«الأذان الموحد» يهزم الفوضى
أصوات منفرة تقيم الشعائر وتجاوزات كثيرة تحدث داخل أروقة المساجد، وشكاوى لا تتوقف من المواطنين، كل هذا قاد وزارة الأوقاف إلى تطبيق فكرة الأذان الموحد بعد سنوات طويلة من طرحها، كانت البداية فى 100 مسجد بالقاهرة، حيث تم وضع جهاز خاص بالوزارة فى كل مسجد صنعته الهيئة العربية للتصنيع، تم برمجته على مواقيت الصلاة، خرج البث التجريبى للأذان من المبنى القديم للإذاعة المجاور للبنك المركزى، وتستقبله المساجد المقرر تطبيق البث التجريبى بها عن طريق أجهزة الاستقبال.
الخطوة تمثل نقطة تضاف لرصيد الوزارة فى حربها ضد التطرف والفوضى التى تعم الكثير من المساجد والزوايا، وتتبنى الوزارة منهجية شاملة اعتمدت فى البداية على توحيد خطبة الجمعة، التى انعكست على ضبط الزوايا، والسيطرة على الكتاتيب، ومحاربة جميع مظاهر الخروج على الدولة، ثم جاءت مرحلة تقديم البديل اللائق فاتجهت الوزارة صوب اختيار موضوعات لخطبة الجمعة ترتبط بالواقع المُعاش، لتطرق بعدها أكثر الملفات سخونة، وهى منع الأصوات المُنفرة من الأذان بالمساجد عبر تطبيق «الأذان الموحد».
«روزاليوسف» زارت أحد المساجد التى طبقت فيها الفكرة، لترى كيف تسير الأمور بعد توحيد الأذان، كما زارات بعض مساجد القرى التى لم تطبق فيها فكرة توحيد الأذان بعد، لترصد المشاكل والتجاوزات التى تحدث هناك.
«روزاليوسف» داخل مساجد الأذان الموّحد بالقاهرة
بناء عظيم يتوسط ميدان رمسيس، يفد إليه الجميع من كل حدبٍ وصوب، من داخل مصر وخارجها، البعض يجلس على الدرج المؤدى إلى المسجد، وآخرون يجلسون فى الحديقة. دقت عقارب الساعة معلنة حلول الحادية عشرة وخمسة وخمسين دقيقة ليحين موعد أذان الظهر، فتح العامل الباب على مصراعيه ليستقبل المصلين، خرج صوت المؤذن من المكبرات نديًا تألفه الآذان وترهف السمع إليه، كان مسجد «الفتح» برمسيس يلهج بصوت الشيخ «محمد الطوخى» الملقب بـ «عميد الإنشاد الدينى والابتهالات فى القرن العشرين»، الذى سخر صوته العذب لقراءة القرآن ومدح رسول الله لمدة 70 عامًا.
انتهى الأذان، مضت بضع دقائق وأقام إمام المسجد الصلاة، انقضت فى سكينة وهدوء وغادر الجميع المسجد، بينما عاد الإمام إلى مكتبه يستقبل المصلين الذين جاءوا للاستفسار بعض الأمور الدينية، «الشيخ سلامة سامى»، إمام مسجد الفتح أكد أن الأذان الموّحد تم تطبيقه فى المسجد منذ قرابة الثلاثة أشهر، يقول لـ «روزاليوسف»: «جالنا جهاز للأذان من الوزارة، فى أصوات مشايخ مسجلة على الجهاز زى الشيخ محمد رفعت والشيخ محمد الطوخى»، عممت وزارة الأوقاف التجربة على 100 مسجد بالقاهرة كان أبرزها مسجد ثابت بحدائق القبة وجامع البنات بالأزهر، ومن المقرر أن تطبق فى جميع أنحاء الجمهورية.
وأكد أن شكاوى المواطنين ونفورهم من أصوات بعض المؤذنين كانت السبب فى تطبيق الأذان الموّحد: «المشكلة إن فى مؤذنين أصواتهم بتخض الناس، كانوا بيصحوا مفزوعين على أصواتهم، كنت أعمل فى مسجد آخر وجاء أحد المصلين قال لى «الراجل ده لو أذن تانى أنا هموّته»، موضحًا أن الأذان الموّحد يتم إطلاقه فى جميع الصلوات باستثناء الفجر وصلاة الجمعة، حيث يؤدى مقيم الشعائر الأذان بصوته: «لو الشيخ حصله أى ظرف مقيم الشعائر بيكون مكانه»، مشيرًا إلى أن وزارة الأوقاف كثفت التفتيش عقب تطبيق الأذان الموّحد للتأكد من التزام المساجد بتشغيل الجهاز الخاص به.
أهالى القرى: لدينا تجاوزات ومهازل ونتمنى تطبيق الفكرة عندنا
من جهة أخرى، كان لا بد أن نستكشف ما يحدث بالمساجد الموجودة فى القرى، التى لم تطبق فيها تجربة الأذان الموّحد، فى منطقة «منشية الجبل الأصفر» بالقليوبية، تحديدًا مسجد «الرحمن عبدون»، أقيمت شعائر صلاة الظهر بصوت المؤذن، أعقبها صلاة العصر التى بدت فيها الأمور مختلفة، حيث دلف إلى المسجد أحد شباب المنطقة وصممّ أن يقيم الشعائر، كان فى مقتبل العمر يرتدى قميصًا وبنطالًا، اقترب من الميكروفون وبدأ يؤذن بصوته، كان مصلى السيدات به 3 نساء اعتدن على الصلاة بالمسجد، من بينهن امرأة ستينية تطوعت منذ 17 عامًا لتنظيف المسجد كل يوم، تقول: «قولناله كذا مرة ميأذنش لإن صوته وحش وبينطق كلمات الأذان غلط كمان، بيقول حيّ على الصلاتو، ده ميرضيش ربنا، ولما قالوا لأبوه عملها زعلة، وعشان إحنا هنا فى وش بعض فى المنطقة وجيران بيخلوه يأذن كل فترة كده عشان هو نفسه يبقى مؤذن»، انقضت صلاة العصر ورحل الجميع وأغلق باب المسجد وعاد المكان إلى صمته مرة أخرى إلى أن تأتى صلاة المغرب.
ربما كان المواطنون الفئة الأكثر ترحيبًا بتطبيق الأذان الموحد، نظرًا لتضررهم الكبير من بعض المؤذنين ومن مكبرات الصوت، «محمد عبدالعليم» يقطن فى قرية «كتامه»، بمركز طلخا بمحافظة الدقهلية، أكد أن عامل المسجد هو المؤذن ويقوم بفتح مكبرات الصوت الخارجية وعددها 5 قبل كل صلاة وخاصة صلاه الفجر بساعة: «ياريت الوزارة تطبق الأذان الموحد فى القرى قبل أى حاجة لأن فيها تجاوزات ومهازل وقدمت شكاوى كتير عشان المشكلة تتحل ولا حياة لمن تنادى».
أما فى قرية «حطيط» التابعة لمركز أبوحماد بمحافظة الشرقية،، أكد «سيد محمود» أحد سكان المنطقة أنهم فرحون بإطلاق فكرة الأذان الموحد وينتظرون بلهفة أن تطبق فى قريتهم، ففى مسجد «شهاب الدين»، يستخدمون مكبرات الصوت بطريقة سيئة، حيث صارت وسيلة لكل شخص يريد بيع بضاعة ودعوة للأفراح: «كل شخص يريد أن يخاطب أحد يتوجه إلى مكبرات صوت المسجد وكل هؤلاء لديهم نسخ من مفاتيح الميكروفون، وكل فرد يفتح الميكروفون قبل الأذان بنصف ساعة وبأعلى صوت حيث إن المسجد تابع لوزارة الأوقاف وتم تقديم أكثر من شكوى لوزارة الأوقاف وتم إرسال شيخ مختص من الوزارة ومعاينة المسجد وتنبه عليهم ولم يلتزم أحد».
مؤذنون قدامى يحكون مواقفهم داخل المساجد
«محمد»: واحدة طلبت أنادى على بطاقتها فى الجامع و«صلاح»: الأهالى عاوزين عيالهم يأذنوا عافية.
قال الشيخ «صلاح منتصر»، مقيم شعائر أحد المساجد بقرية الأحراز التابعة لشبين القناطر بالقليوبية إن تجربة الأذان الموّحد لم تطبق عندهم بعد، ويتمنى أن تصل إلى قريتهم حتى تتوحد الأصوات التى تؤذن: «فى ناس صوتها مش حلو، لما المساجد كلها تأذن بنفس الصوت هيبقى أجمل»، مضى أكثر من 20 عامًا على عمل «صلاح» بالمسجد، واجه مواقف كثيرة خلال مسيرته، كان أبرزها أن بعض الأهالى يترددون على المسجد ويطالبون بحق أبنائهم فى إقامة الشعائر كنوع من التشجيع، مؤكدًا أن الحالات الإنسانية فقط هى التى يستجيب لها المسجد، مثل حالات الوفاة.
حصل الشيخ الخمسينى على الثانوية الأزهرية، ويتولى أيضًا مهمة خطبة الجمعة والأعياد، مؤكدًا أنه خضع إلى بعض الاختبارات قبل اختياره للعمل فى المسجد: «امتحنت فى بنها فى مسابقة للأذان والقرآن والحديث، واختبرونى فى الخطابة لأنى لازم أكون مؤهل ليها»، موضحًا أن هناك مراقبة مكثفة من وزارة الأوقاف تأتى فى الشهر عدة مرات: «لو المفتش لقى حد تانى بيأذن بيحول مقيم الشعائر للتحقيق وبياخد جزاء»، يتذكر الرجل الخمسينى إحدى مرات التفتيش على المسجد قائلًا: «المفتش مسكنى من إيدى وأنا بأذن وبعد ما خلصت قال لى أنت المؤذن ولا متطوع، وشاف البطاقة والدفتر عشان يتأكد وقالى الله يفتح عليك».
17 عاما قضاها الشيخ «ناصر محمد»، فى إقامة الشعائر بأحد المساجد بقرية «القلج» بالقليوبية، محبًا للأذان منذ نعومة أظفاره وكان يتدرب عليه وعمره 9 أعوام: «معايا الابتدائية، وفى شيخ أزهرى علمنى أقول الأذان وأقرأ القرآن، سلمت الورق بتاعى فى بنها ولما أذنت صوتى عجبهم واتقبلت»، لم يقتصر دور الرجل الأربعينى على إقامة الشعائر حيث يتولى مهمة تنظيف المسجد برفقة والدته وزوجته كل يوم.
يؤكد الشيخ ناصر أنه وجميع شيوخ القرية رحبوا بتجربة الأذان الموحد، أما المواقف التى واجهته خلال عمله بالمسجد فكان أبرزها أن إحدى النساء فقدت بطاقتها الشخصية وطلبت أن أنادى عليها فى المسجد لكننى رفضت: «لما الناس اشتكت الوزارة منعت نفتح مكبرات الصوت غير وقت الأذان بس، لإن فى ناس مريضة وناس عاوزة ترتاح».
مؤسس أول معهد لتعليم الأذان: «التوحيد» فى كل المساجد غير جائز!
أسس «السيد فتحى» معهد تعليم الأذان فى سبتمبر، عام 2013، جاءته الفكر حينما كان صغيرًا، كان دائم التردد على المسجد، وكثيرًا ما تأذى من صوت المؤذن، فكان يذهب إلى مساجد أخرى ويجد نفس المشكلة، يقول: «صممت وأنا ابن العاشرة على تعلُّم الأذان، كنت أؤذن بنفسى حتى صار المصلون يطربون لسماع أذانى فذاع صيتى فى البلده وضواحيها»، بعدما أنهيت دراستى أنشأت أول معهد لتعليم الأذان فى العالم، تحت إشراف وزارة الأوقاف، مؤكدًا أن الدراسة بالمعهد مجانية، ويضم 80 طالبًا، منهم صغار سن وأطفال أجانب وكبار سن.
يعمل الشاب الثلاثينى خطيبًا فى جامع الألفى بالشرقية، تخرج فى كلية التربية الموسيقية، جامعة حلوان، وكلية علوم القرآن، جامعة الأزهر: «الدراسة فى المعهد عامان، وخريجه يحصل على إجازة فى الأذان، والدراسة تتضمن التجويد ثم القرآن الكريم ثم المقامات الصوتية ثم فقه العبادات ثم الأذان كمادة مستقلة من حيث شرعيته ومتى نزل وكيف والصيغة الصحيحة للأذان».
وفيما يخص توحيد الأذان، أوضح أنها فكرة جيدة حيث نستمع إلى الأصوات الجميلة من جديد مثل الشيخ نصر الدين طوبار والنقشبندى، لكنه أكد أن تطبيق الفكرة لا يجوز: «توحيد الأذان لا يجوز فإن الأذان مطلوب فى كل مسجد فى حق كل جماعة لظاهر حديث النبى: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أحدكم وإذا كان لوزارة الأوقاف رأي آخر حول الأذان الموحد بأنه إحدى الركائز الأساسية لتجديد الخطاب الدينى وترى الوزارة أنه من خلاله سيتم القضاء على تداخل الأصوات فى المساجد القريبة أو من اختلاف توقيت إطلاق الأذان فى المنطقة».
مشيرًا إلى أن هناك عادات خاطئة ورثها البعض مثل إنشاد الضالة فى المسجد كأن يذيع بعض الناس على شىء مفقود فى ميكروفون المسجد أو نعى عن ميت: «السنة دلّت على المنع من إنشاد الضالة فى المسجد كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: سمع رجلا ينشد ضالة فى المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا».
ويرى أن فى ظل التطور التكنولوجى والرقمى الذى نشهده أصبح ممكنا تطبيق الفكرة وتعميمها فى أكثر من 200 ألف مسجد منتشرة فى أنحاء الجمهورية: «الهدف من الأذان الموحد التنظيم والترتيب والتطور الذى لا بد منه فى عملية الدعوة الإسلامية وإلا أن رأيى الشخصى فى تطبيق الأذان الموحد هو تجاهل أصوات المؤذنين الذين تنفر منهم الأذن»، مضيفًا أن توحيد الأذان لن يؤثر على مصير خريجى المعهد لأنه لم يؤسسه لتوظيف الخريجين بحجم ما قصد تعليم الأذان وتخريج جيل من مهندمى وذوات الصوت الحسن.
د.جابر طايع: أجهزة الأذان تتعطل أحيانا ونستطيع تلافى الخلل
قال الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الدينى بوزارة الاوقاف، إن فكرة تطبيق الأذان الموحد على الـ 100 مسجد نجحت، وجارٍ تطبيقها فى جميع أنحاء القاهرة الكبرى، مؤكدًا أن الفكرة طُرحت منذ عام 1995، وتم تطبيقها عام 2009 فى عهد الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف الأسبق، إلا أنها لم يكتب لها النجاح، وعاود الدكتور محمد مختار جمعة إحياءها ضمن مشروعات التطوير التى بدأها بمختلف قطاعات الوزارة، منذ توليه مهام منصبه.
وأضاف جابر فى تصريح لـ «روزاليوسف»: «عقدنا مسابقة للأصوات لاختيار المؤذنين وسوف ننظم مسابقة أخرى لفتح الباب أمام آخرين، ومصر تتمتع بأصوات حسنة كثيرة»، أما عن مصير مقيمى الشعائر أوضح أنه لن يتم الاستغناء عن مقيمى الشعائر بالمساجد، وسيتم الاستعانة بهم فى إقامة الصلاة داخل المسجد.
ولفت رئيس القطاع الدينى أن أجهزة الأذان الموحد يحدث لها أعطال وتشويش أحيانًا، لذا يقومون بإبلاغ الشركة ووزارة الاتصالات والإنتاج الحربى ويتم تلافى العطل على الفور: «أصوات المشايخ الراحلين لها الأولوية فى الأذان، ويتم اختبار أصوات أخرى لإضافتها».
تقوم فكرة الأذان الموحد على القضاء على العشوائية التى تتم من قبل بعض المؤذنين فى المساجد، وسوف يتم إطلاق الأذان الحى الذى يقوم به مؤذن واحد من مسجد مركزى، وينقل على الهواء مباشرة إلى جميع المساجد التابعة له، وذلك وفق أجهزة خاصة معدة لهذا الغرض، أو استقبال الأذان من باقى المساجد بواسطة البث الفضائى المباشر، فيُوَحَّد الأذان بأن يعمم على المساجد عبر شبكة إلكترونية، ويستغنى عن المؤذنين فى المساجد بصوت شيخ واحد أو شيخين.