الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الحرب على «التهرب الضريبى» فى التشريعات المالية الجديدة

الحرب على «التهرب الضريبى» فى التشريعات المالية الجديدة
الحرب على «التهرب الضريبى» فى التشريعات المالية الجديدة


تعكف القيادات القانونية بوزارة المالية على صياغة التعديلات المطلوب إدخالها على بعض القوانين التى تمس حصيلة الدولة من الضرائب، كما تقوم بإعداد قوانين جديدة، لتكون أكثر ملاءمة مع المتغيرات التى طرأت على الاقتصاد المصرى، ومن هذه التعديلات إعادة صياغة مشروع قانون لضريبة الدخل بدلا من القانون الحالى رقم 91 لسنة 2005، والذى من المنتظر أن تنتهى منه خلال العام المالى الحالى، وطرح المسودة الأولى للقانون خلال شهرين.


تعمل الوزارة أيضا على إدخال تعديلات على قانون القيمة المضافة، لتتمكن من فرض ضريبة على الإعلانات التى تنشر على مواقع التواصل الاجتماعى، ومواقع الإنترنت المختلفة، ونظرا لأهمية تلك القوانين، لا سيما قانونى الدخل والقيمة المضافة، على الحصيلة الضريبية للدولة، وتحقيق العدالة الضريبة، ومن ثم العدالة الاجتماعية وتقريب الفوارق الطبقية، نستعرض فى هذا التقرير أهم التعديلات المقترحة، وتأثيرها على النشاط الاقتصادى ككل.
السياسة الضريبية
 الأهداف المعلنة من جانب الوزارة لإعداد حزمة التعديلات القانونية الجديدة تتمثل فى الحرص على استقرار السياسة الضريبية بشقيها الدخل والقيمة المضافة، ولهذا أوضحت المالية، أن التعديلات التى تسعى إليها، سواء فى قانون الضريبة على الدخل أو القيمة المضافة، تستهدف تبسيط وتسهيل الإجراءات وإدخال معايير أكثر للحوكمة وتقليل المنازعات التى تؤدى إلى اللجوء لساحات المحاكم لسنوات طويلة والتماشى مع طلبات المجتمع الضريبى فى هذا الشأن.
وأضافت الوزارة أن قانون الإجراءات الضريبية الموحد يتضمن 40 % من النصوص القانونية بقوانين الضرائب الحالية الدخل والقيمة المضافة لذلك لزم مواءمة القوانين بعضها البعض، وشددت على أنه لا مساس نهائياً بسعر الضريبة أو السياسة أو الفلسفة الضريبية المستقرة حالياً، مؤكدة دعمها الكامل للاستثمار وتحسين مناخه فى مصر من خلال بنية تشريعية وضريبية محفزة وجاذبة ومستقرة.
قانون الدخل
ينطوى قانون الدخل الحالى رقم 91 لسنة 2005 على العديد من الثغرات والعيوب، وفقا لعدد من خبراء المحاسبة، أهمها إقرار العفو عن المتهربين من دفع الضرائب، حيث يسقط التهم عن المتهربين حال تقديمهم إقرارات ضريبية جديدة، وذلك بعكس القانون الذى سبقه والذى كان يعتبر التهرب جريمة يعاقب عليها القانون.
وعلاوة على عيوب القانون فإنه ينطوى أيضا على حوالى 7 مواد غير مفعلة وهى الخاصة بإنشاء المجلس الأعلى للضرائب، والذى نص على أنشائه صراحة فى المادة رقم 139 من القانون، ويختص المجلس الأعلى للضرائب وفقا لمواد القانون على الفصل بين الممول ومصلحة الضرائب فى المنازعات الضريبية، إضافة إلى مراجعة جميع القرارات والتشريعات الخاصة، بفرض الضرائب قبل إقرارها من الجهات التشريعية والتنفيذية.
ونتيجة للعوار تنظر المحكمة الدستورية العليا عدة دعاوى تطعن فى دستورية بعض مواد القانون، خاصة التى تغفل إعمال مبدأ العدالة كونه ساوى بين الممول الملتزم وبين الممول المتهرب.
التهرب الضريبى
تعد مشكلة التهرب الضريبى من أهم المشاكل التى تحرم الدولة من إيرادات طائلة، لا سيما فى ظل وجود قطاع غير رسمى يمثل ما يقرب من50 % من إجمالى حجم الاقتصاد، ووفقا لتقييم رئيس مصلحة الضرائب عبدالعظيم حسين، فإن نسبة غير المسجلين طرف المصلحة، والذين ليس لهم ملفات ضريبية تزيد على 50 %، أى أن عدد الممولين يصل إلى النصف فقط من العدد المستحق عليه دفع الضريبة، فيما لا يخضع أى من العاملين فى القطاع غير الرسمى لأى ضرائب.
وفيما يتعلق بملفات كبار الممولين، التى يتولى إدارته مركز كبار الممولين بمصلحة الضرائب، فإنه من المعروف أنه جرت وتجرى تسويات مع كبرى الشركات التى كانت لديها ضرائب بعشرات المليارات، وكان آخرها تسوية شركة جلوبال تليكوم والتى بلغت 136 مليون دولار، فيما كانت قضية الضرائب على شركة أوراسكوم للإنشاء، إحدى أهم القضايا التى نظرتها المحاكم المصرية خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغت الضرائب المتأخرة على الشركة نحو 7 مليارات جنيه.
واتفقت الحكومة فى الفترة الأخيرة على إيجاد حلول لهذه التسويات، حيث تم الاتفاق بين وزارة التجارة والصناعة ووزارة المالية، أن تسدد الضرائب المستحقة على 68 شركة من قيمة الدعم التصديرى التى تحصل عليه تلك الشركات، وهو ما يعنى أن الحكومة ستحصل على جزء من الدعم التصديرى الذى تقدمه للشركات لتسديد الضرائب المتأخرة عليها.
وتأتى تسوية المتأخرات الضريبية فى مقدمة الأولويات لدى وزارة المالية، ونجحت الوزارة فى إتمام تسوية ضريبية مع الهيئة العامة للبترول بمبلغ ١٢ مليار جنيه، بينما حصلت من هيئة السلع التموينية مبلغ يتراوح من ١٨ إلى ١٩ مليار جنيه، بجانب تحصيل 5 مليارات جنيه من قطاع الكهرباء، وبلغ إجمالى ما تم تحصيله من جهات حكومية أخرى حوالى ٢٠ مليار جنيه.
تعديلات متتالية
نظرا للتشوهات الواسعة فى قانون ضريبة الدخل رقم 91 لسنة 2005 ، فقد ادخلت الحكومة خلال السنوات الماضية عددا من التعديلات عليه، كان أخرها المواد التى أحيلت إلى مجلس الشعب قبل أيام والتى شملت مادتين فقط، خاصة بتسويات الديون المستحقة للبنوك مع شركات قطاع الأعمال العام والشركات التى تملكها الدولة.
وأقر مجلس النواب فى يونيو 2018، مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 91 لسنة 2005 بشأن الضريبة على الدخل، حيث وافق مجلس النواب على التعديلات التى تضمنت مادتها الأولى أن تكون أسعار الضريبة على النحو التالى: الشريحة الأولى حتى 8000 فى السنة تكون معفاة من الضريبة، والشريحة الثانية أكثر من 8000 جنيه وحتى 30 ألف جنيه تصل الضرائب عليها لـ10 %.
كما شملت التعديلات أن تكون الشريحة الثالثة أكثر من 30 ألف جنيه وحتى 45 ألف جنيه بضرائب تصل نسبتها 15 %، والشريحة الرابعة أكثر من 45 ألف جنيه وحتى 200 ألف جنيه بضرائب 20 %، والشريحة الخامسة أكثر من 200 ألف جنيه بنسبة ضرائب 22.5%.
وتضمنت التعديلات منح الخاضعين الشرائح الثانية والثالثة والرابعة خصماً ضريبياً بنسب 85 %، 45 %، 7.5 % على الترتيب، بحيث يكون منح الخصم المشار إليه لمرة واحدة وفقا لأعلى شريحة يقع فيها الممول، ولا يجوز منح هذا الخصم لمن يخضعون للشريحة الخامسة، وسبق هذه التعديلات، تعديلات أجرتها الحكومة فى عام 2015، والتى قضت بفرض ضريبة إضافية على الدخل.
ضرائب الإنترنت
بعيدا عن تعديلات قانون الدخل، فقد أعلنت وزارة المالية مؤخرا عن أنها تعتزم إدخال تعديلات جديدة فى قانون ضريبة القيمة المضافة، بما يتماشى مع المتغيرات العالمية، لذا تم تشكيل لجنة لإجراء العديد من التغيرات على القانون الحالى، والتى ستتضمن الأخذ فى الاعتبار التجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى الضرائب على مواقع التواصل الاجتماعى، ومن المتوقع أن يتضمن مشروع قانون الضرائب على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى والتجارة الإلكترونية فرض 4 أنواع من الضرائب على الشركات وليس ضريبة القيمة المضافة فحسب.
من المنتظر أن يجرى إدخال تعديلات على قانون ضريبة الدخل لإخضاع الشركات المتعاملة من خلال تلك المنصات الإلكترونية وتحقق أرباحا تجارية من خلال النشاط الإلكترونى، كما أن هناك تعديلات أخرى سيجرى إدخالها على قانون ضريبة الدمغة لإخضاع الإعلانات الإلكترونية للضريبة.
ومن المخطط محاسبة الشركات وفقا لشرائح الضريبة التصاعدية للأفراد بنسبة 22.5 % للشركات التى تسوق منتجاتها عبر تلك المنصات الإلكترونية ولها كيان وشكل قانونى، وسيجرى كذلك إخضاع عمليات البيع الإلكترونى من خلال تلك المنصات مثل أوليكس وجوميا وسوق دوت كوم لضريبة القيمة المضافة البالغة 14 %.
 ومن المقرر أيضا إخضاع الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعى على غرار تويتر وفيسبوك لقانون ضريبة الدمغة القائم والذى يفرض ضرائب على الإعلانات المبوبة، على أن يكون سعر الضريبة 15 % للأفراد و20 % للشركات، ويتضمن مشروع القانون أيضا فرض ضريبة رسم تنمية موارد على نشاط التجارة عبر الإنترنت وجارى دراسة قيمة الرسم فى ضوء الممارسات العالمية.
الحصيلة الضريبية
بلغت الحصيلة الضريبية نحو 660 مليار جنيه، خلال السنة المالية الماضية، مقابل 566 مليار جنيه فى العام السابق، منها نحو 309 مليارات جنيه حصيلة ضريبة القيمة المضافة، وتمثل هذه الحصيلة نحو 14.5 % من إجمالى الناتج القومى للبلاد، والبالغ وفقا لإحصائيات البنك الدولى 250 ملياردولار، أى نحو 4.125 تريليون جنيه.
فيما تقع مصر بهذه النسبة ضمن فئة البلدان ذات العوائد الضريبية المنخفضة، حيث تبلغ عوائد الضرائب فى البلدان الغربية أكثر من 40 % من الناتج القومى، لذلك فإن مصر أمامها فرصة كبيرة لمضاعفة الإيرادات فى حال استطاعت ضم القطاع غير الرسمى إلى الاقتصاد، بجانب إقرار قوانين تحقق العدالة الضريبية.
فى النهاية، بتنا نعرف جميعا فى مصر أن أغلب الضرائب المحصلة يتحملها صغار الممولين من الشعب، والذين غالبا ما يكونون موظفين تستقطع ضريبة الدخل من مرتباتهم قبل أن يتقاضوها أساسا، فيما يتهرب كبار الممولين من دفع هذه الضرائب، ويتلاعب معظم أصحاب الأنشطة التجارية الصغيرة والكبيرة، بالإقرارات الضريبية، لذلك فالسؤال الكبير هنا: هل ستحقق هذه القوانين العدالة الضريبية هذه المرة؟