الإثنين 29 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

سفينة أردوغان الغارقة

سفينة أردوغان الغارقة
سفينة أردوغان الغارقة


كتب: نور علي
من داخل حزبه «العدالة والتنمیة»، یستعد الرئیس التركى رجب طیب أردوغان لتلقى ضربة موجعة من أصدقائه القدامى ورفقاء دربه، والذين قرروا إعلان عصیانهم وتمردهم علیه، بسبب سیاساته الاستبدادیة، وذلك بالانشقاق عن حزبه وتأسیس أحزاب جدیدة.
وعقب انتهاء الانتخابات المحلیة بنجاح أحزاب المعارضة فى السیطرة على أهم البلدیات الكبرى فى تركیا وعلى رأسها إسطنبول وأنقرة وإزمیر وأنطالیا، تعالت الأصوات داخل «العدالة والتنمیة» - الذى یترأسه أردوغان-  بضرورة إجراء تغيیرات جذریة، وهو ما وصل إلى حد الانشقاق وتأسیس أحزاب جدیدة.
جول وأوغلو ویلدریم

ونقلت وسائل الإعلام التركیة، خلال الأیام القليلة الماضية، أخبارًا حول حالة التفكك التى یشهدها الحزب الحاكم فى البلاد، نتیجة السیاسات الفاشلة التى بات ینتهجها رئیسه، رجب طیب أردوغان.

ويعتزم نواب وأعضاء مؤثرون فى «العدالة والتنمیة» القفز من سفینة «أردوغان» الغارقة، بعد أن أثبت فشله فى إدارة الأزمة الاقتصادیة، معربین فى الوقت نفسه عن امتعاضهم من طریقة إدارة المناقصات الحكومیة.

فى البدایة، نقل الإعلام أخبارا حول نیة الرئیس التركى السابق عبد الله جول، ورئیس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، ووزیر الاقتصاد الأسبق على باباجان، للانشقاق عن «العدالة والتنمیة» وتأسیس حزب جدید، لكن تم تكذيب هذا بعد ذلك.

وأوضح الكاتب التركى حسن أوزتورك، فى مقاله بصحیفة «ینى شفق» -أكبر الصحف التركیة الموالیة- أن «جول» و«أوغلو» یعتزمان تأسیس حزبین جدیدین، ولیس حزبًا واحدًا، كما تردد خلال الآونة الأخیرة.

وأضاف «أوزتورك» «الحزب الأول سیكون برئاسة داود أوغلو، والمشاورات تجرى فى أنقرة حالیا على قدم وساق لتأسیسه»، لافتاً إلى أن قرابة من 50 إلى 60 من النواب السابقین لـ«العدالة والتنمیة»، فضلا عن 5 أو 6 وزراء سابقین وقعوا على بیان تأسیس الحزب الجدید، وعلى رأسهم عمر دینتشار، والذى كان وزیرا فى حكومة داود أوغلو.

وكشف عن أن شعار حزب «أوغلو» المزمع تأسيسه هو «لا بد من خطاب جدید»، موضحاً أن عددًا من الكتاب المؤیدین للرجل یتولون طرح هذا الشعار بین الحین والآخر فى وسائل الإعلام الموالیة لهم، على أن يتشكل الحزب من وزراء سابقین وأشخاص من أحزاب «الشعب الجمهورى» و«الحركة القومیة» و«الخیر»، وفق وسائل الإعلام التركیة.

أما الحزب الثاني، ذكر «أوزتورك»، أن الرئیس السابق جول هو من سیتزعمه، ویضم وزیر الاقتصاد الأسبق على باباجان، فضلا عن عدد كبیر من الشخصیات السیاسیة، وسیبدأ الحزب تعلیق لافتاته فى غضون شهر.

وأوضح الكاتب: «كان من المزمع تأسیس حزب واحد یضم داود أوغلو وعبد الله جول معا، لكن الأول تراجع عن إشراك جول معه فى الحزب الجدید، ما جعل أنصار الثانى یسعون لتأسیس حزب منفرد».

وأكثر الأمور غرابة التى نقلها الإعلام التركى بخصوص الانشقاقات داخل الحزب الحاكم، كانت عن رئیس البرلمان السابق، بن على یلدریم، ففى مارس الماضي، كشفت صحیفة «ینى تشاغ» عن كوالیس الخلافات بین أعضاء الحزب الحاكم مؤخرا، قائلة: «بن على یلدریم یعیش حالة من التوتر والعصبیة مؤخرًا بعدما تخلى عن رئاسة البرلمان»، لافتة إلى أن الانقسامات داخل صفوف الحزب الحاكم ربما تدفع «یلدریم» للانفصال عنه، وتشكیل حزب جدید.

وبدأت بوادر الانفصال قبل أشهر، ونشرت صحیفة «بیرجون»، فى ینایر الماضي، معلومات عن موجة استقالات جماعیة بـ«العدالة والتنمیة»، شملت 800 عضو فى إزمیر، لافتة إلى أن مرشح «الشعب الجمهورى« لرئاسة بلدیة بیركلى سیردار صندل، ورئیس المدینة التابع للحزب دینیز یوجیل، رحبا بالأعضاء المنشقین فى حفل بحى إیمیك.

 وكان من بین المنشقین، سید إسماعیل سارى المرشح لرئاسة البلدیة عن «العدالة والتنمیة» عام 2014، ونائبا رئیس البلدية عثمان أولوداغ ورجب أصلان، وأمینها إسر ساري، ومندوبها منصور أوغلو.

أسباب الانشقاق

أسباب كثیرة وراء رغبة الانشقاق التى تشهدها صفوف حزب «العدالة والتنمیة» الآن، أبرزها  يتمحور حول التعدیلات الدستوریة التى أقرها «أردوغان» فى 2017، والتى سمحت له بتحويل البلاد من نظام برلمانى إلى رئاسى أو نظام «الرجل الواحد».

 النظام الرئاسى منح كل السلطات للرئیس، ومكنه من تعیین كبار مسؤولى الدولة بمن فیهم الوزراء مباشرة، بجانب حقه فى أن یعین نائبا أو عدة نواب للرئیس، وفى التدخل فى القضاء، وتقریر ما إن كان یتوجب فرض حالة الطوارئ أم لا، مع إلغاء منصب رئیس الوزراء.

والنظام الرئاسى بمقتضاه یتم تنظیم انتخابات تشریعیة مرة كل 5 سنوات بدلا من 4، وبالتزامن مع الاستحقاق الرئاسي، فضلاً عن إلغاء المحاكم العسكریة التى سبق أن دانت ضباطا وحكمت على رئیس الوزراء السابق عدنان مندریس بالإعدام إثر انقلاب 1960.

كل هذه التعدیلات الدستوریة لم تلق قبولا من الشعب ولا رموز المعارضة، وحتى من عناصر الحزب الحاكم بأنفسهم، لأنها فتحت الطریق على مصرعیه أمام الفساد والمحسوبیة والقمع الأمنى وتقیید حریة الصحافة وعدم احترام القوانین وقمع المعارضین، وبالتالى تراجع شعبیة «أردوغان» بعد 18 عامًا من الهیمنة على مقالید الحكم.

كما أنها مكنت الرئیس من تغذیة الانقسام والكراهیة فى تركیا، من خلال التعامل مع الخصوم السیاسیین بطریقة منفعلة ومتشنجة، فضلا عن مساهمتها بشكل كبیر فى تراجع كارثى للاقتصاد التركي، خاصة فى ظل إصرار الرئیس  على تعیین صهره بیرات ألبیراق فى وزارة الخزانة والمالیة، و«ألبیراق» البالغ 40 عامًا تزوج «إسراء» الابنة الكبرى لـ«أردوغان» عام 2004 ، وتنامى نفوذه فى السنوات الأخیرة بشكل مفاجئ، وتورط فى العدید من قضایا الفساد، منها التحایل على العقوبات الأمریكیة لتهریب نفط إیران.

كل الأسباب السابقة زادت من الانقسام والخلافات وحالة الهیاج داخل «الحریة والعدالة»، ودفعت بعض القادة والمنتمین للحزب إلى التحرك نحو تأسیس أحزاب سیاسية جدید.

وفكرة تأسیس أحزاب جدیدة لاقت قبولا لدى الشارع التركي، الذى یطمح للتغییر وضخ دماء جدیدة، لحل الأزمات الراهنة، وهو ما عبر عنه الصحفى التركى الأرمینى أتیان محجوبیان، المستشار السابق لرئیس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، بقوله: «ينبغى تأسیس حزب جدید، هو أمر لا بد منه، لأن تركیا لا تدار جیدا».

وأضاف «الجمیع یرون جیدا أن تركیا لا تدار بالشكل اللائق، وهناك بعض الشرائح داخل العدالة والتنمیة غیر راضیة بالمرة عن التعیینات التى تتم من خلال ممارسات بعیدة كل البعد عن معاییر اللیاقة والكفاءة، وغیر راضین عن الطرق التى تمنح بها مناقصات الدولة».
أما الصحفى التركى أحمد طاقان فأشار فى مقال له بصحیفة «ینى تشاغ» تحت عنوان «مشروع جول الجدید من الباب الخلفى» إلى أن الأحزاب الجدیدة ستكون مركزیة، مؤكدا أن هذه الأسماء «جول وداود أوغلو وباباجان» لها عمقها الاستراتیجى فى تركیا، وغیابهم عن الساحة لا سیما فى ظل الأوضاع التى تشهدها البلاد دفع الأتراك إلى التساؤل عن مكانهم، ومواقفهم إزاء ما یجري، وسیكون عودتهم للساحة مرة أخرى مؤشر جید.

 النازلین من القطار
الرئیس التركى الذى لا یتحمل النقد والاعتراض، وصف الأشخاص الذین یسعون للانشقاق عن حزبه وتأسیس حزب جدید بـ«النازلین من القطار»، وقال: «هناك بعض الأشخاص الذین بدأنا هذا المشوار معهم، كانوا سعداء ومرتاحین عندما منحناهم مناصب عدیدة، لكن جاء وقت قلنا لهم تنحوا جانبا لتستریحوا قلیلا وتفسحوا المجال للزملاء الجدد، فإذا بهم نزلوا من قطارنا لیركبوا قطارا آخر، سلوك لا یلیق بالمؤمنین بالدعوة والرسالة ذاتها وبمن یتقاسمون القدر نفسه، فالذین یخونوننا الیوم سیخونون غدًا من یذهبون إلیهم أیضا».
أردوغان خلال تصریحاته هذه نسى أمرا هامًا، وهو أنه نزل من القطار من قبل. ففى أوائل التسعینيات هو نفسه ومعه تلك الأسماء أو معظمها سبق وانشقوا جمیعهم من حزب «الفضیلة» الذى قاده الراحل نجم الدین أربكان، وكانت حجتهم آنذاك التغییر والدیمقراطية.