الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

السينما تترقب.. تمرد «Benedetta» الدينى

السينما تترقب.. تمرد «Benedetta» الدينى
السينما تترقب.. تمرد «Benedetta» الدينى


فى ديسمبر 2005، وأثناء فعاليات مهرجان «The Butt-Numb-A-Thon» الأمريكى، والمعروف اختصارًا باسم «BNAT»، أثار فيلم «V for Vendetta»، الخيالى السياسى ضجة واسعة بين الحضور، الذين تحدثوا باستفاضة عن جدارته، وقوة قصته، بطريقة جعلت المشاهدين مفعمين بالشغف طوال ثلاثة أشهر، لحين عرض الفيلم الرسمى على شاشات العرض الكبيرة. وذلك، يعود لقضية الفيلم، التى حركت وجدان وفكر المشاهدين، نتيجة لدور البطل «ڤى» -مجهول الهوية-، الذى تمرد ضد نظام التعصب والفاشية فى الشمال الأوروبى بالمملكة المتحدة، وناضل من أجل الحرية. وها نحن، بعد خمسة عشر عامًا، بصدد رؤية تمرد آخر، ولكنه من نوع جديد..وهو التمرد الدينى!!


صار الجمهور ينتظر بحماس شديد الفيلم  الجارى تصويره الآن، والذى كان من المقرر عرضه -لأول مرة- فى «مهرجان كان السينمائى» فى شهر مايو القادم، ولكن المنتجين قرروا منذ أيام تأجيل إصداره، حتى عام 2020، لمنح مخرج الفيلم «بول فيرهوفن» الوقت الكافى لإنهائه بهدوء، وبعد أن يستعيد صحته بشكل جيد بعد العملية الجراحية التى أجريت لساقه.
المثير فى الفيلم المنتظر، هو أن اسمه «Benedetta». ورغم تشابه اسمى الفيلمين المتمردين «فانديتا، وبانِديتا»، فإن الأخير فى اللغة الإيطالية يعنى (المباركة)..وهو أيضًا اسم الراهبة الإيطالية المتمردة، التى تدور حولها قصة الفيلم.
«بانديتا» هو فيلم سينمائى فرنسي-هولندى، وهو عبارة عن سيرة ذاتية لـ«بانديتا كاريلينى»، راهبة عاشت فى القرن السابع عشر، انضمت إلى دير إيطالى، تعرضت لرؤى دينية أثارت قلق من حولها، ومن ثم عُرف عنها أنها شاذة جنسيًا، بعد أن تورطت فى علاقة حب مع راهبة أخرى، مخالفة للنصوص الكنسية.
الفيلم الناطق بالفرنسية، سيعرف عالميًا باسم «Blessed Virgin»، أو «العذراء المباركة»، وستقوم النجمة الفرنسية من أصل بلجيكى «فيرجينى ايفيرا»، بتجسيد دور «بانديتا»، بجانب عدد من الممثلات، وهن: «لامبرت ويلسون، دافنى باتاكيا، أوليفييه رابوردن، كلوتيلد كوراو، شارلوت رامبلينج، هيرفى بيير، ولويز شفيلوت». وهو من إنتاج المنتج التونسى الأصل «سعيد بن سعيد».
وقد رجح كُتّاب الرأى الغربيين، أن السبب وراء اختيار المخرج الهولندى «فيرهوفن» تحديدًا لإخراج هذا الفيلم، هو خلفيته الواسعة فى الدراسات الدينية. فيذكر، أنه عضو فيما يعرف باسم «حلقة المسيح الدراسية». ناهيك عن تأليفه كتاب «المسيح الناصرى»، الذى نشر عام 2011، وتلقى إشادة كبيرة.
ومع ذلك، يستند الفيلم القادم إلى كتاب، يدعى «Immodest Acts: The Life Of A Lesbian Nun In Renaissance Italy»، أو «أفعال غير شرعية: حياة راهبة مثلية فى عصر النهضة الإيطالية»، للكاتبة «جوديث براون»، الذى نشر عام 1986، وتمزج قصته قضية الدين مع الشذوذ الجنسى، والجدل الواسع حول حياة «بانديتا»..وحسبما  جاء  فى  قصة «براون». فقد ولدت «بانديتا» فى عام 1591 ميلاديًا لأسرة إيطالية من الطبقة المتوسطة، استطاعت أن تشترى لها مكانًا فى دير مريح، فى مدينة (بيسكيا) الإيطالية. ثم دخلت الدير فى سن التاسعة. وعاشت الراهبة فترة «الإصلاح المضاد»، والمعروفة أيضًا باسم «الإصلاح الكاثوليكى»، (وهى حركة دينية استهدفت إصلاح الكنيسة الكاثوليكية، وفى نفس الوقت مناهضة «الإصلاح البروتستانتى»). وفى سن الثالثة والعشرين بدأت تظهر لها «الرؤى الدينية»، التى لاقت ترحيبًا صغيرًا فى بادئ الأمر، ثم عرفت الراهبة أن هناك اختلافا فى ميولها الجنسية، التى لم يعرفها أحد لفترة. وفى الثلاثينيات من عمرها صارت «بانديتا» رئيسة الدير. لكنها أثارت –لاحقًا- شكوكًا حولها، نتيجة دعوى، بأنها كانت على اتصال خارق بالمسيح، فعلى سبيل المثال، يُحكى أنه فى اليوم الثانى بعد «عيد الفصح»، أن السيد المسيح ظهر لها، ليطلب منها التخلى عن قلبها له. كما أشاعت الراهبة بأنها تتعرض لرؤى روحية خاصة بها، تُظهر لها علامات على جسدها، مدعية أنها إصابات تحاكى الإصابات، التى لحقت بالمسيح أثناء صلبه.
وبعد أن فتحت سلطات الكنيسة تحقيقًا معها، ومع بعض الراهبات الأخريات، ممن كانوا معها، لم تكتشف السلطات الكنسية بأنها كانت تزور رؤياها، بل كشفت عن أدلة، أكدت وجود علاقة مثلية بين «بانديتا» مع راهبة أخرى، تدعى «بارتولوميا»، التى اعترفت فى التحقيقات، أن «بانديتا» تحرشت بها جنسيًا، كما كانت تطلب منها إقامة علاقة معها ثلاث مرات فى الأسبوع، حيث كان يملكها شيطان، يعرف باسم «سبلينديتيللو»، ومن ثم نشأت بينهما علاقة غرامية.
شهادة «بارتولوميا» وضعت «رهبان الكبوشية» فى لغز قانونى إلى حد ما. وذلك، لأن الوضع القانونى للمثليات فى (إيطاليا) خلال تلك الفترة، كان غير واضح، بعكس المثليين. ولكن فى النهاية، تم تصنيف قضية الاثنتين على أنها «زنى». وكان من شأن هذه القضية، أن تحمل عقوبة خفيفة نسبيًا، وهى سنتان من التوبة، بالإضافة إلى فقدان «بانديتا» مكانها فى الدير. ولكن اعترافات عشيقتها، فيما يخص الشيطان، سمح للرهبان بتصنيف جميع رؤى «بانديتا» على أنها شيطانية بطبيعتها، وبالتالى تم إدانتها.
وبعد أن اعترفت «بانديتا» بهذه الخطايا، تم إنقاذها من عقوبة الموت. لكن حُكم عليها بالسجن فى الدير مدى الحياة، بعدد من التهم، وهى: المعجزات الاحتيالية، وحفل زفاف مع المسيح، وعلاقة حب شاذة مع راهبة أخرى..واستمرت الراهبة فى السجن إلى أن توفيت بعدها بـ35 عاما، فى عام 1961، بينما توفيت عشيقتها قبلها بعام. كما قام رجال الكنيسة بقمع الطبيعة الفاضحة لعلاقة الراهبتين، وانتشرت شائعات حينها، بأن حبسها كان عزلة ذاتية طوعية عن العالم..ولم يعرف شيء عن القضية، إلى أن أعادت المؤرخة الأمريكية «براون»، اكتشاف قصتها فى الثمانينيات.
وفى الوقت الذى ينتظر النقاد، والجمهور على حد سواء هذا الفيلم، لأنه يمثل – من وجهة نظرهم - الاضطهاد التاريخى للمثليات، داخل العديد من الدول الكاثوليكية، التى أجرمت الشذوذ الجنسى فى ذلك الوقت. يبدو أن هناك اعتراضا واضحا داخل بعض الدوائر والفئات الدينية من المسيحيين، فيما يخص هذا الفيلم. فعلى سبيل المثال -لا الحصر-، يأتى على رأس قائمة المعترضين، موقع «كاثوليك أونلاين»، وهو عبارة عن برنامج تابع لمؤسسة «صوتك الكاثوليكى» التعليمية..حيث وصف الفيلم، بأنه عبارة عن «مزيد من القمامة على الطريق». وكتب: «يجب على الكاثوليك أن يحذروا، مما يقوم به المخرج «فيرهوفن»، لأنه يقوم بصنع فيلم آخر، يهدف إلى تدنيس الإيمان...وأنه أمر غنى عن القول، بأن الفيلم يهدف إلى تطبيع السلوك المثلى، لا سيما فى سياق الحياة الدينية. ولكن أى شخص متدين، يعرف أن هذا السلوك يعتبر غير أخلاقى، وغير شرعى. فهناك حالة من الهوس بالثقافة المضادة، التى تستهدف الكنيسة من أجل تهميش دورها، والتقليل من قيمتها وقدرتها، والابتعاد عن فضيلة «العفة»، والحياة الدينية...ونتيجة لهذه الجهود الشريرة، من الضرورى تحذير المسيحيين بعدم تأييد هذا العمل، الذى يرعاه هؤلاء، بغض النظر عما إذا كان يأتى فى شكل مجلة لامعة، أو أحد أفلام «هوليوود»، أو غيرها، أو عبر الكلمة الهادفة المكتوبة. 