الخميس 1 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

يعيش «المعلّم».. ولا يتعلّم!

يعيش «المعلّم».. ولا يتعلّم!
يعيش «المعلّم».. ولا يتعلّم!


الجدل الذى يُعاود الظهور سنويا تقريبا عن أحقية دار الشروق فى احتكار نشر أعمال الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وغيره، والاستياء من نفاد عناوين بعينها وعدم وجودها فى الأسواق لسنوات، بل تعمّد دار الشروق لإخفاء عناوين أخرى لمحفوظ، أغلبها من قصصه الأولى؛ يكون مناسبة لمساءلة الدور الذى تلعبه «الشروق» كناشر خاص يعمل فى إطار «مؤسسي» كرّس صورتها لسنوات كدار ضخمة ومقرّبة من مؤسسة الرئاسة فى مصر قبل 25 يناير.
ظلّت الصورة الواضحة لصاحب الشروق وزوجته تكمن في ارتباطه بالرئيس مبارك والسيدة الأولى. فكان إبراهيم المعلّم بمثابة الرجل الأوّل فى النشر، وزوجته «سيدّة أولى» راحت فى خطوات متصاعدة تلعب دورا فى نشر كتب الأطفال وتخصيص قسم خاص بالنشر للأطفال فى الدار، حتى يكون هناك منطق لظهورها إلى جوار سوزان مبارك فى مهرجانات القراءة للجميع وغيرها. ثم هى سنوات حتى باغتت 25 يناير الجميع، فلا يفوّت «المعلّم» المشهد، ويظهر سريعا فى قلب «التحرير» بقميص «سبور» من الكتّان، متخليّا عن بذلته كاملة الأناقة.
فى استجابة رسمية، هذه المرّة، للجدل، أوردت «الشروق» فى بيان وزّعته على قائمة بريد الدار، وفيه تأكيدٌ على أن «كل كتب نجيب محفوظ مُتاحة فى مصر والعالم كله، ورقيا وإلكترونيا وصوتيا»، وأنها حقّقت «جودة وإتقانا وانتشارا لهذه الكتب، فقد نشرتها بكميات غير مسبوقة، وفى أكثر من طبعة من كل عنوان، بل منها عناوين تعدّت طبعاتها الست عشرة طبعة، ووصل إجمالى كمياتها حوالى 650 ألف نسخة»، وهو ما اعتبرته «إنجازا متميزا للمكتبة العربية».
حرص البيان على التذكير بأن جميع كتب محفوظ «تمّ التعاقد عليها معه شخصيا ابتداء من ثمانينيات القرن الماضي، ثم مع أسرته الكريمة وباقى الورثة المحترمين فى إطار كامل من الود والتقدير والاعتزاز والشرعية القانونية والاحترام لكافة قوانين الملكية الفكرية السارية وسائر القوانين والأصول المهنية والثقافية فى أرفع صورها».
بلغ عدد كتب نجيب محفوظ التى تملك الشروق حق نشرها 56 عنوانا، إضافة إلى الكتب الأربعة المبسّطة للناشئين.. وبحسب بيان الشروق الرسمي، فقد نفدت خلال الأسبوعين الماضيين الطبعة الرابعة من «المرايا» والسادسة من «ميرامار»، وستصدر طبعات جديدة منهما خلال أيام. أمّا ورثة نجيب محفوظ فيقفون موقفا «رماديا» تماما إن لم يكن سلبيا. صحيح أن حقوق النشر ملكهم وحدهم، وهدى نجيب محفوظ ابنته هى الوحيدة من بين الورثة التى تمتلك حق استكمال التعاقد مع الشروق، لكن وقائع عديدة سابقة لا تترك مجالا للشك فى أن عائلة محفوظ قابلت ميراث أديب نوبل باستهتار شديد ومنفعة إلى أقصى حد.. وواقعة اكتشاف زيف قلادة النيل أبرز دليل.
عودة إلى بيان الشروق الذى سبقته ثورة عنيفة، تُعاود الظهور سنويا تقريبا، من قبل بعض المثقفين والكتّاب، ممن يمكن وصفهم بقطاع خارج حظيرة الشروق. وربما كانت الطبعات الأحدث، عامى 2017 و2018، من بعض روايات محفوظ التى أصدرتها الشروق تُفسّر، حالة الكرّ والفرّ التى تعتمدها الدار فى علاقتها واستجابتها لحالات الجدل والاستفزاز. وفى النهاية هى استجابة لضغط قرّاء ومثقفين أعربوا عن استيائهم من نفاد بعض العناوين منذ سنتين. لكن فى كلّ مرّة تكون استجابة إبراهيم المعلّم صاحب الشروق، بخصوص ما يُثار عن احتكاره أعمال محفوظ، و«احتقاره» لقصصه القصيرة التى لا تولّى الشروق اهتماما كافيا بها، ولا تتوافر فى معارض الكتاب، خاصة كتب محفوظ الأولى، لا تتساوى وحجم الاستياء. «شرُفنا باختياره لنا لنشرها»، «منذ تشرّف محفوظ باختياره لنا نشر مؤلفاته»، العبارتان وردتا فى ردّ المعلّم على صفحات فيسبوك تعليقا على بيان مثقفين مصريين تولّى الكاتب حسن عبدالموجود صياغته ونشره على صفحته على فيسبوك. طالبوا فيه مُجدّدا بإيقاف احتكار الشروق لمؤلفات نجيب محفوظ. وبعيدا عن الملاحظات على رد المعلّم، التى ليس أوّلها التناقض البادى للوهلة الأولى بين العبارتين، نتيجة الارتباك فى السياق، قبل أن يغلب الظن بأنه يقصد بـ«تشرّف محفوظ» بمعنى تفضّل أو تكرّم، وليس آخرها أن المَعنى الأوّل بالردّ على البيان وتوضيح موقف «الشروق» بالأرقام؛ اختار التعقيب «ودّيا» فى تعليقات على سوشيال ميديا، قبل أن تنتبه «الشروق» إلى أن الأمر هذه المرّة يستدعى استجابة أكثر رسمية وجديّة. فعلى الرغم من أن تفاصيل مثل أرقام التوزيع وأسعار بيع الكتب، وما نفد منها وما هو قيد الطبع، عادة لا تقع ضمن أية اعتبارات تُرغم أى ناشر مصرى أو عربى على الإفصاح عنها، حتى لصاحب العمل فى حياته أو ورثته، لكنها فى حالة الجدال السنوى تقريبا بشأن نشر أعمال محفوظ والحقوق الفكرية لأعماله، وضياع بل ربما نهب ممتلكاته ومقتنياته، ومنها حقوق أعماله وترجمتها؛ يُصبح الإفصاح عنها أمرا واجبا بل حقّا للورثة وللقرّاء، والمهتمّين.
أقول بعيدا عن كل هذا، فإن قضايا احتكار دور النشر لأعمال كبار الكتّاب، والنزاعات والوقائع المؤسفة فى هذا السياق، لم ولن تنته. ويزداد الأمر سوءا بعد موت صاحب هذه الأعمال، بحيث «تتفرّق دماؤه» بين المختصمين. وفى كل هذه الحوادث تقف الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة وقطاعات النشر الرسمية موقف مكتوفى الأيدى الذين لا يبادرون بأى جهد للحفاظ على التراث الفكرى لمؤلفينا وكتّابنا العظام، وإنتاجهم باعتباره أحد مصادر الثروة القومية. منذ عامين مثلا، طالعتنا الشروق بطبعة جديدة من «الأحلام»، قالت فى تصديرها على الغلاف وفى المقدّمة إنها طبعة تشمل أحلاما جديدة إضافية كتبها الأستاذ ولم تنشر، لنفاجأ بكتاب سيئ من الداخل، لا يزيد على كتاب أحلام فترة النقاهة فى شيء، إلا فى استقطاع مسىء للأحلام واختيار غير مبرّر لبعضها، فضلا عن خداع القارئ الذى انتظر أن يقرأ شيئا جديدا واكتشف أنه اشترى «هواء فى زجاجة»!
تقف الشروق فى صدارة دور النشر التى احترفت الاحتكار واصطياد الكتّاب، دون أى معنى حقيقى وملموس فى نشر الثقافة وتبنّى المواهب أو تقديم قيمة أدبية وإبداعية فيما تنشره، أو بمعنى أدّق فيما تصرّ على تقديمه فى الواجهة وتسييده فى الأسواق. وهى نفسها الدار التى تنشر كتب القرضاوى وحسن البنّا وسيد قطب. وفى جناحها بمعرض القاهرة للكتاب، لا تظهر كتب نجيب محفوظ فى ركن واضح يليق بها على غرار ما تحرص مثلا الجمعية الأمريكية، بينما أعمال لخيرى شلبى وإبراهيم أصلان تُترك لأسئلة الجمهور الحائرة بلا إجابات عن موعد لإعادة طبعها.
وفى الوقت الذى ادّعى فيه مثقفون مصريون فى بيانهم الأخير بأن لروايات محفوظ وأعماله «مكانتها العالمية وكلاسيكيّتها» التى «تخرجها عن دائرة احتكارها»، ومن ثم رأوا أحقيّة مساوية لأحقية ورثة محفوظ فى مطالبة وزارة الثقافة بالتحرّك ضدّ دار الشروق لـ«نزع» ملكية نشر روايات نجيب محفوظ؛ ينظر الكاتب هشام أصلان إلى مسألة الاحتكار بكل هدوء، ويرى أن حقوق النشر والملكية الفكرية خاصة بورثة الكاتب دونا عن غيره. وأن إثارة قضايا الاحتكار ونفاد الطبعات ومشاكل التوزيع، على الرغم من ذلك فإنه أمر محمود العواقب ومن حق الجميع مناقشته.
أسأل ابن الكاتب الكبير إبراهيم أصلان، الذى تمتلك دار الشروق حقوق نشر أعماله، عن تجربة نشره لعملين لأصلان بعيدا عن «الشروق»، فيحكى لى أن هذه الخطوة لم تأت نتيجة خلاف أو ملاحظات على أداء «النشر مع الشروق». يقول أصلان: «تمتلك الشروق حقوق نشر أعمال إبراهيم أصلان منفردة، وليس الأعمال الكاملة، لذلك أمتلك حقا قانونيا باعتبارى من الورثة فى التصرّف فى بقية الأعمال التى لا ترد ضمن عقود النشر».
يُتابع هشام أصلان: «بعد وفاة والدي، ظلّ فى مكتبه عملان مخطوطان هما «انطباعات صغيرة حول حادث كبير»، و«صديق قديم جدا»، وقد فكّرت استجابة لحماس د. أحمد مجاهد وقتها وكان رئيسا للهيئة العامة للكتاب، فى نشر الكتابين ضمن النشر الحكومى حتى يُتاحا بسعر أرخص ويتوفرا فى توزيع أكبر».
أمّا فيما يتعلّق ببقية الأعمال التى يتجدّد العقد بنشرها ضمن دار الشروق كل خمس سنوات كما أعرف من هشام، فلا يجد حسب تأكيده أى مشاكل أو أسباب مقنعة ومؤذية يمكنها أن تدفعه لفسخ العقد معها.
عودة لتعليق إبراهيم المعلّم وردّه الهادئ نقرأ: «تكرّم حبيبنا وأستاذنا بالاتصال بى - فى مفاجأة من أعزّ وأجمل المفاجآت، متسائلا بأدبه الجمّ وتواضعه الفريد إن كنّا نقبل نشر مؤلفاته رغم كل ما يُقال عن توقّف الإقبال عليها»، «كنوز نجيب محفوظ، كتبه، تملك الشروق حق نشرها وطباعتها فى شرعية قانونية كاملة بالاتفاق مع الكاتب نفسه فى حياته، ثم مع أسرته، شرعية تتّسق مع قوانين الملكية الفكرية وكافة القوانين السارية والأصول الثقافية والمهنية»، «كل هذه الأعمال منشورة ومتاحة ورقيا فى جميع فروع مكتبات الشــروق ومعظم المكتبات فى أنحاء مصر، وكذلك عند جميع موزّعى الشــروق فى أنحاء العالم العربي، باستثناء ما تمنعه بعض الدول من التداول فى بلدها»، «كما إنها متاحة إلكترونيا على أمازون وجوجل وغيرها، وككتب صوتية فى مشروع قيد التنفيذ، تشمل عشرة كتب لنجيب محفوظ ضمن 75 كتابا كمرحلة أولى فى المشروع الصوتى لكتب الشروق».
وبعد، «أشكر اهتمامكم وغيرتكم»، حثّ المعلّم فى ردّه على استكمال جهود الضغط والإسهام فى إقناع وزارات الثقافة والتعليم والتعليم العالى والشباب لاقتناء إبداع محفوظ الفذ - مجانا، فى مكتباتهم فى قصور الثقافة ومكتبات المدارس والجامعات ومكتبات مراكز الشباب حتى تعم الفائدة وتتحقق رسالة هذه الهيئات القومية فى التثقيف والتنوير».
 انتهت تصريحات إبراهيم المعلّم «الوديّة» التى ختمها بـ «حقّقنا انتشارا وإقبالا على هذه الكتب/الروائع يفوق كل ما تحقّق لها سابقا».
هذه هى النظرة التى تتعامل بها «الشروق» مع سوق النشر. تاجر يحترف اقتناص الفرص، وخطف السلعة من السوق، لأنها أوّلا وأخيرا ستُحقق مبيعات، لا يعنى أبدا إبراهيم المعلّم ما ستحققه كتب بعينها من نشر لقيمة أو ثقافة أو أدب أو علم. أين الكتب العلمية..؟ أين كتب السيرة..؟ أين كتب الأبحاث والترجمات فى السينما..؟! ستتوارى جميعا خلف بريق روايات أحمد مراد وكتب حمدى قنديل.