الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من المراجعة الذاتية والمصنفات والقنوات إلى اللجنة المستحدثة: العدوان «الرباعى» على الإبداع!

من المراجعة الذاتية والمصنفات والقنوات إلى اللجنة المستحدثة: العدوان «الرباعى» على الإبداع!
من المراجعة الذاتية والمصنفات والقنوات إلى اللجنة المستحدثة: العدوان «الرباعى» على الإبداع!


(الأمن العام، الحساسية الدينية، الآداب العامة) كلمات فضفاضة تعتمد عليها الرقابة طوال سنوات مضت لكى تحكم قبضتها على الإبداع بشكل عام ولا سيما على الدراما التليفزيونية؛ خصوصًا بعد دخول القنوات الفضائية كشريك أساسى فى الرقابة فى السنوات الأخيرة بحذف مشاهد من الحلقات، أو وضع تصنيف عمرى على جانب الشاشة، ورغم أنه ليس مفعلا؛ فإن مشكلته الأساسية أنه بلا معيار حقيقى يتم على أساسه، والحقيقة أن أزمة الرقابة على الدراما، ووجودها كسيف مسلط على رقبة المبدعين ليست جديدة بالتأكيد، لكن قرار المجلس الأعلى للإعلام بتشكيل لجنة للدراما، للعمل على مراقبة سيناريوهات المسلسلات قبيل تصويرها، وجعلها تتوافق مع التقاليد المصرية، وفقا لمعايير محددة تضعها اللجنة، ويلتزم بها صناع الدراما فجَّر الأزمة من جديد.
 
اللجنة التى لم تتشكل هيئتها بعد لا تعد المحاولة الأولى للمجلس لفرض هيمنته على الدراما، حيث أصدر فى يونيو الماضى تقريرا يقسم فيه ملاحظاته الرقابية على المسلسلات التى عرضت فى رمضان الماضى إلى «تجاوزات لفظية» و«إيحاءات جنسية» و«سلوكيات مخلة بالآداب» و«أخطاء تاريخية» و«إسقاطات سياسية» وقرر على أساس هذا التقرير فرض غرامات على القنوات الفضائية بواقع 200 ألف جنيه، والأدهى أنه منح وعدا لكل مواطن يقدم تسجيلاً بالألفاظ البذيئة بحصوله على مكافأة 10 % من مبلغ الغرامة، لكن التقرير، والغرامات، والمكافآت أيضا ذهبت طى النسيان بعد أيام من صدورها.
فى السطور التالية نعيش مع المؤلفين معاناتهم، ونتعرف على الرحلة التى يقطعها سيناريو أى مسلسل تليفزيونى جديد ليحصل على إجازة من الرقابة، كما نتساءل معهم، عن جدوى تشكيل لجنة رقابية جديدة بدلا من تحسين أوضاع الأجهزة الرقابية بشكل عام.
 هامش حرية
(حلم أى مبدع أن يتخلص من الرقابة إلى الأبد) هكذا لخص المؤلف «هشام هلال» وجهة نطره فى الرقابة، حيث يقول: بشكل شخصى أرفض الرقابة فى حياتى سواء كانت رقابة أسرية أو زوجية، وأومن جدا بمساحة الحرية، وبالتالى أرفض أن يتم فرض رقابة على عملي؛ خصوصًا أنه فى بداية حياتى الفنية رفضت لى الرقابة عملا بعنوان (هابى فلانتين داي) كتبته عام 2009 ضمن ورشة كتابة أصبح جميع أعضائها الآن من الأسماء البارزة فى عالم الكتابة التليفزيونية، وقد أوردت الرقابة فى رفضها المتعنت أربع صفحات ذكرت فيها أن العمل مبتذل، ومسف، ويدعو إلى هدم القيم الأسرية، والمجتمعية، وهو ما لم يكن واردًا فى السيناريو بالتأكيد. وعلى النقيض يتعجب «هشام» من تمرير الرقابة لبعض الألفاظ الخادشة فى عدد من المسلسلات التى كتبها، حيث يقول: ورد فى أحد مشاهد مسلسل «تحت الأرض» سب صريح وضعته قناة الحياة فى البرومو الخاص بها، بينما احتوت حلقات «حوارى بوخارست» على عدد من الألفاظ الخارجة، التى لم يعترضها أحد، ويبدو أن المعيار الذى تعتمده الرقابة هو أن كاتب العمل له اسم فى السوق بينما يتعرض المبتدئون إلى التعنت والرفض. مشيرا إلى أن الرقابة فى السنوات القليلة الماضية قد شهدت نوعا من التطور فى قبول أشكال مختلفة من العلاقات الدرامية بداخل العمل، مما خلق هامشا إضافيا من الحرية الذى يبدو أن لجنة الدراما التى يتم تشكيلها حاليا ستقضى عليه، فقد عفى الزمن على تلك النوعية من الممارسات؛ خصوصًا مع إتاحة المحتوى الدرامى لقنوات HBO وNetflix إلكترونيا، وقدرة الجميع على مشاهدته، مما أحدث ثورة فى عالم الدراما فى العالم، فهم يناقشون كل الأفكار بلا محاذير أو سقف، وهو ما جعلهم يغزون العالم بأسره، بينما نناقش نحن فرض رقابة إضافية على المسلسلات. مؤكدا أن الحل - من وجهة نظره - لكى نرتقى بأعمالنا الدرامية، ونصل بها إلى العالم هو إلغاء جميع أشكال الرقابة، وهو ما سيحدث نوعا من التخبط وبعض التجاوزات التى لن تستمر سوى ثلاث سنوات على الأكثر، بعدها سيقدر المبدع قيمة عدم وجود رقيب عليه، وسيبدأ فى مناقشة أفكار مختلفة تشكل وجدان الناس ووعيهم. وعن فكرة التصنيف العمرى على الشاشات يقول: لا أعدها نوعا من الرقابة بقدر ما هى توجيه محمود جدا؛ خصوصًا مع عرض أفكار فى المسلسلات لا تناسب فئات عمرية صغيرة. مشيرا إلى أن عدم تفعيله هو مسئولية الأسرة فى المنزل، وليس القنوات أو الجهات الرقابية.
 تشتيت للمبدع
ومن جانبه يرى المؤلف «أحمد عبدالله» أن قبوله لفكرة تشكيل لجنة دراما لمراقبة الأعمال الدرامية، يتوقف على الأسماء المشكلة للجنة، لأن وجود مبدع فى مكان الرقيب سيكون على أى حال أفضل من أن يتعامل موظفو وزارة الثقافة مع العمل الفنى بمنطق الشخص الممسك بسكينة حادة يقطع بها دون وعى. مشيرا إلى أنه لا مانع لديه من عرض سيناريو مسلسله «أرض النفاق» الذى سيعرض رمضان المقبل على اللجنة، على أن تكون الخطوة التى تلى تطبيق عمل اللجنة هى إلغاء جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، حتى لا يتشتت المبدع بين أكثر من جهة. وعن معاناته مع الرقابة يقول: لم أتعرض لمنع أو مصادرة لأى من أعمالى من قبل جهاز الرقابة نفسه، لكن إحدى القنوات الفضائية التى عرضت مسلسل «رمضان كريم» فى رمضان الماضى قررت حذف مشهد يتحدث فيه البطل عن التأثير السلبى للأتراك على المصريين، ولا أدرى هل جاء ذلك كنوع من الحرص المبالغ فيه من قبل المحطة، أم أن القائم عليها متعاطف مع الإخوان، ومع الدول الموالية لهم، ويرفض ذكرهم بسوء؟
 حساسية مفرطة
وللكاتب «أيمن مدحت» واقعة شهيرة مع رقابة القنوات، أصدر على أثرها بيانا منذ عدة سنوات، أثناء عرض مسلسل «ظرف أسود»، بعد قيام قناة النيل للدراما  باقتطاع عشر دقائق من إحدى الحلقات، وعن ذلك يقول: خلال أحداث المسلسل وقع ضابط شرطة فى حب زوجة رجل آخر والتى قامت بدورها «درة»، لكن التليفزيون المصرى تعامل مع الأمر بحساسية مفرطة، كون الطرف الثانى ضابط شرطة، رغم أننا قصدنا أن يكون شخصا ذا سلطة بغض النظر عن طبيعة وظيفته، والمشكلة التى لا يعيها القائمون على الرقابة - من وجهة نظره - هى أن الواقع قد تغير، وأن المسلسلات أصبحت أشبه بالأفلام السينمائية فى موضوعاتها التى اختلفت بشكل كبير عن الماضى، كما أن وجود الإنترنت يعنى أننا نضحك على أنفسنا. مشيرا إلى أنه قرأ فى الصحف أن اللجنة هدفها هو المحافظة على تقاليد المجتمع، فما هى تلك التقاليد؟ وهل يعنى ذلك أن يتحول الفن إلى مجموعة من التعاليم من خلال إنتاج مسلسلات أخلاقية ساذجة. ويضيف «أيمن»: إن هناك نوعا آخر من الرقابة على المؤلف، وهى الرقابة الذاتية من قبل صناع العمل أنفسهم، سواء المخرج، أو المنتج، الذين يطالبونه بتغيير بعض الأشياء لأنها (مش هتعدى من الرقابة) على حد تعبيرهم، وهو ما يرضخ له المؤلف بالتأكيد.
 تضارب مسئوليات
ويرى «عمرو سمير عاطف» أن أى مؤسسة فى الدولة لا بد أن يكون لها مسئوليات محددة ومفهومة، ولا تتعارض مع مسئوليات مؤسسة أخرى قائمة بالفعل، فإذا كانت لجنة الدراما لا تستهدف إنتاج أعمال درامية تنافس بها وفقا لمعايير تضعها، وتستهدف فرض رقابة على المسلسلات، فسيحدث ذلك نوعا من التضارب بالتأكيد بين مؤسسات الدولة. مشيرا إلى أنه لم تحدث له أى مشاكل رقابية لأنه حريص ألا يثير حفيظة الرقابة، حيث تكون أعماله دائما بعيدة عن المحاذير، ولم يرفض له سوى سيناريو سياسى، خاطبته الرقابة بشكل ودى أن يقوم بتأجيله. وعن قصة وضع تصنيف عمرى للمسلسلات على الشاشة، يقول: أنا معها جدا، لكن مشكلتها المبالغة، فقد شاهدت أحد المسلسلات المصنفة لمن هم فوق 16 سنة، ولم أجد طوال الحلقات ما يستدعى ذلك، فنحن لا نمتلك خبرة التقييم الحقيقية. وعن إزالة بعض القنوات لمشاهد من المسلسلات من تلقاء نفسها يقول: المشكلة هنا فى عدم وجود معايير مفهومة من قبل المعنيين الذين يجب عليهم صياغة قواعد مفهومة لذلك، دون أن تنبع تصرفاتهم من آراء شخصية والتى بالتأكيد تضر الجميع، مشيرا إلى أن القناة التى لا يعجبها العمل عليها ألا تشتريه من الأساس، لأن اقتطاعها أجزاء منه خطأ كبير يصل إلى حد الجريمة.