آمال فريد.. كفاية نورك علينا

ابتسام عبد الفتاح
لا يمكن أبدًا أن ننسى تلك الفنانة التى تميزت طلتها على الشاشة، بشعرها القصير جدًا وصوتها الرفيع جدًا، ووقوف «حليم» أمامها عاشقًا ولهانًا يغنى لها «كنت فين وأنا فين»..«آمال فريد» التى دخلت عالم الفن وهى فى السادسة عشرة من عمرها لتقف لأول مرة أمام «فاتن حمامة» فى فيلم «موعد مع السعادة» وتتوالى الأعمال بعد ذلك لتصل إلى (29) فيلمًا فى (14) عامًا قررت بعدها أن تعتزل التمثيل، وهى مازالت فى (عز شبابها).
منذ شهور قليلة شغلت «آمال فريد» رواد مواقع التواصل الاجتماعى بعد انتشار صور لها ووصفها بأنها تعيش مشردة، فى حالة سيئة، ولكن الحقيقة أوضحها لنا حينها «أشرف زكى» نقيب الممثلين بأن لديها بيتًا وتعيش فى حالة جيدة.. مؤخرًا ساءت صحة «آمال فريد» لتذهب إلى أحد المستشفيات وحدها لإجراء عملية استبدال مفصل الحوض الأيسر الذى كان قد تعرض للكسر، وهذا ما شغل المواقع مرة ثانية وبدأ الجميع يدعو لها ويحاول الإطمئنان عليها، لذلك قررنا أن نعرف أكثر عن حياة الفنانة الوحيدة وذهبنا إلى حيث تسكن وإلى الأماكن التى تتردد عليها.
> شقة الزمالك
للتعرف على العالم الخاص بالفنانة آمال فريد، والتى عاشت لسنوات طويلة لا أحد يعرف عنها شيئًا. ذهبنا إلى شقتها فى حى الزمالك، بناية من طابقين، وبنظرة من الخارج تظهر شرفة ونوافذ شقتها، تملؤها الأتربة، لتبدو كشقة مهجورة منذ سنوات، وعند الدخول للعمارة، ذات الطراز النادر القديم، الذى كنا نشاهده فى أفلام الأبيض والأسود، وجدنا شقتها فى الطابق الأول، الباب موصد بـ«القفل» ولا يسكن فى البناية معها سوى صاحب العقار الذى يسكن فى الطابق الثانى، والذى يقضى معظم شهور السنة خارج البلاد، كما لا يوجد حارس للعقار، منذ وفاة آخر حارس له من أربع سنوات.
وبشهادة أهالى الحى، فإن يوم الفنانة «آمال فريد» يبدأ فى التاسعة صباحًا، حيث تخرج من بيتها ولا تعود إلا فى المساء. وهذا روتين يومى لا يتغير منذ سنين.
فى الثالثة عصرًا، تذهب لتناول الغداء فى أحد مطاعم الوجبات السريعة وهى وجبة ثابتة كما يؤكد مدير المطعم عبارة عن (ساندوتش برجر وبطاطس) ولا يتعدى سعر الوجبة خمسين جنيهًا، ويضيف أنها منذ 15 عامًا تحرص على الجلوس على طاولة محددة بعيدة عن الناس، ولا تفضل الحديث مع أحد، فلا يسمع صوتها إلا عند طلب الوجبة فقط، كما أنها لا تهتم بأى شىء يحدث حولها، سواء الأصوات المرتفعة للموسيقى أو الزبائن، وتستمر فى صمتها حتى الساعة السادسة مساء، ثم تغادر المطعم .
بعد مغادرتها المطعم تذهب إلى السوبر ماركت، الذى يقع أمام العمارة التى تسكن بها، لشراء كوب من الزبادى وخبز، وهى وجبة عشائها التى تتناولها فى مقهى يوجد أسفل البناية التى تعيش بها، ولا تطلب من العامل سوى كوب ماء من (الحنفية)، وفى أحيان أخرى كوب من الحليب. ويتحدث «إسلام» أحد العاملين بالمقهى قائلا: «إنها سيدة فى غاية التواضع،عندما تأتى للمقهى، تقف بجوار السلالم، فأنزل إليها لأساعدها فى الصعود، ثم تبدأ بالسلام على كل العاملين، وتنادينا جميعا باسم «محمد».. وحديثها قليل جدًا، وإن كانت تفضل الحديث عن الأشياء القديمة فى حياتها، فهى إنسانة بسيطة للغاية، حتى فى ملابسها، التى لا تتعدى (طقمين) لكل موسم، ثم تغادر المقهى فى التاسعة مساء، لنقوم بمساندتها حتى باب شقتها، التى ترفض تمامًا أن يراها أحد، فعلاقتها بالجميع تقتصر على الشارع فقط، وبعد دخولها لمنزلها لا أحد يعلم عنها شيئًا، وهى ذات ذهن حاضر، ولكن نسيانها لبعض الأشياء يبدو أنه بحكم السن فقط، فأحيانًا تعيد طلب نفس الشىء مرتين».
وأكد لنا «محمد مبارك» صاحب السوبر ماركت، الذى يقع أمام العقار الذى تسكن به، أنها تعيش بمفردها منذ وفاة زوجها من 15 عامًا، وهى تسكن فى ذات الشقة منذ عام 1960 وكانت حينها جميلة جدًا ومتزوجة من ضابط فى الصاعقة ثم طلقت منه وتزوجت بعد طلاقها بأربع سنوات عازف كمان اسمه «عبود أحمد حسن» وتوفى منذ خمس عشرة سنة، وتابع: إنها لم تنجب أطفالاً، وكانت تسكن معها والدتها أثناء زواجها الأول ثم توفيت قبل زواجها الثانى.. وأكد أنها لا تعانى من الألزهايمر كما يقول البعض، فهى تدرك كل شىء. فهى تخرج وتعود للبيت كل يوم، وعندما تأتي للسوبر ماركت تتحدث معى فى كل شىء السياسة والفن، وهى تأتى يوميًّا لشراء طلبات بسيطة».
وعما كان يعلم المصدر الذى تنفق منه قال: «أظن أنها عميلة للبنك الأهلى المصرى، المجاور للعقار، فهى دائمة التردد عليه، وقد علمت من أحد الموظفين أن لديها حسابًا هناك، وأيضا يقال إن لديها شقة فى سان ستيفانو بالإسكندرية». وعما إذا كان يتردد على زيارتها أحد قال: «لا أحد يتردد على زيارتها مطلقًا منذ وفاة زوجها، ولكن لديها شقيقًا، هى التى تقوم بزيارته بمصر الجديدة، من حين لآخر، ويوضح أنها تحرص على عدم دخول أحد لمنزلها نهائيًا، خاصة بعد وفاة زوجها الثانى لم يدخل بيتها أى شخص، فليس لديها خادمة، وهى التى تقوم بتنظيف البيت بنفسها من غسل ملابس وإعداد طعام، وقبل موت زوجها الذى كان مريضًا ومتقاعدًا بالبيت، كانت هى التى تقوم بكل شىء، وقد اعتادت على ذلك، ولكن فى السنوات الخمس الأخيرة يبدو أنها لم تعد قادرة على القيام بأعمال المنزل، وهذا واضح من مظهر الشرفة التى نراها من الخارج».
بينما أضاف «يوسف ظريف» مكوجى كانت تتعامل معه، أنها كانت ترسل كل ملابسها له، منذ كانت فنانة مشهورة، ولكن منذ خمسة عشر عاماً، توقفت عن ذلك، ولكنها مازالت تحرص على أناقتها حتى فى ملابسها البسيطة، ذات الألوان الداكنة والتى ترتديها منذ وفاة زوجها.
أما صاحب محل البقالة «عم حسين» أو «عادل» كما تناديه «آمال فريد» وهو اسم والده الذى كانت تعرفه منذ جاءت إلى الحى، فقد كشف لنا أن الكهرباء منقطعة عن شقتها، منذ سبعة أشهر، لأنها مدينة بفواتير تصل إلى 3470 جنيهًا، لذلك فهى تقوم بشراء كشافات للضوء من المحل.. وتابع: إنها لا تدفع سوى خمسة أو عشرة جنيهات، مهما كانت تكلفة ما تشتريه، وهذا ليس بخلاً، ولكنها فى حالة خوف دائم من الغد، لأنها تتولى مسئولية نفسها بنفسها، ومع ذلك فيبدو أنها لا تحب البقاء بمفردها فى البيت، لذلك تخرج يوميًا فى الصباح ولا تعود إلا فى المساء وتذهب إلى عدد من (الكافيهات) أو نادى الجزيرة، وأكد أنها لا تحب أن يعرف أحد أنها كانت ممثلة لأن شكلها قد تغير، فتريد أن يتذكرها الناس بشكلها الجميل وصورتها الحلوة وهى تفتكر كل شىء، وتدفع ثمن الأشياء التى اشترتها بالأمس إن لم تدفع، وإن كانت دائمًا ما ترغب بدفع سعر أقل من السعر الأصلى وهذا ما تسبب فى مشاجراتها أحيانًا مع بعض أصحاب المحلات فى الشارع، مثلا مع صاحب مطعم الفول، الذى رفض أن يحسب لها سعر (البيضة) بجنيه.. والغريب فى الأمر أنها لا تتعامل مع مكوجى أو مغسلة بالشارع، ولا تشترى منى مسحوق الغسيل، ورغم ذلك ملابسها نظيفة. وأضاف: «لقد عرضت عليها إذاعية مشهورة تسكن بنفس الشارع، رفض أن يذكر اسمها، أن تذهب لدار المسنين، ولكنها رفضت، فالشقة التى تعيش بها إيجارها لا يتعدى الثلاثة عشر جنيهًا.
جلستها المفضلة
لقد اعتادت «آمال» على الذهاب إلى أحد (الكافيهات) القديمة، منذ أن كانت فنانة مشهورة، حيث كان ملتقى نجوم فن الأبيض والأسود، وشهد على لقاءاتها بالفنانين «ماجدة» و«عبدالحليم» و«فريد الأطرش» و«عبدالسلام النابلسى».
تذهب، كل يوم فى العاشرة صباحًا، لتناول وجبة إفطار، عبارة عن كابتشينو وكرواسون وأحياناً تطلب حليبًا فقط، ولا تتناول مشروباتها إلا فى (المج) الخاص بها، وتدفع ثمن ما تطلبه، وتفضل الجلوس على طاولة محددة اعتادت الجلوس عليها منذ سنين. وقد طلبت من العاملين بالمطعم عدم تغيير مكانها وهو ما تقبلوه تقديرًا واحترامًا لها. وتنصرف عادة فى الساعة الثانية ظهرًا، وأحيانا تأتى مرة أخرى مساءً، ويقول مدير الكافيه «وليد حسن»: «حينما تأتى للكافيه تتعامل مع الجميع برقة شديدة، وقد قمت بزيارتها فى المستشفى حينما علمت أنها مريضة، ونحن هنا نعتبرها صاحبة مكان وليست زبونة عادية.. وهى تتحدث معنا أحيانًا عن الفنانين القدامى كـ«عبد الحليم» التى تذكر أنه كان يعاملها كطفلة ويحضر لها الشيكولاتة، فكان يحضرها من المدرسة وبعد التصوير يوصلها للمنزل، وتحب «إسماعيل ياسين» جداً وترى أنه أكثر الفنانين الذين استطاعوا إضحاكها، وتتحدث عن «ماجدة» و«شادية»، التى حزنت كثيرًا عند وفاتها، ويلفت نظرها من الأجيال الجديدة «منة شلبى» و«نيللى كريم»، كما تحب «يسرا» جداً وتذكرها دائماً أنها شخصية طيبة، أما الفنان الراحل «ممدوح عبدالعليم» فقد كان يأتى أحيانًا للجلوس معها وكان يعرض أن يتولى دفع حساب ما تطلبه، ولكنها كانت ترفض، وأحدث الأعمال الفنية التى كانت تتابعها مسلسل «أبو العروسة»..وهى تتميز بصفات جميلة، ومتدينة جدًا، تحرص على أداء الصلاة، حيث تصلى بعينيها، تحب الأطفال جدًا وتداعب أى طفل يتواجد بالكافيه، كما أنها واعية لكل الأحداث السياسية، تحب الرئيس السيسى جدًا وتعتقد أنه من أفضل الرؤساء الذين تولوا حكم مصر، وخلص البلد من خطر الإخوان، الذين كانت تكرههم جدًا،وقبل أن تدخل المستشفى أكدت علينا ضرورة الذهاب للانتخابات الرئاسية، وكانت تقول «البطاقة معايا، أنا رايحة أنتخب السيسى».>