الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

لماذا انهارت الليرة فى 6 أيام؟

لماذا انهارت الليرة فى 6 أيام؟
لماذا انهارت الليرة فى 6 أيام؟


لم تكن الليرة التركية فى انتظار قرارات ترامب لتهوى، ولم يستأذن التضخم ساكن البيت الأبيض ليرتفع إلى 16% فى تركيا، ولكنها تراكمات لسياسات اقتصادية سياسية قادها أردوغان بنفسه ليصل إلى تلك النتيجة، ناسفا الشعار الذى رفعه فى بداية نهضته الاقتصادية المتمثل فى «صفر مشاكل» أى لا يتسبب ولا يتدخل فى أى مشاكل على المستوى الدولى حتى يشعر المستثمرون بأمان فيتم ضخ استثمارات أجنبية مباشرة إلى تركيا.

وقد حقق الشعار هدفه متلازما مع سياسات اقتصادية قادها حزب العدالة والتنمية حتى بلغ معدل النمو السنوى فى تركيا 10% وهو معدل كبير ولكنه لم يستمر بسبب شطحات وأحلام أردوغان بالزعامة فانكشفت سوءة اقتصاده فى غضون 6 أيام.
وجاءت النذر بهذه الأحداث منذ بداية العام ولكنها تبلورت بصورة كبيرة فى شهر مايو الماضى، حينما خفضت وكالة ستاندرد آند بورز تصنيف ديون تركيا السيادية إلى «BB-/B» بدلا من «BB/B» ضمن فئة الديون العالية المخاطر، وعزت ذلك إلى تزايد المخاوف بشأن آفاق التضخم وسط هبوط عملتها الليرة. وإلى تدهور الوضع الخارجى لتركيا وتزايد الصعوبات فى القطاع الخاص الذى يقترض من الخارج».
وتشير إحصاءات التضخم الخاصة بشهر يوليو الماضى الصادرة عن هيئة الإحصاء التركية إلى زيادة أسعار المستهلك بنسبة 0.55% وبلوغ معدلات تضخم المستهلك السنوية حوالى 15.85 فى المئة.
وسجل مؤشر أسعار المنتجين المحليين زيادة بنسبة 17.56% مقارنة بشهر ديسمبر من عام 2017 وزيادة بنسبة 25% مقارنة بشهر يوليو من العام الماضى.
وتعكس هذه النسب بلوغ التضخم أعلى مستوياته منذ يناير من عام 2004.
ويبلغ إجمالى ما سحبه المستثمرون الأجانب من الأسهم فى البورصة التركية مبلغ  771 مليون دولار خلال الثلاثة شهور الأولى من 2018، وفقا لبيانات من الودائع المركزية التركية للأوراق المالية.كما تراجع الاستثمار الأجنبى المباشر فى تركيا فى 2017 بنسبة 19%، وفق أرقام وزارة الاقتصاد التركية، ويرجع ذلك إلى حالة عدم الاستقرار التى سيطرت على البلاد فى أعقاب محاولة الانقلاب منتصف عام 2016 وما تبعها من اضطرابات.
ومع حدة الأزمة خلال الأيام الماضية شهدت تركيا موجة شديدة فى ارتفاع الأسعار بلغت نسبتها 200% فى بعض السلع مثل الدواجن..
ويكشف د. فخرى الفقى أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأحداث التى مرت بالعملة التركية بقوله: (مع بداية تولى الحزب للسلطة قام بإصلاحات اقتصادية منها إلغاء الليرة القديمة والتى كان سعرها أمام الدولار هو:
 مليون ليرة تركية = دولار واحد
وقام بإصدار ليرة جديدة تساوى المليون ليرة القديمة وأصبح سعر الصرف:
1 ليرة = 1 دولار ، وذلك فى عام 2005 وانتعشت السياحة نظرًا لإلغائه كافة التأشيرات أمام السياح من كل دول العالم فأصبحت تركيا رقم 6 على مستوى العالم جذبا للسياحة وشهدت تدفق 42 مليون سائح سنويا وكانت رافدا أساسيا من روافد النقد الأجنبى للاقتصاد التركى، بالإضافة إلى جذبهم للاستثمارات الأجنبية المباشرة واتباعهم منهج «سلسلة القيمة» فى المجال الصناعى بمعنى أن كل سلعة يتم استيرادها لتركيا يُعاد تصنيعها وتصديرها مرة أخرى مثل ضفيرة توصيلات الكهرباء للسيارات فيتم استيرادها وإضافة مواد عليها وإعادة تصديرها مرة أخرى، وهو ما يسمى «سلسلة القيمة المضافة» مما أدى لسرعة حركة الاقتصاد وتنوعه.
ويعانى الاقتصاد التركى من عجز دائم فى الميزان التجارى لأنه اقتصاد قائم على الاستيراد والتصدير ورغم الرقم المرتفع للصادرات التركية والذى يبلغ 165 مليار دولار إلا أن إجمالى الواردات يبلغ 225 مليار دولار.
ويضيف الفقى: (ونظرا للدور السياسى الذى لعبه أردوغان فى المنطقة لدعم ثورات الربيع العربى وتورطه فى سوريا دون التنسيق مع حلفائه فى الناتو بالإضافة لمشكلة الأكراد واللاجئين السوريين والخلاف مع روسيا وتزامن ذلك مع تركيز السلطات فى يد أردوغان الذى ضرب عرض الحائط بسياسات البنك المركزى لديه وقام بتعيين صهره وزيرا للمالية، وقد أدى ذلك كله إلى عدم استقرار الأوضاع فى تركيا، وعودة إلى الليرة التركية فقد هبطت خلال خمس سنوات فقط بواقع 6% سنويا.
عام 2005  كان 1 ليرة = 1 دولار
عام 2010 كان 1.5 ليرة = 1 دولار
عام 2014 كان 3.5 ليرة = 1 دولار
وانخفضت الليرة التركية بنسبة 30% من قيمتها فى مطلع 2018 وجاءت أحداث القبض على القس الأمريكى فى تركيا ورغم خروجه من السجن وإيداعه تحت الإقامة الجبرية فى منزله، إلا أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لا يزال مصرا على إطلاق سراح القس بصورة كاملة، وبدأ سلسلة عقوبات بفرض رسوم جمركية على الصادرات التركية لأمريكا ففرض 25% على الحديد التركى و10% على الألومنيوم التركى بعدما كانت تلك الصادرات معفية من الجمارك،  وقد رد أردوغان بفرض رسوم جمركية على الواردات الأمريكية بنسبة 140% وذلك خلال الاسبوع الماضى مما أدى لتدهور أسعار صرف الليرة من 4 ليرات بدولار إلى 8 ليرات بدولار وعندما تدخلت قطر لتضخ 15 مليار دولار استثمارات مباشرة فى تركيا هبطت الليرة إلى 7 ليرات بدولار أى أنها انخفضت خلال أيام بنسبة 80% من قيمتها.
ويشير الفقى إلى أن هدف الرئيس الأمريكى من فرض الرسوم الجمركية على تركيا حاليا وتهديده بزيادتها مستقبلا كما فعل مع الصين هو جذب الاستثمارات العالمية إلى الولايات المتحدة لزيادة نسبة التشغيل وتخفيض نسبة البطالة كما وعد ناخبيه، وقد شاهدنا خروج الأموال من تركيا فى صورة هبوط حاد بمؤشرات البورصة التركية والتى انخفضت بنسبة 25% خلال الأسبوع الماضى.
ويتوقع الفقى تخلص أمريكا من أردوغان وإيجاد بديل له خلال الفترة القادمة.
وتوضح د. سلوى حُزين رئيس مركز واشنطن للدراسات الاقتصادية الوضع الاقتصادى التركى قائلة: (خلال العشر سنوات الأخيرة تركزت خطة تركيا الاقتصادية على أنها دولة منتجة ولكن نظرا لعدم امتلاكها الموارد التمويلية اللازمة التى تساعدها على تحقيق ذلك مثل النفط والغاز، لذلك قامت البنوك التركية بالاقتراض من البنوك الأوروبية بأسعار فائدة مرتفعة حتى بلغ إجمالى تلك القروض 500 مليار دولار واستفادت تركيا من داعش بشرائها النفط المسروق من حقول النفط السورية بسعر 10 دولارات للبرميل وقد ساعدها ذلك كثيرا على تخفيض أسعار منتجاتها وإغراق الأسواق الأخرى بها.
وتضيف د. سلوى (عندما تدخلت روسيا فى الحرب بسوريا ودمرت سيارات نقل البترول المسروق المنقول إلى تركيا  ارتفعت أسعار الغاز والنفط العالمى مرة أخرى وفقدت تركيا الميزة التنافسية لها فأصبحت منتجاتها بلا مكاسب وتحول عملاؤها إلى أسواق أخرى أرخص مثل الصين وبدأت الاستثمارات الأجنبية فى الانسحاب من السوق التركى وظهرت تقييمات سلبية للاقتصاد التركى من منظمات التصنيف العالمية، وبدأ قطار انهيار العملة التركية وطلبت تركيا قروضا من بنوك آسيا بمقدار 10 مليارات دولار ولكن قوبل طلبها بالرفض.
وتتساءل د. سلوى عن موقف البنوك العالمية فى حالة توقف تركيا عن سداد ديونها المتراكمة لها وتجيب قائلة: (سوف تتكرر أزمة اليونان ولكن مع الفارق فى أن الاتحاد الأوروبى ساند اليونان فى أزمتها الاقتصادية ولن يحدث ذلك مع تركيا، ولذلك وجدنا أردوغان يطالب الشعب التركى ببيع ذهبه وشراء الليرة وهو ما يوضح الوضع الكارثى للاقتصاد التركى الحالى وأنها تمضى على نفس خطى فنزويلا من انهيار اقتصادى.
ويلخص د. شريف محمد على رئيس قسم الاقتصاد بجامعة المنوفية، أزمة الاقتصاد التركى بقوله: «هو اقتصاد يعانى من مشاكل هيكلية أهمها زيادة معدلات التضخم إلى 16% وزيادة العجز التجارى وتحمل النظام المصرفى لديون كبيرة بالعملة الأجنبية، وقد اعتمد أردوغان على ترويج ارتفاع معدلات النمو فأدى ذلك إلى ارتفاع معدلات سعر الفائدة وبالتالى ارتفاع تكلفة الاستثمار مما أدى لهروب تلك الاستثمارات من بلده، وانخفاض فى قيمة الليرة التركية.. أى أنه بدون أزمة الولايات المتحدة كان سيواجه نفس السيناريو فى انهيار قيمة عملته وتعثره اقتصاديا.