الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«بوينج» تلغى صفقة القمر الصناعى المثيرة للجدل

«بوينج» تلغى صفقة القمر الصناعى المثيرة للجدل
«بوينج» تلغى صفقة القمر الصناعى المثيرة للجدل


ألغت شركة «بوينج» الأمريكية صفقة كانت قد أبرمتها مع شركة «جلوبال آى.بى» أو «Global IP» الناشئة ومقرها بالولايات المتحدة الأمريكية لشراء أقمار صناعية. القرار جاء بعد أن اكتشفت الشركة الأمريكية أن الشركة التى اتفقت معها ما هى إلا واجهة للحكومة الصينية، إذ إنها تتلقى معظم تمويلها من شركة تمولها حكومة بكين. استخدمت الصين شركة ناشئة أمريكية من أجل الوصول إلى تكنولوجيا الأقمار الصناعية الأمريكية، فقد قامت شركة «Global IP» بتقديم طلب لشركة «بوينج» من أجل شراء قمر صناعي ذي طاقة إنتاجية عالية فى عام 2016.
وأعلن خبراء التكنولوجيا والأمن عن مخاوفهم من إمكانية استخدام الصين هذه التكنولوجيا العالية فى التجسس. ويأتى ذلك وسط توتر العلاقات الأمريكية-الصينية واتهامات واشنطن لبكين بالتجسس على مؤسساتها الاقتصادية والشركات والمصانع لضرب اقتصادها، إلى جانب اتهامات بسرقة الملكية الفكرية من خلال الاختراق والحصول على معلومات سرية.
وعلى الرغم من أن شركة «بوينج»، التى تتخذ مقرًا لها فى شيكاغو، قد أرجعت سبب إلغاء الصفقة إلى عدم تسديد العميل جزءًا من الإجمالى الذى تزيد قيمته على أكثر من 200 مليون دولار، فإن صحيفة «وول استريت جورنال» كشفت تفاصيل الصفقة والروابط التى تجمع المشترى الرسمى وهو شركة «جلوبال آى بى» بمجموعة من الكيانات والأفراد التى تقوم الحكومة الصينية بتوجيههم والذين تربطهم علاقات قوية بالحزب الشيوعى والمؤسسة العسكرية الصينية.
وصرح «إميل يوسف زادة» أحد مؤسسى شركة «جلوبال آى.بى» لوول استريت جورنال «عندما استقلنا منذ أكثر من عام من منصبنا، أخبرنا مسئولى شركة بوينج عن أسباب قرارنا هذا»، مشيرًا إلى المخاوف المثارة بشأن تدخل الصين، ومعربًا عن أمله بأن تستطيع الشركة نفض الغبار عن تأثير الحكومة الصينية المثير للقلق، مستبعدًا أن يحدث ذلك فى الوقت الحالى.
 وقد بدأت الشكوك خلال إتمام صفقة القمر الصناعى، حينما استقال كل من «يوسف زادة» و«عمر جافيد» من مناصبهما فى شركة «جلوبال آى.بى» فى عام 2017 ثم قاما لاحقًا برفع دعوى قضائية فى المحكمة الفيدرالية زاعمين أن الحكومة الصينية قد سيطرت بشكل فعال على الشركة.
 جدير بالذكر أن القانون الأمريكى يمنع أية شركة أمريكية من بيع الأقمار الصناعية أو بعض التقنيات مباشرة إلى الحكومة الصينية، أو الشركات التى يقع مقرها فى الصين، لكن الصين نجحت فى اختراق القانون بطريقة ما من خلال إنشاء شركة أمريكية مما خلق ثغرة مكنت بكين من إبرام تلك الصفقة.
ومن جانبها، أعلنت شركة «جلوبال آى.بى» أنها تهدف من الصفقة الحصول على القمر الصناعى المعروف باسم «جى سات1» أو«GiSAT-1» لمساعدتها فى توسيع نطاق تغطية الإنترنت بتكلفة معقولة فى بعض المناطق فى القارة الأفريقية. لكن التقارير الصحفية أكدت أنه فى عام2015 تقدمت شركة «الصين لإدارة الموارد» أو China Orient Asset Management، والتى تعتبر كيانًا مملوكًا بالكامل إلى الحكومة الصينية، إلى مؤسسى الشركة بعرض لتمويل «جلوبال آى.بى».
ووفقًا لما نشرته صحيفة «وول استريت جورنال «أعقب عرض التمويل، اجتماع جمع بين «جافيد» ورئيس شركة China «الصين لإدارة الموارد» فى بكين،هذا إلى جانب جنج زهيوان «Geng Zhiyuan»، وهو ابن زعيم سابق بارز فى جيش التحرير الشعبى PLA، ورجل أعمال ذو نفوذ كما أنه عضو فى الحزب الشيوعى الصينى الذى تربطه علاقات بالرئيس الصينى الحالى «شى جين بينغ». وأظهرت نتائج الاجتماع أنه تم تمرير 200 مليون دولار على الأقل من شركة «الصين لإدارة الموارد» إلى شركة «جلوبال آى.بى» من خلال شركة فرعية بهونج كونج باسم « دونج يان»، ومنها إلى شركة «برونزلينك» الشركة القابضة المحدودة التى فى جزر العذراء البريطانية والتى أرسلت الأموال إلى «جلوبال آى بى» فى النهاية. وأكد المستثمرون الصينيون لكل من «يوسف زادة» و«عمر جافيد» أن «برونزلينك» شركة مستقلة وبعيدة كل البعد عن نفوذ الحكومة الصينية.
بينما صرح المدير التنفيذى السابق لشركة «جلوبال آى.بى» أنه اكتشف فيما بعد أن الأمر لم يكن كذلك أو كما تحدث مسئولو الشركة، حيث إن شركة «الصين لإدارة الموارد»، من خلال شركاتها الفرعية، تمتلك فعليًا 75% من الشركة التى يقع مقرها الرسمى فى جزر كايمان ولكنها تمتلك فرعًا فى لوس أنجلوس، كما أنها حصلت على حق تعيين 4 أعضاء فى مجلس إدارتها، ثم طالب الصينيون رؤية العقد مع بوينج ومراجعة التفاصيل التقنية فيما يتعلق بالقمر الصناعى.
ومن جهة أخرى، نفت الإدارة الحالية لشركتى «جلوبال آى بى»  و«برونزلينك» تلك الادعاءات مستشهدين بالعديد من الأمور، من بينها تصريح تصدير القمر الصناعى القانونى والمشروع من وزارة التجارة الأمريكية. كما يعترض مسئولو الشركتان على فكرة أنه كان يجب عليهم على الأقل تنبيه لجنة الاستثمار الأجنبى فى الولايات المتحدة CFIUS، هي لجنة مشتركة بين الوكالات التى تستعرض صفقات التمويل الأجنبى للتأكد من عدم وجود أية مخاطر أمنية قومية، وبعد ذلك يمكن للجنة أن توصى الحكومة الأمريكية بحظر الصفقات المستندة على هذه المخاوف.
وكانت شركة «بوينج»قد قررت بالفعل المضى قدمًا فى الصفقة لولا أن قامت صحيفة «وول استريت جورنال» بنشر التحقيق الذى أثار جدلًا واضطر الشركة الأمريكية أن تعلن إلغاء الصفقة. وبالرغم من أن مستقبل القمر الصناعى الذى توشك الشركة على الانتهاء منه لا يزال غامضًا، فإن  الشركة بالتأكيد ستبدأ فى البحث عن مشترٍ آخر. الأحداث بأكملها تسلط الضوء على القضايا التى طال أمدها فيما يتعلق بالشركات الأمريكية التى تتعامل مع التكنولوجيا الحساسة، والتى غالبًا ما تكون حريصة على دخول السوق الصينية، هذا بالإضافة إلى كون تلك الشركات تنجذب إلى عروض التمويل من قبل الحكومة الصينية أو من الكيانات التابعة للحكومة الصينية.لكن تظل هذه الصفقات مثارًا للجدال حول احتمالية سرقة الملكية الفكرية وقدرة الحكومة الصينية على وضع قواعد جديدة والمطالبة بتقديم تنازلات إضافية مع مرور الوقت.
فعلى سبيل المثال، تعرضت شركة «جنرال إلكتريك» الأمريكية فى عام 2011 لانتقادات مماثلة عندما أعلنت عن تعاونها مع شركات صينية فى مشاريع طائرات، مستمرة حتى الآن، شملت تطوير المحركات النفاثة. كما واجهت شركتا «جوجل» و«فيس بوك» فى الآونة الأخيرة انتقادات متزايدة نتيجة لتعاونهما مع السلطات الصينية فى حظر الوصول إلى أجزاء محددة على شبكة الإنترنت وتسليم بكين معلومات متعلقة بالمنشقين والنشطاء.
وتأتى قضية قمر «بيونج» الصناعى متزامنة مع تزايد المخاوف من تهديد الأصول العسكرية الأمريكية الموجودة فى الفضاء بما فى ذلك الاعتراضات الأرضية، والأقمار الصناعية القاتلة والهجمات الإلكترونية وحروب الإنترنت، حيث إن الصينيين يعملون أيضًا على توسيع نطاق وجودهم فوق الغلاف الجوى للأرض وهو ما يؤكد الاهتمام الصينى بالحصول على تكنولوجيا الأقمار الصناعية المتقدمة بأية وسيلة متاحة.
«جيفرى جوسيل» رئيس مهندسى الاستخبارات فى وحدة تحليل الفضاء، التى تعد جزءًا من المركز الوطنى للاستخبارات الجوية والفضاء، قد حذر فى أكتوبر من عام 2018 من أن الأقمار الصناعية الصينية الآمنة التى تدور حول القمر قد تشكل تهديدًا فضائيًا، رغم ادعاءات بكين بأن تلك الأقمار الصناعية تعتبر جزءًا من  مهمة «تشانج آه 4» الصينية لاستكشاف القمر.
ومن الملاحظ أن تركيز السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» على تقليص عدد الصفقات الأمريكية- الصينية المشكوك فيها، ومحاربة التجسس الصناعى الصينى وغيره من الممارسات التجارية الصينية التى لا تتماشى مع المصالح الأمريكية.
ومن ناحية أخرى، تخوض الدولتان نزاعًا تجاريًا أو حربًا تجارية بالأحرى منذ شهور. وعلى الرغم من الاتفاق العام الذى تم بين «ترامب» ونظيره الصينى «شى جين بينغ» خلال مؤتمر مجموعة العشرين G20 الذى عقد فى الأرجنتين فى مطلع الشهر الجارى، فإنه لا يوجد ما يضمن أن الطرفين سيحرزان أى تقدم فى هذا الشأن فى أى وقت قريب.
فقد تضاءلت بالفعل آمال وجود حل مناسب لهذا النزاع القائم بين الطرفين، حينما قامت كندا باعتقال «منج وانزو» المديرة المالية لشركة هواوى الصينية وابنة مؤسسها، بناءً على طلب الحكومة الأمريكية، حيث تزعُم الولايات المتحدة أن الشركة الصينية تحت إدارة «مينج» تتغاضى عن العقوبات الأمريكية والدولية ضد إيران.
هذا بالإضافة إلى توقيع ترامب فى أغسطس عام 2018 على قانون تفويض الدفاع الأمن الوطنى الذى من شأنه منع الجيش الأمريكى من التعامل مع «هواوى» فضلًا عن كونها المنافس الأول لشركة ZTE لخدمات الاتصالات، بسبب المخاوف من قدرة المخابرات الصينية على استغلال تلك الروابط.و قد سبق اتهام «هواوى» فى الماضى بسرقة الملكية الفكرية من شركات التكنولوجية الكبرى مثل «مايكروسوفت»، و«دل».