«مارينفا».. بسمة أمل

هدي منصور
حكايات النجاح والكفاح فى الثانوية العامة لم تنته بعد.. فكل يوم يخرج علينا بطل جديد، يضيف إلى زملائه قصة جديدة تبعث الأمل والتفاؤل فى نفوس الكثيرين.. بطلة هذه القصة تختلف كثيرًا عن الآخرين، ما يجلعها متفردة عن جميع زملائها الذين تزينت بهم شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد خلال الأيام الماضية.. إنها «مارينا أيمن وهيب» صاحبة الـ19 عامًا بنت محافظة سوهاج.
ما يجعل من مارينا حكاية خاصة حجم الألم والأمل الذى تحملته طيلة سنوات عمرها، فمنذ يوم ولادتها أعلن طبيبها أنها لن تعيش سوى 4سنوات فقط بسبب تعرضها لمرض نادر جعل جسدها لا ينمو، إلا أن أسرتها لم تفقد الأمل إلى أن تكلل ذلك بالنجاح فى الثانوية العامة، ورغم ما تعانيه من أمراض ومعاناتها وهى قعيدة جسدها لا ينمو وتتحرك فى عربة الأطفال، فإنها حصلت على مجموع 92 %.
«قصتى عمرها 19 عامًا من المعاناة أدافع فيها عن حياتى كى أعيش بينكم اليوم».. بهذه الكلمات بدأت مارينا حديثها معنا قائلة: ولدت عام 1999 فى محافظة سوهاج وسط الأجواء الصعيدية الأكثر التزامًا، مثل كل الأطفال كنت أتحرك وألعب كى ألهو فى الحياة، إلا أننى لم أر طفولة عادية، داهمنى مرض نادر لم يستطع أحد تشخيصه.. فعندما أحاول السير على قدمىّ مثل الأطفال تتكسر عظامى، تذهب أسرتى مسرعة لعلاجى بالجبس الذى أعيش وسطه بجسدى شهورًا كى أنتظر الشفاء ويتم شفائى، وما أن يُزال الجبس أحاول مرة أخرى السير مثل الأطفال أواجه ما حدث من قبل فتتكسر عظام قدمىّ بشكل مفاجئ وكذلك عظام يدىّ دون سبب لمجرد الحركة فقط أو الاعتماد عليهما فى الاتكاء.
المرض حرم مارينا من التحرك واللعب مثل الأطفال، «كنت الفتاة الأولى فى منزلنا البسيط، وبدل أن تستمتع أسرتى بوجود طفلة صغيرة فى المنزل، كانت حياتنا معاناة متواصلة للبحث عن علاج، خاصة أن الطبيب أعلن بكل ثقة بعد أن فشل فى تحديد نوع المرض الذى يواجهه جسدى الذى لا ينمو أننى لن أعيش سوى 4سنوات فقط، «هذا هو عمرها الافتراضى، توقفى عن البحث والأمل، فحالتها نادرة وهذه نصيحتى لكم».
كلامات الطبيب لم تفقد الأب والأم الأمل فى العلاج، بل راحا يتنقلان بها ما بين الأقصر وأسيوط والقاهرة أملا فى العلاج، الذى لم يكن سوى عمليات متتالية دون توقف «كنت عايشة طول عمرى فى الجبس.. خلال الـ15 عاما الأولى فى حياتى أجريت 12 عملية دون فائدة.. صرف والدى ووالدتى معظم أموالهما على علاج دون أى نتيجة.. والدتى ربة منزل ولديها محل ملابس مجاور للمنزل.. ووالدى كان يعمل فى مجال السياحة إلى أن تراجعت فتوقف عن العمل، والتفت لمرضى ليجلس بجوارى».
ضحكت مارينا بصوت مرتفع وهى تكمل حياتها «عشت أصعب فترات حياتى داخل أروقة المستشفيات، فمن عملية لأخرى إلا أننى لم أتوقف عن التفكير فى الالتحاق بالمدرسة، وساعدتنى أسرتى فى ذلك، ورغم عدم وجود مدرسة خاصة لذوى الإعاقة، التحقت «مارينا» بمدرسة عادية، «قرار الالتحاق بالمدرسة صاحبه خوف شديد من أسرتى على حياتى، خاصة أن المدرسة غير مجهزة لاستقبال حالتى،وأننى لا أتحرك فى عربة لذوى الاحتياجات عادية، بل أتحرك فى عربة أطفال صغيرة لأن جسدى صغير، وكان التحدى أساس طريقى، التحقت لأتفوق على زملائى رغم مرضى، وكانت لى طبيعة خاصة للجلوس فى الفصل المدرسى، بوضع أسفنجة أسفل جسدى كله وأسفنجة أخرى أسفل ذراعى للاتكاء عليها خوفًا من تكسير عظامى، وعشت حياتى الدراسية كلها فى شكل محاولات بحثًا عن الأمل دون توقف، إلا أننى نجحت وكنت متفوقة».
«وجودى الدائم فى المستشفيات حرمنى من الذهاب المتكرر للمدرسة، فتحضر لى أسرتى الكتب المدرسية للمستشفى، للمذاكرة أثناء إقامتى، وقبل إجراء العملية كان آخر ما يكون فى يدى هو كتابى»..تكمل مارينا حكايتها قائلة: «فى الصف الثالث الإعدادى هاجمنى المرض وقمت بأكثر من عملية وليلة الامتحان دخلت العناية المركزة وتوقف حلم الدراسة ورسبت لأول مرة، ودخلت فى حالة اكتئاب شديد وطلبت من والدى ووالدتى التوقف عن الدراسة، إلا أننى بعد مرور الصيف انتفضت وعاودت الحماس من جديد، وأعلنت العودة للدراسة، وهنا أسرتى كان زاد فيها فرد أصغر منى بعام وهو شقيقى «بولا»، فقد أصبحنا زملاء بعد رسوبى عاما فى الدراسة فتكفل بى شقيقى الصغير، فيحملنى كل يوم للذهاب بى للدروس والصعود بى للأدوار العليا لأتلقى دروسى وينتظرنى حتى أنتهى أو يحضر معى نفس الدرس لنعود سويا إلى المنزل، أصبح أخى طاقة نور جديدة فى حياتى فهو صديقى يخرج معى ويتحرك بى فى أى مكان، حتى وصلنا إلى الصف الثالث الثانوى برفقة بعضنا البعض، شقيقى كان يضحى من وقته من أجلى فحصل على مجموع 75% فى الثانوية العامة رغم تفوقه وحصلت أنا على 92 %».
منذ 5 سنوات فقط قررت أسرة مارينا التوقف عن إجراء العمليات الجراحية، الطريف فى الأمر أن صحتها تحسنت واستقرت، وتحلم فى الالتحاق بكلية الصيدلة لكن مجموعى أقل درجات لذلك تبحث عن منحة من الدولة، وفى حال عدم التوفيق فى ذلك ستلتحق بكلية صيدلة لتصبح طبيبة تساعد الناس بالعلاج الصحيح.