الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«الفن الإسلامى» المتحف الذى هزم الإرهاب فى مصر القديمة

«الفن الإسلامى» المتحف الذى هزم الإرهاب فى مصر القديمة
«الفن الإسلامى» المتحف الذى هزم الإرهاب فى مصر القديمة


أنت مدعو – والدعوة عامة- لزيارة أكبر متحف إسلامى فى العالم، والعنوان «ميتوهش»: شارع بورسعيد بمصر القديمة، حيث يوجد متحف «الفن الإسلامى».
المتحف دليل وشهادة بأن مصر لها خصوصية فى فن العمارة الإسلامية، والقول بأنه أكبر متحف فى العالم ليس مجرد مدح، ولا شهادة ممن تكون شهاداتهم مجروحة، بل هى حقيقة وتصنيف خاص لما يحمله فى جوفه من مجموعات نادرة من الفنون الإسلامية القديمة الممزوجة بالحضارات المتنوعة من عدد كبير من دول العالم العربية وغير العربية والأفريقية ذات الأصول الإسلامية العريقة.

منذ 138 عامًا وتحديدًا فى عام 1880 أنشأ الخديوى توفيق متحف الفن الإسلامى، ليستمر طوال هذه الفترة شاهدًا على حقب تاريخية كثيرة، فكان مؤرخًا وعينًا على الأحداث الوطنية، وبتاريخه أيضًا واجه الإرهاب الذى تعرضت له مديرية أمن القاهرة فى 24 يناير 2014.
نتج عن هذا الحادث الإرهابى تدمير واجهة المتحف وكثير من القطع الأثرية، فكانت خسائر المتحف الذى يضم مقتنيات نادرة من عصور إسلامية فادحة، إلا أنه عاد بسواعد مصرية خالصة إلى حالته ليفتح أبوابه أمام الزوار.
«روزاليوسف» قامت بزيارة خاصة للمتحف للوقوف على التجديدات واستعداداته لاستقبال الزوار.
خلية نحل
بداية عند الدخول تجد ترحيبًا على أعلى مستوى من العاملين، ويأتى إليك فى المقدمة 4 موظفين وهم موظفو الاستقبال و3 آخرون لوضع المقتنيات فى خزينة بشكل مرتب وحضارى، و4 موظفين للعمل على تأمين المكان بإتمام عملية التفتيش، كما وضعت إدارة المتحف 5 مرشدين أمام الزائر فى خدمته، بالإضافة إلى 10 موظفين آخرين للمتابعة، وذلك كله بجانب عاملات وعمال النظافة.
تطوير منظومة التأمين
العاملون بالمتحف أكدوا أنه تم تزويده بعدد كبير من كاميرات المراقبة، وكذلك إدخال منظومة التأمين  ضد الحريق  داخل المخازن، بالإضافة إلى تطوير وحدات الترميم، كما تم تطوير البطاقات الشارحة للمقتنيات الأثرية، بجانب واجهات عرض جديدة للمقتنيات، ووضع واجهات من الزجاج للحفاظ على نوعية من الآثار بدرجات حرارة معينة خاصة بعد التفجير الإرهابى الذى وقع فى 2014.
مى سعيد إحدى المرشدات المترددات على المتحف، أكدت أن المتحف عريق، ولا بد أن يعرف تاريخه كل المصريين، وفكرة إنشاء المتحف تعود إلى عام 1869، بناءً على اقتراح تقدم به المهندس الفرنسى أوغست سالزمان،  للخديوى إسماعيل، لإنشاء متحف يضم مجموعة من تحف الفن الإسلامى المتاحة من المساجد وغيرها من مواقع الآثار الإسلامية، ولم تدخل الفكرة حيز التنفيذ إلا فى عهد الخديوى توفيق، الذى أصدر مرسومًا عام 1880 يقضى بتكليف وزارة الأوقاف بتخصيص مكان لهذا المتحف، وعهد إلى المعمارى الألمانى، يوليوس فرانز باشا، بعمليات الإعداد والتنظيم، واختار أحد أروقة جامع الحاكم بأمر الله فى القاهرة الفاطمية مكانًا له، وأُطلق عليه فى البداية اسم «دار الآثار العربية» وتغير اسم المتحف فى عام 1951 من «دار الآثار العربية» إلى «متحف الفن الإسلامى»، ليشمل مشاركة الشعوب غير العربية التى اعتنقت الإسلام.
الزائرون
يستقبل المتحف زواره بداية من التاسعة صباحًا، حتى الخامسة مساءً، وأكثرهم من طلاب الجامعات والمدارس بشكل يومى، بينهم طلاب كلية فنون جميلة، وأساتذة الكلية يعطون طلابهم محاضرات خاصة بالفن الإسلامى  والحضارة الإسلامية من خلال المتخف الغنى بالتفاصيل، بجانب الرحلات المدرسية المتنوعة من القاهرة والمحافظات، إضافة إلى طلاب شرق آسيا من الهند وإندونيسيا وباكستان الحاضرين بهدف رؤية الآثار الإسلامية، خاصة الآثار التى تخص بلادهم بالمتحف، ورغم أن المتحف يخص الآثار الإسلامية، فإنه  لا يخلو من الأجانب من جنسيات مختلفة، وتعبر نظراتهم على الانبهار بمحتوياته.
العصور  والعملة والسلاح
مسار الزيارة يبدأ بالتتبع التاريخى، فالبداية من العصر الأموى، ثم العباسى، والفاطمى والأيوبى والمملوكى والعثمانى، وتم تخصيص الجانب الأيمن لعرض التحف بداية من العصر الأموى وحتى نهاية العصر العثمانى، بينما يضم الجانب الأيسر قاعات عرض خُصصت للفنون الإسلامية خارج مصر، وكذلك قاعات نوعية منها قاعة للعلوم وقاعة للهندسة وأخرى للمياه والحدائق، والكتابات والخطوط، وشواهد القبور والتوابيت المختلفة.
 كما أن هناك جانبًا خُصص فى المتحف للعملة والسلاح وشرق العالم الإسلامى والكتابات والنسيج والسجاد والحياة اليومية، والعلوم والحدائق والمياه وفى النهاية عالم الطب.
بالإضافة لشاشات عرض تم توزيعها على قاعات العرض، لجذب السياح الوافدين على المتحف، وكان سيناريو العرض المتحفى بدأ بالقطع المكشوفة المعلقة على الجدران حتى يتم عرضها بشكل مميز، التى يبلغ عددها 300 تحفة أثرية متنوعة ما بين حجر وخشب وخزف.
وتخصيص قاعة تحتوى على الحياة اليومية تضم بعض المجوهرات والحلى، إلى جانب قاعة جديدة تضم مقتنيات عصر محمد على، بالإضافة لتزويد فتارين تضم القطع التى تم ترميمها لتكون شاهدًا على الأضرار التى شهدها المكان بسبب الحادث الإرهابى الذى لحق بمديرية أمن القاهرة فى 2014، ونجت منه تلك القطع النادرة لتعود للعرض أمام الزوار، كما توجد قاعة خاصة بها شاشة عملاقة يعرض عليها مراحل الترميم بالكامل.
المحتويات
يوجد بالمتحف مجموعات مميزة من الخشب الأموى الذى زخرفه المصريون بطرق التطعيم والتلوين بأشرطة من الجلد والحفر، ومنها أفاريز خشبية من جامع عمرو بن العاص ترجع إلى عام 212 هجرى، وأخشاب من العصر العباسى بمصر، خصوصا فى العصر الطولونى الذى يعرف بزخارفه التى تسمى طراز سامراء، وانتشر وتطور فى العراق، ويستخدم الحفر المائل أو المشطوف لتنفيذ العناصر الزخرفية على الخشب أو الجص وغيرهما.
وتتنوع التحف فى هذا القسم ما بين المنابر الأثرية من العصر الفاطمى والأيوبى والمملوكى، والأحجبة الخشبية، وكراسى المقرئين الموجودة بالمساجد والجوامع الأثرية، ومجموعات الصناديق الخشبية التى تخص السلاطين والأمراء المسلمين، وجميعها منفذة بطرق التجليد والتذهيب والحفر والتجسيم
ويوجد قسم خاص بالمتحف للمعادن الإسلامية مثل الشمعدانات المملوكية والطسوت   والثريات والكراسى، وكلها منسوبة إلى السلاطين والأمراء، وهى محلاة بالذهب والفضة ومزينة بالكتابات والزخارف الإسلامية.
كما يوجد فى المتحف أيضًا مفتاح الكعبة الشريفة المصنوع من النحاس المطلى بالذهب والفضة باسم السلطان الأشرف شعبان، بالإضافة إلى مجموعة متميزة من المكاحل والأختام والأوزان تمثل بداية العصر الإسلامى الأموى والعباسى، وقلائد من العصر العثمانى وأسرة محمد على.
ويزخر متحف الفن الإسلامى بالزجاج الإسلامى الذى انتشر فى مصر والشام خصوصا فى العصرين المملوكى والأيوبى، وهو يضم مجموعة نادرة من المشكاوات المصنوعة من الزجاج المموه بالمينا التى تعد أهم نماذج فن الزجاج، إلى جانب الزجاج المعشق الهندى المعبر عن الارتفاع والانخفاض واستنباط الأنماط الزخرفية الهندسية ويعبر عن علاقة الروح بالعقيدة فى هذه الأنماط.
كما يضم مجموعات قيمة من السجاد مصنوعة من الصوف والحرير ترجع إلى الدولة السلجوقية والمغولية والصفوية والهندية المغولية فى فترة القرون الوسطى الميلادية، كالنسيج القباطى المصرى، ونسيج الفيوم، والطراز الطولونى من العصرين الأموى والعباسى، ونسيج الحرير والديباج، ونسيج الإضافة من العصر المملوكى.
ويحتوى المتحف على أسلحة نادرة للسلاطين والخلفاء الذين أدوا أدوارًا مهمة فى الحفاظ على الحضارة والديانة الإسلامية، كالسلطان محمد الفاتح وسيفه الذى تقلّده عند فتحه القسطنطينية وعليه كتابات تدعو إلى العدل والعطف على الفقراء والمساكين.
ويضم المتحف أيضًا مجموعة من الأدوات التى تعكس براعة المسلمين فى الطب ومعرفتهم له، مثل أدوات علاج الأنف والجراحة وخياطة الجروح وعلاج الأذن وملاعق طبية، وضاغط للسان.
مقتنيات نادرة
يحتوى المتحف على مقتنيات نادرة، عن طريق شراء مجموعات خاصة من هواة جمع التحف الأثرية، كان أشهرها مجموعة «رالف هرارى» التى ضمت تحفًا معدنية، ومجموعة «على إبراهيم باشا» التى تضم قطعًا أثرية مصنوعة من الخزف، وقطعًا من السجاد.
وتتنوع مقتنيات المتحف النادرة من آثار مصنوعة من الخزف، والفخار، والزجاج، والبلور الصخرى، والنسيج، والسجاد، والمعادن، والحلى، والأخشاب، والعاج، والأحجار، والجص، والمخطوطات العربية.
كما يضم المتحف أقدم مصحف يرجع إلى العصر الأموى فى القرن الأول الهجرى وبداية الثانى، وهو مكتوب على عظم الغزال ومن دون تشكيل أو تنقيط، لأن هذه الطريقة كانت سائدة فى تلك الفترة.
بالإضافة إلى أنواع  مميزة من الخزف والفخار منذ العصر الأموى،والخزف ذى البريق المعدنى الذى اشتُهر فى العصر الفاطمى والمملوكى فى مصر، والخزف الإيرانى، والخزف والفخار العثمانيين.
خدمة خاصة للمكفوفين
يوفر المتحف مطبوعًا خاصًا بطريقة بريل لتسهيل الزيارة على الزائرين من المكفوفين، وتم تنفيذه لدعم المكفوفين وتسهيل تواصلهم مع المتاحف وتاريخ مصر، حيث تم اختيار عدد من النماذج الأثرية التى تخصص للمس من قبل زوار المتحف من المكفوفين، والعديد من القصص التى سوف تُروى لهم داخل المتحف عن التاريخ الإسلامى وعظمة الحضارة الإسلامية.
مكتبة ومخطوطات
يضم المتحف مكتبة بالطابق العلوى تحتوى على مجموعة من الكتب والمخطوطات النادرة باللغات الشرقية القديمة، مثل الفارسية والتركية، ومجموعة أخرى باللغات الأوروبية الحديثة كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية، إضافة لمجموعة كتب فى الآثار الإسلامية والتاريخية، ويبلغ عدد مقتنيات المكتبة أكثر من 13 ألف كتاب.
إلهام صلاح، رئيس قطاع المتاحف بوزارة الآثار، قالت: إن تكلفة التمويل للمتحف بلغت 57 مليون جنيه، إذ ساهمت دولة الإمارات العربية المتحدة بـ50 مليون جنيه، و100 ألف دولار من اليونسكو، ومليون و200 ألف من أمريكا وسويسرا.
وأضافت «صلاح» إن المتحف كان يضم قبل تدميره فى الحادث الإرهابى 1475 تحفة أثرية، دُمر منها 179 تحفة، واستطاع قسم الترميم إصلاح 160 قطعة فقط على يد خبرات مصرية خالصة.
وأكدت الهام، أن عدد مقتنيات المتحف حاليًا يصل إلى نحو 4400 تحفة أثرية، من بينها 400 قطعة جديدة تعرض للمرة الأولى، لذلك تم التوسع فى القاعات، حيث يبلغ عدد القاعات المفتوحة 25 قاعة، بينما تحتوى مخازن المتحف على 100 ألف قطعة أثرية.
كما تم تعديل قاعات العرض، حيث أصبحت هناك قاعة للعملة والسلاح وأخرى للحياة اليومية، كما تم تعديل المدخل الخاص للمتحف، حيث أصبح يستعرض مقتنيات الحضارة المصرية وما قدمته للعالم.
وأشارت إلى أن عملية التطوير التى أعقبت العملية الإرهابية لم تكن الأولى، فقد سبق أن تم عمل أول تطوير للمتحف عامى ١٩٨٣، و٢٠٠٧، مشيرة إلى أن تطويره عقب الحادث الإرهابى لم يقتصر على القطع الأثرية فقط، بل شمل عمليات التأمين، التى وصلت تكلفتها لـ10 ملايين، فالمتحف مجهز بكل أجهزة الأمن المتطورة بالعالم.