الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

سيدة الإغراء الأولى

سيدة الإغراء الأولى
سيدة الإغراء الأولى


(زبون لقطة) هكذا وصف الكاتب الصحفى «أيمن الحكيم» الفنانة «هند رستم» فى كتابه عنها (هند رستم.. ذكرياتى) الصادر مطلع العام الجارى، والذى تحكى فيه ذكرياتها مع أهل الفن، ومع الحياة، بشكل يجمع ما بين الصراحة الشديدة، والرقى البالغ، فهى كالمقاتل الذى يصيب الهدف بسهامه منذ المحاولة الأولى، وهذا تحديدًا كان سبب تسمية الكاتب لها بـ(الزبون اللقطة) حيث لجأ إليها فى فجر مشواره كمحرر تحت التمرين بمجلة الكواكب، ليجرى معها حوارًا صحفيًا، ليس فقط لسحرها وشهرتها، لكن لما هو معروف عنها فى الوسط الصحفى آنذاك من تلقائية مدهشة، فلم تكن إجاباتها عن أى سؤال تعرف التحفظات، أو تحسب حساباً للمواءمات.
 وهو ما جعل هذ الحوار الصحفى نواة لصداقة قوية، تعددت من خلالها اللقاءات، والمواقف، التى اقترب فيها «أيمن الحكيم» من الجانب الإنسانى للفنانة الراحلة، وأصبح من القلة المحظوظة التى عرفت (ملكة الإغراء) عن قرب، فالجمهور حتى الآن تأسره أنوثتها الطاغية، ويرى فيها نجمة الإغراء التى لم تأت بمثلها السينما المصرية، لكنه على صفحات هذا الكتاب البديع، نقترب أكثر من إنسانة تحمل قلبًا من ذهب، وعقلًا راجحًا يزن الأمور بميزان حساس، وفى ذكرى ميلادها الـ86، وبعد مرور سبع سنوات على رحيلها، لا تزال حكايات «مارلين مونرو العرب» تجذب قلوب محبيها، قبل أنظارهم، وما زلنا جميعًا (زبائن لقطة) نسعد بأى حكاية جديدة، أو سر من أسرار حياتها.
أناقة وكبرياء
الكتاب مقسم إلى أربعة فصول، يبدأها الكاتب بفصل (حكايتى مع هند رستم) يتحدث فيه عن علاقته بالنجمة الراحلة، وعن الطريقة التى أعطته فيها درسًا عمليًا فى احترام المواعيد فى أول لقاء جمعهما سويًا، حيث تأخر 10 دقائق عن موعدهما المتفق عليه، فالتقته بابتسامة معلنة له أنها قد ارتبطت بموعد آخر، ومنحته موعدًا جديدًا للقاء، كنوع من الاختبار الذي تمكن من اجتيازه  ليكون الموعد الجديد جواز مرور إلى دولة هند رستم المليئة بالكنوز.
وفى هذا الفصل يحكى الكاتب عن أغرب الآراء الإجتماعية التى سمعها منها، وعلى سبيل المثال، رؤيتها لكيفية تعامل المرأة مع شريك حياتها، فقد كانت ترى أن المرأة عليها الدور الأكبر فى الحفاظ على استقرار الحياة الزوجية، بأن لا تشعر زوجها بنقاط ضعفه، فقد كانت تعامل زوجها الثانى طبيب أمراض النساء العالمى «محمد فياض» من منطلق أنه (سى السيد) وكانت من آرائها الاجتماعية الجريئة كذلك أن تعدد الزوجات حل لارتفاع نسبة العنوسة، وأن زواج الإنترنت، ومكاتب الزواج فاشل لا محالة.
يتناول الكاتب فى الفصل الأول بعضًا من آرائها الصادمة فى زملائها أيضًا، وعلى رأسهم «فاتن حمامة»، حيث تقول (لو عقدت مقارنة بيني وبين فاتن حمامة ستجد أنها قدمت لونًا واحدًا، دور الزوجة المحترمة، أو الفتاة المغلوبة على أمرها، أما أنا فقدمت كل الأدوار، الراقصة، وفتاة الليل، والراهبة) وفى رأيي فإن هذه المقارنة التى عقدتها الراحلة بين نفسها وبين الفنانة «فاتن حمامة»، ليست المنافسة الشريفة هى سببها الوحيد، فاللقب الذى أطلق على «فاتن حمامة» وظل يلازمها حتى وفاتها (سيدة الشاشة العربية) قد أغضب كثيرًا من النجمات، وعلى رأسهن «هند رستم»، وفى السر الذى كشفه الكاتب «أيمن الحكيم» فى كتابه دليل على ذلك، حيث يروى أنه بعد عشرة أعوام من اعتزالها جاءها أحد المنتجين، يعرض عليها بطولة مسلسل (عائلة شلش) ووافقت بشرط أن تحصل على الأجر نفسه الذى تحصل عليه «فاتن حمامة»، مما أدى إلى تعثر المفاوضات، فذهب الدور إلى «ليلى طاهر»، ثم جاءتها شركة إنتاج خليجية تعرض عليها بطولة مسلسل بأجر يفوق ما طلبته فى (عائلة شلش) فرفضت أن تكون عودتها من خلال شاشة أخرى غير تليفزيون بلدها.
فى حضرة الهانم
جاء الفصل الثانى من الكتاب تحت عنوان (هند رستم تتكلم) فيه يتركنا الكاتب كقراء مع النجمة فى خلوة محببة إلى النفس، فلا أبالغ أن أقول إن هذا الجزء من الكتاب لا يُقرأ بالعين فقط، بل تتردد كلماته فى ذهن القارئ بصوت «هند رستم»، ويسمع ضحكاتها من بين سطوره، ليشعر أنه بحق فى حضرة واحدة من هوانم هذا العصر، وأن كل ما شاهده لها على الشاشة من شخصيات، وأدوار جعلته أسير حبها، سيجد أضعافه فى حياتها الخاصة حيث الجدعنة، والمبادئ التى لا تتجزأ، والاحترام لنفسها، ولزملائها، ولفنها أيضًا.
يقسم الكاتب هذا الفصل إلى 12 قسمًا ، فى كل قسم تختار هند رستم شخصية معينة لتتحدث عنها، وقد خصصت القسم الأول للحديث عن طفولتها، والتى لم تخلو من الألم بالطبع، فوالدها اللواء «حسين رستم» قد انفصل عن والدتها، وبالتالى لم تستقر «هند» فى سنوات طفولتها الأولى فى حى محرم بك بالإسكندرية حيث ولدت، بل تنقلت معه بين الأقاليم والبلدان النائية، نظرًا لطبيعة عمله، وقد شكل هذا التنقل ضغطا كبيرا عليها خاصه مع طبيعته القاسية، بالإضافة إلى بعدها عن أمها، لكنها رغم ذلك لا تنكر أنها تعلمت منه الكثير، وبداية من القسم الثانى تتحدث عن طريقة دخولها الفن، وعن مواقف لطيفة جدًا جمعتها بزملاء، وأصدقاء، كانوا لهم أكبر الأثر على حياتها، أمثال(حسن الامام، يوسف شاهين، حسام الدين مصطفى، إسماعيل يس، رشدى أباظة، يوسف وهبى، حسن يوسف، فريد الأطرش، فريد شوقى وآخرين)، وبما أن اعتزال «هند رستم»عجل به  ما أصاب الوسط الفنى من عدم احترام لرموزه، ولمواعيد التصوير التى كانت تقدسها، وهو ما يبينه موقف واحد حدث أمامها فى البلاتوه بين «حسين رياض»، وممثلة كانت أيامها تحبو فى أول طريق الفن، ولما كان «حسين رياض» يعشق لعب الطاولة، فقد عرضت عليه هذه الممثلة أن تلاعبه عشرة طاولة، وفعلًا بدأ فى اللعب، واندمجا فيه، وفى أثناء اللعب سمعتها هند تقول له فى عصبية: (اخلص بقى يا حسين والعب!) وعن ذلك تقول (شعرت ساعتها بأن الدم يغلى فى عروقى، لأننا كنا نحترم الرجل ونبجله، ولم نكن نجرؤ أن نناديه باسمه مجردًا، أو أن نرفع التكليف بيننا وبينه).
أمى هند رستم
هكذا جاء عنوان الفصل الثالث من الكتاب، حيث مساحة خاصة لـ«بسنت»، ابنتها الوحيدة من زوجها الأول المخرج «حسن رضا»، وفى حكايات «بسنت» عن والدتها تجتمع كل المتناقضات، فتارة يكن تعليقك: ما كل هذه الطيبة، وتارة آخرى تتساءل عن سبب قسوتها معها فلا تصل لإجابة شافية، ولاسيما عندما حرمتها من دخول كلية الفنون الجميلة مثلما كانت تحلم، وأرغمتها على دخول كلية التجارة، خاضت «بسنت» تجربة العيش مع زوج أم مبكرا جدا، حيث قررت هند الزواج من دكتور «فياض» و»بسنت» فى العاشرة من عمرها، لكن لحسن الحظ كانت التجربة إيجابية، فقد منحها الدكتور هى وأمها السعادة، والأمان، وتغير كل شئ بعد الزواج إلى الأفضل، حتى الذوق الفني لـ«هند»، فقد كانت لاتحب الاستماع إلى صوت «أم كلثوم»، وتعتبر «محمد قنديل» مطربها المفضل، لكن حب الدكتور «فياض» لـ«أم كلثوم» جعلها تغير وجهة نظرها.
أحزان ومصاعب كثيرة مرت على «هند»، وعايشتها معها ابنتها الوحيدة، ولا سيما فى السنوات الأخيرة، حيث رحيل دكتور «فياض»، ونشبت خلافات مع عائلته على الميراث، كما تعرضت «هند» لعملية خطيرة بالقلب كانت أشبه بمعجزة قبل سنوات من الرحيل، بالإضافة إلى غدر بعض الأصدقاء، لكن فى المقابل توجد حكايات جميلة يمكن من خلالها استخلاص مدى نقاء هذه السيدة، ورقيها، ولاسيما مواقفها أثناء الحج، والعمرة، حيث كتب الله لها أداءهما، لكنها كانت حريصة دائمًا على أناقتها حتى وهى بملابس الإحرام، فلم تنس حتى رحيلها أنها «هند رستم»..تمامًا كما لم تنس معاناتها وهى طفلة، وقسوة زوجة أبيها عليها، وكان من توابع ذلك أن خلق بداخلها شغف بلعب الأطفال، خاصة العرائس، فقد كانت هداياها المفضلة فى عيد ميلادها حتى وفاتها، تفرح بها كالأطفال، وتحتفظ بها فى غرفتها.
لقاء بين العقل والإغراء
فى الفصل الرابع، وتحت عنوان (ملاحق) يجمع الكاتب بعضًا من المقالات التى كتبت بقلم أشهر الصحفيين، والنقاد، كما نشر أيضًا نصًا حواريًا جريئًا فى لقاء ممتع بين «هند رستم»، والكاتب الكبير «عباس العقاد»، لمدة أربع ساعات، حيث ناقشته فى آرائه، وأفكاره، وقد نشرت تفاصيل هذا اللقاء فى مجلة (آخر ساعة) فى 18 ديسمبر 1963، تحت عنوان (لقاء بين العقل والإغراء) وفى هذا الحوار الموثق بالصور متعة كبيرة، حيث كان أشبه بمبارزة أنيقة بالكلمات، تعبر عن الرقى الذى كان يومًا ما أساسًا فى التعامل بين البشر. >