السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بطولات البدو المنسية !

بطولات البدو المنسية !
بطولات البدو المنسية !




فى الوقت الذى يشوه بعض الجهلاء سمعة بدو سيناء، ويشكك فى وطنيتهم من خلال نماذج فردية تعرضت لضغوط صعبة، كان من الضرورى جدا فى هذه المناسبة أن نذكر من يعرف ونعلم من لا يعرف بالبطولات المنسية للبدو، الذين أنقذوا الجنود المنسحبين بعد النكسة فى بيوتهم بعيدا عن عيون العدو حتى يسلموهم للجيش المصرى، ورفضوا تدويل سيناء أو الحكم الذاتى الذى روج له الإسرائيليون، بل أعلنوا الإضراب ضد الاحتلال أمام كاميرات الصحف والفضائيات التى جلبها الإسرائيليون احتفالا بوقوع سيناء فى أيديهم، بل وصل الأمر إلى أن تحولوا لمثال وطنى بفدائيتهم من خلال منظمة سيناء وتضم قائمة الأبطال الكثير من الوطنيين والشهداء، ووزعت عليهم المخابرات المصرية 23 جهاز إرسال لنقل الوصف التفصيلى لمواقع العدو وفتحت 42 ساعة خلال أيام الحرب، وحولوا مقابرهم إلى مخازن لأسلحة المقاومة بعيدا عن عيون الإسرائيليين فى ملحمة حقيقية يجب ألا تنسى!
 

 
البدو خدعوا الإسرائيليين كثيرا بالتنسيق مع المخابرات المصرية
 
ولمن لا يعرف يقول المؤرخ العسكرى اللواء فؤاد حسين إنه فى بداية الاحتلال الإسرائيلى لسيناء احتجز العاملون هناك من أبناء المحافظات الأخرى.. فنقلهم أبناء سيناء بطرق سرية إلى غرب القناة .. وتكونت منظمة سيناء العربية التى قام أعضاؤها بالعديد من العمليات الفدائية، وكانوا ينقلون الأسلحة والذخيرة والمفرقعات إلى الفدائيين والمجاهدين عن طريق الإبل.. حيث كانت الإبل تسبح فى المياه حاملة المعدات والذخائر بناء على اقتراح الشيخ سمحان موسى مطير، وكانت أول تجربة بواسطة الفدائيين عبدالكريم لافى ومبارك صلاح حمدان.
 
وكان على رأس مجاهدى سيناء المجاهد الأول محمد محمود اليمانى ابن قرية نجيلة مركز بئر العبد الذى عرف بإرادته القوية وجرأته.. حيث انطلق فى سيناء لجمع المعلومات عن العدو بعد النكسة، وقاد مجموعات من الفدائيين أبناء منظمة سيناء العربية الذين حيروا قيادة العدو، وتمكن من الدخول إلى سيناء والخروج منها أثناء الاحتلال 64 مرة لتنفيذ مهام المخابرات المصرية.
 
والشيخ متعب هجرس شيخ قبيلة البياضية من أوائل المجاهدين، فهو أول من انضموا لمنظمة سيناء، وفتح بيته لاستقبال آلاف الجنود المصريين المنسحبين من سيناء وقام بنفسه ورجاله بتوصيلهم للبر الغربى، وهو أول شيخ يتم القبض عليه ومجموعة من رجاله بواسطة القوات الإسرائيلية فى عام ,1968 وكان أول شهيد يدفن فى سيناء بعد عودة جزء منها فى عام .1977
 
ويعتبر المجاهد شلاش خالد عرابى الملقب بـ «هدهد بئر العبد» من أنشط مندوبى المخابرات ومنظمة سيناء الذى أفقد المخابرات الإسرائيلية توازنها مما جعلهم يرصدون مبالغ كبيرة لمن يرشد عنه أو يساعد فى القبض عليه حيا أو ميتا، وتناولت مؤلفات إسرائيلية بطولاته بأنه أخطر شبكات الجاسوسية، وتم القبض عليه وحكم عليه بالسجن 39 عاما بعد أن قام بعملية فدائية فى كمين للعدو.
 
ويتذكر الجميع دور الشيخ عيد أبوجرير الذى كان له دور مهم فى مقاومة الاحتلال.. حيث جمع هو وأتباعه الأسلحة التى تركها الجيش المصرى وأخفوها فى أماكن سرية حتى أعادوها للقوات المصرية بعد أكتوبر، ورشح 6 أفراد من مساعديه للتعاون مع المخابرات المصرية للقيام بمهام سرية خلف خطوط العدو، وأووا الكثير من المجاهدين والفدائيين حتى تحقق النصر.






مكتب بريد العريش أضرب ضد الاحتلال
 
وقد لا يعرف الكثير منا أن الانتماء الحقيقى لبدو سيناء ظهر بوضوح فى حروب الاستنزاف وفى نصر أكتوبر.. والدليل أن المخابرات سلمت 64 فردا من بدو سيناء 32 جهازا للإرسال بعد تدريبهم على استخدامها، وقامت بتوزيعهم على مناطق متفرقة من سيناء، وطلبت منهم أن يكون الاتصال يوميا لمدة 10 دقائق فقط لكل جهاز.. يرسل خلالها جميع تحركات العدو الإسرائيلية فى سيناء.. واستمر أبناء سيناء كعيون متقدمة داخل سيناء تكشف لمصر التحركات العسكرية لقوات العدو الإسرائيلى أولا بأول طوال حرب الاستنزاف لمدة 5 سنوات كاملة، ونجح أبناء سيناء فى مهمتهم ووضعوا القيادة المصرية فى الصورة أمام تحركات قوات إسرائيل فى سيناء حتى جاءت حرب أكتوبر .. وهنا طلبت المخابرات المصرية من بدو سيناء فتح أجهزتهم لمدة 24 ساعة يوميا لإرسال تحركات القوات الإسرائيلية لحظة بلحظة.
 
ويقول الشيخ عبد الله جهامة رئيس جمعية مجاهدى سيناء إن أبناء سيناء قدموا الكثير لمصر، وهناك عائلات وقبائل كثيرة قدمت أبناءها بكل رضا وقناعة فداء للوطن الأم مصر، وتحمل أبناء سيناء أعباء القيام بأعمال بطولية جنبا إلى جنب مع أبطال القوات الخاصة والصاعقة والمظلات والمخابرات فى نسف المدرعات ومهاجمة الدوريات وخطف جنود الأعداء من داخل سيناء وكشف تحركاتهم أولا بأول، ونتذكر دور أبناء سيناء فى احتواء الجنود والضباط المصريين المنسحبين فى أعقاب هزيمة 5 يونيو 67 ومساعدتهم فى العودة إلى القاهرة، وتقديم الماء والطعام والملابس المدنية حتى عبروا قناة السويس.
 
كما رفض أبناء سيناء كل الإغراءات الإسرائيلية وأكدوا انتماءهم لوطنهم مصر، وأضاف أن جميع أبناء سيناء مصريون أبا عن جد ويعتزون بمصريتهم، ويكفينا شرفا أنه لم يتم القبض على جاسوس واحد من أبناء سيناء أيام المواجهة والاحتلال.
 
ويقول عبد العزيز الغالى أحد زعماء الإضراب: لقد استجاب أهل العريش للمنشورات التى تدعو إلى إضراب شامل ضد الاحتلال الصهيونى الذى يزعم أن الشعب فى سيناء قد استكان لبطشه وإرهابه، وطالبنا الأهالى من موظفين وتجار وفلاحين بعدم التعاون مع المحتل وعدم التجول فى شوارع المدينة أو ميادينها تعبيرا عن الاحتجاج والاستنكار بوجود المحتل.. واستجاب الأهالى وأصبحت مدينة العريش مدينة أشباح، وجاء هذا الإضراب متزامنا مع وصول وسائل الإعلام العالمية لتصوير مدينة العريش العاصمة مدينة هادئة وأن أهلها يدينون بالولاء لإسرائيل .. فكانت اللطمة الكبرى للاسرائيليين وقتئذ.
 



جوعوهم عقابا علي وطنيتهم
 
إنه بعد الإضراب تم تخصيص منطقة المقابر بالعريش مخزنا لأسلحة المقاومة والتى استخدمتها منظمات المقاومة ضد العدوان الصهيونى على سيناء.
 
ومن الأبطال البارزين أيضا الصيدلى حمودة الأزعر الذى كون مجموعة لمقاومة الاحتلال، وأصبحت صيدليته ابن سيناء بالعريش مكانا لاجتماعات الأحرار من أبناء المنطقة لدراسة ما يمكن عمله من أجل تحرير الأرض، وكانت البداية تلقائية حيث تكونت مجموعة لكتابة المنشورات ضد الاحتلال لرفع الروح المعنوية للمواطنين، وتلى ذلك قيامه بجمع المعلومات عن قوات الاحتلال الإسرائيلى، وفى صباح الخميس 4 أكتوبر 1973 دخل أحد المرضى الصيدلية يحمل روشتة، سلمها للدكتور الذى انشغل بقراءتها بجدية بالغة وقضى وقتا طويلا فى قراءتها، رغم أنها لم تكن تحتوى إلا على تركيبة لنوعين فقط من الأدوية هما 6 حقن فيتامين ب المركب و12 كبسولة مضاد حيوى كلوروماليستين وكان هناك خط صغير تحت رقم 6 وحرف ب ورقم 12 .. وفهم الدكتور الشفرة، وهى أن الهدف 126 ب تقرر تدميره .. فسأل المريض: متى تريد هذا الدواء؟ فأجاب أمام رواد الصيدلية ومنهم جندى إسرائيلى: الليلة.
 
ولم يكن الهدف «126 ب» سوى محطة محولات كهربائية تشتمل على 3 محولات ضخمة، وتكمن أهميتها فى أنها تمد معسكرات الجيش الإسرائيلى ومخازن الأطعمة بالتيار الكهربائى.. كما يعتمد عليها مركز التنصت الإسرائيلى على ساحل البحر بالعريش بما يضمه من أجهزة إلكترونية حديثة تسمح لجنود الاحتلال بالاستماع إلى الإشارات المتبادلة بين وحدات الجيش المصرى على الجبهة وقياداتها.. وتم تجهيز العبوات الناسفة فى منزل عبدالحميد الخليلى أحد أبطال المجموعة، وجرى نقلها فى وضح النهار إلى حيث الهدف.. وفى الوقت المحدد قام محمد عبدالغنى السيد وعدنان شهاب البراوى بالإجهاز على الحراس الإسرائيليين الثلاثة، وفى الحادية عشرة مساء ارتجت سماء العريش وأضاء ليلها على انفجار مروع اختفت على أثره المحطة من الوجود.
 
وفى مركز بئر العبد المتاخم لقناة السويس كانت المقاومة فيه على أشدها، حيث تم تجنيد المئات من المجاهدين لرصد المعدات المتوجهة إلى الجبهة عبر طريق الساحل الشمالى (العريش / القنطرة)، وكان لأبناء مركز بئر العبد الدور البارز فى نقل المجاهدين من بور سعيد حتى سيناء، وكان للمجاهدين دور كبير فى قصف معسكر العدو الإسرائيلى فى منطقة مصفق.. حيث تعرض هذا المعسكر لأكثر من عملية قصف صاروخى طوال فترة الاحتلال على يد البطلين الشهيدين: مبارك أبوصلاح وعبدالكريم أبو لافى، وكان هذا المعسكر من أكبر المعسكرات الإسرائيلية فى سيناء.. كما كان للمرأة فى بئر العبد دور مميز فى الجهاد وإيواء الضباط والجنود وعلاج المصابين منهم.
 
وفى مدينة الحسنة بوسط سيناء الواقعة على بعد 90 كيلومترا جنوب مدينة العريش العاصمة.. شهدت المنطقة أكبر حدث بعد الاحتلال.. فقد استثمر الاحتلال عزلة أبناء سيناء عن مصر والأمة العربية وسارع فى 31 أكتوبر من عام 1968 فى ترويج فكرة تدويل سيناء.. حيث عرض على مشايخ القبائل فكرة الحكم الذاتى لسيناء.. إلا أنه بالاتفاق مع المخابرات المصرية تم إفشال هذا المخطط.. حيث وافق المشايخ على الفكرة، وتم طرحها عمليا فى مؤتمر أعد خصيصا لذلك فى مدينة الحسنة، ودعا المحتل إليه وسائل الإعلام العالمية ونخبة من أبرز المهتمين بسيناء فكريا وأكاديميا ليتم فيه الإعلان عن تدويل سيناء.. وعقد المؤتمر بحضور مشايخ سيناء وموشى ديان وزير الدفاع الصهيونى، وبدأ المؤتمر بكلمات تطرح فكرة التدويل وأن تصبح سيناء تحت الحكم الذاتى تحت رعاية إسرائيلية ومظلة أمريكية.. واتفق المشايخ على اختيار الشيخ سالم الهرش ليكون متحدثا باسمهم فى المؤتمر، واعتلى الهرش المنصة ليعلن للعالم ويفاجئ الصهاينة بكلمته التى هزت الكيان الصهيونى والتى قال فيها: سيناء مصرية وستظل مصرية تحت قيادة الرئيس جمال عبد الناصر، وإن باطن الأرض أكرم لنا من ظهرها إذا ما وافقنا على هذه المخطط الإسرائيلى.
 
وبهذه الكلمات تلقى الاحتلال الصهيونى أول لطمة من المخابرات المصرية وليعلم أن أبناء سيناء متمسكون بانتمائهم إلى الوطن الأم مصر ورفضهم التعاون مع الاحتلال.. وليثبت أبناء سيناء أن الوطنية ليست كلاما، وإنما أفعال