بعد تعاقد (المتحدة) لتحويلها إلى عمل درامى: الروائى أسامة عبدالرءوف الشاذلى: لن أعارض اختيار العامية لغة لمسلسل (عهد دميانة)
آية محمود على
بمزج التاريخ مع الخيال صنع الدكتور «أسامة عبد الرءوف الشاذلى» عالمه الروائى، وأنتج أدبًا يبنى ذائقة القارئ على التأمل، يرتقى بفكره، ويثير دهشته، كما يؤرخ لفلسفة الحب، والحرب، الدين، والهوية، ويجمع بين فصاحة اللغة، وعذوبة المعنى، براعة رسم الشخصيات، وعبقرية تشكيل الحكايات، ونشر(أوراق شمعون المصرى) ليوثق تيه بنى إسرائيل، وكتب (عهد دميانة) ليبحث عن جوهر الإنسان، واكتشف أنه لا يحده جسد، ولا بيت، ولا وطن، ولا دين، ولا مذهب، فحدوده كون يحيط به، ومنتهاه إلى خالق أبدعه وأنشأه واختار له الأرض موطنًا، وتحدث فى حواره مع «روزاليوسف» عن كواليس تحويلها إلى عمل درامى، وكشف عن رأيه فى تغير ملامحها، وفيما يلى نص الحوار..
بداية، رواية (عهد دميانة) تركت أثرًا عظيمًا فى وجدان القراء منذ صدورها العام الماضى وسرعان ما وصلت إلى الطبعة الحادية عشرة وتحويلها إلى عمل درامى بمثابة نجاح جديد..هل كنت تسعى لتلك الخطوة؟ وماذا عن تعاونك الأول مع الشركة المتحدة؟
ـ حينما كتبت الرواية كنت أهدف فقط إلى نشر نص أدبى يلقى قبول القارئ وسعدت بالتعاقد مع المتحدة، وأتوقع أن تقوم بإنتاج عمل مميز كعادتها.
للفن الدرامى تقنياته وتحويل نصوص الرواية إلى مشاهد ولقطات قد يغير من ملامحها لتلائم العرض على الشاشة.. ما مدى قبولك لذلك التغيير؟
ـ إجراء تغيير فى ملامح الرواية أمر وارد وسيتم من خلال جلسات التعاون مع كاتب المعالجة التليفزيونية، وهذا لا يقلقنى لأن كاتب السيناريو على دراية بأحداثها وشخصياتها، وما يهمنى أن السيناريو يحتفظ بفكرتها والتى تناقش قضية الهوية.
ماذا عن اختيار الأبطال وتحديدا شخصية «يوسف بن صدقة» بطل الرواية؟
ـ ترشيح الأدوار هو مسئولية المنتج والمخرج، وأعتقد أنه سيتم اختيار ممثل بملامح مصرية وفى مرحلة الثلاثينيات ليلائم عمر البطل.
هل هناك نية لمشاركة المسلسل فى دراما رمضان 2025؟
ـ لا يزال المسلسل فى مرحلة الإعداد الأولى، ونأمل أن يراه المشاهد على الشاشة العام القادم.
فى سرد أحداث (عهد دميانة) اعتمدت على استخدام الفصحى وفى الحوار بين الشخصيات استعنت ببعض الألفاظ القبطية..هل تعارض اختيار العامية لغة للعمل الدرامي؟ وهل يمكن أن تلجأ إليها فى كتابة رواياتك؟
ـ أفضل فى الأعمال الدرامية التاريخية أن تكون اللغة رصينة لكى تلائم الجو التاريخى، وتتمتع بالبساطة لكى يفهمها المشاهد العادى، لكننى لن أعارض اختيار العامية لغة للعمل الدرامى لأن أغلب الأبطال من المصريين الذين لم يتحدثوا الفصحى فى حياتهم العامة، وبدايات اللهجة المصرية العامية تعود إلى عصر الدولة الفاطمية الذى تدور فيه الرواية، ومن المستحيل أن ألجأ إلى العامية، ولا أحب استخدامها فى الحوار أو السرد، ولا أفضلها فى كتابة رواياتى لأنها لغة محدودة، وتفقد النص جماله، وليس من الضرورى أن يكون القارئ العربى ملمًا باللهجات المحلية فى كل البلدان، بينما فى الفصحى مساحة للتعبير وهى عامل مشترك بيننا، وبها من الجماليات ما لا يوجد فى اللهجات المحلية.
فى (أوراق شمعون المصرى) ثم (عهد دميانة) نجد استحواذ فكرة وحدة الأديان على مؤلفاتك؟ لماذا تشغلك الكتابة عن الصراعات المذهبية فى حقب تاريخية معينة لهذا الحد؟
ـ أشكرك على هذا السؤال، بالطبع منشغل بالبحث عن المشترك الإنسانى، وبفكرة الصراع القائم على التعصب والانتماءات المذهبية، لأن البوتقة التى تصب فيها جميع الانتماءات هى الإنسانية، ويجب أن يكافح الأدب التعصب بكل أشكاله.
كان الفراق يلاحق الشخصيات سواء فراق الأرض أو الأهل.. وجعلت شمس عهد «دميانة» تشرق والصراعات تنتهى برحيلهم وكأنك تقول إن الموت هو الوصال الوحيد لأمانيهم؟
ـ هذا حقيقى، وأغلب الشخصيات رحلت فى سبيل الدفاع عن هذه الانتماءات، أما «يوسف» فكان محركه هو إنسانيته التى جعلته يترك أثرًا فى وجدان كل شخص يقابله، ومع أنه لم يستطع تحديد دينه لظروف نشأته، لكنه وصل إلى الغاية من الدين، فالدين لغة هو القيد، واصطلاحًا هو الشرائع والقوانين التى يلزم بها الإنسان نفسه ليصل إلى الغاية من الدين، وغاية الدين شيئين الإيمان بالخالق مثلما جاء فى قوله تعالى: « وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، وأن تنتظم الحياة على الأرض ويعم العدل وتسود الرحمة فى قوله: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، ورغم حيرته التى أوقعته فى أخطاء إلا أنه دفع ثمنها، ووصل إلى الغاية، والأثر الذى تركه جعله يخلد ويجتمع فى وداعه كل أصحاب الانتماءات المتفرقة.
حرصت على انتقاء أسماء مبهمة وتحمل أكثر من دلالة لأبطال (عهد دميانة).. هل تقصد أن تضع القارئ فى حيرة؟ أم أردت أن يشترك فى رحلة البحث عن هويتهم واكتشافها؟
ـ أشكرك على هذه الملاحظة، بالفعل تعمدت أن تكون أسماء الشخصيات الدرامية المتعصبة لنفسها وانتماءاتها واضحة مثل «مينا وبطرس»، أما الشخصيات التى تحمل مخزونًا إنسانيًا فأسماؤها مشتركة مثل «يوسف، ورد، إبراهيم، ووسن»، وأرى أن الكتابة عملية تفاعلية وعلى الكاتب أن يثير فكر القارئ لا أن يصيبه بالخمول.
أنتجت أدبًا يجمع بين براعة رسم الشخصيات وعبقرية تشكيل الحكايات.. كيف تصنع تلك التوليفة من المعلومات التاريخية والقصص الشيقة؟
ـ تأليف رواية تاريخية ليس سهلًا، ويستلزم ألا يقع الكاتب فى فخ السرد دون وجود قصة، ولأن التاريخ يحوى الإثارة والخيال، والقارئ المعاصر يبحث دومًا عن الاستفادة من وقته فلا مانع من تزاوج متعة الخيال مع المعلومات التاريخية، أو عرض لتجاربنا السابقة، وكما يقولون فإن التاريخ هو المعلم الأول، وفى الروايتين اللتين قمت بنشرهما كان الأبطال شخصيات متخيلة، أما الشخصيات التاريخية جميعها هامشية وتساعد فقط فى سير القصة.
الغرام الذى أغرقك فى عشق الكتابة التاريخية..متى تشكل؟ وما سره؟ ولماذا لم تتجه للتخصص فى التاريخ؟
ـ حب التاريخ يعود لفترة الصبا، وشغفى بحكاياته كاد أن يدفعنى للالتحاق بكلية الآثار، ولكن تفوقى فى الثانوية العامة جعل أبى ينصحنى بدراسة الطب، وقراءة التاريخ، لكننى أحب تخصصى فى جراحة العظام، وأعشق مهنة الطب وأرى بها مساحة إنسانية لها تأثير فى تكوينى الشخصي.