الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

سيناريو «الصفقة الكاملة» لحل أزمة «سد النهضة»!

سيناريو «الصفقة الكاملة» لحل أزمة «سد النهضة»!
سيناريو «الصفقة الكاملة» لحل أزمة «سد النهضة»!


لا أعلم بالضبط متى يتم فطام الطفل المعجزة تميم بن حمد؟! فلأول مرة فى التاريخ العصرى الحديث نرى أم حاكم دولة تستقبل رئيس دولة أخرى وتبحث معه سبل التعاون المشترك (!) وذلك عندما استقبلت موزة بنت ناصر والدة حاكم قطر رئيس الوزراء الإثيوبى هيلى ديسالين يوم الثلاثاء الماضى على هامش زيارته لقطر.
زيارة رئيس الوزراء الإثيوبى لقطر جاءت بعد يوم واحد فقط من اجتماع اللجنة الفنية الثلاثية المعنية بسد النهضة على المستوى الوزارى، والذى استضافته القاهرة، يومى السبت والأحد الماضيين، بمشاركة وزراء مياه مصر والسودان وإثيوبيا، وعقب هذا الاجتماع خرج محمد عبدالعاطى وزير الموارد المائية والرى المصرى ليعلن أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق لاعتماد التقرير الخاص بالدراسات، والمقدم من الشركة الاستشارية المنوط بها إنهاء الدراستين الخاصتين بآثار سد النهضة على دولتى المصب (مصر والسودان). وعبر الوزير عن قلق مصر من هذا التطور لما ينطوى عليه من تعثر للمسار الفنى، على الرغم مما بذلته القاهرة من جهود لضمان استكمال الدراسات.
لن نقف كثيرا بالإشارة والشرح والتحليل أمام تزامن زيارة رئيس وزراء إثيوبيا لقطر، مع تعثر مفاوضات سد النهضة، أو دخول قطر كممول لإنشاءات السد بعد أن طالت قائمة الموقوفين على ذمة قضاية فساد بالمملكة العربية السعودية الملياردير السعودى الذى يقال إنه من أصل إثيوبى محمد حسين العمودى، وهو من أكبر المستثمرين والممولين لبناء سد النهضة.
المتحدث الرسمى باسم وزارة الموارد المائية والرى فى مصر، الدكتور حسام الإمام، قال إنه «بموجب تعثر التفاوض، بسبب رغبة السودان وإثيوبيا، وطلبهما تغيير مراجع الإسناد الخاصة بالدراسات المتعلقة بأضرار سد النهضة على حصة مصر من مياه النيل، فقد قرر الفريق المفاوض وقف المباحثات الفنية، ورفع الأمر إلى المستوى الحكومى للدول الثلاث الممثلة لأطراف التفاوض». وشرح أن «مراجع الإسناد» هى تلك «القواعد الفنية والهندسية الدقيقة الحاكمة لعمل المكتب الاستشارى فى إطار إعداد تقرير الأضرار المحتملة، وبناء على تلك الضوابط سيتمكن من إنجاز عمله الموكل إليه». وأبدى متحدث «الرى»، استغرابه من «رفض السودان وإثيوبيا لما جاء فى (مراجع الإسناد) التى أعدها المكتب الفرنسى المكلف بإعداد الدراسة فى مارس الماضى، رغم أن أديس أبابا هى التى أيدت وبشدة اللجوء لهذا المكتب»، وهذه ليست المرة الأولى التى تعرب فيها مصر عن «القلق» من تعثر الوصول إلى اتفاق بشأن «التقرير الاستهلالى عن أضرار سد النهضة»، إذ قال وزير الخارجية سامح شكرى، فى سبتمبر الماضى، إن هناك «قلقا مصريا بالغا من الجمود الذى يعترى عمل اللجنة الفنية الثلاثية نتيجة عدم حسم بعض الجوانب الخاصة بالتقرير الاستهلالى للمكتب الاستشارى، بما يؤدى إلى تعطيل البدء فى إعداد الدراسات الخاصة بالآثار المحتملة لسد النهضة على دولتى المصب».
وبينما يأتى إعلان تعثر التفاوض الفنى، تأكيدا لنتيجة أساسية تتعلق بالرؤية السياسية الإثيوبية، التى تعتمد كسب مزيد من الوقت لفرض معادلة جديدة فى التفاوض بحكم الأمر الواقع عن طريق إتمام دعائم سد النهضة والبدء فى تخزين المياه، دون حسم التقرير الذى يجب مراعاته فيما يتعلق بالأضرار الناجمة عن السد، يتساءل الكثيرون عن السيناريوهات المستقبلية المتوقعة لمسار التفاوض، وهل تكون كل الأفكار مطروحة من قبل مصر، بما فيها مخاطبة المؤسسات المعنية بقضايا النزاع المائى، والأمم المتحدة، وأصحاب الاستثمارات فى منطقة سد النهضة، باعتبار أن تعنت أديس أبابا يمثل خطورة على التوافق على بناء السد من وجهة النظر المصرية؟
منهج مصر فى الأزمة
ورقة بحثية متميزة أعدها خبير الشئون الأفريقية وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور أيمن السيد عبدالوهاب، أشارت إلى أن المنهج التعاونى الذى تتبناه الإدارة المصرية، والذى ظهر جليا منذ وصول الرئيس السيسى إلى السلطة وتُوج بتوقيع اتفاق المبادئ فى مارس 2015 اعتبر محددا حاكما لمجمل التفاعلات المصرية سواء تلك المباشرة المرتبطة بالمحادثات أو غير المباشرة المرتبطة برؤية القيادة السياسية لشكل العلاقات على جميع المستويات مع إثيوبيا والسودان، بل مع كل دول القارة الإفريقية، وهو ما تجلى بوضوح فى نشاط دبلوماسى ودعم رئاسى كامل.. هذا المنهج المصرى والمعبر عن رؤية مصرية واضحة فى مجمل تفاعلاتها الإفريقية، لم ينعكس إيجابيا وبالقدر الكافى على ملف سد النهضة، حيث ما تزال المحددات والمصالح السودانية والإثيوبية غير متوافقة مع النهج التشاركى المصرى لإدارة الملف ومن ثم إدارة سد النهضة بعد تشغيله. فالفجوة ما تزال قائمة حول كون السد آلية للتعاون وفقا لشروط ورؤية إثيوبيا، أو كونه آلية معبرة عن توازن المصالح وعدم الإضرار.
والحقيقة أن نقطة الخلاف الجوهرية فى هذا الملف، ترتبط بتوقيت وملابسات مشروع سد النهضة عام 2011 ووتيرة الإسراع به بدون استكمال للدراسات الفنية، حيث برز بوضوح استغلال إثيوبيا للظروف التى تمر بها الدولة المصرية من عدم استقرار، لترجمة طموحاتها الإقليمية استنادا لهذا المشروع، وليأخذ المشروع أبعادا سياسية تتجاوز أهدافه التنموية سواء المرتبطة بتوليد الكهرباء، أو حتى الاستفادة منه فى الزراعة، وهو ما زاد من تعقيدات المشروع وتأثيراته على الأمن المائى المصرى بعد زيادة السعة التخزينية الخاصة به من 14 مليار م3 إلى 74 مليار م3.
وبالتالى كان هدف تحويله إلى أمر واقع والسير بخطوات متسارعة هدفا استراتيجيا إثيوبيا، لا يقبل أى حوار أو نقاش وهو ما انعكس بوضوح خلال الفترة الممتدة من 2011 وحتى 2013 لتليها مرحلة أخرى من المحادثات غير الجدية امتدت حتى عام 2014 ثم مرحلة الحوار والتفاهمات حول سياسة الأمر الواقع التى بدأت فى منتصف 2014 وحتى الآن.
هذه المراحل رغم الجهود المصرية والمرونة التى أظهرها المفاوض المصرى، لم تسفر عن نتائج ملموسة، رغم تعدد أنماط وتحركات مصر الهادفة لتحسين بيئة التفاوض وممارسة الضغوط على الجانب الإثيوبى سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر أطر دبلوماسية ومنهج تعاونى، ولكن من الواضح أن ثبات الرؤية الحاكمة للمفاوض الإثيوبى وقياداته السياسية حول طبيعة التعاون ومستواه لم تتأثر بتلك التحركات والجهود المصرية.
فأولوية الأمن المائى المصرى لم تتوافق حتى الآن مع رغبة السودان فى الاستفادة من السد والكهرباء وتعظيم فرص الاستثمار فى الزراعة والطاقة، كما أن الأمن المائى المصرى يبدو متعارضا مع الرغبة الإثيوبية الجامحة لتحقيق التنمية وإنتاج الطاقة وتعظيم فرص الاستثمارات الزراعية، وبالتالى ظل الحديث عن التعاون كما يتردد من جانب البلاد الثلاثة، مستندا لإدراكات وتصورات متباينة، ولم تستطع المحادثات سد الفجوة الحاكمة لتلك التصورات.
مسارات التفاوض
فرضت البيئة المحيطة بمسار المحادثات نفسها على حالة الشد والجذب التى أحاطت بهذا المسار، لاسيما مع رفض إثيوبيا لأى أفكار تتعلق بوقف عملية بناء السد، وهو ما عبر عنه وزير الإعلام والاتصالات الإثيوبى، جيتاشو رضا، بتأكيده أن عمل اللجان الفنية والخبراء لا علاقة له بإنشاء السد، بل يتعلق الأمر بمعرفة مدى إضراره بمصالح شركاء الحوض، لأن السد قائم ولن يتأثر بناؤه بتقاريرها، أما إذا كان هناك من يرى تضرر البلدين بعد إعداد الدراسات الفنية، فهذه ليست مشكلة إثيوبيا.
بل ذهبت التصريحات إلى مساحات أكثر استفزازا، عبر التأكيد أن استمرار البناء هو حق أصيل لإثيوبيا، وأن بلادهم تخطط لإنشاء المزيد من السدود على جميع الأنهار التى تنبع من الهضبة الإثيوبية، وإن أكدوا فى نفس الوقت على الحرص الإثيوبى بعدم الإضرار بمصالح بقية دول الحوض لاسيما مصر، كما أكدوا استعدادهم للمساهمة فى تخفيف الآثار السلبية للسد بالتنسيق مع مصر والسودان، إذا ما أظهرت الدراسات الفنية وجود أضرار من الممكن أن تمس الدولتين. وكان هذا المناخ هو الحاكم لجميع أشكال المحادثات والتفاعلات، باستثناء التفاعلات الرئاسية التى غلب عليها الطابع الرسمى والتصريحات الإيجابية.
حقيقة الموقف السودانى
لا يمكن تفسير الموقف السودانى من سد النهضة بمعزل عن الموقف من العلاقات العامة مع مصر، فحالة الشد والجذب التى اكتنفت العلاقات خلال الست سنوات الماضية، انعكست بوضوح فى ازدواجية الموقف السودانى، مابين تأييد الموقف الإثيوبى وبين لعب دور سياسى أحيانا، فهذه الازدواجية بدورها تماست مع الموقف من اتفاقية «عنتيبى» المتوافق مع الموقف المصرى، كما عكست بدورها تطور العلاقات السودانية - الإثيوبية، وتشابك المصالح وخاصة تلك المتعلقة بنفوذ إثيوبيا الإقليمى وعلاقتها بالأوضاع الداخلية فى السودان، وهو ما تجلى بوضوح فى عام 2013 عقب تدشين شبكة الربط الكهربائى بين السودان وإثيوبيا، حيث أعلن الرئيس السودانى عمر البشير خلال خطاب جماهيرى مساندة حكومته للموقف الإثيوبى بشأن بناء سد النهضة.
وعلى نفس المنوال جاء عام 2017 متوافقا مع هذه الازدواجية، ورغم وجود بعض الاتجاهات والآراء غير الرسمية الداعية للتحفظ على الموقف السودانى والداعية إلى دراسة الآثار السلبية للسد، والمؤكدة على الفوائد الكبرى التى سوف تحققها إثيوبيا فقط، وهنا يمكن التوقف أمام تصريح الدكتور أحمد المفتى، الخبير السودانى الدولى فى المياه، بأن هدف أديس أبابا من إنشاء سد النهضة الظاهر هو بيع الكهرباء، بينما يكمن الهدف الأصلى فى بيع المياه، وهو ما يعكس حرص إثيوبيا الدائم على عدم تضمين الاتفاقيات الموقعة بين الدول الثلاث أى نصوص على حرية تصرفها فى مياه نهر النيل. ومع ذلك، فقد ظل الاتجاه الحكومى الرسمى مستندا إلى التركيز على التداعيات الإيجابية التى يحملها السد، وانعكاسها على التنمية فى منطقة شرق أفريقيا، مع التلميح إلى عدم إضرار سد النهضة بالمصالح المائية المصرية، وعدم المساس بحصة مصر التاريخية فى مياه النيل.
وبالتزامن مع ذلك لم يتغير الموقف الإثيوبى حيث استمر فى المماطلة من أجل اكتساب المزيد من الوقت الذى يستغله من أجل اكتمال العمل فى سد النهضة، واستغلال الرأى العام الأفريقى والعالمى من أجل مزيد من الدعم السياسى والمالى لموقفه فى بناء سد النهضة. مع الاستمرار فى تبنى خطاب سياسى مستند لركائز تتعلق بالحق فى التنمية والتأكيد على لغة التعاون المشترك وإظهار فوائد بناء سد النهضة على دول المنطقة، بالإضافة إلى التأكيد على الاستمرار فى بناء السد.
وإن كان من الملاحظ أن الخطاب الإثيوبى قد شهد تطورا، فبالإضافة لفكرة المظلومية الحاكمة بأحقيتها فى التنمية والاستفادة من مياه نهر النيل، مع ضعف الخطاب المصرى وخاصة تجاه الرأى العام الأفريقى والعالمى، ساهم فى تعظيم فوائد الخطاب الإثيوبى وتأثيره داخليا ودوليا. سعت إثيوبيا لتصدير وتحميل مسألة التظاهرات فى بعض الأقاليم الإثيوبية لا سيما إقليم الأورومو، إلى أطراف خارجية، للحيلولة دون تحقيق التنمية وبالتحديد اتهام إريتريا ومصر، بل ذهب الخطاب والمواقف الرئيسية إلى تصعيد هذه الاتهامات وتوظيفها سياسيا من خلال الحديث على إيواء معارضين إثيوبيين (مع العلم أن شبكة الإعلام الأورومية OMN  موجودة فى مصر منذ نحو 50 عاما ولكنها لا تمارس أى دور سياسى) واستخدامها كورقة سياسية.
كذلك استمرت الاستراتيجية الإعلامية لإثيوبيا والداعمة لتسويق سد النهضة كمشروع تنموى إقليميا ودوليا، بل إنها سعت إلى تسويقه إلى الرأى العام المصرى من خلال دعوة فريق من الصحفيين من دول مصر والسودان وجنوب السودان وإثيوبيا بزيارة ميدانية إلى موقع سد النهضة الإثيوبى فى 31 يوليو الماضى، فى إطار دورة نظمها المعهد السويدى للمياه التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى للتنمية، من أجل تقصى الحقائق الخاصة بسد النهضة عن قرب، علاوة على تقديم رؤى جديد وتبادل للأفكار والمناقشات الأكاديمية مع المسئولين فى دول حوض النيل الشرقى. وبالرغم من إعلان إثيوبيا أن الزيارة تهدف إلى تعزيز روح التعاون المتبادل بين دول حوض النيل، إلا أن الهدف الحقيقى من إقدام إثيوبيا على تلك الخطوة يكمن فى تقديم رسالة عامة مفادها الحرص على التعاون والتنمية، وتأكيد مضمونها عالميا، فضلا عن إظهار إثيوبيا لدى الرأى العام المحلى والإقليمى بالتزامها بموقفها الثابت من أن سد النهضة لا يشكل تأثيرا سلبيا لدولتى المصب، فضلا عن الشفافية والمسئولية الإثيوبية لبناء السد. وهو ما يخدم الموقف الإثيوبى الساعى لحشد وتعبئة الرأى العام العالمى والإقليمى حول حقها فى بناء سد النهضة.
العلاقات الإثيوبية - السودانية
تشهد العلاقات السودانية الإثيوبية المزيد من التنامى خلال الفترة الأخيرة، خاصة فى ظل دعم السودان لاستمرار بناء إثيوبيا لسد النهضة، والتقارب السياسى بين النظامين السودانى والإثيوبى، ويمكن إرجاع ذلك الموقف السودانى الداعم لإثيوبيا - على حساب مصر - لعدد من الأسباب منها السياسية متمثلة فى حرص الخرطوم على فك الحصار السياسى المفروض عليها بالتقارب مع النظام الإثيوبى كأحد الفواعل الإقليمية فى المنطقة، وكحليف استراتيجى مهم للولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة شرق أفريقيا، وعلى الصعيد الاقتصادى، فتكمن فى الوعود الإثيوبية بتزويد السودان بالكهرباء من سد النهضة بأسعار مميزة، بالإضافة إلى التركيز على إيجابيات السد بالنسبة للسودان، وخاصة مسألة تنظيم جريان المياه، وتجنب تأثيرات الفيضان، وبالتالى إمكانية زراعة آلاف الأفدنة فى السودان. كما أن بناء سد النهضة يفتح الطريق مستقبلا أمام بناء المزيد من السدود على ضفتى نهر النيل، خاصة أن السودان تقيم فى الوقت الحالى مجموعة من السدود فى شمال البلاد.
سيناريوهات وآليات جديدة
المنهج التعاونى الذى حرصت مصر عليه طوال السنوات الست الماضية كمنهج للتعامل مع ملف سد النهضة، سوف يصطدم بمدى إمكانية الاتفاق على قواعد الملء الأولى والتشغيل للسد، خاصة أن الدراسات الفنية لن تكون قد انتهت.  هذا التحدى هو الأبرز خلال الأيام القادمة، وبعيدا عن سيناريوهات التصعيد والضغط التى يمكن أن تلجأ إليها مصر، يبقى من الضرورى الأخذ فى الاعتبار أن النهج التعاونى المصرى الحالى وكما تطرحه مصر لا يمثل حافزا كافيا لا للسودان ولا لإثيوبيا، كما أن هذا النهج يواجه بأطر وأشكال تعاونية من قبل دول الخليج وبعض القوى الدولية والشركات العالمية تجعله موضع تنافس كبير، كذلك تبدو مقايضة مخرجات هذا النهج التعاونى بجملة الأهداف والطموحات المرتبطة بمستقبل التعاون المائى وإطاره ـ وخاصة الإثيوبيةـ أكثر ميلا للأهداف والطموحات، بعبارة أخرى أن كلا من السودان وإثيوبيا ترحبان بالتعاون وهذا النهج المصرى بدون أن يترتب على ذلك تكلفة تتعلق بتغيير المعادلة الراهنة، التى تصب فى صالحهما بشكل كامل.
فمحصلة المتحقق على مدى الستة أعوام أو العامين والنصف الآخريين، تشير إلى أن متطلبات تعزيز الثقة، والاستناد للحوار والمحادثات، وتوسيع هامش المرونة المصرية، لم توفر الحد الأدنى من متطلبات بناء إطار مؤسسى وقانونى يضمن إدارة تشاركية لسد النهضة، ولذلك فإن تغيير ملامح المشهد، والدفع بمقومات جديدة قادرة على إعادة صياغة المشهد وإعادة الحسابات وخاصة الإثيوبية، تبقى مسئولية مصرية بحكم أن الضرر المتوقع على الأمن المائى المصرى إذا ما استمر هذا المشهد سوف يقع.
من هنا يتضح الحاجة لآلية مصرية جديدة، قادرة على الوصول إلى ما يمكن تسميته بـ «الصفقة الكاملة» المُعظِمة لتوازن المصالح بين البلدان الثلاثة، والقادرة فى نفس الوقت على إنهاء الإضرار بالمصالح المصرية.. آلية لا تركز على الأطراف المباشرة (السودان وإثيوبيا) ولكن أيضا تأخذ فى الاعتبار القوى الدولية المتنافسة على الموارد الطبيعية فى هذه المنطقة، وضخامة الاستثمارات التى تضخها الشركات الدولية، وحجم التحديات الاستراتيجية التى تطرحها منطقة القرن الأفريقى والبحر الأحمر.
آلية تبدأ ببلورة وتجديد الاستراتيجيات القائمة والقادرة على مواجهة تحدى تهديد الأمن المائى المصرى، وإدخال محددات ضاغطة ومكلفة على الأطراف المباشرة، وموضحة لمخاطر عدم الاستقرار وعدم التوصل لاتفاق عادل على المنطقة وعلى مصالح القوى الدولية الساعية وراء استغلال الموارد الطبيعية.