الثلاثاء 8 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

منتصر السبع «حماس» اعتبرتنا كفارًا نحكى عن السينما!

«أول مرة تحدثنا عن مهرجان السجادة الحمراء تم معاملتنا كـ«كفار» يحكون عن السينما، كان علينا أن نبذل جهدًا كبيرًا لإثبات أننا لسنا عملاء أو جواسيس ولا بِد أن نغير الثقافة الفلسطينية وللأسف أن تكونى بالمنتصف بفلسطين وغزة خاصة كتير صعب فى ظل حالة الانقسام، لا يوجد شىء اسمه بالنص، طالما لست معى فأنتَ ضدى!».. هكذا يحكى المخرج «منتصر السبع» المدير التنفيذى وأحد مؤسسى مهرجان «السجادة الحمراء» لأفلام حقوق الإنسان بمدينة غزة الفلسطينية، عن جزء من الصعوبات التى واجهت فريق عمل المهرجان فى انطلاقه وصولا للنجاح والاستمرارية لخمس سنوات.



ينطلق المهرجان فى نسخته الخامسة ديسمبر الجارى فى الفترة من (4 - 11) بمدينة غزة، بيت لحم والضفة الغربية، بمشاركة 45 فيلمًا من كل أنحاء العالم تحت شعار «أنا إنسان»..عن تفاصيل الدورة الجديدة وكيفية صناعة ثقافة وإقامة مهرجان سينمائى فى بلد محتل كفلسطين وفى قطاع مثل غزة يخضع لسلطة (حماس) ذات توجهات إسلامية محافظة، وعن المشهد السينمائى الفلسطينى، وتحديات صناع الأفلام، وغيرها تحدثنا مع المدير التنفيذى للمهرجان «منتصر السبع» فى الحوار التالى.

>كيف انطلقت فكرة مهرجان «السجادة الحمراء لأفلام حقوق الإنسان» بغزة؟

- عندما ناقشنا الفكرة كمؤسسين وعلى رأسها المخرج «خليل مزين» صاحب المقترح، لم نكن نتوقع استمرارها لخمس سنوات، ولكن تم تدشين المهرجان كنوع من الدعم للأهالى بعد حرب 2014، على اعتبار أن يكون المهرجان لمرة واحدة فقط، وحصلنا آنذاك على دعم من مهرجان «كرامة» لحقوق الإنسان بالأردن بإرساله عشرة أفلام للنسخة الأولى، وانطلقنا به فى حى «الشجاعية» وجاءت الصورة المشهورة بالسجادة الحمراء الطويلة وسط البيوت المدمرة بعد العدوان الإسرائيلى، وحملت الدورة الأولى شعار «كرامة غزة»، وكان هدفنا منها تكريم أهالى هذه المدينة جراء ما فعلته فيهم الحرب من تدمير بيوتهم وموت لأطفالهم وذويهم وإهانة كرامتهم، فكان هدف المهرجان أن يصل صوت هذا القطاع المحكوم عليه بالموت والحصار للعالم، حيث كان يشعر أهله بانكسار وخزى شديد، لذا أردنا تكريمهم بالمشى على السجادة الحمراء التى اتخذناها اسمًا للمهرجان. ليصبح أهل غزة هم النجوم والمشاهير الذين يستحقون الاحتفاء والتصوير عليها عكس تقاليد «الريد كاربت» فى كل العالم والتى يسير عليها الممثلون والرؤساء فقط!. ورغم التحديات التى واجهناها فى النسخة الأولى، لكن حالة الاحتفاء والتفاعل الجماهيرى مع المهرجان، حفزتنا لاستكمال الفكرة وهيكلة المهرجان ليكون أكثر مهنية واحترافية، وهذا ما يستحقه أهل غزة، حتى وصلنا لعامنا الخامس بعد أن اكتسبنا ثقة المخرجين حول أنحاء العالم ليشاركوا معنا بأفلامهم.

> تنطلق النسخة الخامسة لمهرجان الريد كاربت تحت شعار «أنا إنسان».. حدثنا أكثر عن فلسفة هذا العام؟

- هذه النسخة تنطلق وتواكب فعاليتها الاحتفال باليوم العالمى لحقوق الإنسان 10 ديسمبر، وأيضًا تنطلق من رؤيتنا كمهرجان مع شركائنا بتفكيرنا مما يحدث حولنا فى الوطن العربى، فالأزمة ليست فى فلسطين فقط، بل أصبحت باليمن، سوريا، بيروت، ليبيا. الصراع عرقى وطائفى ودينى الآن بين السنة والسنة، الشيعة، الدروز، العلويين، إلخ.. من هنا نطرح فى هذا العام تساؤلًا: لو نحن مختلفون بسبب الديانة أو الحزب السياسى شو ممكن يجمعنا؟!، كيف ممكن نتفق من أجل مستقبل أفضل، هذا لن يحدث إلا لو أدرك الجميع أنهم يشتركون فى صفة واحدة وهى الإنسانية، كل إنسان له حقوق وعليه واجبات فقط بعيدًا عن الديانة أو العرق أو الجنسية، فيجب تجاوز الانقسام من أجل مستقبل أفضل للجميع.

> ماذا عن الأفلام المشاركة؟

- يشارك مثلا فيلم من اليمن يرصد الأوضاع المتردية لهذا البلد منذ 7 سنوات، وكذلك سوريا، ويتم الافتتاح بفيلم (غزة) وهو أيرلندى، ورشحته أيرلندا ليمثلها فى مسابقة أوسكار 2020 ويحكى عن معاناة قطاع غزة وأهلها تحت الحصار المفروض من 13 سنة، ومن مصر، سعداء بمشاركة فيلم (بين بحرين)، وهوعمل فنى رائع يناقش أشكال العنف ضد المرأة.. واختيار هذه الأفلام لتعكس رؤية المهرجان وأهدافه وهى أن يشاهد سكان غزة، كيف تعالج الشعوب المجاورة قضاياهم عن طريق السينما القادرة على توصيل الأفكار أكثر من 100 بيان أو ورشة عمل أو ندوة صحفية.

> بمناسبة حديثك عن تأثير السينما.. فقد نجحت السينما الفلسطينية مؤخرًا فى جذب الرأى العام العالمى للقضية.. ما رأيك؟

- موافق تمامًا، وأسرد واقعة تدل على دور السينما وتأثيرها فى ترابط الشعوب، فسوف يفتتح المهرجان هذا العام فعالياته فى «سينما عامر» التى بُنيت عام 1959 عندما كانت غزة تحت الحكم المصرى، وجدران هذه السينما تحمل إلى الآن أفيشات فيلم (أفواه وأرانب)، فالسينما كانت تربط بين الشعب المصرى والفلسطينى و90 % من الأفلام المعروضة بغزة كانت مصرية تأتى عبر القطار أسبوعيًا.

> كيف لمدينة لها خصوصيتها مثل غزة، ليس بسبب الاحتلال فقط ولكن لخضوعها لسلطة «حماس».. أن تستقبل مهرجانًا سينمائيًا يستمر خمس سنوات؟ خاصة أن سلطة «حماس» منعت فى أول دورات المهرجان الاختلاط بين الرجال والنساء فى مشاهدة الأفلام؟

- سأخُبرك جملة واحدة «إحنا غيرنا الوضع» وأنا كتير بعتز بهذه الجملة، أول مرة تحدثنا عن المهرجان تمت معاملتنا كـ «كفار» يحكون عن السينما، وتكرر الأمر فى نسخته الثانية أثناء اتخاذ الإجراءات والتحضيرات للمهرجان، كان يُقابل أعضاء الفريق بألف علامة استفهام وتعجب «شو بدكم تعملوا، شو هدفكم»!، وفى كل عام كان يجب علينا إثبات أننا لسنا عملاء أو جواسيس ولا نحن من خارج الدايرة الفلسطينية ولا نريد نغير الثقافة الفلسطينية العربية بثقافة فاسدة، حتى نجحنا أن نثبت لهم أننا مهرجان فنى بامتياز لا يتبع جهة سياسية معينة، حقيقى نحن بالنص ليس لنا توجهات، وللأسف هذا فى فلسطين وغزة صعب فى ظل حالة الانقسام، والمبدأ «طالما لست معى فأنتَ ضدى!».

> وكيف نجحتم فى التغلب على هذا المناخ المتُشكك والمنقسم؟

- نجحنا بإصرارنا ألا ينتمى للمهرجان أى شخص يكون له لون سياسى سواء من غزة أو الضفة، أردنا أن يكون مهرجانًا سينمائيًا فقط، حتى اقتنعت كلا السلطتين سواء حماس أو بالضفة بالمهرجان وتعاملتا معه على أنه أمر واقع وأننا لسنا تابعين لأحد، بل لا يسعى أحد من فريق المهرجان للنجومية أو الربح المادى، فالجميع لديه عمله طوال العام بين مخرجين، منتجين، سينمائيين وصحفيين ويتفرغون فقط خلال فترة المهرجان، لذا أصبحنا نلقى الدعم والنصح والرعاية من وزارة الثقافة من كلا السلطتين وتعاون من الحكومة والجهات الأمنية بغزة، والدليل على ذلك تصريحاتهم للصحف الأجنبية بفخرهم بوجود مهرجان سينمائى بقطاع «غزة».

> ربما استغلال سياسى ذكى من سلطة «حماس» لتحسين صورتها المتشددة بأنها تحترم الفن؟!

- أظن الاستفادة لقطاع «غزة» بأكمله وسكانه، لتعود فى قلب المشهد الثقافى الفلسطينى، وأى رئيس دولة أو حكومة من مصلحته دعم أى حدث ثقافى لأنه يعكس أن البلد متحضر وأن شعبه يُشارك بالثقافة وخاصة مع مدينة تحت الحصار منذ 13 عامًا، من المهم ترويج صورة مختلفة عن كونها مدينة لا تعرف سوى الموت والقصف.

> ماذا عن الإقبال الجماهيرى فى ظل ظروف «غزة» غير المستقرة؟

- سكان غزة فى حالة عطش شديد للفن والسينما، فقد استقبلنا 12 ألف مشاهد العام الماضى، فهذا المهرجان يمثل نافذة على الحياة والعالم لسكان المدينة المحاصرين منذ سنوات، ومثلا نسخة المهرجان الأولى كانت ثلاثة أيام فقط، أما النسخة الخامسة هذا العام فتعرض لمدة 8 أيام ليس فى غزة فقط ولكن فى بيت لحم والضفة الغربية، ويطالبنا الجمهور باستمرارية العرض لمدة شهر كامل!.

> حدثنى أكثرعن طبيعة التحديات التى تواجه المشهد السينمائى بقطاع غزة؟

- كتير صعب، يكفى أقولك أنه لا يوجد أكاديميات سينمائية ولا دار عرض سينمائية حتى الآن!. فمن سنة 1940 حتى 1970 كانت غزة بها 10 دور عرض سينمائية، وكان الأوروبيون يلجأون إليها فى فترة الحرب العالمية الثانية هربا من دمار بلادهم، وكان هناك أيضًا حفلات لـ«فريد الأطرش وعبدالحليم»، وكان أهل غزة يسافرون بسياراتهم إلى مصر والأردن بسهولة، كل هذه الملامح الماضية جعلتنا نتخذها شعارًا للدورة الثالثة للمهرجان عام 2017 وكانت «بِدنا نرجع»، نريد العودة لهذا الماضى عندما كانت غزة مدينة منفتحة على الثقافة والفن والسينما وليست محاصرة كحالها اليوم، وبالعودة للتحديات؛ فالمهرجان يجتهد كل عام فى تأجير قاعات مسرح عادية أو محاضرات وتجهيزها تقنيا لتصلح لعروض الأفلام، لذا تحول «مهرجان غزة السينمائى» لنافذة للجمهور المتذوق المحب للسينما الذى لا يرغب فقط فى مشاهدة الأفلام التجارية المتاحة على الإنترنت، ونفتخر أنه بعد مرور خمس سنوات على مهرجان «السجادة الحمراء» حفزت فكرته آخرين لتدشين مهرجانات أخرى بغزة سواء فى المسرح، الفن التشكيلى أو حتى السينما.

> ولكن أظن هناك رسالة مقصودة من افتتاح فعاليات المهرجان هذا العام بسينما «عامر» بعد تجديدها؟

- بالطبع، لقد كسرنا حاجزًا مهمًا جدًا هو أن السينما يُمكن افتتاحها وإعادة عملها لو هناك إرادة؟!، وقد نجحنا فى إعادة فتح سينما «عامر» بشكل رمزى ليوم واحد فى المهرجان، وهى دعوة سواء لمالك السينما أو الحكومة بغزة أو رجال أعمال آخرين -بأن هؤلاء الشباب بالمهرجان استطاعوا افتتاح السينما بأبسط الإمكانيات- هل لديهم القدرة على خوض التجربة مجددًا وبناء دور عرض سينمائية جديدة؟!

> كيف تدعم عضوية فلسطين فى الشبكة العالمية لمهرجانات أفلام حقوق الإنسان صناع الأفلام؟

- بحلول عامنا الخامس تجاوزنا دورنا كمهرجان محلى فى غزة، وأصبحنا قادرين على ترشيح أفلام لمخرجين من غزة ليشاركوا فى مهرجانات شريكة سواء بالشبكة العالمية أو العربية (أنهار)، ورشحنا هذا العام فيلم (ستروبيا) للمخرج «أحمد حسونة» ممثلا عن فلسطين.

> ماذا عن الفرص المتاحة لشباب المخرجين فى ظل غياب المؤسسات الأكاديمية السينمائية فى غزة وظروف الحصار؟

- هذا موضوع مهم جدًا، وقد تحدثنا عنه مع أكثر من جهة بالدولة، والكل أجمع على موافقتهم سواء باستضافة مخرجين أجانب لإعطاء محاضرات وورش عمل لشباب المخرجين بغزة أو تسفير الشباب للخارج، ولكن يظل تنفيذ هذه الإجراءات صعبًا حتى الآن، فمثلا هذا العام كنا نحاول استضافة صناع الفيلم المصرى (بين بحرين) لأنها الدولة الأقرب، ولكن بالنهاية لا نستطيع أن نعرض حياة الفريق للخطر، بأن نكلفهم عناء العبور عبر رفح والانتظار لأيام فى ظل الظروف الأمنية غير المستقرة بسيناء ولا نستطيع أن نطلب منهم العبور من خلال معبر الإسرائيليين، وهكذا تتكرر المشكلة مع جميع صناع الأفلام المشاركة بالدورة الخامسة. ولكن نتغلب هذا العام على هذه الصعوبات بتنظيم ورش عمل مكثفة عبر «سكايب» من خلال مخرجين من أوروبا والوطن العربى، أيضًا أرسل معظم المخرجين المشاركين بأفلامهم بالمهرجان فيديوهات قصيرة للجمهور بغزة حتى لا يشعروا بأن المخرجين لا يحترمونهم بعدم الحضور مع أفلامهم، ولكن ليعلم الجميع الظروف الصعبة فى السفر والوصول، ويدرك الشعب الفلسطينى وخاصة سكان القطاع أن صوت غزة يصل للعالم أيا كانت ظروف الحرب والحصار والاحتلال.>