الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«صوت الصعيد».. صالون المغمورين فى قلب العاصمة

«صوت الصعيد».. صالون المغمورين فى قلب العاصمة
«صوت الصعيد».. صالون المغمورين فى قلب العاصمة


بإمكانيات بسيطة، وفى يوم جمعة من كل أسبوع، يجتمع عدد من شباب الشعراء من الصعيد، يُشاركهم مُبتهلون ومُنشدون ومدّاحون فى صالون ثقافى أسّسوه حديثًا، ليُصبح مع الوقت ملتقَى أبناء الصعيد فى العاصمة. فى «صوت الصعيد»، هكذا اختاروا اسمه، يتحلّق مجموعة من شباب المبدعين  ـ الصعايدة بالجلباب والعمّة، لا ينسون المواويل الصعيدية وتعلو لهجتهم المميّزة وسط حفلة القراءات.

محمد المساعيدى، شاعر وصاحب فكرة الصالون الصعيدى، أحد أبناء سوهاج الذى يحكى لنا كيف نشأت الفكرة. اشترك فى البدء مع مجموعة أخرى فى تأسيس جريدة «صوت الصعيد الجديد». ومنها انبثقت فكرة إقامة صالون بإدارة خمسة أصدقاء، يناقش إبداعات الكُتّاب من أبناء الصعيد المظلوم. يقول: «كان الهدف هو توصيل رسالة أن الصعيد جزء لا يتجزأ من هذا الوطن، وتحطيم الوضع السائد بتهميش الصعيد والحديث عنه بصورة سلبيّة. الصعيد مليء بالتراث والفلكلور والفن والإبداع والشعر».
لكن الصالون يستوعب أيضًا نقاشًا وجلسات خارج إطار الإبداع، حيث يبدو المسعَى جادّا لمناقشة كل مشاكل الصعيد وتحدّياته. لذلك كثيرًا ما يوجّه الصالون دعوات لمسئولين رفيعين فى وزارات الثقافة والآثار «حتى يضعوا أيديهم عن قُرب على أزمات الصعيد». لكن أغلب هذه الدعوات يُقابَل بالتجاهل.
يطمح «المساعيدى» من خلال الصالون الثقافى إلى استقطاب رجال الأعمال القائمين على المؤسسات الكبرى بكل محافظات مصر، على أمل أن يُساهم إشراكهم فى إقامة جمعية تخدم المغتربين من أبناء الصعيد، وتكون مسئولة عن تقديم كل سُبُل دعم أبناء الصعيد من المبدعين فى كل المجالات، من طباعة أعمالهم فى طبعات مشتركة ومنفردة، ورعاية مسابقات لإحياء الحركة الثقافية والفكرية الجنوبية.
يمتنع الصالون عدا ذلك، عن التعرُّض لنقاشات سياسية. كما يتجنَّب الحضور الحديث فى الخلافات الدينية والقضايا الشائكة، فكما يؤكِّد صاحب الصالون «لا انتماء لحزب معيَّن، نحن أصحاب رسالة إبداعية فقط».
شاركت «روزاليوسف» فى جلسة أحد الجُمُعات ولمسنا تلاحمًا حيويّا بين المشاركين والحضور، بل جمهور يجتمع فى مدخل المكان عندما يبدأ أحدهم فى دندنة «أنت عمرى» أو «لسَّه فاكر» على إيقاعات عود أو دقّات دُفّ. وفى بعض الأوقات يزور الصالون شخصيات دبلوماسية من بلدان عربية، فضلًا عن ضيوف من محافظات أخرى غير مناطق الصعيد. «نتخطّى أفكارًا تقليدية كثيرة»- الكلام على لسان محمد المساعيدى- فلا يوجد بصالون «صوت الصعيد»- حسب قوله- «منصّة». أمَّا الحضور فيكونون أبطال الجلسة. الشعراء إلى جوار المستمعين. يستوعب المجلس أكثر من 60 شخصًا. وفى وقت وجيز؛ وصلت أنباء الصالون إلى جامعات أسيوط  وبورسعيد ونوادٍ عديدة، وتلقّى أصحابه دعوات لإقامة الصالون فى هذه الهيئات، ليكون صالونًا متحرِّكًا ومتنقِّلًا بين المحافظات. لكن لاتزال أمور خاصة بالسفر والانتقال وترتيب موعد مشترك عائقًا أمام تنفيذ تلك الخطوة.
محمود عبدالظاهر البكرى، قناوى، يكتب الشِّعر، وله دواوين مطبوعة، آخرها ديوان «تالتة أوَّل» الذى كتبه على صيغة مربّعات الواو الشهيرة وطرحه فى الدورة المنصرمة من معرض الكتاب. يقول: إن مِثله مثل باقى أبناء الصعيد، عانى من المركزية الشديدة، التى تحرم الأجيال تلو الأجيال من خدمات الثقافة والتعليم والصحّة. انتقل «البكرى» للإقامة فى القاهرة فى محاولة للتخلّص من هذا الإرث والاندماج فى المدينة وحُلم الانتشار نُصب عينيه. ويعتبر مشاركته فى تأسيس صالون «صوت الصعيد» خطوة فى طريق تحقيق حلمه.
حدّثنا محمود البكرى عن صعوبات نشر الشِّعر فى قنا والصعيد بعامَّة. فـ«لا وقت للشِّعر فى الصعيد»، الحياة هناك جادّة ومُكبّلة أمام مهام العمل فى الأرض أو المصالح الحكومية، وأحيانًا يكون الالتزام بمسار الدراسة معوّقًا لشباب مبتدئ يُحبُّ كتابة الشِّعر. فقد حصل هو على ليسانس شريعة وقانون بعد وقت طويل، انشغل فيه بشغفه، واستبدل الشِّعر بكُتب ومدرَّجات الجامعة.
يشكو «البكرى» من التجاهل، يحكى أنَّ قصور الثقافة فى محافظات الصعيد لا يوجد أكثر منها «لكن دورها الحقيقى يختفى، فمعظمها يتحوّل فى أوقات الصيف إلى قاعات أفراح، وباقى أيّام السَّنة تكون مغلقة». وأخيرًا يلوم على تجربة الأبنودى أنه «ضَنَّ» على الشباب من قلب الصعيد باكتشاف مواهبهم ورعايتهم.
محمود عبدالله، أحد شُعراء صالون الصعيد، بدأ شغفه بالشِّعر طالبًا فى الثانوية العامة، ودأب على حضور  صالونات الشِّعر منذ عام 2011، وكتب أوّل قصيدة بالعامية عنوانها «الحُلم»، وهى قصيدة تتحدّث عن ثورة يناير. ويشكو أيضًا تجاهل الإعلام لشعراء الصعيد، يقول: «بعد ظهور الجخّ؛ ملأنا الأمل بفُرص الظهور وأن تتلقّفنا أضواء العاصمة، لكن فوجئنا باستمرار الظلم واتهام أغلبنا بالسير فى فلك الجخّ، وأصابنى الإحباط من سذاجة الانتقادات التى واجهتُها». وطالب محمود القائمين على قصور الثقافة بضرورة الانتباه إلى شباب محافظات الصعيد وتوجيه الرعاية الفنيّة والأدبية لهم. 