الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الفن والإتجار بالأحلام

الفن والإتجار بالأحلام
الفن والإتجار بالأحلام


ظاهرة لافتة للنظر انتشرت فى مصر الآن، لاحظتها مصدومًا عندما سألنى شاب من محافظة المنيا كان يجاورنى فى المترو عن أقرب قسم شرطة وكيف يمكن أن يشكو ذلك الرجل الذى سرق أمواله مدعيًا أنه سيمنحه دورًا فى فيلم، وأخرج لى إعلانًا مطبوعًا من «السوشيال ميديا» عن فيلم افتراضى اسمه
«فرصة هروب» منسوب البطولة فيه للفنان محمد رمضان والفنان آسر ياسين، ومرسل له معه رسالة إليكترونية تفيد قبول الشاب بدور ثانوى بالفيلم.. كان اللقاء على مقهى.. أخذوا أموالاً وتركوه وحيدًا مع رقم تليفون لا يرد.

ومن هنا بدأت أهتم بالظاهرة بحثت عنها على الشبكة الدولية للمعلومات فوجدت إعلانات عديدة، مماثلة تداعب أحلام الشباب وهواة الفن فى النجومية وتحقيق الأحلام.
ثم لاحظت أثناء حوارى مع أحد الفنانين الظرفاء وهو الفنان رضا رمزى حول الظاهرة، أن لها أبعادًا أخرى تكاد تحمل طابعًا شبه قانونى، وإن كان فى حد ذاته هو إساءة استخدام لحق حرية الإبداع، حيث حدثنى ضاحكًا عن رصده لعدد كبير من ورش تدريب وتعليم المسرح والسينما والتمثيل والتصوير والغناء والرقص وما إلى ذلك.
بداية هذه المأساة التاريخية خلاف عنيد لا يقف خلفه الفن بالتأكيد فى أوائل تسعينيات القرن الماضى، عندما حاولت نقابة المهن التمثيلية إيقاف المخرج السينمائى سمير سيف عن إخراج عمل مسرحى فذهب للقضاء وحصل على الحق القانونى وفقا لمبدأ دستورى عن حرية الإبداع والتعبير، ثم توالت القضايا المماثلة، حتى كاد أمر ممارسة مهنة التمثيل يصبح خارج نطاق السيطرة، ثم ظهر مركز الإبداع كنوع من تدريب الهواة، وقدم نماذج رائعة من النجوم، ولكنه ومع زيادة عدد المتدربين، ومع دعمه لهم وترشيحهم للعمل بالأعمال الفنية لعب بدون قصد دورًا مضادًا لدور المعهد العالى للفنون المسرحية الذى كان هو الباب الشرعى للتدريب والترشيح وللحصول على عضوية نقابة المهن التمثيلية، ظل مركز الإبداع يقدم أعمالاً للهواة مجانية لا تعتمد على شباك التذاكر ولا تحصد أى إيرادات حتى أصبح نموذج الهواة فى المسرح هو النموذج الأمثل والطريق السريع للالتحاق بفرق الهزل المسرحى وأفلام الضحك البائس الخشن ودرامات تليفزيونية تحمل علامات استفهام كبرى حول نشرها لنماذج من البلهاء والضياع ودعمها لأفكار لا معنى لها، ثم أصبح بالتدريج طلاب وخريجو أكاديمية الفنون خارج نطاق سوق العمل، لأنهم فى معظمهم يناقشون ويسألون ويعرفون أساسيات المهنة، وهم يحملون الصفة الاحترافية، بينما يظل الهواة وعدم المختصين هم أصحاب السطوة، فى إطار غياب الانتظام المهنى العام فى سوق العمل، حيث يعمل الحاصلون على شهادات جامعية فى أعمال المطاعم، ويعمل الحاصلون على مؤهلات متوسطة إعلاميين بعيدًا عن نقابة الصحفيين، ويجوبون مدينة الإنتاج الإعلامى وبعضهم يكسب صفة رئيس تحرير على برامج ذات إنتاج كبير. الممثلون يقدمون البرامج الإعلامية والمذيعون يتجهون للتمثيل فى انعكاس مذهل لغياب المعايير المهنية فى سوق العمل بشكل كبير فى مصر، وفى هذا الصدد يمكن تذكر حالات انتحال صفة طبيب ومحام ومحاسب.. وغيرها من المهن، ظلت ظاهرة محدودة نسبيًا، ولكن يقف خلفها بالأساس فكرة أن الناس يعملون فى غير مهنهم الأساسية، بل يمارسون أكثر من عمل فى يوم واحد، كما أن الأحلام الكبرى المهنية صارت هى لعب الكرة والتمثيل والغناء والرقص، خاصة أن عوائدها غير مسبوقة.
ولذلك فالإتجار بالأحلام هو الطريق السريع لاستدراج العديد من الضحايا، حيث تجد إعلانات على شبكة التواصل الاجتماعى لعدد من الفرق مجهولة المصدر هى ورش يديرها أناس لا علاقة لهم بفن التمثيل ولا توجد لديهم شهادات معتمدة وهم أساتذة (وأسطوات) يحصلون من صبيانهم على أموال، بينما كان الصبية يتعلمون فى الورش الحقيقية ويحصلون على مقابل مالى فى نهاية كل أسبوع.
الأمثلة لا نهائية يمكن رصدها على شبكة التواصل الاجتماعى.. بعض من «الكومبارس أصبحوا أستاذة وعدد آخر ادعوا الحصول على الدكتوراة الفخرية من مصادر مجهولة.. وكيانات وهمية تصدر بطاقات مهنية بصفة ممثل ومخرج خارج إطار العقل والقانون، بعض التعليقات طريفة للغاية على شبكة التواصل الاجتماعى منها ((لما البلد كلها تمثل أمال مين هايتفرج يا جدعان))، نقابة المهن التمثيلية ناقشت وقاومت الظاهرة بورشة حقيقية جادة، لكن يبقى دورها الحقيقى هو حماية الاحتراف المهنى، أما الدور الأهم فهو عودة الروح والوعى لأكاديمية الفنون كباب شرعى لممارسة المهن الفنية.. إنها حقا مهن يا سادة، والاحتراف المهنى فى مصر فى مأزق كبير. >