الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

اللهم لا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء منا

اللهم لا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء منا
اللهم لا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء منا


 


أزمة اجتماعية واقتصادية بشعة كشفتها الأرقام المثيرة التى حصلنا عليها ونحن نحقق فى ظاهرة «السلع الاستفزازية» التى تضخمت فاتورتها حتى وصلت إلى 10 مليارات دولار سنويا.. وهذه السلع بالفعل سفيهة وتحرق دم كل مصرى أصيل يخاف على مصير هذا الوطن، الذى يتهاوى بعدما وصل عجز الموازنة والديون الخارجية والداخلية والاحتياطى النقدى إلى منطقة اللاعودة، وتوشك مصر على إعلان إفلاسها، وقائمتها التى رصدناها من التقارير الرسمية والجولات الميدانية تشمل لحم طاووس إيرانى وورق عنب سويسرى وخس كورى وفواكه استوائية عجيبة لا تستطيع نطق أسمائها ومكرونة إيطالى بالمحار وكافيار أحمر وجبنة سويسرى وبطيخ برازيلى واستاكوزا إيطالى وأكل قطط وكلاب روسى وبولندى!

 
كل هذا السفه فى وقت نحتاج فيه كل دولار لاستيراد غذائنا الاستراتيجى، خاصة لو علمنا أننا نستورد 60 ٪ من أكلنا المهم وليس السفيه، والمفارقة الأكثر غرابة أن هذه المنتجات الاستفزازية محمية بإعفاءات ضريبية، يعنى يمكنك شراء الكافير من روسيا بتسهيلات ضريبية فى الوقت الذى تعانى فيه لو فكرت شراء ماكينات من الخارج لإقامة مصنع وفتح بيوت العاطلين، بعيدا عن هذه المفارقات التى تجن العاقلين، فإن الحكومة لاتزال تدرس حتى الآن ورغم خراب مالطة إلغاء هذه الإعفاءات، والأغرب أن هناك مسئولين يرفضون ذلك ويعارضون فكرة التقشف فى هذه السلع الاستفزازية وكأننا سنموت لو لم نأكل لحم الطاووس الإيرانى خاصة أن من يأكله سيحتاج عيش فرنسى وصل ثمنه إلى 20 جنيها للكيس، ولن يحتاج إلى العيش المدعم الذى يقتل المصريون بعضهم البعض للحصول عليه.
ولأن هذا التحقيق ملىء بالغرائب والعجائب فإن المسئولين المختصين لم يهتموا سوى بتكذيب الأرقام حتى الرسمية منها، ونحن نواجههم بها، مشددين على احتياجنا لهذه المنتجات السفيهة من أجل السياح، وكأننا لدينا زحام فى السياح بالشكل الذى يجعلنا نستورد هذه الكمية من الأغذية الاستفزازية، وبالطبع يأتى السياح وبصحبتهم قططهم وكلابهم ولذلك نستورد لهم بـ223 مليون جنيه أكل قطط وكلاب وغيرها من الحيوانات الأليفة.. كلام فارغ من مسئولين لا يدركون إلى أين هم ذاهبون بمصر؟.. فعليهم أن يعلموا أن الدول المتقدمة تلجأ إلى التقشف فى هذه الأغذية وقت الأزمات، ولكم فى إسبانيا والبرتغال واليونان مثال يا أولى الألباب!
«روزاليوسف» قامت بجولة داخل سلاسل السوبر ماركت والهايبارز الشهيرة بطريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوى والقطامية والأحياء الراقية وحتى المتوسطة للتعرف على أنواع هذه السلع الاستفزازية وجديدها وأسعارها ومنها الفواكه الاستوائية وتضم «الباسيون» وهى تشبه البرتقال ولكن لونها أخضر داكن ويصل سعر الكيلو منها إلى 45 جنيها، والمانجستون بـ70 جنيها و«الكارامبولا» وهى فاكهة على شكل نجمة صفراء اللون ويصل سعر الكيلو منها إلى 48 جنيها، و«التاماريللو» وهى تشبه الطماطم ويصل سعر الكيلو منها إلى 35 جنيها، و«التوت آكى» التايلاندى وهى فاكهة تشبه العنب وسعرها مثل العنب الأسود الأمريكى فيصل سعر الكيلو إلى 40 جنيها، و«السفرجل» وهى من فصيلة الكمثرى ويصل سعر الكيلو منها إلى «55 جنيها»، و«البابايا» وهى تشبه الشمام والكنتلوب والموطن الأصلى لهذه الفاكهة أمريكا الوسطى ومنها نقل الإسبان والبرتغاليون أشجار تلك الفاكهة إلى مناطق ذات طبيعة مناخية مشابهة لجزر الكاريبى ثم انتشرت فى الفلبين وبقية مناطق جنوب شرقى آسيا، وأيضاً فى الهند إلا أن المكسيك وبورتوريكو وجزر هاواى فى الولايات المتحدة، لا تزال من أهم مناطق العالم إنتاجاً للبابايا، ويصل سعر الكيلو منها إلى 52 جنيها، و«الأفوكادو» وهى أيضا فاكهة داكنة الخضار تشبه الكمثرى ويصل سعر الكيلو منها إلى 34 جنيها، هذا بالإضافة إلى البرقوق الأصفر المستورد ويصل سعره إلى 30 جنيها للكيلو.
وبعد أن تركنا قسم الفواكه اتجهنا إلى قسم الأسماك الذى يضم أنواعاً فاخرة من أسماك الكافيار الأحمر والجمبرى الجامبو والاستاكوزا والسالمون الإيطالى وأسعارها تتفاوت ما بين 40 جنيها وحتى 480 جنيها للكيلو، أما فى قسم المخبوزات والعجائن فهناك الخبز الفرنسى والذى يصل إلى 20 جنيها والمكرونات الإيطالى بأصنافها المختلفة فمنها بالسبانخ والخضروات والجبن والمحارى البحرية والتى تتراوح أسعار الـ400 جرام منها من 32 جنيها وحتى 60 جنيها للأنواع الفاخرة.

 
 أما قسم الألبان والجبن فيضم مثلا «مش تركى» وسعر الكيلو منه 40 جنيها بالإضافة إلى أصناف متعددة من الأجبان الفرنسية والدنماركية والسويسرية ومنها إميتال وباميجانو ريجاتو وجاردلى جودة ومسدام وشيدر لايت والتى تتراوح أسعارها بين 80 إلى 480 جنيها للكيلو.
وعن أكل القطط والكلاب فنجد جميع أنواع المقرمشات والأطعمة المجففة والتى تبدأ من 30 جنيها وحتى 280 للأحجام العائلية، والغريب أن بعض مسئولى الأقسام المعروضة فيها هذه المنتجات رفضوا تصويرنا لها، حتى لا يحدث هذا التحقيق لهم ربكة فى البيع خاصة أنها عليها إقبال!
وطبقا للبيانات التى حصلنا عليها من وزارة الزراعة متمثلة فى الهيئة العامة للخدمات البيطرية فإنه بلغت الكميات الواردة من غذاء الحيوانات الأليفة حوالى ألف و700 طن فى الفترة من يناير 2012 إلى شهر مايو الماضى محققة بذلك زيادة تقدر بـ200 طن عن الفترة المماثلة خلال العام الماضى.
فضلا عن التقارير الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء والتى تشير إلى أرقام مفزعة عن الاستيراد السفهى للمصريين، فالإحصائيات أشارت إلى أنه قد تم استيراد سلع استفزازية تقدر بنحو 10 مليارات دولار خلال هذا العام فقط.
حيث شملت هذه السلع لعب الأطفال والشيكولاتة وأغذية للقطط والكلاب والآيس كريم وبودرة الطعمية والحلويات والمخبوزات حيث استحوذت لعب الأطفال والشيكولاتة وأغذية القطط والكلاب فقط على 223 مليون دولار، هذا فى الوقت الذى أصدرت فيه هيئة الرقابة على الصادرات والواردات إحصائية أخرى عن فاتورة الاستيراد السفهى من السلع الاستفزازية خلال الفترة من يوليو حتى بداية هذا الشهر أى خلال 4 شهور فقط، حيث رصدت الإحصائيات استيراد 230 منتجا غذائيا بتكلفة مليار و313 مليون دولار أى بما يساوى 6 مليارات جنيه تقريبا.
وقد بلغ حجم الكميات المستوردة نحو 3 ملايين و190 ألفا و15 طنا من السلع التى لها بديل مصرى محلى، كما بلغ السفه قمته باستيراد 167 طنا من أكل القطط والكلاب، واستيراد 65 طنا من البرقوق والكريز و11 ألفا و416 طنا من الألبان المجففة و17 ألف طن زبدة و40 ألف طن مسلى طبيعى و40 طنا من الريكفورد والشيدر.
كما كشف التقرير بأن هناك 45 مليون جنيه تم توجيهها إلى استيراد ثلاثة آلاف طن من الشيكولاتة و35 مليون جنيه لاستيراد لبان وكذلك تم استيراد كميات من بودرة الآيس كريم بلغت 217 طنا قيمتها تقرب من 6 ملايين جنيه.
وطبقًا لعدد من الجهات الرسمية كالجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ونقطة التجارة الدولية والرقابة على الصادرات، فإن عام 2010 شهد استيراد سلع استفزازية بنحو 5 مليارات دولار.
وتشمل هذه السلع الشيكولاتة والآيس كريم الذى يتم استيراده بنحو 30 مليون جنيه، ومستحضرات تجميل بحوالى 130 مليون جنيه.
ورغم مطالبة عدد من الخبراء منذ سنوات بترشيد استهلاك السلع الاستفزازية لتوفير النقد الأجنبى من ناحية، ودفع الإنتاج المحلى من ناحية أخرى، إلا أن الواقع يظهر أن عمليات الاستيراد ظلت فى نفس مستواها المسجل قبل الثورة.
وبالرغم من قيام د.محمود عيسى وزير الصناعة السابق بإعداد قائمة شاملة بأسماء السلع الترفيهية لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من استيرادها بما إنها لا تؤثر على عملية الإنتاج، وتمثل نسبة ضئيلة من الواردات إلا أن هذه الخطوة توقفت ولم يتم اتخاذ أى إجراءات فيها حتى صرح محمد الصلحاوى، القائم بأعمال رئيس مصلحة الجمارك منذ عدة أيام قليلة بأن المصلحة حاليا تدرس إلغاء الإعفاءات الممنوحة للسلع «الاستفزازية» كالكافيار، وغيرها من السلع والتى لا تؤثر على احتياجات المواطن العادى.
 حمدى النجار رئيس الشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية قال لنا إن هذه الأرقام مبالغ فيها، فليس هناك إحصائيات دقيقة عن حجم هذه السلع الترفيهية وحجم الواردات منها، قائلا إن هذه السلع فى حال الاستغناء عنها لن تسد العجز فى الموازنة لأنها ضئيلة للغاية.
وقال علينا تقليل منع دخول السلع الرديئة للبلاد والتى تستنزف الموازنة خاصة أن بنود منظمة التجارة العالمية تعطى لنا الحق فى إعادة النظر وفرض رسوم وقائية على الواردات فى حالة زيادتها على المعدلات الطبيعية من إحدى الدول، كما عالجت هذه القرارات العديد من الثغرات والتى تتم من خلال استبدال العينات داخل المنافذ الجمركية، أو التلاعب فى نظام السماح المؤقت، بالإضافة إلى المجاملات التى تتم فى تقدير نسب الهالك، أو المبالغة فى التقديرات.
وأضاف لا يمكن أن نطلق على كل هذه السلع استفزازية فمثلا قد يعتبر البعض استيراد نوعية معينة من الأقمشة والمنسوجات سلعاً استفزازية وكمالية لارتفاع أسعارها موضحا أنه لا يجب ترشيد استيراد السلع الكمالية فقط ولكن حتى السلع الضرورية بحيث يتم استيراد الأكثر ضرورة.
ويتفق معه هلال شتا نائب رئيس الشعبة العامة للمصدرين باتحاد الغرف التجارية سابقا ونائب رئيس الغرفة التجارية قائلا: طالما أننا نطبق نظام اقتصاد السوق الحرة فلا يمكن أن نمنع سلعا معينة مثل ما يحدث فى أمريكا والاتحاد الأوروبى.
وأوضح أن نظام السوق الحر يعنى ألا تتدخل الدولة نهائياً فى هذه السوق، وبالتالى حتى نقلل من عجز الموازنة علينا فرض رسوم جمركية عالية على هذه السلع الاستفزازية وهذا لا يتعارض مع الاقتصاد الحر وبالتالى الطلب والاستهلاك عليها سيكون أقل فضلا عن أن المستورد سوف يحجم عن استيرادها.
اللهم لا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء منا
 
أما د.حمدى عبدالعظيم الخبير الاقتصادى والرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية قال لنا إن مصر تستورد نحو 60٪ من غذائها من الخارج، وهو ما يكلف خزينة الدولة 6 مليارات دولار سنويًا، يتم اقتطاعها من الاحتياطى النقدى الأجنبى الذى وصل بنهاية أغسطس إلى 1,15 مليار دولار، ما يكفى لـ 3 أشهر من الاستيراد وتغطية الاحتياجات موضحا أن الاحتياطى النقدى الأجنبى لدى البنك المركزى دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات بهدف الحد من تقليص الواردات.
 وطالب بضرورة رفع الجمارك على السلع الكمالية إلى 20 فى المائة وذلك لحالة الطوارئ الاقتصادية التى تمر بها مصر.
وكالعادة، لا حول ولا قوة لجمعيات حماية المستهلك، التى تعتبر للبرستيج أكثر منها للاهتمام بالغلابة، فترى سعاد الديب رئيسة جمعية حماية المستهلك إن جمعيات حماية المستهلك دورها فقط توعية المستهلك بترشيد الاستهلاك وليس لنا حق المطالبة بمنع الاستيراد.
وأضافت أنه ليس من حق أى جمعية لحماية المستهلك أن تطلب من المستورد عدم استيراد السلع غير الضرورية.. ولكن يقتصر دورها على مجرد توعية المستهلك بعدم التكالب على شراء أى سلعة مع ضرورة ترشيد استهلاك.
أما سيد أبوالقمصان مستشار وزير الصناعة لشئون التجارة الخارجية فيقول هذه الأرقام ليست دقيقة موضحا أن نسبة هذه السلع لا تتعدى 30٪ ولا يمكن أن نمنعها أو نحد منها لأنها تستخدم فى قطاع السياحة وتدر دخلا فيطلبها السائح وبالتالى فهى لا تؤثر على الميزانية.
 وأنهى كلامه معنا بأن الحكومة اتخذت إجراءات عديدة حيال بعض هذه السلع الكمالية مما يهدف إلى تشجيع القطاع الصناعى ليوفر السلع الكمالية للسوق المحلية.
وطبعا بعد عرض هذه المشاهد الصعبة على طريقة «الكوميديا السوداء» لا نتوقع أى مواجهة قريبة لهذه الأزمة التى تكاد تشارك فى إفلاس مصر.. فهل يتحرك أحد قبل فوات الأوان؟.. ولتستغنى هذه الفئة التى لا نعمل ضدها بالطبع، عن الجمبرى الشبح والخس الكورى وورق العنب السويسرى والخوخ النيكاراجوى والبطيخ البرازيلى ولو قليلا حتى تمر الأزمة، وبعدها كلوا ما تريدون رغم أن هذا يستنزف العملة الصعبة جدا، والتى تقترب إلى أن تكون عملة مستحيلة لا صعبة فقط!