الخميس 20 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

إحياء أسطورة إدجار آلان بو

إحياء أسطورة إدجار آلان بو
إحياء أسطورة إدجار آلان بو


ترجمة: رولا عادل رشوان

عندما مر اليوم العالمى للشعر، كنا قد قررنا أن نحتفى بالشاعر والقاص الأمريكى إدجار آلان بو، أستاذ القصة القصيرة وأحد المساهمين العظام فى خلق وتطوير فن الرواية الملغّزة والبوليسية. بينما يشتهر «بو» فى عموم الأوساط الأدبية بمؤلفاته وألغازه ذات الطابع القاتم التشاؤمى،إلا أن صيته قد ذاع فى زمانه بفضل نبرته الانتقادية اللاذعة فى مجال النقد الأدبى.

عاش «بو» حياته على شفا الفقر والكفاف، وكان أوّل كاتب أمريكى يعيش حياته مُتكسّبًا فقط من الكتابة. على الرغم من أن أعماله قد تلقّت فى بداية ظهورها العديد من الآراء المتباينة، إلا أنه بعد فترة قصيرة، استطاع أن يحتلّ مكانته فى قلوب القرّاء كأحد أهم أدباء أمريكا.
وُلد «بو» فى بوسطن عام 1809 وكان والداه يعملان بمهنة التمثيل. أصبح «بو» يتيم الوالدين بعمر الثالثة، تولّى الوصاية عليه «جون آلان» تاجر التبغ الثرى وزوجته «فرانسيس آلان»، وعاش فى رعايتهما فى منزلهما بريتشموند بولاية فيرجينيا. أراد «جون آلان» لـ«بو» الصغير أن يتبع خطواته فى عالم الأعمال، ولكن «بو» كان له رأى آخر فى هذا الأمر. فى محاولة لمحاكاة شاعره المفضّل اللورد بايرون الشاعر البريطانى، بدأ «بو» فى كتابة قصائده على ظهر أوراق معاملات «جون آلان» التجارية. بينما أتمّ عامه الثالث عشر، كان «بو» قد كتب ما يكفى من القصائد لنشر ديوان شعرى يحمل اسمه. اختار «جون آلان» أن يتبع نصيحة مدير مدرسة «بو» وعارض بالفعل نشر ديوانه الشعرى. كان هذا واحدًا من خلافات عديدة نشأت بدواعى وأسباب مختلفة بين «بو» والوصى «جو آلان».
بدأ «بو» دراسته الجامعية فى عام 1826 فى جامعة فيرجينيا، وأحرز نجاحًا وتفوّقا على أقرانه، غير أنه قد هجر الدراسة فى النهاية لأسباب مالية، فقد اعتاد «جون آلان» أن يرسل له ما يوازى بالكاد ثلث نفقاته الدراسية، بدأ «بو» فى المقامرة لكسب المبالغ المطلوبة لإكمال دراسته، لكن محاولاته لم تنجح وتراكمت ديونه، وترك الجامعة فى النهاية فقيرًا مفلسًا. عاد «بو» إلى ريتشموند واكتشف أن خطيبته قد تركته من أجل رجل آخر، كانت تلك هى القشّة التى زكّت غضب «بو» نحو وصيّه، وانتهى بهما الأمر إلى القطيعة الكاملة. هجر «بو» ريتشموند والتحق بالجيش عام 1827، وفى نفس العام صدر له ديوانه الشعرى الأوّل؛ «تيمورلانك وقصائد أخرى»، وكان حينها يبلغ من العمر ثمانية عشر عاما.
بعد عامين، ساهمت وفاة زوجة «جو آلان» فى حدوث هدنة مؤقتة بينه وبين «بو»، بعدها ساعده فى الالتحاق بأكاديمية ويست بوينت العسكرية، غير أنه لم يعمّر كثيرًا فيها، فقد غضب «بو» من «جو آلان» لعلمه بزواج الأخير من دون علمه، وأرسل له رسالة ضمّنها كل شكواه مما عاناه منه ووعده غير حانث بأنه سيحاول جاهدًا أن يُفصل نهائيًا من ويست بوينت خلال فترة قصيرة. وفّى «بو» بوعده وتمكّن بمساعدة أحد زملائه من إصدار ديوانه الشعرى الثانى.
لجأ «بو» إلى أقارب والده، واستطاع أن يجد فى عمّته «ماريا كليم» أمًّا حاضنة وراعية. عمل «بو» محررًا بمجلة «ساوذرن ليترارى ماسنجر». بتحفيز من نجاح قصصه القصيرة المشوّقة ومقالاته النقدية اللاذعة، أصبحت المجلة من أنجح الإصدارات الأدبية فى الجنوب. كان «بو» جريئا كناقد، لا يخشى شيئا  ويوجّه هجومه ونقده اللاذع نحو الكتاب ومؤلِّفه. وصفه الشاعر الأمريكى جيمس راسل لويل بكونه «الناقد المتفلسف الأكثر جرأة وتحامُل فى نقد الأعمال الأدبية فى التاريخ الأمريكى».
كناقد، اهتم «بو» كثيرًا بصحة اللغة المكتوبة فى القصيدة وهيكلها، وصاغ قواعد دقيقة وصارمة للقصة القصيرة؛ خضوع القصة القصيرة إلى حدث مُكتمل ووجوب حدوثها خلال يوم واحد فى مكان واحد.
تزوّج «بو» فى 22 سبتمبر 1835 من ابنة عمه، فيرجينيا كليم. على الرغم من أنها كانت فى الثالثة عشرة من عمرها وقت أن تزوجها بينما كان هو فى السادسة والعشرين، إلا أن زواجهما كان سعيدًا وهنيئا بكل المعانى. واصل بو اكتساب رزقه عن طريق الكتابة لمختلف المجلّات. فى عام 1839، نشر مجموعته القصصية الأولى «حكايات الغرائب والعرائب». حصل «بو» على 25 نسخة مجانية فقط من الكتاب. فى عام 1842، بدأت زوجة بو تعانى من أعراض مرض السُلّ. قرّر «بو» الانتقال إلى مدينة نيويورك على أمل تحسين وضعهما المالى.
على الرغم من احتواء الكثير من أفضل أعمال بو على لمحات مزيدة من الرعب، الحزن والغضب، ولكن فى المجمل كان «بو» الشاعر رفيقًا لطيفًا. كان متحدثًا بارعًا، وخاصة عن الأدب، واعتاد إلقاء أشعاره وقراءة أشعار الآخرين بنبرة بديعة واهتمام عميق، كما أنه أحب أعمال شكسبير وألكساندر بوب الشعرية.
نشر «بو» قصيدته «الغراب» فى جريدة «نيويورك ميرور» المسائية فى 29 يناير 1845. وتبحث القصيدة، التى تُعد من أفضل أعمال «بو» وأهمها، فى موضوعات الموت والخسارة، ومن المرجّح جدا أن القصيدة كانت مستوحاة فى غالبها من شعور «بو» بتدهور صحة زوجته. على الرغم من أن أجره عن نشر القصيدة لم يتعد التسعة دولارات، إلا أن قصيدة «الغراب» قد غذّت شهرته ومنحته كل حق فى المطالبة بأجر أعلى مقابل كتاباته.
تدور القصيدة حول غراب يزور رجلاً ماتت زوجته، حُب حياته، وعن صعوبة قبول الرجل حقيقة أنها ذهبت إلى الأبد. فى كل مقطع، يأمل الرجل أن تعود، وفى كل مرّة يأمل فى عكس ما يفرضه عليه الواقع، وأن يحدث المستحيل.
فى عام 1847، توفيت زوجة بو عن عمر يناهز 24 عامًا. أصبح مزاج «بو» مُعتلًّا دائما وبدأت صحته تتدهوَر. بدأ السفر فى جميع أنحاء البلاد لإلقاء محاضرات، ثم ازدادت عصبيّته خلال فترة قصيرة وأصبح فوضويًا للغاية. بعد عامين فقط، وجد أحد المارة بو هائمًا على وجهه فى شوارع بالتيمور. تم نقله إلى المستشفى حيث توفى بعد بضعة أيام فى 7 أكتوبر 1849.
خلال فترة مكوثه القصيرة بالمستشفى، كان شديد الهذيان بقدر لم يسمح له بالطبع بشرح كيف تدهورت حالته الصحية إلى تلك الدرجة ولماذا كان يرتدى ملابس شخص آخر عندما وجدوه. فى الليلة التى سبقت وفاته، حكى من عاصروا وجوده بالمستشفى أنه قد ظل ينادى شخصـًا أو شيئًا سمّاه «رينولدز»، إلا أن أحدًا لم يعرف أبدًا ما الذى قصده بهذا النداء. فُقدت جميع سجلات «بو» الطبية وشهادة وفاته، وقد أفادت الصحف بأنه توفى جراء «سكتة دماغية»، لكن السبب الحقيقى لوفاة «بو» لا يزال لغزًا.
فى أعقاب وفاة بو، نشر الكاتب روفوس جريسوولد نعيًا شديد اللهجة عن «بو». كان جريسوولد غاضبًا من الانتقادات التى وجهها «بو» أثناء حياته وسعى إلى تدمير سيرته الإنسانية وميراثه الأدبى. صوّر «بو» باعتباره سكّيرًا وزير نساء، وأنه على الرغم من موهبته، قد عاش حياة فى غاية الاضطراب. شكّلت هذه الأوصاف الصورة الرسمية والعامة لـ«بو»، غير أنها فى حقيقة الأمر لم تؤذه بل زادت من شعبية أعماله. فيما بعد، تم دحض اتهامات جريسوولد بالكامل وأصبح «بو» أسطورة أدبية حقيقية وواحدًا من أعظم المؤلفين فى التاريخ الأمريكى. 