«الجرجار» فى شوارع القاهرة
بينما تنظر داليا شعبان إلى نفسها فى مرآة منزلها وهى ترتدى الزى التراثى النوبى المعروف باسم «الجرجار»، طرأت لديها فكرة قد تبدو بالنسبة لكثيرات مجنونة.. لماذا لا نرتدى «الجرجار» ونسير به فى شوارع القاهرة، مثلنا مثل كثير من الأجانب الذين يحرصون على ارتداء أزيائهم الوطنية لدى زيارتهم «أم الدنيا».
نظرًا لكون «داليا» عضوة فى مبادرة «فرسان النوبة» التى تهدف فى الأساس إلى الحفاظ على التراث النوبى، بما فيه من عادات وتقاليد وزى ولغة، قررت تنفيذ الفكرة على أرض الواقع، وعرضتها على 3 من صديقاتها المقربات، لينزلن بالفعل إلى شوارع وسط القاهرة مرتديات «الجرجار».
فى السطور التالية نتعرف على: ماذا حدث للفتيات الأربع؟ وما الذى واجهنه فى الشارع من قبل المواطنين؟ وما خطواتهن المقبلة فى إطار هدفهن الكبير.. الحفاظ على التراث النوبي؟
معاكسات VS برافو عليكم
«نشر الثقافة النوبية».. بهذه العبارة بدأت داليا شعبان حديثها عن سبب إطلاقها وعدد من أصدقائها حملة «نوبية فى قاهرة المعز»، موضحة أن الملابس النوبية هى واحدة من أهم معالم تلك الثقافة، التى قاربت على «الانقراض»، وذلك بسبب انحسارها داخل المدن النوبية فى محافظة أسوان فقط، مع الاختفاء التام من القاهرة وبقية المحافظات.
وحتى فى الأفراح النوبية بالقاهرة، لم يعد الزى النوبى المعروف باسم «الجرجار» منتشرًا كما كان من قبل، لذا فكرت «داليا» وأصدقاؤها فى إطلاق حملة تهدف إلى تشجيع الفتيات النوبيات داخل قاهرة المعز على العودة لارتداء الزى النوبى، بما يحافظ عليه ويمنع اندثاره، ويساهم فى تعريف غير النوبيين بهذا الزى.
وتوضح صاحبة حملة «نوبية فى قاهرة المعز»: «قبل نحو عام خضت هذه التجربة بمفردى، وارتديت الزى النوبى «الجرجار»، وتجولت به فى شوارع المعز، بداخل مترو الأنفاق وفى الأسواق والمساجد، كما ذهبت به إلى العمل وأثار إعجاب جميع زملائى، وبعدها عملت على نشر الفكرة فى مواقع التواصل الاجتماعى، ثم كررت تنفيذها هذا العام رفقة 3 آخريات.
تشير إلى أن تعليقات المواطنين فى الشوارع لم تختلف فى المرتين، فمنها الإيجابى مثل «برافو عليكم»، أو سلبية -وهى الأكثر- مثل: «إيه اللبس ده.. انتو فاكرين نفسكم فين»، بجانب بعض «المعاكسات» غير الظريفة.
وإلى جانب التعليقات الإيجابية والسلبية، كان الكثير من الفتيات يستوقفن النوبيات الأربع ويسألنهن عن طبيعة هذا الزى، فكانت «داليا» ومن معها يجبن: «الجرجار هو زى للفتيات النوبيات أشبه بالعباءة، ويجب أن يكون أطول من مقاس صاحبته بحوالى شبر حتى تجره خلفها، ومن هنا جاء اسمه، إذ تم تصميمه بذلك الشكل لمسح آثار أقدام السيدة أثناء سيرها فلا يتتبع خطواتها أحد، وترتديه المرأة النوبية فوق أى ثوب، ويتميز بشكل عام بالتطريز والحياكة الدقيقة النابعة من ثقافة وتراث النوبة».
ومن المقرر أن تنتقل الحملة من القاهرة إلى محافظات أخرى بعد شهر رمضان الكريم، وتحديدًا فى الإسكندرية والإسماعيلية والسويس، وبحسب «داليا» هى مخصصة للفتيات فقط، خاصة وأن الشباب النوبى يرتدون ملابسهم النوبية ويخرجون بها بشكل عادى على عكس الفتيات.
التمويل ذاتى والخياطة يدوى
اتفقت دينا شعبان، مصممة جرافيك، مع «داليا» بشأن أهداف الحملة، قائلة: «نعمل على نشر الثقافة النوبية، عن طريق مبادرة «فرسان النوبة» التى أطلقناها فى 2011 وتضم 15 شابًا وشابة نوبيًا، وذلك بتنظيم احتفالات ومهرجانات وندوات ومعارض نوبية»، مضيفة: «كلنا مواليد القاهرة، وهو ما دفعنا إلى محاولة تعليم الثقافة النوبية ونشرها فى العاصمة، حتى نأتى بالنوبة إلى كل من لا يعرف شيئًا عنها، من حيث التقاليد والعادات واللغة والتراث».
وعن حملة «نوبية فى قاهرة المعز»، أوضحت: «الحملة بدأت قبل أسبوع، بهدف نشر الزى التراثى النوبى «الجرجار»، وذلك من خلال جولة فى شوارع قاهرة المعز ونحن مرتديات إياه»، موضحة أن الجولة استغرقت ساعات طويلة، وبدأت من عابدين وباب اللوق والعتبة، ثم إلى وسط القاهرة، حيث «وقفنا أمام محال تجارية واشترينا العديد من الأشياء، وأكلنا فى أحد المطاعم، ثم شربنا عصير قصب وجلسنا فى حديقة».
وتتابع: «كانت هناك حالة من الاندهاش بين المواطنين فى الشارع، والبعض كان يسألنا: «إيه الملابس دي؟» و«انتوا فرقة فنون شعبية؟» فكنا نشرح لهم أن هذه الملابس نوبية، وأن ارتداءنا لها يهدف إلى نشر ثقافة مجتمعنا وزيه التراثى المميز «الجرجار». وتشير إلى أن مبادرة «فرسان النوبة» وحملة «نوبية فى قاهرة المعز»، قائمة على المجهود الشخصى والتمويل الذاتى لأعضائها.
هاجر هانى، الطالبة بكلية السياحة والفنادق، هى أصغر فتيات حملة «نوبية فى قاهرة المعز»، وتحرص على ارتداء الزى النوبى فى الجامعة والزيارات العائلية، وتخطط لتصوير «فوتو سيشن» وهى مرتدية إياه، بهدف حث فتيات النوبة على ارتدائه بدون خجل.
تقول «هاجر»: «وافقت على المشاركة مع فتيات حملة «نوبية فى قاهرة المعز»، لأننى اكتشفت أن زملائى فى الكلية لا يعرفون أين تقع النوبة، وبعضهم كان يعتقد وقوعها فى السودان لأننى سمراء، والآخر كان يسألنى ما هى عادات وتقاليد النوبية»، مشيرة إلى أنها تحرص على الاشتراك فى مهرجان الثقافات بالجامعة للتعريف بالثقافة النوبية، وحتى على مستوى الدراسة تعد دراساتها وأبحاثها عن النوبة.
وتضيف: «العادات والتقاليد والتراث النوبى بدأ فى الانقراض نتيجة تزايد هجرة أبناء النوبة إلى محافظات أخرى أو خارج مصر، ما يهدد باختفاء الهوية النوبية، وبخاصة مع وفاة شيوخ النوبة كبار السن»، مبدية استغرابها من نظرات التعجب التى لاقتها من النوبيين أنفسهم.
وتوضح أنها تلقت تعليقات «جاهلة» على «فيس بوك» من نوعية «صوركم دى هتاخذوا عليها ذنوب» و«شوفولكم حاجة تذاكروها أفضل»، لكن آخرين أشادوا بالفكرة قائلين: «دول بنات بتحافظ على الهوية والتراث» و«جدعان والله».
«إيفنت» لزيادة المشاركات
أما تسنيم محمد، العضوة الرابعة فى حملة «نوبية فى قاهرة المعز»، فترى أن «كل فتاة نوبية لابد أن يكون لديها «الجرجار» كنوع من التمسك بالزى التراثى النوبي»، معتبرة أن الحملة نجحت بصورة كبيرة، وهو ما تعكسه ردود فعل الفتيات النوبيات على «السوشيال ميديا»، وسؤالهن عن تفاصيل «الجرجار» وكيفية تفصيله، مضيفة «فيه بنات نوبيات وغير نوبيات أرسلوا لينا صورهم وهما لابسين الجرجار».
وتستنكر « تسنيم » الانتقادات والمضايقات اللاتى تعرضن لها وهن مرتديات الزى النوبى فى شوارع القاهرة، قائلة: «من المفترض أن يكون هناك تشجيع على ارتداء الزى التراثى، سواء النوبى أو غير النوبى، فمن حق أى فتاة ارتداء ما يعبر عن تراثها وثقافتها فى أى وقت وزمان بدون خجل».
وعن سر اختيارهن وسط القاهرة، تقول: «هى المنطقة الأكثر حيوية فى القاهرة، كما أن أغلب النوبيين فى عابدين، بالإضافة إلى كافيهات مطربى النوبة والجمعيات النوبية».
وتكشف عن اعتزامهن تطوير الفكرة رغبة فى زيادة عدد المشاركات فى الحملة، وذلك من خلال تدشين «إيفنت» على «فيس بوك» لجمع الفتيات الراغبات فى المشاركة بارتداء «الجرجار» وملابس أخرى من التراث النوبى والنزول به إلى الشارع.











