الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الذين قالوا إن الدين عند الله «الإخوان»!

الذين قالوا إن الدين عند الله «الإخوان»!
الذين قالوا إن الدين عند الله «الإخوان»!


فجأة ومن دون مقدمات، استيقظ المصريون فى 22 نوفمبر من العام 2012، على إعلان محمد مرسى بأنه صاحب السلطة المطلقة فى البلاد.. كاد أن يقولها صراحة «أنا ربكم الأعلى»، بعد أربعة أشهر و20 يومًا فقط قضاها فى قصر الاتحادية..  ففى صبيحة هذا اليوم أعلن «مرسى» إعلاناً دستورياً يقنن فيه الفاشية والديكتاتورية الإخوانية، ويكشف الوجه السياسى القبيح له ولجماعته ويؤسس لقاعدة إخوانية تقوم على «المغالبة لا المشاركة»، حيث حاول من خلاله إحكام سيطرته على مؤسسات الدولة، وتعزيز صلاحياته وسلطاته هادمًا كل القواعد الدستورية والقانونية، من أجل تحصين نفسه وجماعته، ولكن انقلب السحر على الساحر وكان هذا الإعلان الدستورى بمثابة بداية نهاية مرسى وجماعته الإرهابية.
جاء الإعلان الدستورى من عقل جماعة احترفت ممارسة السياسة من خلف ستار الدين على مدار عقود، فظهر بجلاء أن قضايا الوطن ليست من أولويات مرسى أو مؤسسة الرئاسة التى لا يشغلها شىء بقدر انشغالها بتمكين الإخوان من حكم مصر، حيث يقضى الإعلان الدستورى بمنع حل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور المشكلة من الإخوان والأحزاب الإسلامية وتم إقصاء القوى السياسية منها، وتحصين مجلسى الشعب والشورى من الطعن عليهما، وكذلك يحصن قرارات رئيس الجمهورية، ويجعلها نهائية ونافذة، ولا يمكن وقف تنفيذها أمام أى جهة قضائية، حيث يقضى بأن الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة فى 30 يونيو 2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض بقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء، وتنقضى جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية، بالإضافة لتعيين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب، ويشترط فيه الشروط العامة لتولى القضاء وألا تقل سنه عن 40 سنة ميلادية ويسرى هذا النص على من يشغل المنصب الحالى بأثر فورى.
وفى أعقاب الإعلان الدستورى قرر مرسى إقالة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، واستبداله بالمستشار طلعت إبراهيم والذى أطلق عليه «النائب العام الإخوانى»، وهو ما أثار حالة من الغضب داخل الأوساط القضائية.
ردود الفعل
أحدث الإعلان الدستورى غضبًا شعبيًا عارمًا وترتب على هذا الإعلان انقسام خطير فى آراء الكتلة الوطنية ومواقفهم، ففى يوم الجمعة التالى لصدور هذا الإعلان (23 نوفمبر 2012)، ذهب المعارضون وهم يمثلون معظم أطياف القوى المدنية، للتظاهر غضبًا عليه بميدان التحرير، ودخلت البلاد فى موجة جدية من الانقسام السياسى، وحدثت اشتباكات بين القوى  الوطنية بالشارع وأنصار جماعة الإخوان المسلمين ما نتج عنه سقوط قتلى ومصابين.
نيران الاحتجاجات التى أشعلها الإعلان الدستورى، مجدداً فى الشارع المصرى، وأعادت المتظاهرين لميدان التحرير، وصلت هذه المرة إلى حد التظاهر أمام قصر الاتحادية، وفى المقابل، حشدت جماعة الإخوان، رجالها، للانقضاض على المتظاهرين، فاعتدوا عليهم بالأسلحة، ووقعت اشتباكات عنيفة بين أنصار الإخوان ومرسى وبين المعتصمين أدت إلى استشهاد وإصابة العشرات على رأسهم الصحفى الشهيد الحسينى أبوضيف، وكانت تلك القضية المعروفة إعلاميًا «بأحداث قصر الاتحادية»، واحدة من القضايا التى حوكم فيها رموز إخوانية فيما بعد، حيث تم إصدار أحكام نهائية على محمد مرسى و8 آخرين بالسجن المشدد تتراوح بين10 و20 سنة.
كما حدثت موجة من الاستقالات الجماعية من قبل الفريق الرئاسى اعتراضًا على الإعلان الدستورى، وأعلن الشاعر فاروق جويدة استقالته من هيئة مستشارى مرسى، وقال إنه لن يقبل أن يكون ديكورًا لأى مشهد من المشاهد، ولن يقبل أن يشارك فى أى شىء يتجاوز حدود الحرية. 
كما أعلنت الكاتبة سكينة فؤاد، استقالتها أيضًا من الهيئة الاستشارية، وقالت إنها غاضبة من عدم استشارتها فى الإعلان الدستورى، وأكدت أن الإعلان الدستورى كان يجب طرحه للنقاش والحوار قبل إعلانه على الرأى العام. وفى الاتجاه نفسه، قال أحد مستشارى محمد مرسى وهو أيمن الصياد، إن جميع أعضاء الهيئة الاستشارية لم يتم استشارتهم فى القرارات التى صدرت.
أخونة الدولة
كان الإعلان الدستورى ببساطة بداية لمحاولة تفكيك مؤسسات الدولة، وعمل مؤسسات بديلة، وهو ما كشفه عاصم عبدالماجد عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، عندما أكد أن الجماعة الإسلامية كانت تتناقش مع الإخوان لتدشين ما أسماه «الحرس الثورى» على غرار الحرس الثورى الإيرانى.
وبدأ ملف أخونة الدولة بمؤسسة الرئاسة التى كان يوجد فيها العديد من قيادات الجماعة المعروفين، يعملون داخل القصور الرئاسية ومن أبرزهم  ياسر على المتحدث باسم الرئاسة وكان عضوًا بارزًا فى الجماعة، وعصام الحداد مساعدًا لمرسى لشئون العلاقات الخارجية والتعاون الدولى وهو عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان، والمسئول عن ملف العلاقات الخارجية فى الجماعة، ومدير حملة مرسى الانتخابية، وأحمد عبدالعاطى مدير مكتب رئيس الجمهورية، وهو عضو جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، والمنسق السابق لحملة محمد مرسى، بالإضافة لكل من الدكتور محيى الدين حامد، مستشار الرئيس، وهو عضو بمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، والدكتور حسين القزاز مستشار الرئيس، وكان يشغل منصب المستشار الاقتصادى لجماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة، والدكتورة  أميمة كامل السلامونى، مستشار الرئيس لشئون المرأة، وكانت عضو حزب الحرية والعدالة، والدكتور عصام العريان مستشار الرئيس لشئون الخارجية وهو نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، وشغل منصب المتحدث الرسمى للإخوان عدة سنوات.
بداية النهاية
كان إقصاء القوى الوطنية والمعارضة، هو النهج الذى سار عليه مرسى وجماعته، وتأكد الأمر فى الوقت الذى تم فيه تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور عام 2012 حيث كان معظمها من جماعة الإخوان وكذلك حلفائهم من الجماعات الإسلامية ولم يتمثل فيها القوى الوطنية بنسب عادلة، ما أحدث خلافات بينهم وبين الإخوان، وانسحبت القوى من اللجنة اعتراضًا على نسب التمثيل، وأكمل الإخوان وضع مواد الدستور الذى تسلمه مرسى فى ديسمبر 2012، وظهر تسلم مرسى لمسودة الدستور الإخوانى فيما يشبه «الاحتفالية»، حيث انعقد الاجتماع بأعضاء الجمعية بقاعة المؤتمرات بمدينة نصر، فى مشهد استفز المصريين بعدم اكتراث رئيس الدولة بالرأى العام واعتراض المصريين على الدستور، وظهر هذا الغضب فى عزوفهم عن المشاركة فى الاستفتاء على الدستور والتى جرت فى يناير 2013.
وفى خطوة أدت إلى تأجيج الوضع بعد إصدار الإعلان الدستورى الذى منح بموجبه مرسى لنفسه سلطات غير مسبوقة، واعتبره المصريون «تحديًا سافرًا» لإرادة الشعب، بل و«دفعًا فى اتجاه حرب أهلية» قابلت الرئاسة المصرية «دعوات الرحيل» التى تصاعدت حينها بإعلان المسئول عن ديوان رئيس الجمهورية محمد رفاعة الطهطاوى بأن «الرئيس لن يتراجع قيد أنملة» عن إعلانه الدستورى.
كان الإخوان فى ذلك الوقت قد دخلوا فى عداء مع الجميع، وخاضوا حروبًا على جميع الجبهات، دخلوا فى عداء مع الشعب  ومع كل مؤسسات الدولة خاصة الإعلام والقضاء، وبدأوا فى إعداد مشروع قانون لتعديل «قانون السلطة القضائية» ليناقش داخل مجلس الشورى، ينص على خفض سن تقاعد القضاة من 70 سنة إلى 60 سنة، ليترتب عليه عزل نحو 3500 قاض من وظيفتهم القضائية، بالإضافة إلى تعيين رؤساء للهيئات القضائية والنائب العام من التابعين للجماعة أو الموالين لها.
وانتقلت لغة الإخوان من الإقصاء إلى تكفير المعارضين لهم، ولعل هذا ظهر جليًا فى خطاب محمد عبدالمقصود الداعية السلفى،  خلال خطبة محمد مرسى فى استاد القاهرة فى يونيو 2013، عندما وصف من سيخرجون فى 30 يونيو بأنهم أعداء للدين، وهى التصريحات التى أثارت جدلًا واسعا حينها مع المعارضين للإخوان واعتبروها محاولة لتكفير المعارضين والتحريض على قتلهم، وكانت مصر فى تلك الفترة تُحكم من منطقة المقطم وبالتحديد من داخل مكتب الإرشاد وليس من مصر الجديدة حيث يقبع قصر الاتحادية، وترك مرسى الفرصة كاملة لجماعة الإخوان التى ينتمى إليها للتحكم فى زمام أمور الدولة واتخاذ القرارات، حتى اعتبر المصريون أن مرشد جماعة الإخوان محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر هما الحاكمان الرئيسان للدولة، وأن القرارات والقوانين تأتى من مكتب الإرشاد لتستمر مبايعته للجماعة على السمع والطاعة، حتى جاءت ثورة 30 يونيو المجيدة التى أعادت مصر المخطوفة من قبل جماعة إرهابية كادت أن تذهب بها إلى الهاوية.