الثلاثاء 2 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مصير «بشار» بين نهاية «بن على» ومأساة «القذافى»!!

مصير «بشار» بين نهاية «بن على» ومأساة «القذافى»!!
مصير «بشار» بين نهاية «بن على» ومأساة «القذافى»!!


قطار الثورة السورية أوشك على الوصول إلى محطته الأخيرة، بعد رحلة عذاب استمرت 61 شهراً من الصراع الدموى غير المتكافئ بين شبيحة وجيش الأسد والثوار العزل المصممين على التخلص من حكم البعث، طوال تلك الفترة العصيبة ظل بشار الأسد يعتقد أنه فى مأمن من خطر الثورة حتى يوم 81 يوليو الحالى عندما نفذ الثوار عملية نوعية استهدفت مقر الأمن القومى فى دمشق وقُتل خلال العملية أربعة من كبار القادة الأمنيين الذين كانوا يديرون الأزمة، كما كانوا بمثابة جدار عازل بينه وبين الشارع السورى الذى يغلى غضباً من الإفراط فى استخدام الجيش لقمع المواطنين.
 
 بعد التفجير تغير الموقف، وشعر بشار لأول مرة بالخطر يحيطه من كل اتجاه، وتراجعت فرص استمراره فى السلطة، خاصة بعد العديد من الانشقاقات التى تهدد أركان حكمه، فلم يعد أمامه سوى اختيار نهايته بنفسه إما الهروب على طريقة بن على أو الصمود على طريقة القذافى!
 
شتان بين شخصية الطبيب الشاب بشار الأسد عام 2000 الذى جرى استدعاؤه على عجل من لندن ليتسلم السلطة بعد رحيل والده ليكون أول نموذج لتوريث الحكم فى المنطقة العربية وبين شخصيته فى 2012 الذى استمات على السلطة ولم يتراجع عن استخدام جيشه النظامى فى قتل شعبه الأعزل بلا رحمة ولا هوادة من أجل شهوة الحكم والبقاء فى كرسى السلطة.
 
السوريون شعب طيب تغلب عليه لغة التجارة ويميل إلى الاستقرار فتقبل سيناريو التوريث وتفاءل بالرئيس الشاب الذى بدأ حكمه بوعود وردية للإصلاح والتنمية ومكافحة الرشوة والفساد والاعتماد على العناصر الشابة.. لكن لم يطل شهر العسل بين الحاكم الجديد وشعبه وسرعان ما تم استيعاب حماسه واحتواء أفكاره من جانب كهنة حزب البعث وعادوا ليمارسوا آلاعيبهم التقليدية فى احتكار السلطة والاستيلاء على الثروة وإرهاب خصومهم واتهامهم بالخيانة والعمالة للقوى «الاستعمارية»!!.. واكتشف السوريون أن حزب البعث كان أطول أكذوبة عاشوا فى رحابها منذ أن أسسه المفكران السوريان ميشيل عفلق وصلاح البيطار عام 1947 بعد عودتهما من بعثة تعليمية بجامعة السربون فى باريس.. عفلق والبيطار اختارا شعاراً براقاً لحركتهما الجديدة «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.. وحدة - حرية - اشتراكية» لكن سرعان ما أصبح الشعار الحقيقى هو «بعثٌ تشيدهٌ الجماجم والدمُ، تتهدم الدنيا ولا يتهدمُ».
 
شعارات المؤسسون الأوائل الجذابة لاقت صدى واسعاً بين المثقفين العرب وخدعت أجيالاً عديدة كانت تتطلع للتحرر من ذل الاستعمار والبحث عن حلم الوحدة الذى لا يزال أمل كل عربى حتى الآن.
 
لم يتوقع بشار الأسد أن عبارة «الشعب يريد إسقاط النظام» التى كتبها مراهقون على جدران مبانى مدينة درعا القريبة من الحدود الأردنية فى مارس 2011 يمكن أن تتحول إلى ثورة تقوض عرشه الذى تسلمه من والده قبل 12 عاماً، فلجأ إلى الأجهزة الأمنية القوية لإرهاب من ارتكبوا جريمة المساس بذاته المصمونة، فهدد وأهان الأهالى الذين سمحوا لأطفالهم أن يقلدوا شباب مصر وتونس.. حينها وقف بشار مطمئناً يخاطب العالم قائلاً «سوريا ليست تونس، وما يحدث فى مصر ليس بالضرورة يمكن أن ينتقل إلى سوريا».
 
اعتمد بشار على تماسك سلطته وكان يتباهى دائماً بأن أحداً من أركان حكمه لم يتململ ولم يحتج ولم ينفصل عنه ولم ينقلب عليه لكن سفير سوريا فى العراق نواف الفارس كان أول من فتح باب التمرد على حكمه ورفض الاستمرار فى سلطة تقتل شعبها بدم بارد، ثم تبعته السفيرة السورية لدى قبرص لمياء الحريرى وزوجها عبداللطيف الدباغ سفير سوريا لدى الإمارات، وهما من أبناء محافظة درعا مهد الثورة السورية، أما على مستوى الوزراء فقد ترددت أنباء عن انشقاق فاروق الشرع نائب بشار وأحد أهم أركان حزب البعث الحاكم فى سوريا.
 
ويعد انقلاب العميد مناف طلاس أحد أبرز قادة الحرس الجمهورى وابن وزير الدفاع الشهير مصطفى طلاس ضربة قاسمة لنظام بشار الأسد وبداية لانفراط عقد سلطته المستبدة، حيث جاء انقلاب مناف فى أعقاب لجوء عشرات الجنود والضباط الكبار إلى تركيا، بالإضافة إلى هروب العقيد طيار زياد طلاس بطائرته الحربية إلى الأردن قبل أسابيع احتجاجاً على استخدام سلاح الجو السورى فى قصف المدن والأحياء المدنية، كما أن خسارة بشار لأربعة من أهم قادة الأجهزة الأمنية المخلصين له والذى كان يعتمد عليهم بشكل كامل فى تصفية الثورة وبسط السيطرة على ربوع العاصمة دمشق كان له تأثيراً سلبياً على مصيره فى السلطة.. إذن تهاوت جبهته الداخلية وبدأ الشعب السورى يشعر بنفس الشعور الذى عاشه المصريون فى أعقاب ثورة 25 يناير، وحضر إلى القاهرة مجموعات من الشباب السورى تدربوا على تجربة اللجان «الشعبية» استعداداً لمرحلة ما بعد سقوط النظام حيث يتوقعون أن تشهد سوريا حالة من الفراغ الأمنى والفوضى التى تتطلب يقظة شعبية للحفاظ على الأمن وحماية مقدرات عاصمة الخلافة الأموية وثانى أهم بلد عربى بعد القاهرة.
 
استراتيجية بشار الأسد لقمع الثورة الشعبية كانت تقوم على ثلاثة أركان الأول قوة حزب البعث «علونة» الأجهزة الأمنية المستعدة لمواجهة أى تمرد من هذا النوع.. هذا الركن تهاوى وانهار تماماً أمام نجاح عملية تفجير مقر الأمن القومى فى دمشق، وتصاعد دور الجيش السورى الحر الذى يعد مؤشراً على تقسيم البلاد ويهدد باحتمالات تعرض سوريا لحرب أهلية مدمرة.
 
الركن الثانى مساندة كل من الدب الروسى والتنين الصينى المطلقة لبقائه فى السلطة، لكن تصريحات السفير الروسى فى باريس مؤخراً التى أشار خلالها إلى أن بشار يمكن أن يخرج من السلطة بشرط أن يتم ذلك بشكل «حضارى» قلبت الموازين وعكست حالة التراجع لدى روسيا وحليفها بشار التى كانت تتمسك برفض أى حل يقوم على إبعاده عن السلطة، فقد تناسى بشار أن استقواء أى حاكم بقوى خارجية ضد إرادة شعبه لا يمكن أن تنجح مهما كانت قدرة القوى التى يستند إليها لأن هذه القوى فى النهاية تبحث عن مصالحها وعندما تتبين أن مساندتها له تتعارض مع مصالحها العليا سوف تنقلب عليه وترفع يدها عنه وتتركه يواجه مصيره بمفرده..
 
أما الركن الثالث الذى اعتمد عليه بشار فى مواجهة عاصفة الغضب الشعبية فهى الدعم الإيرانى غير المحدود سواء بشكل مباشر وعلنى أو عبر ذراع إيران المتمثل فى حزب الله الذى سحب قواته من الجبهة الإسرائيلية ونقل جزءا كبيرا منها إلى الجبهة السورية تحسباً لكل الاحتمالات سواء فيما يتعلق بتقديم الدعم اللوجيستى للجيش السورى أو توفير ممرات آمنة يمكن أن يهرب منها بشار وأسرته فى اللحظة الحرجة اعتماداً على تغلغل نفوذ حزب الله فى مفاصل الدولة اللبنانية.
 
إن الدور الإيرانى فى دعم بقاء بشار الأسد فى السلطة دخل مرحلة العند والتهديد، تجلى ذلك عبر تهديدات مساعد القائد العام للقوات الإيرانية الجنيرال مسعود جزائرى بأن الدول العربية «التابعة» للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية ستدفع ثمناً باهظاً لتقديمها السلاح للجيش السورى الحر.. لكن الدور العربى ظل يقظاً لما يجرى من تطورات متلاحقة، ورغم تجميد عضوية سوريا بالجامعة بعد فشلها فى تقديم حلول مرضية للمعارضة والسلطة، إلا إنه بناء على معلومات تشير إلى ترنح نظام بشار واحتمالات سقوطه شخصياً فى أيدى الثوار فقد تقدم الأمين العام الدكتور نبيل العربى بمبادرة أخيرة الاثنين الماضى عرض خلالها إمكانية ضمان خروج آمن للرئيس بشار وأسرته مقابل تسليم السلطة طواعية لأحد مساعديه حفاظاً على حياته وعلى أمن ووحدة سوريا لكن كان الرد السورى جاهزاً برفض أى شىء يصدر عن الجامعة العربية، معتبراً أنها أصبحت بوقاً للغرب بعد خضوعها لهيمنة الدول العربية التابعة والمنفذ الأمين للسياسة الأمريكية والغربية فهل رفض بشار آخر طوق نجاه يمكن أن ينقذه من نهاية مأساوية على غرار صدام حسين أو القذافى؟!.
 
فى ظل الغياب العربى عما يجرى على الساحة السورية باستثناء الدور القطرى السعودى فى تقديم الدعم للجيش السورى الحر فإن الولايات المتحدة وإسرائيل هما اللاعبان الرئيسيان على الملعب السورى حالياً حيث جرى تنسيق استخباراتى بين الجانبين على أعلى مستوى خلال الأيام الماضية، ونشرت واشنطن شبكة من الخبراء السريين على شريط الحدود السورية مع تركيا والأردن، بهدف مراقبة وجمع المعلومات وتجنيد العناصر العسكرية الهاربة من نظام بشار خاصة أن تلك الحدود تشهد عمليات نزوح جماعى وأن من بين النازحين فئات وطوائف متنوعة من بينهم بعض أبناء الطائفة العلوية الذى ينحدر منها بشار وأسرته.. هؤلاء يخشون من استهدافهم فى إطار روح الانتقام الجماعى التى يتوقع أن تعم سوريا فى أعقاب سقوط النظام.. فأكثر ما يشغل بال الولايات المتحدة وإسرائيل حالياً كيفية تأمين الترسانة السورية من الأسلحة الكيماوية لأن المعلومات حولها نادرة ومن غير المعروف أماكن ولا وسائل تخزينها، كما لا توجد ضمانات تحول دون لجوء بشار إلى استخدامها كورقة أخيرة لحرق سورياً وشعبها على طريقة نيرون.. إذا كان مصير حكم بشار الأسد أصبح وشيكاً، فماذا عن مصير سوريا وشعبها؟!