الإثنين 9 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

الاعتذار وحده.. لا يكفى!

الاعتذار وحده.. لا يكفى!
الاعتذار وحده.. لا يكفى!


أكثر من 833.7 مليار دولار أمريكى، إضافة إلى 1.34 مليون قتيل وجريح، نتيجة للحروب والعمليات الإرهابية الناجمة عما يعرف بـ«ثورات الربيع العربى».. فاتورة اقتصادية ودموية ضخمة دفعها العالم العربى فى الفترة ما بين عامى 2011- 2014 فقط.. فضلًا عن توجه عدد كبير من الشباب نحو الإلحاد بعد أن علا صوت جيش من الدعاة ورجال الدين لاستكمال المخطط الذى يستهدف تمكين التيارات المتشددة من أروقة الحكم.. حتى أصبح التطرف والتشدد منهجًا سائدًا أخذ المنطقة كلها إلى حقبة من الاقتتال والتكفير.. تلك الفتاوى التى لا يعرفها دين، ولا شريعه سمحة، بل يشمئز منها العقل، ولا تعبر عن جوهر الدين الوسطى المعتدل.. خلقت من التشدد والانصهار بأجندات معينة، جيلًا من الشباب عاشوا الضلال السياسى بغشاوة دينية.. أريد لهم أن يخدموا مشروعًا دفعت ولا تزال المنطقة برمتها تدفع ثمن استثماره فى الخطاب المتطرف.

ولكن يأبى القدر إلا أن يعطى مزيدًا من الدروس لكل من باع عقله بقصد أو بدون قصد فى سبيل خدمة هذا المشروع التدميرى.
مؤخرًا خرج الداعية السعودى عائض القرنى فى برنامج «الليوان» الذى يبث على قناة «روتانا خليجية»، ليقدم اعتذاره للمجتمع السعودى عن الصحوة - التى شهدت انتشارًا واسعًا فى الثمانينيات والتسعينيات بالسعودية وخارجها - وما صاحبها من أخطاء قال إنها خالفت فيها الكتاب والسنة، وخالفت سماحة الإسلام والدين الوسطى المعتدل وضيقت على الناس.
دعاة الكراهية
لاقى اعتذار القرنى أصداءً كبيرة فى شتى بقاع العالم الإسلامى، ففى الوقت الذى رحب البعض به، اعتبره كثيرون غير كاف لإصلاح الضرر الناجم عن الأفكار المتطرفة التى نشرها الصحويون على نطاق واسع خاصة وأن حجم التخريب الذى ارتكبه دعاة الكراهية فى حق أوطاننا عبر خلق أجيال متعاقبة من المتطرفين لا يمكن الاعتذار فيه.
حيث شن الممثل السعودى الشهير ناصر القصبى هجومًا شرسًا على الداعية السعودى عائض القرنى، ودون القصبى فى تغريدة له على حسابه بتويتر مخاطبًا القرني: تقول بكل شجاعة أعتذر، اعتذارك هذا لا يكفى لأن الثمن كان باهظًا، وتابع: اعتذارك الحقيقى يكمن فى تقديمك كتابًا ناقدًا مفصلًا من داخل هذه الحركة تكشف فيه بهدوء وعمق ووضوح أصولها ومع من ارتبطت وكيف نشأت وكل رموزها ونهجها وكواليسها ومخططاتها، هذه هى الشجاعة وغيره استهلاك إعلامى.
أما دار الإفتاء المصرية فرحبت باعتذار الداعية السعودى عائض القرنى عن الأفكار المتشددة التى كان يدعو إليها، معتبرة أنها خطوة مهمة وجريئة فى طريق التخلص من التطرف والتشدد.
وذكرت فى بيان لمرصد الفتاوى التكفيرية التابع لها، الأربعاء، أن توبة القرنى واعتذاره المباشر دليل على نجاح المساعى الفكرية الإقليمية والدولية فى محاصرة الأفكار المتطرفة، مضيفة أنها من نتائج المواجهة الفكرية التى تقوم بها بعض الدول، وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر فى مواجهة التطرف والإرهاب.
كما أوضحت الدار أن شهادة القرنى واعتذاره، أثبتت عددًا من المرتكزات الأساسية الداعمة للتطرف فى المنطقة العربية، أبرزها الدعم الخارجى والتمويل المالى للمتطرفين، الذى تقوم به دول فى المنطقة وعلى رأسها قطر، حيث أكد القرنى أن قطر تعمل على دعم أجندات الإخوان وطالبان وتركيا من خلال إعلامها لتحسين صورهم المشوهة.
وأضافت أن ما قدمه القرنى من اعتذار وتراجع عن أفكار متشددة، يُعد شهادة للتاريخ عن الأطراف الداعمة لهذا الخطاب، فقد فضح مساعى قطر فى تدعيم هذا النمط المشوه من الأفكار الدينية المغلوطة عن الإسلام، كاشفًا أنها تسعى إلى استقطاب الدعاة المتشددين واستضافتهم ودفع رواتب لهم والترويج لأفكارهم وخطاباتهم، مع توظيفهم للترويج لأفكارها ومنهجها.
قلب المعادلة
اعتذار القرنى يجب أن يلفت الانتباه إلى حالة الانفتاح المهمة التى تعيشها السعودية، خاصة بعد أن أعلنت القيادة التزامها بإعادة المملكة إلى الإسلام المعتدل، وأنه لا يوجد مجال لأنصاف الحلول أو الجهود غير الصادقة لمواجهة الأفكار المتطرفة.. خاصة وأن ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان قد قلب المعادلة وأطلق العنان لنهج معتدل يحاصر التشدد والبيئة الحاضنة للتطرف، مع الحفاظ على هوية المملكة الدينية والاجتماعية، حيث بدأنا نرى أوجه للمملكة التى تعمل على تمكين المرأة، وتعيد التواصل مع الأديان الأخرى، وتحتضن الفن والموسيقى والترفيه، وعرض الإسلام بالشكل المتسامح الذى يفترض أن يكون عليه أساسًا.
لكن يبقى اعتذار القرنى مجرد طرف خيط يجب أن نسير خلفه لنمسك بالعديد من الأطراف الأخرى التى ملأت ساحات الوطن العربى بالدماء والأفكار المدمرة التخريبية.. خاصة وأن الفتاوى السلفية على وجه الخصوص لها تاريخ حافل فى هذا الشأن.
فتاوى الجهل والدم
الفتاوى الشاذة كثيرة ويأتى فى مقدمتها فتوى ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، بأنه يجوز للزوج ترك زوجته لمن يغتصبها إذا خشى على نفسه الموت، متناسيًا أن الموت دفاعًا عن الزوجة والأهل مرتبة من مراتب الشهادة. وتأتى أيضًا، فتوى سامح عبدالحميد، الداعية السلفى، بتحريم القيام عند تحية العلم، كما أصدر داعية يدعى أبو يحيى الصرمانى، فتوى غريبة يؤكد فيها أن الشرع لم يحدد سنًا معينة لزواج البنات، وأنه يجوز للفتاة الزواج عقب ولادتها حتى لو كان عمرها يومًا واحدًا، ولا ننسى الفتوى المريضة التى أطلقها مرجان الجوهرى، القيادى بالحركة السلفية الجهادية، بإباحة هدم الأهرامات وأبو الهول، لأنها تعد أصنامًا، وتتعارض مع الشريعة الإسلامية، كما أفتى المدعو عبدالبارى الزمزمى، بتحريم ملامسة المرأة لبعض أنواع الخضراوات والفاكهة مثل الموز، والخيار، والجزر، لأنها، حسب زعمه، تؤدى إلى إغوائهن وأن عليهن إذا أردن أكل الخضراوات، أن يكلفن أحدًا غيرهن بتقطيعها حتى لا يكون بها إثم.
فى السياق ذاته كشف المؤشر العالمى للفتوى (GFI)، التابع لدار الإفتاء المصرية، أنه بحلول الاحتفال بالكريسماس كل عام تخرج مجموعة من الفتاوى تحرِّم الاحتفال به وبأى مظهر من مظاهره، محدثة بدورها تفككًا فى أواصر الترابط بين أبناء الوطن الواحد.
وأكد أن فتاوى الإخوان والسلفيين احتلت المرتبة الأولى فى التحريم، ورصد المؤشر العالمى للفتوى عينة من تلك الفتاوى قوامها (3000) فتوى على مستوى العالم، تمثل القطاعات الرسمية وغير الرسمية بجانب التنظيمات الإرهابية، موضحًا أن الفتاوى الخاصة بالكريسماس تمثل (%2) من جملة الفتاوى المنشورة عالميًّا، فى حين أنها تمثِّل (70%) من جملة الفتاوى الصادرة بحق المسيحيين على مستوى العالم.
وبتحليل فتاوى العينة المرصودة تبيَّن انشغال تلك التيارات بقضايا من شأنها إحداث خلل فى نسيج الوطن الواحد، وأشار مؤشر الفتوى العالمى إلى مجموعة من الفتاوى المتطرفة مثل فتوى «حسين مطاوع» السلفى حيث قال: «إذا كنا نقول ببدعية الاحتفال بالمولد النبوى وننكر على مَن يحتفل به لمخالفة ذلك سنَّة النبى صلى الله عليه وسلم وفعل صحابته والتابعين من بعده، فكيف بمن يشارك المسيحيين احتفالهم بميلاد ابن الرب؟!»، وفتوى السلفى المصرى «سامح عبد الحميد»: «يجوز تهنئة المسيحيين بمناسباتهم الدنيوية وليس الدينية، والكريسماس من جملة شعائرهم الدينية، والمشاركة فيه حرام ومنكر عظيم، ويحرُم الاشتراك فيه بأى شكل، فلا يجوز تقديم الهدايا، وتبادل التهانى».
كما أفتت «الدعوة السلفية فى مدينة صبراتة الليبية» فقالت: «أن يرتكب المسلم جميع الكبائر مجتمعةً أهون عند الله من أن يُهنِّئ المسيحى بعيده»، أما الإرهابى «وجدى غنيم» فقال: «إن المسيحيين كفار لا يجوز تهنئتهم بمناسباتهم الدينية».
وفى قراءة استشرافية لمدى تأثير الفتاوى المتشددة وغير المنضبطة على الجاليات المسلمة فى الغرب؛ نبَّه المؤشر على أن مثل تلك الفتاوى التى تُحرِّم الاحتفال بالكريسماس تستعدى الآخرين على المسلمين، وتكرِّس وتنمى ظاهرة (الإسلاموفوبيا).
أرقام مفزعة
وقالت وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء: إن نسبة الـ%90 من الفتاوى التى تحرِّم الاحتفال بالكريسماس فى الغرب تعود إلى عدة أسباب، منها الاعتماد على فتاوى قديمة لـ«ابن تيمية» وإعادة نشرها فى كل مناسبة، لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعى، حيث لا رقيب ولا حسيب، وهروب أعداد من الإخوان والسلفيين لبعض الدول الغربية، ونشر أيديولوجياتهم المتطرفة التى تدعو إلى العنف ونبذ الغير، ونزوح أعداد من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين من دول مثل ليبيا وسوريا والعراق إلى دول أجنبية، حاملين معهم أفكارًا ومعتقدات خاطئة تغذى التطرف والإرهاب.
كما أشار المؤشر إلى أنه خلال العام 2017 أعاد تنظيم داعش الإرهابى نشر فتاوى قديمة تؤسِّس لفكر متطرف تجاه المسيحيين، على رأسها فتوى لـ«ابن تيمية» تضمنت: «لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم فى شىء مما يختص بأعيادهم، لا من طعام، ولا لباس ولا اغتسال».
وبيَّن المؤشر أنه فى العام 2018 بلغت نسبة فتاوى داعش التى تحرِّض على قتل واستهداف المسيحيين فى الدول العربية والإسلامية (%30) من جملة الفتاوى الصادرة عن التنظيم الإرهابى.. بالإضافة إلى فتوى التنظيم: «أجاز لنا الشرع قتل كل بالغ من الذكور إذا لم يكن لهم مع إمام المسلمين الشرعى عهد ولا ذمة، كما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع يهود بنى قريظة».
وخلال كلمته فى الجلسة الختامية لمؤتمر الإفتاء العالمى «التجديد فى الفتوى بين النظرية والتطبيق»، الذى عقد على مدار ثلاثة أيام بالقاهرة فى أكتوبر الماضى، عرض طارق أبوهشيمة، رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء المصرية، حجم الفتاوى المنضبطة وغير المنضبطة التى رصدها المؤشر العالمى للفتوى، وقال إن فتاوى بعض السلفيين، ما زالت تمثل صداعًا فى رأس العديد من الدول و%50 منها تسيطر عليه كلمة حرام.
وأوضح أن مصر متصدرة فى طلب الفتاوى، تليها السعودية خليجيًا، وجاءت بريطانيا وأستراليا من أكثر الدول الأوربية طلبًا للفتوى.. وقال أبوهشيمة إن المؤشر رصد أن %85 من الفتاوى التى تستخدمها الجماعات المتطرفة سياسية لشرعنة العنف.
كما أكد «المؤشر العالمى للفتوى» (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية أن فتاوى «زواج القاصرات» التى أنتجتها التنظيمات الإرهابية حصرت زواج القاصرات فى العلاقات الجنسية فقط، وأن %90 من أحكام فتاوى هذه التنظيمات تبيح زواج الأطفال.
حيث أوضح مؤشر الإفتاء أنه رصد 2500 فتوى لكافة التيارات الدينية وقام بتحليلها، وتوصل مؤشر الفتوى إلى أن فتاوى «زواج القاصرات» استحوذت على %13 من جملة الفتاوى على مستوى العالم، لافتًا إلى أن القضية تمثِّل هاجسًا لدى التنظيمات الإرهابية التى تعتمد على الفتاوى بنسبة %25 لإباحة زواج القاصرات؛ استجابة لرغباتهم المكبوتة.
ولفت المؤشر إلى أن من أباحوا زواج القاصرات اعتمدوا على أدلة من الكتاب والسنة مجتزأة من سياقاتها الزمانية والمكانية، غافلين عن أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والعادات، ومفيدًا بأن أهم أسباب انتشار تلك الظاهرة، تتمثل فى الجهل والفقر والعادات والتقاليد الخاطئة الموروثة.
وأوضح مؤشر الفتوى العالمى أن فتاوى زواج القاصرات تستحوذ على (%10) من إجمالى فتاوى بعض الجماعات السلفية، وأشار مؤشر الفتوى العالمى إلى أن الأحكام الشرعية التى تجيز الظاهرة فى خطاب هذه التنظيمات والجماعات تمثلت فى (حلال – جائز – مباح) ما يدلل ويبرهن على رضاء هذه التنظيمات بهذه الظاهرة.
وعرض مؤشر الفتوى العالمى فتاوى بعض السلفيين الذين يبيحون زواج القاصرات، حيث أباح نائب رئيس الدعوة السلفية الدكتور ياسر برهامى زواج الفتاة دون تحديد سن، وقال إن الإسلام لم يحدد سنًّا معينة لزواج الفتاة، وأنه يجوز زواجها فى أى وقت.
تلك الأرقام المفزعة والفتاوى المدمرة للعقول والمجتمعات لا يكفيها ألف اعتذار.. فقد أفرزت أجيالًا متطرفة، من لم يتجه منها نحو التشدد والتدمير يرتمى فى أحضان الشيطان ويتجه نحو دعوات الإلحاد.