الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فخ «CIA» لمحاصرة «الدب الروسى» فى أوكرانيا

فخ «CIA» لمحاصرة «الدب الروسى» فى أوكرانيا
فخ «CIA» لمحاصرة «الدب الروسى» فى أوكرانيا


صراع لا يهدأ وأزمات مستمرة بين روسيا وأوكرانيا منذ تدخَّل الكرملين لدعم الانفصاليين فى أوكرانيا وضم إقليم القرم للأراضى الروسية فى أعقاب استفتاء رسمى كانت نتيجته الحقيقية هى اشتعال الحرب بين البلدين. لكن الصراع «الروسى- الأوكرانى» الدائر منذ عام 2014 لا يقتصر فقط على الدولتين، فهناك العديد من التحالفات والمصالح السياسية المشتركة التى دفعت الولايات المتحدة وأوروبا إلى إعلان دعمهما لأوكرانيا فى حربها ضد موسكو.

وترجع أهمية أوكرانيا إلى كونها ممر الغاز الروسى إلى أوروبا، إذ تحصل أوروبا على 30 % من وارداتها من الغاز من روسيا، وذلك من خلال شبكات الأنابيب الأوكرانية. هذا إلى جانب ما تمثله «أوكرانيا» من أهمية استراتيجية هائلة لواشنطن، ليس على مستوى المصالح الاقتصادية والعسكرية فحسب، بل لموقعها الجغرافى الاستراتيجى، الذى يجعلها بوابة لأوروبا من ناحية الشرق. لذا فالأمر مُعقد والمصالح متشابكة والصراع مستمر. ورُغْمَ العقوبات المفروضة على روسيا والدعوات المستمرة لإنهاء الصراع؛ فإن موسكو مستمرة فى الطريق الذى بدأته.
وقد صدرت مؤخرًا دراسة أمريكية تكشف الكثير عن الخطة الأمريكية تجاه روسيا وأوكرانيا فى الفترة المقبلة، وهى بالطبع خطة لا تهدف إلى إنهاء الصراع الدائر هناك، بل إلى ضمان عدم تأثر المصالح الأمريكية والأوروبية بهذا الصراع. فالولايات المتحدة تُفضل دائمًا الضغط على روسيا وتحجيم دورها فى أوروبا الشرقية خوفًا من تحوُّلها مجددًا إلى قوة عظمى فى مواجهة واشنطن.الدراسة أعدها واحدٌ من أهم مراكز الدراسات الأمريكية غير الهادفة للربح.
على مدار الأعوام الثلاثة الماضية قامت روسيا بتسليح الانفصاليين فى شرق أوكرانيا بكميات كبيرة من أحدث الأسلحة. وفى المقابل لا تمتلك أوكرانيا السلاح الذى يمكنها من المواجهة الحقيقية فى هذه الحرب. ولذلك ترى الولايات المتحدة أن أفضل طريقة لدعم أوكرانيا ومعاقبة روسيا هى تزويد الجيش الأوكرانى بأحدث أنواع السلاح فى الترسانة الأمريكية. وقد وافقت إدارة ترامب مؤخرًا على دعم أوكرانيا بصواريخ مضادة للدبابات وغيرها من الأسلحة التى من شأنها الحد من التفوق الروسى فى هذه الحرب.
الدراسة البحثية انتقدت تجاهل وسائل الإعلام لتفاصيل الحرب، وهو ما شجَّع روسيا على التمادى فى مخططها لإثارة الفوضى فى كييف. ودعت الدراسة الحكومة الأمريكية وحلفاءها فى أوروبا إلى فضْح كل الاختراقات والاعتداءات التى يقوم بها الجانب الروسى ودعم حق أوكرانيا فى الدفاع عن نفسها بالوسائل نفسها التى تستخدمها موسكو.
وطالبت الدراسة، التى أعدها نخبة من خبراء الشئون الخارجية الذين يستعين بهم الكونجرس الأمريكى أحيانًا، بضرورة توفير أجهزة رادار حديثة لكى تساعد أوكرانيا فى تحديد الموقع الذى تم استهدافها منه ومن ثم ضربه بمنتهى الدقة.
أمَّا فيما يخص الحرب السياسية فقد دعا معدو الدراسة إلى الحديث إعلاميًا عن دعم روسيا للإرهاب والتشهير ببوتين ووصفه الدائم بأنه طاغية يستخدم الإرهاب لزعزعة استقرار الدول المجاورة لبلاده. هذا بالإضافة إلى الحديث عن دعم الكرملين للانفصاليين فى أوكرانيا وجماعة طالبان فى أفغانستان والميليشيات الموالية لإيران فى سوريا مثل حزب الله. وبالطبع لم يغفل التقرير الحديث عن عمليات الاغتيال التى تقوم بها موسكو ضد معارضيها فى الخارج، بل ولمعارضى سياساتها داخل أوكرانيا، الذين تم التخلص منهم على مدار الستة عشر شهرًا الماضية باستخدام السيارات المفخخة.
وتهدف خطة التشهير ببوتين إلى عزله على المستوى الدولى كرئيس لدولة تمول الإرهاب، وهو ما قد يشعل المعارضة فى الداخل الروسى، فضلًا عما يمثله ذلك من دعم غير مباشر لأوكرانيا فى حربها ضد روسيا والتأكيد على أن هذا الصراع لن يكون صراعًا منسيًا فى يوم من الايام.
وخصصت الدراسة جانبًا كبيرًا للحديث عن الاعتداءات الروسية على أوكرانيا بدءًا من الحرب الفعلية ووصولًا إلى الحرب السيبرانية والإعلامية مشيرًا إلى أن الحرب الدائرة حاليًا فى أوكرانيا لم تكن يومًا حربًا أهلية كما تريد موسكو تصويرها، بل هى حرب تخوضها أوكرانيا ضد الغزو الروسى لأراضيها. وقد خلفت الحرب 10 آلاف قتيل فى الجانب الأوكرانى إلى جانب تشريد ما يقرب من مليونىّ شخص.
الدراسة الأمريكية أكدت أن هناك 3 آلاف جندى روسى يحاربون فى صفوف قوات الانفصاليين التى تقدر بنحو 34 ألف شخص ما بين انفصاليين موالين لبوتين ومرتزقة أجانب. كما قامت روسيا بنشر 100 ألف جندى على طول حدودها مع أوكرانيا، بينما يبلغ عدد الجنود الأوكرانيين على الحدود 60 ألف جندى.
وقد ساهمت الحرب فى تقوية الجيش الأوكرانى ورفع كفاءته حتى أصبح اليوم ثانى أكبر جيش فى أوروبا بعد روسيا، إذ يمتلك الجيش الأوكرانى 250 ألف جندى إلى جانب 80 ألفًا من جنود الاحتياط. وتمتلك أوكرانيا اليوم أكثر من 2800 دبابة مقارنة بـ423 دبابة فقط يمتلكها الجيش الفرنسى و408 دبابات فى الجيش الألمانى.
وفيما يتعلق بالتسليح الروسى، تؤكد الدراسة أن «موسكو» حوَّلت منطقة شبه جزيرة القرم إلى حاملة طائرات على الأرض من خلال إنشاء أنظمة (A2 / AD)، وهو مصطلح يعنى «عدم الوصول / منطقة الحرمان»؛ وذلك من خلال نشر صواريخ «إسكندر»، وصواريخ «باستيون» المضادة، وصواريخ الدفاع الجوى (S-300، وS-400)، إضافة إلى قاذفات (Tu-22) صواريخ مضادة للطائرات بعيدة المدى.
وفى الوقت نفسه؛ واصلت «موسكو» تحديث أسطول البحر الأسود الروسى المتمركز فى «سيفاستوبول»، بما فى ذلك نشر غواصات من طراز «Kilo» المتخفية، التى يصعب على قوات البحرية التابعة لحلف الشمال الأطلسى (ناتو) اكتشافها.
بينما تحظى «أوكرانيا» بحدود بحرية طويلة مع سلاح بحرية ضئيل أو يكاد يكون معدومًا، نتيجة فقدها 70 % من أسطولها، بعد الغزو الروسى المفاجئ عام 2014 لـ«شبه جزيرة القرم»، الذى أدى إلى استسلام البحرية الأوكرانية، فضلًا عن انشقاق الأدميرال الأوكرانى فى ذلك الوقت «دينيس بيريزوفسكى» وانضمامه إلى الجانب الروسى. ولم يتبق من السلاح البحرى الأوكرانى سوى ثلاث سفن قتالية بالإضافة إلى عدد قليل من زوارق المدفعية، وكاسحة ألغام واحدة، ونحو 24 سفينة إضافية.
وفى المقابل؛ تمتلك روسيا ترسانة بحرية قوية تقول الدراسة إنها تمثل 12 إلى 1 من ترسانة أوكرانيا. وهو ما تؤكده تصريحات الخبراء الاستراتيجيين الأوكرانيين الذين يرون أن القدرات الهجومية للبحرية الروسية فى «البحر الأسود» قد تضاعف حجمها منذ عام 2014.
واليوم تجد «أوكرانيا» نفسَها فى مأزق لحماية 30 ألف كيلومتر مربع من مياهها الإقليمية، إلى جانب منطقة اقتصادية بحرية تبلغ مساحتها 70 ألف كيلومتر مربع تمثل موردًا غنيّا للنفط والغاز فى «البحر الأسود». وتضاعفت أهمية هذه المنطقة بعدما استولت «موسكو» على حقلين كبيرين للغاز فى «أوديسك» و«هولتسينسك» عام 2104 وأصبح الغاز الأوكرانى هناك يُستخرج لصالح روسيا.
كان المخطط الأمريكى فى البداية يعتمد على تسليح البحرية الأوكرانية تحت قيادة الأدميرال «إهور فورونشينكو». التسليح المطلوب يتمثل فى توفير أسطول طائرات هجومية سريعة إلى جانب أسطول من القوارب بالغة السرعة، وهو أمرٌ رأته «الولايات المتحدة» مكلفًا، فضلًا عن كونه غير واقعى بالنسبة لدولة بحجم «أوكرانيا». ويبدو أن ضعف الترسانة البحرية الأوكرانية هو الورقة التى قد تلعب بها الإدارة الأمريكية إذا ما قررت التدخل.
وتتضح الخطة الامريكية أكثر عندما تشير الدراسة إلى أن القوات البحرية الأمريكية، هى الرادع البحرى الوحيد الذى يمكنه صد هجوم البحرية الروسية على أوكرانيا، وذلك إلى أن يتم تصحيح العجز الكبير فى الترسانة البحرية الأوكرانية.
وعلى الجانب الآخر؛ يبدو أن «روسيا» تتجه نحو النصر التكتيكى دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة، وذلك من خلال بنائها جسرًا كبيرًا عَبْرَ مضيق «كيرتش». وكانت موسكو قد أعلنت عن عزمها إنشاء جسر بطول 12 ميلًا يربط روسيا بمنطقة القرم.
ومن الواضح أن واشنطن قد وجدت فى هذا القرار ضالتها المنشودة وحجتها القوية للتدخل العسكرى. فالجسر يغلق المنطقة بشكل أساسى أمام حركة المرور التجارية. وقد أوضح عددٌ من خبراء القانون الدولى الأمريكيين أن مضيق «كيرتش» جزءٌ من مَمر مائى دولى، مما يجعل بناء الجسر الروسى انتهاكًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
لكن الدراسة تشير إلى أن المنهج الذى تتبناه روسيا فى حربها ضد أوكرانيا لا يعتمد فقط على ساحة القتال كما جرت العادة فى الحروب، بل يمتد ليشمل الحرب الدعائية والحرب السيبرانية. ولذلك فالمواجهة العسكرية وحدها لا يمكنها حسم هذا النوع المُعَقّد من الحروب. فقد حوَّلت روسيا مواقع التواصل الاجتماعى إلى ساحة حرب بهدف تشكيل الرأى العام داخل أوكرانيا، بما يوافق المصالح الروسية. كما استخدمت براج الكمبيوتر كسلاح للتجسس، وذلك وفقًا للتقرير الأمريكى الذى يؤكد أيضًا اعتماد موسكو على عمليات اختراق أجهزة المحمول بهدف التجسس وشن حرب نفسية على الجنود الأوكرانيين. هذا إلى جانب الحرب السيبرانية فى وقت الانتخابات واستخدام روسيا لمنصاتها الإعلامية المختلفة لشحن الشعب الأوكرانى وخلق الفُرقة والخلافات بين جميع أطياف المجتمع.
لم تترك روسيا وسيلة للحرب إلا واستخدمتها ضد أوكرانيا. فقد ضربت الهجمات السيبرانية الروسية شبكات الطاقة الأوكرانية ليجد الشعبُ نفسَه يعيش فى ظلام لساعات طويلة. بينما طالت هجمات أخرى النظام البنكى الأوكرانى، بالإضافة إلى الهجوم السيبرانى الشهير على مطار أوكرانيا الدولى الأكبر. هذا بالإضافة إلى الهجمات المستمرة على الحاسبات التابعة للمؤسسات الحكومية الأوكرانية ومحاولة اختراقها وسرقة المعلومات الحكومية السرية، وذلك بهدف خَلق أجواء من التوتر فى الشارع الأوكرانى والتقليل من ثقة الشعب فى الدولة.
وقد دفعت هذه الهجمات السيبرانية الروسية المتتالية الحكومة الأوكرانية إلى اتخاذ عدة إجراءات لحماية شبكاتها الإلكترونية منها إنشاء مركز للأمن السيبرانى، فضلًا عن تعزيز التعاون بين الحكومة الأوكرانية وأجهزة الاستخبارات الغربية لتقوية الدفاعات السيبرانية فى البلاد.
كما حجبت الحكومة الأوكرانية عددًا من المواقع الروسية، منها موقع «فى كونتاكت»، وهو موقع تواصل اجتماعى روسى واسع الانتشار فى أوروبا الشرقية، وموقع «ياندكس» وهو محرك بحث شبيه بجوجل لكنه المحرك الروسى الأهم والأكثر استخدامًا فى أوكرانيا.
ومؤخرًا حظرت الحكومة الأوكرانية استخدام واحد من أشهر البرامج المضادة للفيروسات فى العالم، وهو برنامج «كاسبرسكى». يذكر أن الولايات المتحدة قد أعلنت فى نهاية العام الماضى حظر استخدام البرنامج نفسِه داخل المؤسسات الحكومية واتهمت الشركة الروسية المالكة للبرنامج باستخدامه فى التجسس والاختراق والقرصنة، بينما نفت الشركة هذه الاتهامات، مؤكدة أن البرنامج مصمم أساسًا للحماية من القرصنة والاختراق.
وتُعتبر الصحافة من أهم أسلحة روسيا فى حربها التى يطلق عليها التقرير «الحرب المركبة» لكونها حربًا على عدة مستويات ولها العديد من الأوجه، إذ تستخدم فيها موسكو السلاح العسكرى والسيبرانى والصحفى الدعائى. وهو ما اضطر الحكومة الأوكرانية إلى حجب عدد من القنوات التليفزيونية الروسية وإعادة بناء الشبكات التليفزيونية والإذاعية فى أوكرانيا. هذه الإجراءات أفقدت روسيا واحدة من أسلحتها المهمة، حيث ظل المواطن الأوكرانى؛ خصوصًا فى شرق أوكرانيا يشاهد فقط الإعلام الروسى لسنوات طويلة.
وفى النهاية؛ يجب التذكير بأن «أوكرانيا» ليست طموح «الولايات المتحدة»، وهى أيضًا ليست آخر طموحات روسيا. لكن عودة الدُّب الروسى مرَّة أخرى بهذه القوة يمثل تحديًا للولايات المتحدة. فأوكرانيا هى التحدى الجديد الذى أشعل المنافسة والصراع بين العدوين القديمين.. وهو التحدى الذى قد يتحول قريبًا إلى تهديد أمنى على الساحة الدولية.>