الفرصة الأخيرة لمواجهة «الدعم»

نعمات مجدى
عقدة مصر !
رغم أن هناك العديد من الملفات الملحة التى تتصدر المشهد خلال الساعات الأخيرة، لكن كان من الواجب المهنى والوطنى أن نسلط الأضواء على «عقدة مصر» التاريخية.. نقصد «الدعم»، خاصة بعدما تردد عن تراجع النظام عن النظر فى هذا الملف الذى يحتاج لحل فورى بعد أن تحولت المسألة إلى حياة أو موت.
فبعيداً عن الاختلافات الأيديولوجية والسياسية التى يجب أن نترفع عنها فى مثل هذه الكوارث المصيرية، ندعو الرئيس محمد مرسى إلى مواجهة هذا الملف الذى يكاد يجبر مصر على إشهار إفلاسها خلال 3 شهور، ومن المزعج جداً أن نرصد هذا التحفظ والخوف الحكومى من التعامل مع هذه القنبلة رغم أزمة السيولة المالية والعجز الكارثى فى الموازنة، الذى يعتبر أحد أبرز أسبابه فاتورة الدعم التى وصلت إلى «145 مليار جنيه» منها 114 مليار جنيه لدعم المواد البترولية و16 مليارا للخبز و6,26 مليار للسلع الجماهيرية!
الهروب من الكارثة كان رفاهية لأنظمة سابقة، لكن المواجهة الآن.. والآن فقط.. واجب على كل من يهمه الأمر لأننا وصلنا إلى حافة الهاوية، لدرجة أن القرض الذى نحارب عليه مع بنك النقد الدولى لن يحل شيئاً بسبب «الدعم»، والمفارقة التى كشفتها دراسة حديثة جداً أن الفقراء لا يستفيدون من الدعم فعلياً بل يقتنص الأغنياء حوالى 40٪ منه، وسر الحل وأساسه فى مكاشفة الناس لا خداعهم.
روزاليوسف
فى الوقت الذى تتهم المعارضة فيه الإخوان بأنهم وصلوا إلى سدة الحكم بحصد أصوات الفقراء بتوزيع الزيت والسكر والأرز عليهم، تكثر السيناريوهات التى تتوقع انهيار «الحرية والعدالة» فى الانتخابات البرلمانية القادمة بسبب أزمة الدعم فى هذه السلع الضرورية بالإضافة إلى دعم الخبز والمواد البترولية التى وصلت فاتورتها الإجمالية إلى 154 مليار جنيه!والكل يتساءل الآن: هل تسعى الحكومة لتخفيض الدعم عن المواطن المطحون أصلا والذى ينشد الحياة الكريمة بعد ثورة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وهل يمكن أن نواجه انتفاضة خبز جديدة وكيف يمكن أن يؤثر رفع الدعم على الموازنة، وأين الشفافية التى افتقدناها طيلة الستين عاما الماضية، خاصة فى هذا الملف وهل هى حقا الجمهورية الثانية أم هى امتداد لعهود سابقة وأحلام تبخرت وآمال تبددت، مع زيادة مؤشرات إعلان إفلاس مصر خلال شهور قليلة لو لم يكن هناك حل فورى!!
ووفقا لموازنة العام الحالى 2012-2013 ارتفع دعم الطاقة إلى نحو 114 مليار جنيه مقارنة بـ 90 مليار جنيه فى العام السابق أى بزيادة نسبتها 27٪ ويقتنص منها السولار 51٪ ضمن 145 مليارا هى إجمالى الدعم، أما الخبز فيدعم بنحو 16 مليار جنيه والسلع التموينية تدعم بـ6,26 مليار جنيه!
وكشفت أحدث دراسة صادرة عن قسم الاقتصاد فى كلية تجارة عين شمس تحت عنوان «إدارة أزمة الدعم فى مصر» أن أفقر 20٪ من سكان مصر لا يحصلون سوى على 20٪فقط من الغذاء المدعوم ونحو 17٪ فقط من دعم الطاقة، وفى المقابل يحصل أغنى 20٪ من سكان مصر على نحو 24٪ من الغذاء المدعوم ونحو 34٪ من دعم الطاقة.
وقالت الدراسة الحديثة جدا إن الدعم الموجه للسلع التموينية والخبز يساهم بشكل كبير فى تخفيف حدة الفقر فى مصر فى حين أن الفقراء لا يستفيدون كثيراً من دعم الطاقة نحو 7,62 مليار جنيه وهو ما يعنى أن سياسة الدعم المطبقة فى مصر سياسة غير متوازنة وغير عادلة حيث يذهب معظمه للطاقة، وهو ما يستدعى ضرورة إعادة هيكلة سياسة الدعم المعمول بها حالياً والعمل على إلغاء الدعم الموجه للأغنياء من أصحاب السيارات الفارهة والمصانع كثيفة الاستخدام للطاقة فى صورة دعم الطاقة.
وأشارت الدراسة إلى مثال آخر لغياب العدالة الاجتماعية حيث تشير الأرقام إلى أن الضرائب على الأرباح التجارية والصناعية لا تمثل سوى 49٪ فقط من الضرائب المحصلة على الأجور والمرتبات، وهو ما يعنى أنه فى الوقت الذى يدفع فيه محدودو الدخل والفقراء أكثر من رواتبهم وأجورهم يحصل الأغنياء على مزايا أكثر فى الدعم.
فى الوقت الذى أكد فيه البنك الدولى أن سياسة دعم الطاقة التى تتبعها مصر تتعارض مع مطالب العدالة الاجتماعية، حيث إن 37٪ من إجمالى دعم الطاقة يذهب إلى20٪ من الأسر الأعلى دخلا، بينما يذهب 11٪ فقط إلى 20٪ من الأسر الأقل دخلا بناء على دراسة تم إعدادها بالتعاون بين البنك الدولى والحكومة المصرية فى الأشهر الماضية.
أكدت الدراسات أن 99٪ من الغاز المسال يباع رسميا للمنازل بسعر 5,2 جنيه للأسطوانة، أما نسبة1٪ المتبقية فتباع للمؤسسات التجارية والصناعية بسعر لايتجاوز كثيرا ضعف الثمن الذى يباع به فى المنازل، مشيرا إلى أن أسعار المستهلك النهائية تتحكم فيها الحكومة ولم تتغير منذ سنوات، رغم زيادة التكاليف بشكل كبير.
وتوقع البنك ألا يقل استهلاك مصر عن 70 مليون طن من مختلف أنواع الطاقة هذا العام بتكلفة تفوق 150 مليار جنيه تبعا لتقلبات أسعار الوقود وأسعار الصرف فى السوق العالمية لكن المستهلك المصرى لا يدفع سوى ثلث هذه التكلفة والباقى أى100 مليار جنيه تتحمله الميزانية أو بتعبير أدق دافعو الضرائب.
د.على لطفى رئيس الوزراء الأسبق قال لنا إن الدعم ضرورة خاصة فى ظل ظروف الاقتصاد المصرى الحالية وبالتالى لا يمكن إلغاؤه بأى حال من الأحوال حيث إن 40٪ من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر، وإذا تم إلغاؤه فسوف تحدث ثورة أشبه بانتفاضة يناير 1977 مطالبا بضرورة التدرج فى إلغاء الدعم.
وأضاف أن هناك مواطنين ليسوا فى حاجة إلى دعم لأننا ندعم السلع وليس الأفراد الذين يمثلون حوالى 30٪ ولا يستحقون الدعم الذى ينقسم إلى نظام الدعم العينى وهو المطبق فى مصر، أى دعم السلعة ونظام الدعم النقدى وهو غير مطبق فى مصر إلا فى حالات معدودة وهو دعم الأفراد حيث أثبتت التجربة أن الدعم العينى كله مساوئ لأنه يؤدى إلى عدم وصول الدعم إلى مستحقيه، وأبرز مثال على ذلك أنبوبة البوتاجاز، مع ملاحظة أن البوتاجاز غير الغاز، فمصر تصدر الغاز الطبيعى ولكنها تستورد البوتاجاز وسعر البوتاجاز فى الأسطوانة الواحدة يصل إلى 35 جنيها فى الصيف و60 فى الشتاء ولكن يتم بيعها بخمسة جنيهات، وهذا أدى إلى ظهور السوق السوداء وإلى التناحر والتكالب بين المواطنين على شرائها بسعرها الرسمى والمتاجرة بها بأسعار مرتفعة وبذلك يستفيد من هذا الدعم مجموعة من المنتفعين.
وأوضح أننا علينا أن نعرف كيفية توصيل الدعم إلى مستحقيه بسهولة ويسر والذى يختلف من سلعة إلى أخرى، فمثلا دعم «أنبوبة البوتاجاز» أحسن وسيلة لترشيدها تتم من خلال استخدام الكوبونات ولكن للأسف لم يتم تطبيقها حتى الآن أما بالنسبة لدعم البنزين فلو زادت أسعار بنزين 80 أو 90 سوف ترتفع أسعار المواصلات وبالتالى ممكن أن نتحكم فى ذلك بزيادة سعر بنزين 92 و95 أو أن يتم رفع سعر تجديد الرخصة سنويا لأصحاب هذه السيارات وكذلك تحديد الفئات المستحقة للدعم والذى سيتم من خلال سنة صنع السيارة وموديلها، وأيضاً سعة الموتور، مشيرا إلى أنه علينا مراجعة أسعار بيع الكهرباء للشرائح العليا من الاستهلاك والتى تزيد علي 050 كيلو وات ساعة شهريا وكذلك إلغاء الدعم المقدم للصناعات كثيفة استخدام الطاقة مع إعادة النظر فى سياسة دعم المواد البترولية المتبعة حاليا، والتى يحصل بموجبها الأغنياء على 80٪ من اعتمادات الدعم.
أما د. محمد جودة -عضو اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة - فقال لنا: أعددنا ملفا كاملا عن الدعم ولكن لم نقدمه للحكومة لأنها لا تمثلنا ولن نتعاون معها، أما بخصوص خطة الحزب لإعادة هيكلة دعم الطاقة فهى حسب الدراسات سوف تستغرق من 3 - 5 سنوات، حيث يتم خلالها الاستعاضة عن الدعم العينى بدعم نقدى بحيث يمكن استغلال أموال هذا الدعم فى الصحة والتعليم والاستثمار، خاصة أن أكثر من ثلثى الدعم يوجه للمنتجات البترولية، بينما يصل أقل من الربع لدعم الغذاء، مضيفا أن خطة الحزب تعتمد على الغاز الطبيعى كحل أساسى لكل مشاكل الوقود، وذلك من خلال الإنتاج المحلى والاستيراد، واستخدامه كبديل فى محطات الكهرباء والذي يوفر فى حدود 10 مليارات جنيه، مع تفعيل منظومة نقل الغاز الطبيعى المضغوط بسيارات النقل المُخصصة لذلك إلى المناطق النائية المستهلكة للمنتجات البترولية مثل (جنوب وشمال سيناء، والبحر الأحمر، وجنوب الغردقة، والساحل الشمالى، والوادى الجديد).
وأشار إلى أن الخطة تعتمد أيضا على تطبيق نظام الكوبونات فى البوتاجاز بحيث تحصل كل أسرة مكونة من 4 أفراد على 18 أسطوانة سنويا بسعر 5 جنيهات للأسطوانة المنزلية، وباقى الاحتياجات بسعر 25 جنيها للأسطوانة منزلية، أما بالنسبة للاستخدام التجارى فتتم زيادة سعر الأسطوانة إلى 50 جنيها، وأضاف: إننا انتهينا من وضع دراسات لرفع الدعم عن السيارات الغنية، التى تعتمد مثلا على بنزين ,95 واقتراح عمل كارت ذكى بالنسبة للبنزين والسولار، بحيث يحصل كل صاحب سيارة على كارت ذكى بعدد اللترات سنويا، يصرف عند تجديد ترخيص السيارة، وهو ما يكفى الاستهلاك النمطى، وما يزيد عن ذلك تتم مراجعة أسعاره لتتوافق مع التكلفة الفعلية للبنزين والسولار، وهو ما يمكن أن يوفر مبلغا كبيرا من دعم المنتجات البترولية.
مقترحا إعادة النظر فى السياسات الزراعية المصرية المتبعة بحيث يتم السعى نحو زيادة الإنتاج سواء كانت أفقية من خلال زيادة المساحات المزروعة واستغلال المساحات التى تم استصلاحها حديثا فى الساحل الشمالى إلى جانب زيادة المساحة المزروعة فى وادى النيل، أو زيادة الإنتاج رأسيا عن طريق زيادة معدلات الإنتاج وذلك عن طريق استخدام أنواع جديدة من القمح والذى من شأنه تقليل نسبة الاستيراد.
بينما يرى د. فتحى أبوالفضل رئيس قسم الاقتصاد بجامعة قناة السويس سابقا أن رفع الدعم عن بنزين 95 لن يحل الأزمة لأننا لا نستورده من الخارج ولكن يتم شراؤه من شركة الشرق الأوسط لتكرير البترول بالسعر العالمى وهى الوحيدة التى تنتج بنزين ,95 وهو أقل الأنواع استهلاكًا فى مصر وهو الأعلى سعرًا بحيث يبلغ سعر اللتر (85,2)جنيه بينما سعر اللتر عالميًا (3) جنيهات أى يتم دعم اللتر بـ(15) قرشًا فقط، ومن المتوقع بعد رفع الدعم عنه يصل إلي (25,5) جنيه أى ما يعادل السعر العالمى مرة وثلاث أرباع المرة، وبالتالى سوف يتحمل مستخدمو بنزين 95 على بنزين 80 وبنزين .90
ومن جهته يرى د. سلطان أبوعلى وزير الاقتصاد الأسبق أن إلغاء دعم الطاقة على المصانع كثيفة الاستهلاك سوف يوفر 15 مليار جنيه لخزينة الدولة خاصة أنها تبيع منتجاتها بأسعار مرتفعة مضيفا أنه على الحكومة الآن سرعة استكمال الإجراءات الخاصة بتوزيع أسطوانات البوتاجاز بنظام الكوبونات مع تحويل قمائن الطوب ومزارع الدواجن إلى استخدام الغاز الطبيعى بدلا من المازوت.
أما د. عالية المهدى أستاذة الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة فترى أنه لن تجرؤ الحكومة على إلغاء دعم رغيف العيش أما بالنسبة لتسعيرة منتجات المصانع فيجب ألا تتدخل الحكومة فى المصانع التى تم إلغاء دعم الطاقة عنها. أما وأن الحكومة تتجه إلى إلغاء دعم الطاقة عن المصانع فلا يحق لها التدخل فى تسعير منتجات هذه المصانع سواء كانت هذه المصانع مصانع أسمنت أو بيتروكيماويات أو غيرها.
أما د. عبدالخالق فاروق مدير مركز النيل للدراسات السياسية والاستراتيجية فيرى أنه بالرغم من الزيادات المالية المخصصة للدعم عامًا بعد آخر فإن الأثر الحقيقى لتلك الزيادات كان يتآكل بسبب زيادة معدلات التضخم واستمرار ارتفاع الأسعار والذى نتجت عنه بسبب زيادة اعتمادنا على الواردات الأجنبية وبسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة التى اعتمدها النظام السابق فى كل المجالات.