبح الهدى وإعادة الإحرام من المواقيت، نزولا على ما قامت به السيدة عائشة أم المؤمنين، إذ عز عليها أنها لم تعتمر كما اعتمرت سائر نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وجمعن العمرة ثم الحج فتطيبا لخاطرها أمر أخاها أن يأخذها ويعتمر بها من التنعيم فتضيف إلى حجها عمرة.