الجمعة 25 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«الماريونت».. خيوط تقاوم «الانقراض»

«الماريونت».. خيوط تقاوم «الانقراض»
«الماريونت».. خيوط تقاوم «الانقراض»


كتبت: منة حسام
الضحكات تتصاعد بين الحين والآخر.. عيون الصغار والكبار متعلقة بخيوط صغيرة تتراقص لتحكى قصة من خلال عرائس تتمايل يمينًا ويسارًا، إنها «الماريونت».. واحدة من الفنون التى تكافح لمواجهة الاندثار بفضل عدد قليل من الأشخاص المؤمنين بدور هذا الفن فى تشكيل وعى النشء.
«فن العرائس».. هذا الفن الذى توارثناه عن الفراعنة، والذى جسّده القدماء المصريون فى الصراع بين الخير والشر متمثلا فى أسطورة إيزيس وأوزريس، وكذلك العرض الذى كان يقدم سنويّا فى احتفال فيضان النيل، بتقديم عروسة غير آدمية قربانًا للنيل لكى يفيض عليهم بمائه، أصبح اليوم منسيّا، وتظل تجربة «أوبريت الليلة الكبيرة» الوحيدة التى حفرت أغانيها وشخصياتها فى أذهان كل من شاهدها، وضمت عمالقة الفن من صلاح جاهين وسيد مكاوى وصلاح السقا وتعليق صوتى لمحمد رشدى وهدى سلطان وآخرين عظام.
محمد فوزى بكار، واحد من الفنانين الذين يُصرون على تحريك عرائسهم من خلف الستار، يكافحون فى إيجاد مكان لهذا الفن من خلال عرائسه التى يحركها بأصابعه، وهب حياته لـ«الماريونت»، ورُغم عِلمه أن جمهوره قليل فإنه حريص على التواجد بينهم من خلال مسرح العرائس بساقية الصاوى، فضحكات الأطفال وابتسامة الكبار تعطيه الدافع لتقديم كل ما هو جديد لحماية المهنة من الزوال.
محمد بكار، مدير مسرح العرائس بساقية الصاوى وأحد مؤسسى فرقة «خيوط ماريونيت»، بدأت حكايتُه مع العرائس فى 2005 بعد تخرجه فى كلية التربية الفنية، واحترفها رسميّا فى 2007، حتى أصبح من أهم صانعى العرائس فى مصر، كل عروسة لديها حكاية خاصة معه، يقول عن تفاصيل صناعته العرائس: « الموضوع لا يُعتبر عملاً بسيطًا أو مجرد عروسة تتحرك، فكل عروسة شخصية مميزة، تبدأ بفكرة معينة لعمل عرض مسرحى، وبعدها نبدأ برسم «أسكتش» للعروسة وشكلها وتفاصيلها وملابسها ثم تتم صناعة كل جزء للعروسة على حدة».
يُرجع بكار السبب فى انتشار «الماريونت» فى الستينيات إلى اهتمام الرئيس جمال عبدالناصر بها بشكل عام، حيث أرسل بعثات للخارج، التى عمدت بعد أن عادت إلى مصر تطبيق كل ما شاهدوه بالخارج، ويرى أن الفن قَلّ صيته وقد يكون اختفى نتيجة لعدم اهتمام الدولة بالعروض، إضافة إلى أنه لا يوجد جيل استلهم تجربة الليلة الكبيرة وقدّم عروضها مشابهة، موضحًا أن مسرح القاهرة حاليًا يستخدم نفس نظام تصنيع فترة الستينيات، أى لا يوجد تطوير، إلى جانب عدم توافر كـُـتّاب لمسرح العرائس.
وعن كيفية صناعة العروسة يكشف بكار أن هناك طريقتين لتنفيذ العروسة «الماريونت»، بالطريقة الكلاسيكية من خلال النحت على الخشب لإبراز تفاصيلها من عين وفم وأذن، أو عن طريق تشكيل كل هذا بنوع من أنواع العجائن مثل عجينة الورق، إلى أن تجف تمامًا لتصبح صلبة مثل الخشب، وبعد ذلك نبدأ فى تلوينها لجعلها عروسًا ذات ملامح خاصة من خلال لون البشرة أو الشَّعر حتى العينين، وبعد ذلك تأتى مرحلة الخيوط وتثبيت ميزان الحركة، وهنا تنتهى مرحلة تصنيع العروسة، لندخل بعدها فى بروفات العرض المسرحى.
«العرائس مثل الأطفال تحتاج دائمًا إلى الرعاية».. يكمل بكار حكايته مع صيانة العرائس، مضيفها: «بحس مع العرائس إنها أحد أولادى ويجب أن أهتم بها وأحافظ عليها»، موضحا إن شكل العرائس تطور كثيرًا عن السابق، حيث كانت فى الماضى العروسة تُنحت دون اهتمام بالتفاصيل، ولكن بعد التطور فى الرسم بدأت العرائس تسير وراء المدرسة الواقعية بتجسيد شخصيات حقيقية من خلال عرائس تشبهها.
واشتكى بكار من بعض الصعوبات التى يواجهها «فن الماريونت»، حيث لا يوجد اهتمام بفن العرائس ولا بفنون الطفل بشكل عام، فلا يوجد تسويق لما يقومون به وكذلك لعروض المسرحيات التى يقدمها، فهو يسوّق لنفسه عن طريق صفحات التواصل الاجتماعى، كما لا توجد أى جهة تدعم هذا الفن لإحيائه مرّة أخرى، فضلا عن عدم توافر أماكن للعرض، حيث تقتصر عروض مسرح العرائس بالقاهرة على العاملين به فقط.
ويرى بكار أن هذا الفن لن ينقرض، حيث إن لديه الكثير من الأحلام لتطويره ونشره فى ربوع مصر، ومن بينها نقله إلى الواحات، التى نشأ فيها وأخرجت أفضل صانعى العرائس.
ومن الزمالك، حيث مسرح عرائس ساقية الصاوى، إلى وسط القاهرة، وتحديدًا فى العتبة، حيث يسعى يوسف مغاورى إلى استكمال مسيرة كبار فنانى «الماريونت»، ومنافسة المسارح الكبرى، بعد أن حوّل حُبه للعرائس وموهبته إلى مهنة يبحث فى كل يوم عن أسرارها والجديد فيها، حيث يحرص على ممارستها على المسرح القومى للعرائس بالعتبة، أو فى منزله.
يرى يوسف أن العرائس لها سحر كبير على الكبار قبل الصغار، مشيرًا إلى أن الجمهور لم يعزف عن مشاهدة عروض «الماريونت»، ولكن المسرح لم يعد يهتم بها كما كان فى السابق، سواء من ناحية إعداد العروض أو الأفكار الجديدة للعروض المسرحية، ولم تعد هناك دعاية لعروض المسرح، فمن غير المنطقى عرض مسرحية أو اثنتين طوال السنة ونلوم الجمهور أنه لا يقبل على «الماريونت»، فلا بُدّ من تجديد العروض بشكل مُستمر.
وأكد يوسف أن اندثار هذا الفن، يرجع إلى افتقار مصر لمسارح عرائس فى كل المحافظات، وليس مسرح واحد فقط فى القاهرة، مشيرًا إلى أن مسرح العرائس لن ينقرض، فهو رُغم قلة عروضه وعدم الاهتمام به، فإن له جمهوره الذى يحرص على متابعة عروضه، متمنيًا أن يكون هناك اهتمام بصناعة العرائس، وتدخل ضمن مقررات كليات التربية الفنية، والفنون الجميلة، حتى يصبح لدينا فن أكاديمى لصناعة العرائس نستطيع من خلاله إحياء هذا التراث.
وأكد أن الصدق فى أداء كل من الفنان المؤدى للصوت والمحرك للعرائس هو ما يحول الدُّمية الجامدة إلى شىء حى يتحرك ويتكلم ومن ثم يصدقه الجمهور، مُرجعًا السبب فى انهيار فن العرائس إلى الشكل التقليدى الذى تقدّم به العرائس، فالجمهور سواء كان طفلا أو شابّا سريعًا ما يملّ من الأشكال، وبالتالى لا بُدّ من الابتكار التطوير فى أشكال العرائس من مختلف الأنواع.
وعلى نفس خط بكار ومغاورى تسير «سارة البطراوى» مؤسسة «باترو بابتس»- إحدى الفرق المستقلة لصناعة وتقديم عروض مسرحية للعرائس، حيث بدأت حكايتها مع «الماريونت»، بعروسة صنعتها بنفسها فى 2011، تقول: «هذه العروسة من أحب العرائس إلى قلبى، فهى عندى زى الابن البكرى من جميع العرائس التى صنعتها».
تؤكد سارة، أن الماريونت له جمهور، لكن لا يوجد له مكان للعرض، وهو ما دفعها لصنع مسرح متحرك تستطيع من خلاله عرض فكرتها على الجمهور، وترى أن نظرة الانبهار عند الأطفال عند رؤية عروسة تتحرك أمامهم، الشغف والفضول لديهم فى معرفة من يقوم بتحريكها أو محاولة لمسها، كلها من الأسباب التى تدفعها لتقديم كل ما هو جديد.
سارة تعلمت صناعة العرائس أونلاين، وكانت من إحدى الصعوبات التى واجهتها فى بادئ الأمر عدم وجود مكان أكاديمى لتعليم هذه الحِرفة، كما أن مصر تفتقر إلى التعليم الأكاديمى لصناعة العرائس وقلة العروض المسرحية للعرائس، ورُغم قلة عدد الصانعين فإن العروض المسرحية للعرائس لن تختفى أبدًا، لأنها تمثل جُزءًا تعليميّا للطفل وليس فقط للضحك- والكلام على لسان سارة- التى ترى فى «الماريونت» فنّا يقدم رسالة لا بُدّ أن تقدمها للطفل عن طريق عروسة تتحرك وتتكلم.
وتحلم سارة بأن تصل إلى جميع الأطفال من خلال «الماريونت»، بتقديم عروض مسرحية فى كل أنحاء الجمهورية، بما فى ذلك الأطفال دون مأوى، قائلة: «نفسى أخلى كل الأطفال يضحكوا حتى ولو مرّة واحدة تنسيهم مرارة الحياة». 