السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«سلطان الطرب» فى حوارى «باب الخلق»

«سلطان الطرب»  فى حوارى «باب الخلق»
«سلطان الطرب» فى حوارى «باب الخلق»


‏ «إذا كنت من عشاق الموسيقى، خاصة الشرقية منها، فلا بد أن قلبك تعلق وخفق لضربة عود ما زلت تحتفظ بأنينها»..إذ إن العود من الآلات التى ارتبط بها الشرق كله ارتباطًا وجدانيًا فتفوقوا فى شيئين؛ صناعته والعزف عليه.
يعتبر العود من أقدم الآلات الموسيقية ويلقب بسلطان الآلات الموسيقية، وهو من الآلات الشرقيّة الوترية، ولا يمكن الاستغناء عنه فى التخت الشرقى، واشتهرت مصر بأنها تقدم لأهل المغنى والموسيقى أفضل عود، ولذلك يتسابق عليه –دائـمًا- الفنانـون العـرب.

بين حارات منطقة باب الخلق، جلس رجل خمسينى ومعه صديقه وشريكه فى العمل أمام ورشتيهما اللتين تحملان عبق التاريخ، وكل منهما يجهز أخشابه وأدواته التى صنعت مئات وربما آلافًا من الآلات التى طرب لها أهل المشرق والمغرب.
يجهز الرجل الخمسينى العود خشبيًا وأثناء الصناعة يوزع ابتسامته على المارة مرحبًا بهم، وتبدو ابتسامته وكأنها عود ذو وتر مشدود، ونظرة الناس له تؤكد تقديرهم لما تصنع يداه التى تشققت من صلابة الأخشاب والحفر عليها، كما تلونتا أيضًا بمواد الطلاء، ‏الشقوق لم تكن فى أيديهم فقط، بل على الجدران أيضًا.
‏ورش متجاورة لصناعة العود كل منها يكمل صناعة الآخر لإخراج عود متكامل.
‏ورشتهم توحى بالكهف الذى ظلوا فيه مائة عام، وبمجرد النظر إليهم تتأكد أنهم لم يغادروا هذا المكان منذ زمنٍ طويل، فكل شىء مغطى بالأتربة والذكريات، ألحان وصوت عبدالحليم المنبعث من إحدى الورش كان كفيلًا بأن يجعلنا نعود للزمن الجميل.
‏عم جمال وهانى عزوز وعم صلاح من أقدم صناع العود فى مصر، و‏عم صلاح صاحب الـ47 عامًا قال لنا: من لا يحب هذه المهنة لن يكمل فيها، وكل عود أصنعه بيأخذ قطعة من روحى، وبدأت هذه المهنة كصنايعى فى ورشة عود منذ 30 عامًا، وكانت الورشة بالقرب من منزلي، وعندما كنت أمر بجوارها يزداد حبى للعود، ولذلك قررت معرفة أسرار المهنة وكيف يُصنع، وكانت الخطوة الأولى هى حب المهنة.
‏وأضاف: «استمررت فى 4 ورش خلال الـ30 عامًا، وكان لكل ورشة طريقتها الخاصة وجوانبها الفنية التى لا تشبه الورشة الأخرى، لكن طريقة التصنيع ومراحلها واحدة والاختلاف من حيث الحس الفنى الذى يختلف فيه كل فرد عن الآخر، فالتصنيع ينقسم إلى مراحل، الأولى صناعة وش العود، ثم صناعة الظهر (الأصعة كما تلقب) ثم صناعة الرقبة، وبعد ذلك يتم تجميع العود وطلاؤه وتلميعه ووضع الصدف والأوتار».
وتابع: «لكل مرحلة من هذه المراحل ورشة متخصصة لصناعته ولكن فى ورشة عزوز استطاعوا عمل كل ما يتعلق بالعود ما عدا صناعة الظهر نظرًا لوجود فنيات معينة به، مشيرًا إلى أنهم يستخدمون أنواعًا كثيرة من الخشب منها (أخشاب الورد وصابروس والجوز)، وصناعة الرقبة دائمًا ما تكون بأخشاب زان لصلابتها، أما الوجه والظهر فلا بد من أن تكون أخشابهما ذات صدى للصوت، أما الأوتار فتكون مصنوعة من النايلون أو النحاس الملفوف بالحرير.
وأوضح أن ورشته استطاعت عمل عود لوليد توفيق وأحمد عدوية وعصام كاريكا، ونصير شمة أصبح من مفضلى العود من ورشنا.
‏وأكد أن حركة التجارة الرائجة للعود لها مواسم مرتبطة بالتصدير، فكان موسم الحج والعمرة هما أكثر المواسم طلبًا للعود نظرا لتصديرها للسعودية قائلا: «السعودية لو كانت بحر كانت اتملت عيدان، من كتر ما بياخدوا عيدان».
‏أشار صلاح إلى أن العود اليدوى لن ينقرض أبدًا لأنه جزء من تراث مصر، وأنه من أحلامه أن ينشئ ورشته الخاصة لصناعة العود.
هانى عزوز قال إنه ورث صناعة العود عن عائلته التى تعمل بها منذ 80 عامًا، وهى سبب حبى للعود من صغرى، وفى ورشتى نصنع ونصلح كل أجزاء العود عدا ظهره نظرًا لاحتياج الظهر لعمال متخصصين، مشيرًا إلى أن الصين فشلت فى صناعة العود وذلك لافتقارها للعمل اليدوى والحس الفنى الذى توارثه المصريون من أجدادهم، موضحًا أنه وجد أن كل فرد كان يترك قطعة من روحه فى العود الذى صنعه بيده، وكل فرد له موهبته واختصاصه فى صناعة العود.
‏وتابع: «العود مصنوع من أخشاب الموجنا والجوز، وهما أفضل أنواع الأعواد، إلا أن أسعار العود تختلف باختلاف أسعار الخامات غير المستقرة».
وأكد أن «ماجد سالم» أخذ أول عود له من ورشته، والكثير من فنانى الخليج، إلا أن زبائنه الآن غير مقتصرين على العازفين فقط، لكن كان لطلبة كلية التربية النوعية النصيب الأكبر من الطلب على العود الآن بالإضافة إلى معلمى كليات الموسيقى أيضًا.
‏أوضح هانى أن صناعة العود الواحد تستمر لأكثر من 3 أيام إلا أن إجمالى إنتاجهم بالشهر يصل إلى 50 عودًا، كما أنه لا يوجد سعر ثابت للعود، لكن يبدأ من 600 جنيه إلى 15 ألف جنيه على حسب نوع وخامة الأخشاب.