الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«مكاتب المنازعات» قليل من الصلح كثير من المشاكل

«مكاتب المنازعات» قليل من الصلح كثير من المشاكل
«مكاتب المنازعات» قليل من الصلح كثير من المشاكل


تعج المحاكم المصرية بمئات بل بآلاف القضايا الأسرية، التى تحمل فى طياتها حكايات ومعاناة أليمة لأصحابها، غالبيتها موجودة بمكاتب حل المنازعات الأسرية،  التى لا بد من  اللجوء إليها  قبل النظر فى إجراءات أى قضية أمام محكمة الأسرة، حيث حدد قانون  محاكم الأسرة رقم (10) لسنة 2004 مرحلة التسوية الودية بأنها تسبق مرحلة التقاضى.
وتضم المحاكم نحو 212 مكتبًا لتوسية المنازعات الأسرية على مستوى الجمهورية، تابعا لوزارة العدل، تحاول الوقوف على  أسباب الخلاف بين أفراد الأسرة وحلها، وفى حالة  تعذر الصلح يتم الاتفاق على الإجراءات التى تمكن كل طرف من الحصول على حقوقه دون اللجوء إلى إجراءات التقاضى،   كما تسعى لمحاولة خفض معدلات الطلاق، والحفاظ على حقوق طرفى النزاع والأبناء.
ورغم هذا العدد الكبير من مكاتب المنازعات، إلا  أن حالات الطلاق فى مصر تشهد تزايدًا ملحوظًا، وهو ما جعل مصر تحتل ترتبيًا متقدمًا بين الدول فى معدلات الطلاق، وهو ما دفع البعض إلى المطالبة بإلغاء هذه المكاتب بدعوى أنها لا تقدم الهدف المنشود منها، ودورها أصبح محدودًا، وآخرون يرون ضرورة تطوير آلياتها من أجل الإسراع فى حل المنازعات.
داخل مجمع محاكم الأسرة بالجيزة التقينا  طاهر محمد، مدير مكاتب التسوية المنازعات، الذى أوضح أنه عند إصدار قانون محاكم الأسرة (10) لسنة 2004، تم استحداث مكاتب التسوية وعهد إليها بدور بالغ الأهمية قبل مرحلة التقاضى فى محاولة لإزالة أسباب الشقاق والخلاف بين أفراد الأسرة ورأب الصدع الأسرى.
وأشار إلى أن تشكيل مكتب فض المنازعات  الأسرية يتكون من: (هيئة المكتب، من رئيس للمكتب يكون من ذوى الخبرة من القانونيين - إخصائيين قانونيين- إخصائيين اجتماعيين- إخصائيين نفسيين)، ومن يجلس فى جلسة التسوية هو إخصائى القانون واجتماع والنفس.
ووفقًا للأرقام التى أعلنتها وزارة العدل، فإنه خلال عام 2018، نجحت مكاتب تسوية المنازعات  الأسرية فى إنهاء 40% من الدعاوى بالتصالح، حيث نجحت فى تسوية 4070 دعوى بمحكمة الأسرة بزنانيرى وإمبابة وأكتوبر والقاهرة الجديدة بعدما خرج الزوجان متصالحين بعد التنازل عن الاستمرار فى نظر الدعاوى المختلفة ما بين خلع وطلاق ونفقة ورؤية وحضانة.
وأضاف طاهر أنه خلال الجلسة نحاول التوضيح للطرفين عواقب الانفصال عليهما وعلى أبنائهما، بعد ذلك يتم فصل الطرفين، للحديث مع كل طرف منفردا، فلو كانت هناك مشكلة نفسية يتدخل الإخصائى النفسى،  لو اجتماعية يتدخل الإخصائى الاجتماعى،  وإعطاء الطرفين فرصة للتفكير وتحديد موعد جلسة أخرى، خلال 15 يوما، ومن الممكن أن يتم المد لأكثر من 15 يوما، لو شعرنا أن  الطرفين لديهما نية للصلح، موضحا أن الجلسات تبدأ من التاسعة صباحا إلى الثانية عشرة ظهرًا.
وعن نوعية القضايا،  أكد أن جميع قضايا الأسرة يتم النظر  فيها أمام مكتب التسويات سواء كانت «خلع، أو نفقة، أو متعة، أو مسكن، أو اعتراض على إنذر الطاعة، أو حضانة.. إلخ»، وفى الغالب تكون قضايا الخلع والنفقة،  أبرز المشاكل الأسرية على مكاتب التسوية، وبعدها العلاقة الزوجية، ثم الظروف المادية، وأخيرًا  العنف الأسرى. 
وأكد أن عدد القضايا التى تصل للمكتب يوميا متفاوت أحيانًا تصل إلى 15 قضية وأحيانا دون قضايا، وكل شهر يتم عمل إحصاء بعدد القضايا التى تصل إلى مكاتب تسوية المناعات بالجيزة، والقضايا التى تم الصلح فيها ورفعها لوزارة العدل، موضحًا أن أكثر المناطق التى تأتى منها قضايا:  الهرم وبولاق الدكرور وإمبابة والعمرانية، بينما  الجيزة وأكتوبر والمهندسين والدقى الأقل.
أرجع طاهر، قلة ثقة الأسر فى مكاتب التسوية، إلى المحامين،  لأن من مصلحة المحامين استمرار الدعوى، حتى يحصلوا على أتعاب أكثر، لذلك يحرص المحامون منع طرفى النزاع من الحضور لجلسة التسوية، قائلا: «نحن على ثقة أننا قادرون على حل مشاكل الأسرة التى تأتى إلينا بنسبة 95%،  لكن لو حضور محامو الطرفين يصعب إنهاء القضية بحلول؛ لذلك نحتاج إلى تعديل القانون حتى يلزم طرفى النزاع بالحضور أمام مكاتب تسوية منازعات، حتى نستطيع إنقاذ الأسرة المصرية من مافيا المحامين المستفيدين من استمرار النزاع بين الطرفين، بالتالى زيادة نسب الطلاق فى مصر».
ضياء محمود، إخصائى علم الاجتماع أحد المختصين داخل مكتب تسوية المنازعات  بمحكمة الأسرة بالمنيب أكد أن الموظفين بالمكاتب يتم تدريبهم بصفة دورية للتعامل مع الأزواج والحالات التى تتردد عليهم لإنهاء الخلافات بشكل يحافظ على كيان الأسرة، وتوضيح آثار وعواقب التمادى فى الخلافات وإبداء النصح والإرشاد لتسوية الخلاف وديًا، موضحًا أنهم يجرون مقابلات لتحديد الخلل الذى يعانى منه أطراف النزاع، وإجراء فحوص ومقابلات لتحديد الاضطراب فى الحياة الأسرية.
وأضاف أنهم يقومون أيضًا بدور وقائى فى إرشاد الزوجين إلى أنسب أساليب معاملة الأبناء،وتنمية وعى الزوجين بدور كل منهما فى إنجاح الحياة الأسرية وواجباته وحقوقه وتبصيرهما بعواقب الطلاق، فضلا على الدور العلاجى من خلال تنفيذ برامج لحالات الاضطراب السلوكى للأطفال، وتشخيص جوانب الاختلال الزواجى وعلاج جوانب الاضطراب عن طريق تعديل اتجاهات وسلوك كل من الزوجين.
من جانبه أوضح وليد عبدالمقصود، مؤسس مبادرة معًا لإنقاد الأسرة المصرية، أن  كثيرًا من الأشخاص يشتكون من مكاتب تسوية المنازعات  وأدائها، فمكاتب التسوية فى بداية ظهورها كان لها نتائج ملحوظة فى حل المنازعات  بين طرفى النزاع وكانت معظم القضايا تنتهى بالصلح قبل وصولها للقضاء، ولكن مع مرور الأيام أصبحت تشكل عبئًا على أصحاب الدعاوى وفقدت دورها، وحاليًا النسبة لا تتعدى 5% فى الأزواج تحل مشاكلهم بمكتب التسوية، ولا تتعدى 10 %  فى قضايا الطلاق أو الخلع.
 وأضاف أن دور مكاتب تسوية منازعات الأسرة، ليس فقط التصالح بين طرفى النزاع، لكن تسوية النزاع بشكل ودى،   يحصل كل من الطرفين على ورقة من مكتب التسوية، لكن الأزمة  أن الإقرار الذى يصدر من مكاتب تسوية منازعات الأسرة ليس له أى حجية قضائية، بمعنى إذا اتفق الطرفان على  الطلاق أو دفع النفقة أو مصاريف مدرسة وإلخ، وتخلى أحد الطرفين عن الاتفاق، فإن الورقة التى بيد الطرف الآخر لا فائدة لها.
وطالب بتعديل القانون بجعل إجراء مكاتب تسوية المنازعات، له حيثيات أحكام قضائية،  حتى تصبح واجبة التنفيذ، فلو حدث هذا التعديل سيكون هناك إقبال من أطراف النزاع، بدلًا من الانتظار أمام المحاكم لسنوات، فهناك قضايا نفقة وطلاق تستمر 3 سنوات.
ورفض أحد المحامين الاتهامات الموجة لهم بأنهم السبب وراء تعطيل عمل مكاتب تسوية المنازعات، مؤكدا أن من مصلحتهم إنهاء القضية فى أسرع وقت، مرجعًا سبب عدم حضور الأطراف أمام مكاتب التسوية تجنبًا لوقوع المشاكل واعتداءات الضرب.
وأوضح المحامى أن مكاتب تسوية المنازعات  داخل المحاكم غير مؤهلة، لا يوجد بها استقلالية، ولا تساعد طرفى النزاع، فضلا على عدم وجود سرية لمناقشة الأسرار الخاصة بالأسرة، «من السهل دخول  أى شخص أثناء الجلسة، ويصل الأمر أن المكاتب التسوية مباحة أمام عمال البوفيه»، مطالبًا بتوفير مكان لجلسة تسوية المنازعات، مثل قاعة جلسة المحكمة.
نفس الأمر أكده المحامى مجدى منصور، أحد المترددين على مجمع محاكم الأسرة بالجيزة، موضحًا أن القائمين على مكاتب تسوية المنازعات  داخل محاكم الأسرة عمالة زائدة، تجد بينهم سيدات يقمن بتقشير الخضراوات، أما الرجال فيلعبون بالموبايل، مشيرا إلى أن  الأسر ليس لديها ثقة فى مكاتب تسوية منازعات، لأنها لا تعمل بشكل جيد منذ إنشائها، لذلك لا حاجة لوجود تلك المكاتب، بل هى أعباء مادية على الدولة فقط.
وطالب منصور بتوفير آليات جديدة لحل المنازعات الأسرية، بدلًا من الجلوس على المكاتب منها الذهاب للحالات، للكشف عن أسباب النزاع ودراسة الخلافات من أجل التوصل لحلول، ولكن ما يحدث تذهب القضايا إليهم على المكاتب، ويتم تحدد موعد لجلسة تسوية، وفى حال عدم حضور طرفى النزاع، يسجل امتناع الطرفين عن الحضور، وانتهاء الأمر عند ذلك.>