الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نضال «الحريم» ونضال تويتر.. ماذا تغيّر فى النساء و«النسويّة»؟!

نضال «الحريم» ونضال تويتر.. ماذا تغيّر فى النساء و«النسويّة»؟!
نضال «الحريم» ونضال تويتر.. ماذا تغيّر فى النساء و«النسويّة»؟!


سيرة هدى شعراوى كانت مُغرية لتطبيق «ألعاب التنميط والتأطير» كما يذهب طارق النعمان أستاذ النقد الأدبى فى تقديمه ومراجعته لترجمة كتاب حديث عن هدى شعراوى بقلم حفيدتها سنيّة شعراوى،فى محاولة منه لتفسير إعادة إنتاج سردية المناضلة النسوية الأشهر عن نفسها التى كتبتها فى مذكراتها منذ أكثر من نصف قرن. اليوم يمكننا إعادة قراءة هدى شعراوى ومسيرتها فى ظل ألعاب إضافية أخرى، هى ألعاب «التشويه» وشوائب النضال النسوى الأرعن على تويتر وفيس بوك.
يصدر كتاب «وكشفت وجهها» عن هدى شعراوى يحكى قصّتها مع «إسقاط النقاب» وهو عنوان الكتاب فى لغته الأصلية؛ بينما تتزعّم إحدى إفرازات التشوّه النضالى والنسوى فى عالمنا اليوم حملة «خالعات الحجاب»، يتصدّرها شريف الشوباشى، وتطفح بكل صور الفجاجة والمباشرة والخطاب المأزوم بالكليشيهات، ليس أوّلها غلاف كتاب تتحلّق فيه سيّدات حول الشوباشى بينما تمسك كل واحدة بطرف «إيشارب» وتُلقيه على الأرض!
يعدك الاشتقاق فى اسم «سنيّة شعراوى» خريجة الأدب الإنجليزى من الجامعة الأمريكية وتعمل مترجمة فورية، من الاسم الثانى لهدى شعراوى على صدر غلاف الكتاب الذى يُعيد سرد حياة «أوّل ناشطة نسائية مصرية» كما تصفها الديباجة الثانوية لعنوان الكتاب، بأننا مقبلون على حكايات أكثر حميمية أو إنسانية أو ربما اقترابا أكثر عاطفية وحساسية من حياة الجدّة بقلم حفيدتها، لنفاجَأ بنصّ مُخيّب للآمال ومخالف للتوقّعات من هذه الزاوية؛ وسرديّة لا تختلف كثيرا عن سرديّة الجدّة عن نفسها فى مذكّراتها ذائعة الصيت ومتعدّدة الطبعات، بل كُتبت سردية الحفيدة بلغة جافّة مُحايدة تماما لا تقترب من الخاص لصالح إغراق متعمّد فى العام، خاصة أنها كما تقول فى إهدائها للكتاب اعتمدت على حكايات شفاهية من الجدّات والأمّهات ونساء العائلة عن تلك المرأة الجسورة.
هذه الزاوية فى النظر إلى كتاب سنية شعراوى المكتوب فى الأصل بالإنجليزية عن جدّتها هدى شعراوى، وإن لم تتحقّق بصورة مُشبعة، ليست بالطبع هى كل شيء فى الكتاب. إذا كانت شعراوى فى الماضى عبّرت عن تحلّق سيدة فى «الحريم» أو الحرملك فوق أسوار ذلك «الحريم» وكل أسباب العتمة والتمييز والتأخّر، وتزعّمت نضالا نسويا وسياسيا وفكريا حقيقيّا مقترنا بتحرّكات وأفكار طبّقتها على نفسها قبل أن تسطّرها فى خطابات زاعقة، فهى فرصة للحفيدة وحفيدات شعراوى من بعدها للوقوف على مسيرة النضال فى الماضى ،وماذا اختلف اليوم، وماذا يجب أن يختلف. كتاب سنية فى ترجمته بعنوان «وكشفت وجهها.. حياة هدى شعراوى أوّل ناشطة نسائية مصرية» الذى يُعدّ باكورة إصدارات المركز القومى للترجمة لهذا العام، ترجمته نشوى الأزهرى، رئيس قسم الترجمة بجامعة الدول العربية، والنصّ فى ترجمته وأصله بالإنجليزية الذى صدر فى عام 2012، يمكن اعتباره استكمالا لمذكرات هدى شعراوى نفسها التى كانت، كما هو معروف، بمثابة سيرة ذاتية نُشرت لأوّل مرة عام 1981 عن دار الهلال بتقديم أمينة السعيد، ثم فى طبعة ثانية عن دار التنوير فى عام 2013 بتقديم هدى الصدّة، ثم توالت فى طبعات ورقية وإلكترونية عدّة.
يعتبر طارق نعمان، المُراجع، نصّ سنية نصّا على «حافة» مذكرات شعراوى الجدّة، «تستكمل فيه الحفيدة سردية جدّتها التى أملتها منذ ما يقارب ثلاثة أرباع قرن» و «تعيد قراءة سردية الجدّة عبر إعادة كتابتها». لهذا فسيكون سهلا على قارئ مذكرات هدى فى السابق الوقوف على التناص الكثير معها فى كتاب سنية، الذى حمل عنوانا غير العنوان فى الترجمة، وهو «إسقاط النقاب: حياة هدى شعراوى،نسوية مصر الأولى». تُهيّئ مقدمة المراجع القارئ إلى هذا التفسير، بأن سنيّة كتبت تلك المذكرات الموازية بدافع إجلاء غبار التنميط «الغربى» لسيرة هدى شعراوى، على النحو الذى تعمّدته مترجمة السيرة مارجو بدران، من إخفاء وإزاحة تفاصيل مما أملته شعراوى عن مسيرتها ولا تخدم فكرة «الصورة النمطية لقهر المرأة الشرقية» التى أرادت مارجو التأسيس لها، فحذفت مقاطع تصف فيها شعراوى مساندة أخيها وزوجها لها، وأخرى تحكى فيها عن نساء أخريات تمتّعن بشجاعة وحرية كابنة عمّها. وإذا كنا حُرمنا فى كتاب سنية من لغة حميمة إلا أنه يساعد على الاقتراب من «مناطق مسكوت عنها فى سرد الجدّة»، خاصة بحسب ما يذكّرنا نعمان أن مذكرات هدى تتوقف عند عام 1935 وهو قبل وفاتها بـ12 عاما. والآن خمّن؛ ما أوّل هذه النقاط المحجوبة فى سيرة هدى شعراوى ومسيرتها؟! سنعرف أنه «هو موقف خلع الحجاب وملابساته»، الذى «صمتت هدى تماما عن ذكره فى مذكراتها»، بينما «خالعات الحجاب» المتهافتات وزعيمات النضال النسوى على تويتر لا يتوقفن عن الضجيج.
نتعرّف فى هذا الكتاب على ملابسات تأسيس الاتحاد النسائى المصرى فى عام 1923، وحضور شعراوى لمؤتمر التحالف النسائى المصرى فى روما، الذى نعرف بعد ذلك أن هدى شعراوى لم تذكر عن رحلتها إلى روما الكثير من التفاصيل، وربما اكتفت بالأخبار التى نشرت عن المؤتمر الذى حضره بنيتو موسولينى وشهد مشاركة مصريات لأول مرة.
نقرأ فى كتاب سنية أن قرار هدى وسيزا نبراوى بخلع النقاب «تولّد عند عودتهما إلى القاهرة» بصورة عفوية نظرت السيّدتان إلى نفسيهما، وقد اضطرّتا فى روما إلى رفع النقاب وكشف وجهيهما بعد إدراكهما أن الغطاء عائق للتواصل؛ تكتب سنية فى سردها لتلك الواقعة: «أصرّت سيزا على أنها ستبقى منذ تلك اللحظة بلا نقاب. وكانت هدى قد وعدت فى الماضى بخلع النقاب حين يكون الوقت ملائما لذلك. وبدت هذه هى اللحظة الملائمة».
الطريف أن هدى شعراوى فكّرت فى البداية ما إذا كانت هذه الخطوة ستؤثّر سلبا على حياة ابنتها وزواجها، فكان أوّل ما صارحته برغبتها وهو فى استقبالها فى الميناء فى الإسكندرية، هو محمود سامى زوج ابنتها. ولم ترتح إلا بموافقته! كم فى هذه التفصيلة من بلاغة الشيء ونقيضه. كتبت جولييت آدم صديقة مصطفى كامل الفرنسية وكانت ترافقه فى جلساته مع عمر زوج هدى إلى هدى رسالة تقول فيها شيئا أظنه هو الدرس الأوّل فى الفرق بين نضال نساء الحريم ونساء النسوية العربية اليوم، فقد كتبت تقول: «تذكّرن أيتها النسوة المصريّات ملِكاتكم العظيمات اللائى لم تكن عهودهن أقل قيمة من عهود ملوككم. ولكن هذه المساواة لا تعنى أن تكنّ ذكوريات. لتكنّ زوجات ولتكنّ أمّهات ولتصبحنّ مصدر إلهام لمطالب وطنية مشروعة».
ربما تغيّر الظرف التاريخى لنضال المرأة المصرية اليوم عن أمس البعيد والقريب، وربما الدعوة لتمسّك النساء بأدوار الأم والزوجة هى فى حدّ ذاتها دعوة للإجحاف والجمود، لكن الإطلالة الجديدة على هدى شعراوى وحياتها فرصة للتأكيد أنها مازالت صالحة للنظر وإعادة النظر، فرصة للاقتراب بجديّة من تاريخ النسوية العربية وتفكيكها. والتفكير فى ماذا بقى اليوم من هدى شعراوى أو ماذا نريد أن يبقى منها، وما الذى رغبت حفيدتها أن تستعيده منها بعد كل ذلك الوقت؟!