الإثنين 30 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

رمسيس مرزوق: حلمت أن أصبح عالم ذرَّة

رمسيس مرزوق: حلمت أن أصبح عالم ذرَّة
رمسيس مرزوق: حلمت أن أصبح عالم ذرَّة


مشوار سينمائى طويل امتد لقرابة الستين عامًا، ولقب لا يليق إلا به (فارس الظل والنور)، أفلام عديدة لم تكن لتظهر بهذا القدر من الصدق والإبداع لولا القدرة على التعبير عن رؤية مخرجيها والمقدرة على صياغتها فى تفسير بصرى لمشاعر كانت لتبهت لولا إضاءته وانفعالات كانت لتخفت لولا تكويناته. رمسيس مرزوق واحد من أهم مديري التصوير في تاريخ مصر.. يتحدث عن تجربته الفريدة في السينما والحياة، ونحن نمتن بهذا الحوار ونهديه إليه متمنين له الشفاء العاجل من الوعكة الصحية التي فاجأته بعد أيام من لقائنا به.. كانت بداية الحديث حول أغرب صُدفة غيَّرت مسار حياته.. كيف أصبح مصورًا سينمائيا؟

لم يكن التصوير السينمائى رغبتى فى البداية، بل والأدهى أن التصوير الفوتوغرافى لم يكن حلمى بالأساس، فقد التحقت بكلية الفنون التطبيقية قسم تصوير مضطرّا؛ لأن مجموع الثانوية العامة لم يؤهلنى أن التحق بكلية العلوم التى حلمت أن أصبح بعد تخرجى فيها عالم ذَرَّة شهيرًا يمتلك معملًا فى وسط الجبل، ويحصل على شهرة عالمية من خلال اكتشافاته العلمية، وكدت أن أعيد دراسة الثانوية العامة لأتمكن من دخولها لولا أن صديق والدى أقنعنى بعدم جدوَى ذلك.
> لكن كيف يبدع إنسان بهذا الشكل فى عمل لم يرغبه من الأساس؟
- أحببتُ التصوير منذ السنة الأولى، وتميزت فى التقاط الصور، لدرجة أن أساتذتى شجعونى على خوض مسابقة للفنانين التشكيليين، وبالفعل حصلت على الجائزة الأولى، وعندما أصبحت فى السنة الثالثة، تم افتتاح معهد السينما، فتركت كلية الفنون التطبيقية قبل تخرجي بعام، والتحقت بالمعهد، فأنا قراراتى مجنونة، ولا أنظر خلفى.
> وهل حققت التفوق نفسه، وحظيت بالاهتمام نفسه من الأساتذة في المعهد؟
- لقد كنتُ الأول على دفعتى، وتخرجت في المعهد بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، حتى إن الرئيس عبدالناصر قد منحنى جائزة، وتم تعيينى فى المعهد، وبدأت تنهال البعثات الدراسية علىَّ لكى أُكمل تعليمى فى الخارج، لكنى ظللت لمدة ثلاثة أعوام أرفضها؛ لأن جميعها كانت إلى روسيا، وكنت أرغب فى الذهاب إلى أمريكا، أو أوروبا، كي أرى السينما الحقيقية عن قرب، حتى جاءت بعثة إيطاليا، وذهبت للحصول على الدكتوراه، وكنتُ أسكن أمام مدينة السينما مباشرة، وهو ما دفعنى إلى التفكير بأنني أُضيع وقت البعثة فى الدراسة الأكاديمية، فذهبت إلى إدارة البعثات، لتحويل بعثتى من دراسية إلى عملية، وصورت بعدها خمسة أفلام إيطالية، وأقمت معرضًا لصورى هناك، لكن نشب خلاف بينى وبين المستشار الثقافى المصرى حول مَن يفتتح المعرض، ومن يتصدر اسمه، وغيرهما من الأمور التافهة التى دفعته إلى إنهاء بعثتى. وذهبت بعد ذلك إلى فرنسا، فى مغامرة لم أحسب لها أى حساب، فلم أكن أجيد الفرنسية، ولم أكن أمتلك أى أموال، وسكنت فوق سطح إحدى العمارات.
> وكيف تمكنت من توفيق أوضاعك فى باريس وسط كل هذه الظروف الصعبة؟
- كانت معى رسالة توصية من أحد السينمائيين الإيطاليين لمعمل تصوير فى باريس، وعادة يشترط هذا المعمل فترة تدريب طويلة قبل التعيين، لكنهم بعد مشاهدة صورى قاموا بتعيينى بعد شهر واحد فقط، وكنت أذهب يوميّا بعد انتهاء العمل إلى مدرسة لتعليم اللغة الفرنسية، ومنها إلى السينما؛ حيث كنتُ أدفع فرانكاً مقابل مشاهدة فيلمين وقتها، وعندما وجدنى مدير السينما أتردد عليها يوميّا منحنى دعوة مجانية، أذهب بها يوميّا لمشاهدة الأفلام، وعندما شاهد صورى رحَّب بعمل معرض لى فى متحف السينما التابع لمتحف اللوفر، وعرضتُ لمدة أسبوعين، وكان هذا حدثًا كبيرًا جدّا، خصوصًا أننى كنت شابًا صغير السِّن وقتها فى نهاية الستينيات.
> ومتى بدأتَ مرحلة التصوير السينمائى بشكل محترف؟
- بعد المعرض الثانى للصور الذى أقمته فى الفترة نفسها، حيث تعرفتُ أثناء المعرض على شاب يهوَى السينما مثلى، فاتفقنا سويّا أن نتشارك بكل ما نمتلكه من أموال من أجل إنتاج فيلم قصير بالجهود الذاتية، وكان معه ألف فرانك، وأنا مثله، وساعدنا مدير السينما فى الحصول على الكاميرا، وعمل المونتاج، وتم بيع الفيلم، وانتقلت من غرفة فوق السطح إلى شقة فى أحسن أحياء باريس، وصورتُ خلال تلك الفترة العديد من الأفلام الفرنسية.
> ومتى اتخذت قرار العودة إلى مصر؟
- بعد زيارة صديقى المخرج «يوسف فرنسيس»، الذى أُعجب جدّا بعملى، وأصر أن أعود إلى مصر لأصور له فيلم «زهور برية»، وأمام إلحاحه وافقت على العودة مؤقتًا، لكن فى أثناء تصوير الفيلم، طلب مِنِّى المخرج «صبحى شفيق» أن أصور له فيلم «التلاقى»، بعدها عرض علىَّ «ممدوح شكرى» تصوير «زائر الفجر»، وشعرتُ وقتها أننى دخلتُ فى دوامة، وظلت حياتى مقسَّمة بين مصر وفرنسا.
>عملت مع أسماء كبيرة فى عالم الإخراج، مثل «صلاح أبوسيف»، و«كمال الشيخ» وغيرهما؛ ما ذكرياتك عن تلك الفترة؟
- ذكريات كلها حُب وتفاهم، فقد كنتُ أقرأ السيناريو سبع مرَّات على الأقل، وبعد المرَّة الرابعة أبدأ التفاهم مع المخرج، وتبادل وجهات النظر، وكان بينى وبين «صلاح» و«كمال» لغة حوار مشتركة، لدرجة أنهما كانا يعتبراننى مخرجًا كبيرًا مثلهما، ويستمعان جيدًا لوجهة نظرى، ويقتنعان بها فى معظم الأحيان.
>كنت والمخرج «يوسف شاهين» ثنائيّا فنيّا، لكن مع ذلك كنتَ دائم الخلافات معه داخل مواقع التصوير؟
- هذا غير حقيقى، فقد كان بيننا نقاش مستمر طوال الوقت، ولا أذكر أننى نفَّذت أى شىء دون رغبته، وهو أيضًا، بل على العكس فأحيانًا كان يقول لى أثناء التصوير (عايز جنونة من جنوناتك فى المشهد ده).
> وما أكثر «جنونة» قمتما بها سويّا؟
- أثناء تصوير فيلم «المهاجر»، وضع عدسة 61 فى البلاتوه، وهذا الحجم كان لا يتناسب أبدًا مع حجم الاستوديو، فقد كانت كاشفة للاستوديو بالكامل، بكل الأسقف، والحوائط، فقلتُ له مستحيل استخدام هذه العدسة، لأنى لن أستطيع إنارة المشهد بهذا الشكل، فقال لى (اتصرف) قلتُ له الحل الوحيد أن نثقب سقف الاستوديو حتى أُدخل الإضاءة، وقد اقترحت هذا الاقتراح وأنا أعلم استحالة تنفيذه، لأنه سيتسبب فى تكاليف مادية مرتفعة، واعتقدت أنه سيرضخ فى النهاية، ويغير العدسة، لكنى فوجئت به يقول (فركش... بكرة أجى ألاقى السقف مخروم)، وقد كان.
> وماذا عن علاقتكما على المستوى الإنسانى؟
- كنا أصدقاء جدّا، ونقضى معظم الأوقات سويّا، وكنا نفهم بعضًا من نظرة عين، كما كان يعرف طقوسى جيدًا، ويحترمها، فقد اعتدت بعد الانتهاء  من إنارة المشهد أن أذهب إلى الكرسى المخصص لى داخل البلاتوه وأغمض عينىّ فى محاولة للاستعداد للمشهد الذى يليه، لكن حتى أثناء نومى أشعر إذا لمبة واحدة انطفأت فى الاستوديو، وفى إحدى المرات، كان «خالد يوسف» سيوقظنى، فقال له أتركه، ولا تزعجه، فسوف يستيقظ بمفرده بمجرد أن ننتهى من المشهد ليضىء لنا المشهد الذى يليه، والحقيقة أننى دائمًا كنت أسمع عن عصبية «جو» لكنها لم تظهر لى يومًا.
> ظهرتَ فى كثير من الأفلام التى صورتها، هل كانت لديك رغبة في التمثيل؟
- إطلاقًا، فالهدف من الظهور هو أن أوقِّع على الفيلم بوجهى وليس اسمى فقط؛ لأن الاسم سهل نسيانه، وأنا أريد أن يتذكرنى الناس.
>تعيش في بيت قمت بتصميمه بنفسك على الطريق الصحراوي بعد وفاة زوجتك، ومن قبلها ابنتك، لماذا اخترت الحياة بعيدًا؟
- لأنى أفضل حياة الريف، فقد اشتريت قطعة أرض صغيرة على الصحراوى، وصممت منزلى على طريقة المهندس المعمارى «حسن فتحى»، بطريقة القباب، والطوب الأبيض العريض، ولم أستخدم المسلحات أبدًا، وصنعت قناة مياه فى منتصف الحديقة، ووضعت بعض الطيور المنزلية، ويعيش معى حاليًا فلاح وزوجته، فقد توفيت زوجتى العام الماضى، وقبلها توفيت ابنتى الوحيدة فجأة بينما كانت بالخارج مع زوجها، وتركت لى ولدين أراها فيهما، وهذا قضاء الله، وأنا راضٍ به.
> هل تعوض شعور الوحدة بالعمل، وتحديدًا فى الإعداد لأكاديمية رمسيس للتصوير السينمائى؟
- أنا أحب عملى جدّا، لكن مشكلتى أننى لست إداريّا جيدًا، وما يعطل افتتاح أكاديمية «رمسيس» هو عدم وجود من يساعدنى فى إدارتها.
> ما تعليقك على ما حدث في مهرجان شرم الشيخ العام الماضى، الذى كنت تترأسه؟
- ما حدث فى شرم الشيخ هو أسوأ شىء كان من الممكن أن أتخيله فى حياتى، لأنه ليس إهانة لأشخاص، بل إهانة لمصر، لأن أى مهرجان يستضيف أجانب فهذا يعنى أن الدولة هى من تستضيفهم، وما يحزننى هو عدم معاقبة أو محاسبة أى مسئول عن هذه المهزلة حتى يومنا هذا، لذا أتمنى من الدكتورة «إيناس عبدالدايم» أن تفتح التحقيق فى هذا الملف، حتى نضمن عدم تكراره، فلا يصح السماح لأى شخص بالتلاعب باسم البلد.>